الأحد، ديسمبر 27، 2009

تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009 - الجزء الثالث


أريد أن يكون هذا هو الجزء الأخير، وسأحاول فيه الإجمال أكثر من التفصيل، فالبلاغة في الإيجاز وخير الكلام ما قل ودل.

حسنا.. يبدو أننا لم نترك من معالم باريس للزيارة سوى القليل..أعتقد أننا زرنا المعالم الأشهر كقوس النصر وكنيسة نوتردام وبرج إيفل والبانتيون ومتحف اللوفر وسرنا ونهر السين، وتسكعنا في الشانزليزيه والحي اللاتيني وحديقة لوكمسبورج وشارع سان جيرمان، وأفلتت منا يورو ديزني.

يمكنني العودة للانطباعات من جديد، لأقول إن باريس مدينة سياحية إلى المدى الأبعد، وفي أكثر من مناسبة أستوقف شخصا لأسأله عن الاتجاه بالفرنسية فينتظر حتى أفرغ ثم يقول بالإنجليزية "أنا لا أعرف أي شيء بالفرنسية".

بل وذات مرة تسقط مني تذكرة مترو فأجد من يلاحقني ويقول لي بالإنجليزية أيضا "لقد سقطت منك تذكرة!"، بل وحتى من يتحدثون الفرنسية.. فوجئت مرتين بمن يسألني داخل المترو عن محطة معينة.. وكان بالغ فخري حين نجحت في وصف محطة لإحدى السيدات التي تبدو من خارج العاصمة أو ربما لم تستوعب بعد الشبكة العملاقة.

يمكنني القول أن الفرنسية قد تكون آخر ما يحتاجه من يزور باريس، فجميع العاملين في المقاهي يتحدثون الإنجليزية، أو على الأقل ما يكفي منها للتعامل، وهناك من يجيدونها أيضا من العاملين في شبابيك المترو ولكن على سبيل الاستثناء وليس القاعدة.

باريس مليئة بالأجانب حتى في شهر نوفمبر الذي يأتي بعد نهاية موسم السياحة الصيفي، فدائما تسمع محادثات جانبية في المترو أو في المتاجر أو في الشارع، أي بعيدا عن المزارات السياحية، بلغات مثل الإيطالية والإسبانية والبرتغالية وغيرها.

بدت لي العولمة في أقصى صورها حين سألتني سيدة في المترو عن محطة ما، فأخبرتها أني لا أجيد الوصف بالفرنسية فأتى أحدهم ليساعدني فسأل هل تعرف الإسبانية فأجبت بنعم، فترجم لي من لغتها إلى لغتنا الوسيطة لأتعرف عليه لاحقا وأكتشف أنه برازيلي أي يتحدث البرتغالية.

ولتتخيل أن برازيليا لغته البرتغالية يقابل مصريا لغته العربية أثناء وجودهما في بلد الفرنسية، فيتحدثان بالإسبانية! ضحكت بسبب هذا المشهد.

في اللوفر وجدت قسما كاملا من الأقسام الثلاثة خصص نحو 90% من أجزائه أو أقل قليلا للمصريات، وهو شيء يبعث على الحيرة حين تجد مومياء وأغراضا لا نهائية، بل ونحو خمسة أو ستة تماثيل لأبي الهول طول الواحد منها قرابة خمسة أمتار.

وتزاد الحيرة حين تجد من كل حضارة آثارا، فها هي أغراض للفينيقيين، ومقابر للرومان، وأسود الفرس، وثيران الآشوريين المجنحة الملصقة بجدران عملاقة لا تعرف كيف خرجت من بلادها لتأتي إلى فرنسا! هذا بخلاف اللوحات الفنية كالموناليزا التي لا يمكن لأي شخص الاقتراب منها إلا بمسافة معينة.

لا أعرف حقيقة هل خرجت هذه القطع كهدايا مثل المسلة الموجودة في ميدان الكونكورد أم أنها خرجت خلسة في حين يستحيل ألا يشاهد أحد هذه الأحجام العملاقة أثناء خروجها! ربما لو منحت الفرصة لتسمية اللوفر اسما آخر لقلت "متحف المسروقات".

على الرغم من الوجود العربي الكبير في فرنسا، فإنك لا تجد جهاز ترجمة آلية إلى العربية أثناء دخولك إلى قصر فرساي، وهذا شيء صادم لأن أجهزة الترجمة متاحة في عشر لغات من بينها الكورية!! تلك اللغة التي يتحدثها 78 مليون نسمة مقابل 300 مليون للعربية!! الآن أدركت خسارتي الفادحة حين سخرت من تعلم الكورية والتأثر بالمسلسلات الدرامية التي أنتجتها سيول.

في الشانزليزيه تبدو أغلب المحال لـ"الفرجة" نظرا لارتفاع الأسعار بجانب أسلوب العرض الاستعراضي سواء لمجوهرات "كارتييه" أو معارض سيارات "رينو" و"بيجو" و"مرسيدس" و"تويوتا"، ورينو وبيجو تحديدا تسيطران على سوق السيارات الفرنسية تتبعهما سيتروين ومرسيدس.

ويلاحظ في ذلك الشارع انتشار الشحاذين من المسلمين، فمنذ أن وطأته بقدمي لأول مرة جاءتنا فتاة سألتنا إن كنا نعرف الإنجليزية أم لا لنتعلم أن نجيب بالنفي بعد ذلك، حيث أشهرت لنا ورقة كتب عليها "أنا من البوسنة ولاجئة هنا ولا أملك مالا.. ساعدني".

لست بحاجة للقول أن ملامح الفتاة لم تكن لها أية علاقة بالبوسنة على الإطلاق، فهي أقرب لمنطقة شرق-وسط آسيا، ولكن يبدو أن التسول وأحيانا الاحتيال معتاد في البلدان السياحية، وهو ما تأكد حين حاول أحدهم لعب حيلة "الخاتم الملقى" معنا بجوار مجرى السين قرب جزيرة إيل دي لاسيتيه التي تحمل نوتردام.

اللعبة تقوم على أنه يلقي خاتما وكأنه وجده للتو، فيسألك هل هذا لك؟ فتقول لا! فيلح عليك أن تأخذه لأنه غير متزوج وغير مرتبط عاطفيا، وبعدها يطالبك ببعض من المال كي يأكل! وحين حاولت كشف هذه اللعبة لسائح آخر بعبارة "سيدي.. لا" التي فهم منها ما أريد سريعا..، خرج إليّ من يريد الشجار معي، قبل أن أخاطبه بحسم وأبتعد.

هناك سبيل آخر للكسب لا أحب أن أسميه تسولا، هم شباب رأيتهم في الشانزليزيه يحملون معهم مشغل موسيقى كالهيب هوب ويقدمون فقرات راقصة بمهارة فائقة مقابل بعض المال في القبعة، أو فقرة موسيقية في المترو مع الدفع إن راقت لك.

وبمناسبة الفن، حين يمر بك المترو على جدران لا نهائية في الشوارع تشاهدها من النافذة، لا تجد واحدة منها سلمت من كتابات سبراي ملفتة وكأن فن الجرافيتي هو هواية كل الباريسيين.

المجتمع الفرنسي يبدو في بعض الأحيان متقبلا لفكرة اختلاط الأعراق، وهو ما شاهدته مرة لفتاة شقراء وشاب أسمر البشرة، والعكس تماما في مشهد آخر، ولكن هذا يبدو أكثر قبولا لدى الأجيال الشابة.

أمام نوتردام يوجد بعض ما يعبر عن ثقافة القبول تلك، فهناك شبان لا تعرف بلدانهم يحملون لافتات كتب عليها بالإنجليزية "أحضان مجانية" ويعانقون كل من يريد.. وبالطبع "مجانا".

ولكن الصورة ليست ناصعة هكذا، البعض كان يخاف الجلوس بجوار زوجتي المحجبة، والنظرات تكون قاتلة أحيانا، ولكن ذلك في طريقه للاندثار مع الكم الهائل من الأفارقة والآسيويين المتواجدين بكل مكان في فرنسا.



الخميس، ديسمبر 17، 2009

تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009 - الجزء الثاني




كنت قد رويت شكواي من البرودة رغم استمتاعي بالشتاء في مصر، ولكن الأمر كان مختلفا في باريس لدرجة تدفعك لرفض فكرة ركوب الحافلات الحمراء المكشوفة المسماة "أوبن تور" والتي تجوب بك لمدة يومين معالم العاصمة الفرنسية مقابل 24 يورو.

الحديث عن الأسعار أمر آخر، ولكنه يستوجب في البداية نسيان أن اليورو الواحد يساوي ما يزيد على ثماني جنيهات مصرية، فهذه قاعدة للتعامل قبل شراء تذكرة للمترو أو شطيرة من أي من محال الوجبات السريعة التي تبدو الخيار الأول لمن يريد اقتصادا في مصروفاته.

سعر تذكرة المترو داخل نطاق باريس 1.60 يورو، ويزيد بمجرد خروجك عن هذا النطاق تبعا للمسافة، وهو ما قد يرفع السعر إلى 2.5 يورو مثلا إذا كنت ذاهبا إلى حي لا ديفانس الملئ بمقار الأعمال والذي يقارب إلى حد كبير الصورة النمطية عن ناطحات سحاب نيويورك، وقد يصل السعر إلى 8 يورو أو أكثر إذا كان المطار هو الوجهة المقصودة.

أما الأطعمة، فتبقى شطيرة مكدونالدز الأشهر "بيج ماك" مثالا حيا للمقارنة بين نمطي استهلاك في مصر وفرنسا، فالشطيرة التي يبلغ ثمنها في مصر منفردة نحو 15 جنيها وتشبع فردا يصل سعرها في فرنسا إلى 3.20 يورو ولكنها لا تشبع قطا نظرا لتضاؤل حجمها بشكل مدهش.

شخصيا وجدت مشهدا كان يؤرقني أكثر من رؤية شطائر لحم الخنزير الباردة، وهو شطائر الجبن الأبيض التي يزيد سعر الواحدة منها عن 5 يورو في بعض الأحيان، في حين لا يجرؤ محل وجبات سريعة في مصر على مجرد طرحها بين قائمة المأكولات استخفافا بقيمتها.

ربما تكون السمة المميزة لكل لمطاعم الفرنسية هي تعليق قائمة المأكولات والأسعار على الواجهة الخارجية للمكان مما يجنبك عنصر المفاجأة أثناء الدفع أو حتى بعد الجلوس على المائدة، وهو مظهر يعكس الطابع السياحي لباريس التي ما إن توقف شخصا لتسأله عن مكان ما إلا وتكتشف أنه في الغالب أجنبي بدوره وقد لا يعرف الفرنسية.

في الحي اللاتيني حيث تتواجد المحال الشرقية عموما والعربية خصوصا، تكتشف أن سعر شطيرة مشبعة للغاية من الشاورما والبطاطس في محل يديره أكراد يصل إلى 4.5 يورو مما يقنع الفرد بالاعتماد عليها كوجبة يومية ثانية بجانب إفطار الفندق المدفوع مسبقا.

أما أسعار المزارات السياحية فهي متباينة بشكل يبعث على الحيرة، ففي ثاني يوم لنا وجدنا قصرا كنا قرأنا عنه على الإنترنت يدعى "جران باليه" ودخلناه بتذكرة تبلغ قيمتها 10 يورو للفرد لنكتشف أنه يضم حاليا معرضا للفنون التشكيلية التي لا نفقه فيها شيئا ولا تثير ذرة اهتمام من جانبنا.

في المقابل فإن متحفا كاللوفر لا تزيد تذكرته عن 9 يورو للفرد وتنخفض قيمتها إلى 6 يورو بعد الساعة الرابعة مساء يومي الثلاثاء والأربعاء، إلا أن الارتفاع النسبي يعود مجددا مع تذكرة قصر فرساي بقيمة 15 يورو يضاف إليها تذكرة مترو بقرابة 6 يورو.

ولكن على أي حال يمكن للسائح الاستمتاع مجانا بالوقوف أسفل برج إيفل الذي لم نفضل صعوده، أو دخول ساحة المتحف الحربي دون القاعات، أو التجول في فناء اللوفر وحول هرمه الزجاجي الشهير، أو حتى دخول كنيسة نوتردام أو الوقوف أسفل قوس النصر دون دفع سنت واحد.

بالنسبة للهدايا التذكارية، يمكن شراء تي شيرتات صيفية ذات علاقة بمعالم باريس بقيمة تتراوح من 15 وحتى 6 يورو لنفس القطعة تبعا للمتجر، ولكن إن كنت تبحث عن ميداليات فيمكنك شراء الخمس بيورو واحد من المهاجرين الأفارقة "على باب الله" الذين تجدهم أمام برج إيفل أو قصر فرساي أو اللوفر.

وهذه الميداليات تباع الواحدة بيورو أو اثنين في المتاجر، وشاهدت متجرا وحيدا يبيع الواحدة بنصف يورو، ولكن من الممتع، بجانب التوفير، أن تشتريها من شقيق أفريقي من دول غرب القارة السمراء يحدثك بالفرنسية أو الإنجليزية وأحيانا بالعربية.

لا مجال للحديث بالطبع عن أسعار التاكسي لأنني لم أجرؤ على التفكير في ركوبه، فالمترو وسيلة أفضل وقد بدأنا نستوعب آلياته وكيفية تطبيق الخريطة على الواقع مع مرور اليوم الثاني كما أنه يوفر أحيانا متعة الترجل من المحطة وحتى الجهة المقصودة.

والخريطة بالمناسبة مجانية وتجدها في كل منافذ بيع تذاكر المترو أو في الفنادق، ولكنها تحتاج بعضا من التركيز لاستيعاب شبكة القطارات التي تنقسم ما بين 14 خطا للمترو وخمسة لخدمة "إر أو إر" التي كنت أسميها "رير" وتعني اختصارا شبكة القطارات الداخلية، وهي قطارات تختلف عن المترو في اتساعها نسبيا فقط.

سأكمل لاحقا لأن الحديث قد طال.

الأحد، ديسمبر 13، 2009

تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009 - الجزء الأول


سأحاول من خلال هذه التدوينة أن أروي انطباعات وخبرات كونتها خلال زيارة إلى العاصمة الفرنسية باريس قمت بها برفقة زوجتي في الأسبوع الثاني من نوفمبر الماضي، وهي بالطبع ستكون قاصرة لأنها ليست سوى أيام معدودة مما يجعلني لا ألوم من يصف الكلمات هنا بالسطحية.

في الواقع أملك أفكارا متعددة في رأسي ولا أعرف حتى الآن كيف سأكتب السطور التالية، ولكن في البداية أشكر صديقي مهند الذي رشح لي عنوانا للتدوينة مقتبسا من عنوان كتاب رفاعة الطهطاوي عن نفس المدينة والذي اختصره الفرنسيون حين نقلوه إلى لغتهم إلى "ذهب باريس" ليلقوا بالسجع في أقرب سلة قمامة.

كما ذكرت في تدوينات سابقة، إن رغبتي في السفر أولا كانت إلى أوزبكستان في وسط آسيا، ولكنها مغامرة لا معنى لها خاصة أنني لم أغادر حدود وطني قبل نوفمبر الماضي، ولا يوجد طيران مباشر بين القاهرة وطشقند، ولا يوجد ما قد يسر زوجتي في تلك البلاد أصلا.

حسنا.. لتكن أوروبا، ومن هنا كانت الأفضلية لإيطاليا لولا وجود عرض سياحي أفضل إلى باريس لا يشمل استقبالا أو برنامج جولات لأنني لست من هواة أن أكون ممن يطلق عليهم لقب "سائح" ويعلقون الكاميرا في رقبتهم وينظرون إلى الأشياء ببلاهة، أي أن العرض كان تذاكر طيران بجانب حجز فندقي بسعر جيد.

بعد أن خرجت بسلام من المتاهات التي رويتها في التدوينة السابقة، اتجهت أنا وزوجتي بحقيبتي ظهر فقط للملابس وأخرى للكومبيوتر إلى باريس، وهو ما أثار دهشة موظفي المطار خاصة مع البرودة المتوقعة للجو هناك.

لدى نزولنا من الطائرة في مطار شارل دي جول، استقبلنا ضابط ليتأكد من صحة التأشيرة ويسألني عن سبب الزيارة، قبل أن أتعرض للاستجواب نفسه لدى حصولي على ختم الدخول، بل والتأكد من صحة بصمة يدي الموجودة في التأشيرة.

هنا شعرت وكأنني أدخل الجنة التي لا يستحقها أمثالي من أبناء العالم الثالث، فالتشكك هو السمة الدائمة، للدرجة التي تدفع الضباط للتساؤل عن حجز الفندق ومعرفة كم أحمل من النقود، وتساءلت في الوقت نفسه عن الكيفية التي يدخل بها مئات المهاجرين شهريا إلى فرنسا مع كل هذا التشديد على منافذ العبور، بالتأكيد البحر يقدم حلولا.

نزلت إلى بهو صالة الوصول، وكان أول من جربت معه فرنسيتي الرديئة عامل أمن في المطار أسأله عن مكان لشراء تذاكر المترو، ولكنه سألني بتلقائية إذا كنت أتكلم العربية، لأدرك بعدها أنه من دولة كموريتانيا أو ربما تشاد ويعمل هنا كغيره من آلاف العاملين في القطاعات التي لا يطيق أغلب الفرنسيين ذوي البشرة البيضاء العمل فيها.

بعد توهان كبير في المترو اكتشفت خطأ التعميم بأن كل الفرنسيين لا يعرفون شيئا عن الإنجليزية، بل من لا يعرف يحضر لك من يعرف.. وغالبا كنت أشعر بود من جانب من يصف لي الطريق وأشعر بتوجس من أولئك الذين يرمون سهاما من عنصرية إلى حجاب زوجتي حين ينظرون إليه خلسة.

في محطة "شاتليه ليزال" المركزية اكتشفنا أن التذكرتين اللتين كنا نحملهما ليستا صالحتين لتجاوز الماكينة الالكترونية ومن ثم العبور إلى رصيف خط آخر من خطوط المترو الـ19 يأخذنا إلى المحطة المجاورة للفندق، لنبقي في حيرة وسط دوي البوابات الإلكترونية كل ثانية وكأنها تتحدث عن غياب للإنسانية في نفق تحت الأرض يمرق فيه العابرون كآليين.

وفي ظل الحيرة وعجز فرنسيتي على تفسير الموقف، استوقفنا سيدتين ترتديان الحجاب، وكان السؤال البديهي بالفرنسية "هل تتحدثان العربية؟" وجاءت الإجابة السعيدة بـ"نعم".

السيدتان كانتا من المغرب، وقامتا على الفور باصطحاب كل واحد منا والعبور باشتراكهما صوب بهو المحطة كي نقطتع تذكرتين جديدتين، وهي مغامرة كانت من الممكن أن تؤدي إلى تغريمهما لو شوهدتا عبر كاميرات المراقبة، ولكنها وقفة كافية لتوثيق حبي للمغرب طيلة حياتي.

وهذا مشهد تكرر حين لاحظ شاب مغربي حيرتنا مع خريطة باريس أمام محطة "جار دو نور" ليصف لنا كيفية الذهاب إلى الحي اللاتيني، وهو شعور بالألفة قد تجده المحجبة في باريس حين تقابل محجبة أخرى تمر من جانبها فستسمع منها عادة تحية "السلام عليكم" مصحوبة بابتسامة ودودة.

وصلنا الفندق أخيرا في السابعة صباحا، لنترك الحقائب ونبدأ في التجول حتى الثانية ظهرا حين يحين موعد تسلمنا للغرفة.

الانطباع الأول: اللعنة على البرودة:
فهمت أخيرا معنى عبارة "حلاوة شمسنا" وإن كانت لا حلاوة في شمس مصر لأنها أذابت الحلوى! ولكن علي أي حال يبقى البرد في باريس مثار عجب بالنسبة لي خاصة أنني كنت أرتدي "سويت شيرت" وعليه معطف سبور فقط دون أية إضافات.

البرد هناك لا يشبه البرد هنا، ففي مصر نشعر بالبرد غالبا في صورة رياح تمر بالشارع، وليس بردا متوطدا يشكل محيطا غير مرئي للأرض كما هو الحال في باريس حيث كنت أشعر وكأني أمشي في صالة هائلة من السيراميك الذي يمتص البرودة ويحتفظ بيها طيلة العمر في تلك الحالة! ولا مجال للبحث عن قرص الشمس لأنه حين ظهر كان لا يلبث دقائق ويغيب مباشرة ثم يعود مجددا وهكذا.

البرودة في باريس تجعل من المقاهي المغلقة ملاذا آمنا، ومن محطات المترو معصما، ومن كل الأماكن المغلقة كهوفا دافئة إذا قورنت بالهواء الطلق.

سأكمل لاحقا لأن النوم يغالبني.