كنت في قرارة نفسي أعرف أنني لست ماهرا للدرجة، ولكنها حمى الاستمرار، كنت في الحادية عشرة من العمر، وكان ملعب مدرستي الإعدادية الرملي يفوق بكثير الفناء المعدني لمدرستي الابتدائية التي كانت قصرا في الماضي... لم أعرف النوادي كأغلب أقراني، ملعب المدرسة كان متنفسي...
انتصب المرميان أمامي يرسمان حلما طالما راودني كثيرا، كنت أحلم بالتألق على تلك الأرض وإبراز مهاراتي، وقد حانت الفرصة، أقضي ساعات قبل بدء الدراسة وبعدها ألعب مع زملائي الكرة، ولم تحظ دوما كرتنا بصفة الكرويـّة بل كانت أي شيء يؤدي الغرض والسلام، حتى لو صخرة صغيرة كنا نلعب بها والمتعة تنهمر مع قطرات العرق، كان يوم عيد إذا أتى أحد زملائنا بكرة حقيقية من بيته ولكن ذلك لم يتكرر كثيرا، أذكر يوما نزلت فيه من بيتي والنور لم يعم الدنيا بعد، كنت أول من وطأ فناء المدرسة، ولعبت الكرة مع أول مجموعة أتت، قضينا ساعتين أو أكثر قبل انتظام الطابور الصباحي، كان شغفا لدرجة الجنون...
جربت نفسي في أكثر من مركز، بدأت أكتشف الحقيقة، لست ماهرا كما تخيلت، أنا أقل بكثير من زملائي، لا أجيد المراوغة ولا قوة الالتحام مثلما يفعلون، فقط أجري بسرعة، ذلك كل ما كنت أملك، وعليه كنت أحيا، فأحاول تنمية قدراتي من خلال الإصرار وأداء الأدوار الدفاعية ولكنني عجزت عن إيجاد أية موهبة فطرية لدي...
قضيت عاما وأنا بداخلي أرفض الحقيقة، كنت على قناعة بأني لاعب جيد ولكنها الفرصة لم تأت بعد، من حين لآخر كنت أؤدي بشكل جيد لكن ليس باستمرار، فتألقي هو الاستثناء وإخفاقي هو القاعدة...
في بداية الصف الثاني الإعدادي كنت مصطفا مع زملائي في الفريق قبل مباراة خلال حصة ألعاب، كنت أرتدي لوني المفضل الأزرق والشورت الأبيض، كان هناك من يعرفونني منذ السنة الأولى، ولكن الأغلبية لم تكن تعرفني بعد، كانت بمثابة فرصة لكتابة شهادة ميلاد جديدة مع الكرة، وبالفعل من أول دقيقة انفردت بالمرمى من اليسار وسددت الكرة أرضية هادئة بسن القدم اليمنى في الزاوية البعيدة فكانت لمسة فنية بحق أعبجت زملائي جميعا ونلت على إثرها تشجيعا كبيرا، مازلت أذكر نتيجة المباراة فقد تعادلنا فيها 1-1 ثم لجأنا لركلات الترجيح فحسمها صديق عمري وحارسنا لصالح فريقنا!
بعد تلك المباراة وأثناء اتجاهي نحو الحنفيات للشرب وجدت زميلا من فريقي يقول لي:
- كابتن! انت مبتعرفش تلعب... بس الجول اللي جبته حلو!
لم تفاجئني الكلمة كثيرا، فقط أيقظت بداخلي حقيقة كنت أحاول إخفاءها، ولكن إلى متى؟!
مرت الأيام ومعدل لعبي يقل تدريجيا، لم أرد أن أكون عبئا على أصدقائي، ولكن جاءت مباراة خلال حصة ألعاب ولا أذكر التفاصيل إلا أنني لعبت في بعض وقتها كحارس مرمى! كان مدرس الألعاب وقتها يرتدي ملابس رياضية عليها شعار النادي الأهلي، وكان مدرس اللغة الإنجليزية الماهر جدا في الكرة يلعب في الفريق الخصم ولم ينجح في تسجيل أي هدف في مرماي رغم محاولاته المستمرة، كانت قفزاتي رائعة... بعد المباراة فوجئت بالمدرس يسألني عن رغبتي في اللعب للنادي الأهلي؟! لم أصدق ولكنه استدرك أنه يريدني لفريق الوثب العالي هناك! أعطاني ميعادا ولكنني لم أذهب رغم تشجيع والديّ للفكرة بشدة، كنت لا أتخيل نفسي بعيدا عن الكرة...
قلت مبارياتي تدريجيا، وانعدمت أحيانا، إلا أن آخر مباراة لعبتها منذ عام كان أدائي فيها جيدا، كان ملعبا كبيرا، الجبهة اليمنى مكاني المفضل، أداء متميز جدا ولمسات مهارية وكأنني ألعب منذ فترة...
لم أكن بهذا السوء، هكذا فكرت...