الأحد، ديسمبر 11، 2011

للتيارات السلفية


هذه السطور تأخرت بضعة أيام.. فقد كان موعد كتابتها الأنسب فور انتهاء نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية في مصر بجولتيها الأولى والثانية، ولكن مشاكل تقنية حالت دون حضوري في الموعد الذي لم ينتظره أحد على كل حال.
في ظل المؤشرات الحالية والتي تعتبر مبكرة كونها لا تعبر إلا عن ثلث البرلمان المقبل فإن حزب النور السلفي يبدو الحصان الأسود في التصويت باحتلاله المركز الثاني خلف فرس الرهان: الحرية والعدالة.
وبالرغم من نجاح النور في وصافة سباقي القائمة والفردي على حد السواء، فإن جولة الإعادة شهدت تراجعا لمرشحيه قد يكون أمام خبرة الإخوان وقد يكون أمام المخاوف التي لا يتوقف الإعلام عن التعبير عنها أو بثها وهي تبقى مشروعة على كل حال.
التراجع الأبرز للنور كان إخفاق المهندس عبد المنعم الشحات وهو المتحدث الرسمي باسم جمعية الدعوة السلفية في الفوز بمقعد الفئات بدائرة المنتزه بالإسكندرية. فرغم أنه كان المتصدر قبل الإعادة إلا أن مرشحا مدعوما من الإخوان نجح في قلب الطاولة مستفيدا من أصوات جاءت من خارج التيار الإسلامي بمفهومه الواسع.
ولخسارة الشحات عدة دلالات ينبغي أن يستفيد منها التيار السلفي، أبرزها عدم الاستغراق في التنظير ومقاومة شهوة إظهار الحجة والبرهان وهو الفخ الذي دخله المتحدث الرسمي بقدميه راغبا غير مضطر ولا مكره تارة، ومُستغفَلا من قبل الإعلام المغرض غير المحايد تارة أخرى.
لا أقلل من أهمية الأطر النظرية للأيديولوجيات أو البرامج السياسية ولكن ينبغي ألا تطغى مساحتها على التفاصيل التي هي انعكاس ذلك الإلهام على الواقع ومربط الفرس الذي بدونه سيجمح في مضمار الفراغ دون طائل.
لست بصدد نقاش فحوى الأفكار مثار الجدل التي طرحها الشحات سواء حول أدب نجيب محفوظ أو تماثيل الفراعنة أو السياحة أو ما شابه فكل ذلك عندي يبقى فكرا قائما يوازي مثلا الشيوعية التي تسعى إلى إلغاء الملكية الفردية بالكلية ولكن دعاتها لا يملكون الجهر بذلك.
وكلامي هنا ليس دعوة للسلفيين كي يمارسوا الاحتيال السياسي بإيهام الناس باحترام حرية الفكر بينما هم يرونها في الواقع حرية كفر، وإلا سيكونون كمن ينفون التناقض بين بعض الأفكار والدين في حين أن جل من يتبعون تلك الأفكار قرروا –بالمصادفة- الإلحاد!
دعوتي للسلفيين هي الاستمرار في الصراحة التي يُشكَرون عليها ولكن الانتقال بها إلى التفاصيل والمتون بدلا من قصرها على العناوين، فحينها ستتباين ردود الأفعال لأن البضاعة نفسها اختلفت عن المعروض من ذي قبل.
أمر آخر هنا، من حقك أن تظن امتلاكك الحق المطلق ولكن دون أن تقتنع بأن تيارك هو شعب الله المختار هازم الأحزاب وحده، فبرغم خروج الشحات مظفرا من كل المناظرات التي خاضها عبر الفضائيات إلا أنه لم يفز في النهاية بمقعد البرلمان في حين أن خصومه الفكريين منهم من سيتبوأ مقعده تحت القبة.
وما هي الفائدة من تعميق الخصومة القائمة ونسف أية محاولة للوفاق لمجرد أن الآخرين "على الباطل"؟ هذا بالتأكيد سيتكفل بتكوين عناصر مشهد احتفالي حين يخسر مرشح بوزن الشحات، ويتطور الأمر من نقد إلى شماتة مطلقة ورقص على الأنقاض ومن ثم تمسك الطرف الخاسر بغلوائه.
كتبت في مارس الماضي تدوينة صغيرة بعنوان "دوران للأمام" أعربت فيها عن سروري ببوادر دخول التيارات السلفية ساحة السياسة، ولم أزل متفائلا بذلك فالوطن سيكسب كل العناصر التي قررت النشاط حتى لو اختلفت معها.