الأحد، ديسمبر 11، 2011

للتيارات السلفية


هذه السطور تأخرت بضعة أيام.. فقد كان موعد كتابتها الأنسب فور انتهاء نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية في مصر بجولتيها الأولى والثانية، ولكن مشاكل تقنية حالت دون حضوري في الموعد الذي لم ينتظره أحد على كل حال.
في ظل المؤشرات الحالية والتي تعتبر مبكرة كونها لا تعبر إلا عن ثلث البرلمان المقبل فإن حزب النور السلفي يبدو الحصان الأسود في التصويت باحتلاله المركز الثاني خلف فرس الرهان: الحرية والعدالة.
وبالرغم من نجاح النور في وصافة سباقي القائمة والفردي على حد السواء، فإن جولة الإعادة شهدت تراجعا لمرشحيه قد يكون أمام خبرة الإخوان وقد يكون أمام المخاوف التي لا يتوقف الإعلام عن التعبير عنها أو بثها وهي تبقى مشروعة على كل حال.
التراجع الأبرز للنور كان إخفاق المهندس عبد المنعم الشحات وهو المتحدث الرسمي باسم جمعية الدعوة السلفية في الفوز بمقعد الفئات بدائرة المنتزه بالإسكندرية. فرغم أنه كان المتصدر قبل الإعادة إلا أن مرشحا مدعوما من الإخوان نجح في قلب الطاولة مستفيدا من أصوات جاءت من خارج التيار الإسلامي بمفهومه الواسع.
ولخسارة الشحات عدة دلالات ينبغي أن يستفيد منها التيار السلفي، أبرزها عدم الاستغراق في التنظير ومقاومة شهوة إظهار الحجة والبرهان وهو الفخ الذي دخله المتحدث الرسمي بقدميه راغبا غير مضطر ولا مكره تارة، ومُستغفَلا من قبل الإعلام المغرض غير المحايد تارة أخرى.
لا أقلل من أهمية الأطر النظرية للأيديولوجيات أو البرامج السياسية ولكن ينبغي ألا تطغى مساحتها على التفاصيل التي هي انعكاس ذلك الإلهام على الواقع ومربط الفرس الذي بدونه سيجمح في مضمار الفراغ دون طائل.
لست بصدد نقاش فحوى الأفكار مثار الجدل التي طرحها الشحات سواء حول أدب نجيب محفوظ أو تماثيل الفراعنة أو السياحة أو ما شابه فكل ذلك عندي يبقى فكرا قائما يوازي مثلا الشيوعية التي تسعى إلى إلغاء الملكية الفردية بالكلية ولكن دعاتها لا يملكون الجهر بذلك.
وكلامي هنا ليس دعوة للسلفيين كي يمارسوا الاحتيال السياسي بإيهام الناس باحترام حرية الفكر بينما هم يرونها في الواقع حرية كفر، وإلا سيكونون كمن ينفون التناقض بين بعض الأفكار والدين في حين أن جل من يتبعون تلك الأفكار قرروا –بالمصادفة- الإلحاد!
دعوتي للسلفيين هي الاستمرار في الصراحة التي يُشكَرون عليها ولكن الانتقال بها إلى التفاصيل والمتون بدلا من قصرها على العناوين، فحينها ستتباين ردود الأفعال لأن البضاعة نفسها اختلفت عن المعروض من ذي قبل.
أمر آخر هنا، من حقك أن تظن امتلاكك الحق المطلق ولكن دون أن تقتنع بأن تيارك هو شعب الله المختار هازم الأحزاب وحده، فبرغم خروج الشحات مظفرا من كل المناظرات التي خاضها عبر الفضائيات إلا أنه لم يفز في النهاية بمقعد البرلمان في حين أن خصومه الفكريين منهم من سيتبوأ مقعده تحت القبة.
وما هي الفائدة من تعميق الخصومة القائمة ونسف أية محاولة للوفاق لمجرد أن الآخرين "على الباطل"؟ هذا بالتأكيد سيتكفل بتكوين عناصر مشهد احتفالي حين يخسر مرشح بوزن الشحات، ويتطور الأمر من نقد إلى شماتة مطلقة ورقص على الأنقاض ومن ثم تمسك الطرف الخاسر بغلوائه.
كتبت في مارس الماضي تدوينة صغيرة بعنوان "دوران للأمام" أعربت فيها عن سروري ببوادر دخول التيارات السلفية ساحة السياسة، ولم أزل متفائلا بذلك فالوطن سيكسب كل العناصر التي قررت النشاط حتى لو اختلفت معها.

الأحد، نوفمبر 27، 2011

لا تُقاطع!


قبل ساعات من بدء المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية يتداول البعض عبر تويتر وفيس بوك تساؤلات حول جدوى المشاركة في التصويت وشرعية المجلس المقبل وغير ذلك من أمور تدفعني في مجملها إلى كتابة هذه االسطور.
أكاد أجزم أن جل من يدعون لمقاطعة الانتخابات لم يسبق لهم التصويت في اختيار أي مجلس نيابي باستثناء الاتحادات الطلابية ربما، وإلا لما تبنى تلك الدعوة.
هو بالطبع ممن كانوا يكتفون بمتابعة برامج التوك شو حول التزوير الانتخابي بينما كان غيره يذوقون الأمرين لمراجعة أسمائهم بالكشوف واستلام البطاقات الحمراء بأقسام الشرطة في يوم آخر ثم بدء رحلة البحث عن اللجنة يوم التصويت تحت سطوة بلطجية الحزب الوطني المعلنين.
كان ينعم بمكيف الهواء بينما غيره يقف في طابور يقطع فناء مدرسة رملي تفترسه الشمس، وكان ينام القيلولة أو يجلس على مقهى (عفوا: كافيه) بينما يصطدم غيره بقاتل مأجور يلوح له بالسيف في جولة الإعادة قائلا "رمز الجمل يا كابتن".
هذا هو الفارق الأساسي،وبالطبع فإن من لم يشارك في السابق -ولا لوم عليه- قد ينظر لمن شاركوا على أنهم حفنة من المعاتيه ساهموا في إضفاء شرعية على نظام ديكتاتوري، أو أنهم رعاع منساقون وراء تياراتهم السياسية التي ترضى بالفتات الملقى لها من مائدة السلطة، أو أنهم يخدعون أنفسهم ويشغلون وقت فراغهم!
الطريف أن نظرة العازف عن المشاركة تستمر على نفس المنوال حتى حين تغيب شبهات التزوير عن الانتخابات المقبلة لأنه في قرارة نفسه يعرف أن التيار الذي لا يميل إليه مرشح لتحقيق الأغلبية ومن ثم فإنه يلجأ إلى نزع الشرعية عن الأمر برمته طالما قد يأتي له بما لا يريد.
هو لم يكتف بأنه سينتخب بالرقم القومي وسيعرف مقر اللجنة عبر الإنترنت دون جيئة وذهاب وتحرش، فهو أيضا يريد أن يأتي الصندوق فقط بما يريد وإلا فالأمر كله غير شرعي ومسرحية ولا يلائم الثورة ولا يساوي دماء الشهداء بل ويساعد من "خذلوهم" من "الانتهازيين" وكأن كل الفصائل السياسية غير انتهازية إلا واحدا!
ضحكت كثيرا حين تابعت حوارا موجزا مع علاء الأسواني (د. في العيادة فقط) على فضائية "فرانس 24" حيث ذكر أن تزوير الانتخابات البرلمانية في نهاية 2010 كان له الأثر الأكبر من بين ثلاثة عوامل مهدت لقيام الثورة، ولا أدري هل أنصار وقراء ومحبو الأسواني يرون ذلك أم لا؟
أتساءل لأنني أدرك أن غالبية المنتسبين إلى التيار الفكري الذي يمثله الأسواني دأبوا على انتقاد كل من شارك في تلك الانتخابات باعتبار أنه لهث وراء الفتات وأسهم في المسرحية وشق الإجماع الوطني ولم يقاطع في حين أن مشاركته فقط هي العنصر الوحيد الذي أثبت التزوير الذي يستدل عليه الأديب الآن في تحليله على فضائية غير مصرية لا يتابعها كثيرون من مريديه.
ثمة طائفة من البشر مغضوب عليهم في وسائل الإعلام، فالانتهازية سمة السياسة الضرورية لغيرهم في حين لا تكون  إلا وصمة لهم وحدهم، وهم في كل حال يُقدَمون كخونة وأدعياء وهمج ومع ذلك لهم قبول شعبي! ألا يكفي ذلك لدفع معارضيهم إلى التشكيك في صحة أية مباراة سيكون أولئك الخصوم طرفا فيها؟
أضف إلى كل تلك العوامل الشعور في قرارة النفس بأن غالبية الشعب جهلة لا يعرفون مصلحتهم ومن ثم فإن الديمقراطية التي طالبنا بها يجب ألا تطبق عليهم أيضا، فهل أنزل لأقف بينهم وأسمعهم يرددون الحماقات؟! الصواب أن يأتي خياري أنا (الصحيح بالطبع) دون إرادتهم المقيدة بالدعاية الدينية والخدمية! فإما أن يكون الرأي والشرعية لنا وحدنا أو يكون صوت الشريف منا بضعف صوت العبد منهم (نعم هي أجواء طبقية قريش).
أتمنى على كل مصري ألا يسير وراء أدعياء الديمقراطية وأن يشارك في التصويت لأي فريق يراه. فالديمقراطية تُكتسب بالممارسة، والعيوب لا يتم إصلاحها إلا بإدارك مواطنها والآليات كفيلة بتصحيح الأوضاع (من وجهة نظرك) لاحقا.
شارك ولا تُقاطع..

الأربعاء، نوفمبر 23، 2011

بعض الهذيان


في ظل هذا الصخب.. ليس هناك أفضل من بعض العبث بالكلمات التي قد تحمل ملامح معنى وقد لا تكون أي شيء سوى حروفها..
بعد سكوتي عن التدوين وعودتي بما أكتب الآن .. أتذكر المثل القائل "سكَت دهرا فنطق كفرا".. المهم أن الكفر ليس بالإله.
لا أحب المثاليين.. ولا أعني من وجدوا نفسهم كذلك بل من يحبون المثالية في كل شيء.. ربما التعبير الإنجليزيperfectionist  أدق في هذا المعنى.
والحقيقة أن المثالية هنا متعلقة بكل شيء.. المثالية في الفوضى.. المثالية في الطاعة.. المثالية في الثورة (النقاء الثوري!) وكذلك المثالية في الآمال ربما، ولذلك لن أنشر هذه التدوينة على فيس بوك حيث يسيطر مناخ الإرهاب الفكري ولا طاقة لي بمواجهة الأصوات العالية.
هل كان فان جوخ مثاليا؟ يقولون إنه انتحر رغم سيناريوهات أخرى محتملة.. ولكن لنفترض أنه قرر ذلك بالفعل فهل كان تحت تأثير تلك الهواجس التي تضرب غالبية من يعانون الاكتئاب أمثالي؟ ربما.
أفكار كثيرة تمر برأسي.. أود استيقاف بعضها للتدقيق وأرغب في تفادي البعض الآخر.. الأمر في الحالة الأخيرة أشبه بالممر الذي كان يُطاَلب باجتيازه الرجل سيئ الحظ في القصص الرومانية حيث يتحتم عليه تفادي الكتل الطولية التي تجيء وتروح مثل بندول الساعة حتى يعبر إلى الجانب الآخر.. ولكنه يصطدم بجدار أصم فيدرك حتمية العودة والتفادي مرة أخرى.
يكفي هذا بعد انقطاع.


الأربعاء، أغسطس 31، 2011

خواطر على هامش الثورة


بإمكان أي عربي غير متهم بالسياسة حاليا أن يذكر لك أسماء خمس مدن ليبية على الأقل.. ولا تتعجب إن كان من بينها ما لم تسمع به من قبل مثل رأس لانوف أو الزليتن، فبلاد عمر المختار صارت حديث الساعة منذ أن هبت في وجه القذافي.

الحق أقول أنني بقدر بغضي لديكتاتورية القذافي ومرضه بجنون العظمة ومذابحه الإجرامية في الجامعات والملاعب.. أظل أحتفظ له بذكرى أنه ممن نجحوا في إضحاكي حتى دمعت عيناي، والحديث هنا ليس عن خطاب "زنقة زنقة" الشهير بل على ما سبقه أيضا.

أذكر جيدا القذافي وهو يتحدث عن حل الكتاب الأبيض وعن تقديره لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، ولا أنسى بالطبع خطابه التاريخي في الأمم المتحدة ولا رحلاته المكوكية في أفريقيا كإمام للمسلمين.. هي كلها مشاهد غاية في الكوميديا وإن كانت سوداء في الواقع.

حسنا.. نجح الليبيون في صناعة المستحيل واضطرهم القذافي إلى حمل السلاح ضد كتائبه الأمنية إلى أن دخلوا باب العزيزية وها هم بصدد دخول سرت قريبا، ولكن لا ننسى أن ذلك ما كان ليحدث لولا تدخل الناتو لتطبيق قرار الحظر الجوي.

فاتورة الناتو ستكون باهظة بلا شك، وحين كنت أشاهد أعلام مصر وتونس وقطر وتركيا في بنغازي بأيدي الثوار كنت أتمنى ألا أشاهد بجوارها علم فرنسا أو الولايات المتحدة أو بريطانيا.

مشكلة الأنظمة الديكتاتورية القمعية أنها جعلت التدخل الأجنبي بديلها الوحيد، فيبقى المواطن بين نارين إما الاحتلال الخارجي أو الاستعباد الداخلي ولعل هذه هي نفس الفكرة التي يطرحها النظام السوري وكذلك كان سيحدث لو كان حكم البعث مستمرا في العراق إلى يومنا هذا.

الفخ الذي أريد ألا نقع فيه هو ألا نحول الحكام الذين تسببوا في إذلالنا إلى أبطال، فلم أزل أتعجب من أولئك الذين يرثون صدام حسين بطل العرب وقاهر الفرس وكأنه لم يستخدم أبدا الأسلحة الكيماوية ضد شعبه أو لم يقرر غزو الكويت أو لم يدخل في حرب لا طائل من ورائها مع إيران لاستنزاف البلدين طيلة ثماني سنوات!

نفس النبرة أسمعها الآن بل سمعتها منذ بدء الثورة الليبية، فكثيرون يتساءلون علام يثور الليبيون؟ أليس سعر الوقود منخفضا؟ ألا يركبون أحدث السيارات؟ أليست المواد الغذائية برخص التراب؟ وقد نسي أولئك أنه ليس بالأكل والشرب فقط يحيا الإنسان.

أما في سوريا فما يحدث يستدعي بقوة قول شاعرنا فؤاد حداد "حيّوا أهل الشام.. يا أهل الله"، فالإخوة هناك يواجهون المعادل الطبيعي لديكتاتوريات أمريكا اللاتينية العسكرية بين السبعينيات والثمانينيات.. ولعل آل الأسد تفوقوا بمذبحة حماة مثلا على بعض أفعال بينوشيه.

المدهش حقا هو موقف الجيش السوري الذي كان يُعتقد أنه على خط المواجهة مع إسرائيل فها هو يطلق رصاصاته وقد أصابها الصدأ صوب مواطنيه.. وليت كارلوس لطوف يرسم عن ذلك ربع ما يرسمه عن المجلس العسكري في مصر.

أنتظر بفارغ الصبر الحسم في اليمن وكذلك البحرين التي استثنتها من حساباتنا الطائفية البغيضة، وأترقب ما قد يحدث في الجزائر الشهر المقبل وأرضى بعض الشيء بما حققه أهل المغرب من إصلاح بالدستور.. ولنقم جميعا من قبورنا.

الاثنين، يوليو 25، 2011

بعض مما في نفسي


أقل من ستة أشهر بقليل قد تكون كافية لإفساد أروع صورة في تاريخ جيلنا.. تلك الجماهير الهادرة التي تموج في ميادين مصر وكأنها على قلب رجل واحد ها هي الآن شتى.. لا ضرر في ذلك طالما كانت السهام تتجه إلى هدف واحد عبر طرق مختلفة، ولكن ما يحدث الآن ينذر بالصدام الذي هو أسوأ من أسود كوابيسنا.

حالتي العصبية للأسف لم تعد تسعفني للدخول في نقاشات، وجهادي مع الرهاب استنزف مني الكثير ولعل كلماتي هنا تثير لدى البعض حنقا من ذلك الذي ظنناه ثوريا ثم ما إن تأثره بهواه الفكري حتى أغمد سيفه (البعض يشكك أنني أشهرته يوما أو أن لي سيفا من الأصل).

إن كانت الصدور لا تتسع لروايتي فإن الورق والفضاء الإلكتروني أرحب بكثير. حسنا! نحن ننتمي لهذا الجيل الذي أسقط نظام حسني مبارك.. وهذه العبارة في حد ذاتها هي أول ما سيثير الحنق فالبعض لا يعترف بسقوط النظام (ولو جزئيا) ويؤكد على انتشار خلايا نائمة تحت الرماد بل وفوقه بل وفي القيادة العسكرية ذاتها لا تريد زوالا للفساد.

وهنا أقول بنبرة تفاؤلية.. إن من لم يدرك التغيير لا يريد أن يراه، تماما مثل من يحبون سماع الغناء ولا يفضلون فيروز! إحدى المشكلات أن البعض بات يدرك أن انتهاء الثورة بالمعنى المكاني وتحولها إلى حركة في جسد مؤسسات الدولة والمجتمع يعني عدم ظهوره مرة أخرى على شاشة التلفاز وعدم وجود مجال يسمح له بتقديم "خارطة طريق" لمصر.

هؤلاء بالطبع من وجهة نظر من يخونني لا يقومون إلا برد الفعل، فالقيادة العسكرية هي المسئول الأوحد عن ارتفاع مد الثورة المضادة وبطء التغيير وعدم شعور الشعب به.. ولا أدري هل لرأيي علاقة ببغضي لفكرة النقاء الثوري وأن الميدان هو مصباح علاء الدين الذي أوشكت جنباته أن تتساقط من كثرة الفرك والأمنيات؟

بغضت هؤلاء منذ دفعهم قبل أشهر في اتجاه الصدام مع العسكر.. لا ألعق حذاء القيادة الغليظ.. ولكن أكره الأثمان الباهظة.. أكره سياسة الإملاءات التي بدأت باسطوانة "الدستور أولا" وتجهيل وتسفيه جل من قالوا نعم والمطالبة باحتساب صوت الأمي بنصف مما سواه! أشمئز ممن يدعوني إلى مظاهرة للتطهير ثم يرفع راية اتفقنا على نبذها فتحسبني الصحيفة القذرة وكأني من أفراد تياره.

أمقت الصوت العالي الذي نزل بهيبة الثورة فحولها من ملايين في شتى الميادين إلى بضعة آلاف وفي بعض الأحيان مئات في ميدان أو اثنين.. هؤلاء الذين أفقدوا المليونيات التوافقية هيبتها بأن صارت الحركة أمرا معتادا فلا تحرك لها السلطة ساكنا.

أبغض أيضا أولئك الذين غازلوا العسكر لتمرير الدستور أولا بتخويله حماية "مدنية" الدولة.. ولا تسل كيف يكون هذا ضامنا لذاك.. ولا تسل لماذا لم نر في القبلة التركية ما يعاني منه أهلها من وصاية للعسكر على كل شيء.. لا تسل.

لا تظن للحظة أنني أغض الطرف عن أخطاء الإسلاميين.. فإنني، فضلا عما سبق، أكاد أراهم متورطين في حرب أهلية قد تدور رحاها بدءا من الجمعة المقبل.. أتصور ذلك اليوم الذي سيكون فيه للميدان خطيبان كل يهتف في اتجاه.. فالأول متمسك بالمطالب ويطلب تحقيقها بعصا الساحر وينفي وجود مرتزقة من هنا أو هناك ويتحدث وكأن أفعالا كغلق المجمع لم تتم.. وكأن هتافات غير مسئولة لم تصدر.. وكأن من وضع الثورة في مواجهة الشعب لم يفعل.

وعلى الجهة الأخرى إمام لم يخطب إلا ود العسكر.. فبعد الحديث عن الاستقرار ومصالح العباد وغير ذلك، سيتحدث عن المؤامرات الخارجية ومن يريدون فرض الوصاية على الشعب وعن هوية مصر الإسلامية فتختلط الأوراق ويلتقي القطاران على نفس القضيب فتكون الفاجعة.

لك أن تتخيل هذا المشهد وتعود إلى يوم 11 فبراير، وأمنيتي ألا يكون هناك ظرف يستدعي تلك المقارنة يوم الجمعة، يا رب سلّم.

هذه أفكاري المبعثرة.. لست أحابي المجلس العسكري ولكن أعرف أننا في حال أفضل من ليبيا وسوريا مثلا.. وأنني لا أحب المستحيل الأمثل باهظ الثمن، وأنني وإن كنت أرفض سلوك المجلس ففي النهاية أتفهمه دون أن أتقبله.. فعيني على سبيل آخر قد يكون بخسائر أقل في الطريق إلى الهدف الذي أتمنى ألا يكون مغايرا.

كالعادة.. أنتظر اللمزات والتحسر على ذلك الفتى الذي ظنناه يوما من الفرقة الناجية أو قل شعب الله المختار صاحب العصمة.. ولا أعتزم الرد على أي تعليق وإن ظن صاحبه أنه يفحمني فله ذلك فيئا دون عراك.

الاثنين، يونيو 20، 2011

التحرش: كتاب وعتاب


هذه التدوينة تلبية لدعوة أطلقها بعض النشطاء لجعل يوم 20 يونيو مخصصا للتدوين حول قضية التحرش الجنسي الذي عادة ما تكون الإناث ضحاياه في مصر.
اخترت العنوان بكلمتين "كتاب وعتاب"، فأما الأولى فهي تأكيد على ضرورة وقف هذه الظاهرة وما تسببه من أذى نفسي أو جسدي للضحية، ولا أحسب في ضوء فهمي أن الفتاة قد تتعرض لأذى كبير إذا ما سمعت عبارة غزل عابرة من شاب لا يقصد إهانتها فيقول وهو مار بجانبها "أنت جميلة جدا".
أعتقد أن الإيذاء أو صلب التحرش الذي نحن معنيون بالحديث عنه هو الكلمات الجارحة أو الغزل الصريح الذي يركز على مناطق بعينها في جسد الأنثى، هذا إن كان لفظا.. أما إن كان فعلا فالأمر ليس بحاجة إلى الشرح.
هل مكافحة التحرش تستوجب كل هذه الضجة؟ نعم.. وأقول إن السبب الأدعى لذلك هو أن غالبية الفتيات يلزمن الصمت دائما تجاه ما يتعرضن له سواء بدافع الالتزام بـ"سلوك البنت المهذبة" وتجنب أن يقال عنها "كلام" بدعوى أنها تشكو من تعرضها لحادث ما، أو ربما الخوف من الأسرة.
صحيح أن في بعض الحالات يتعرض الذكور للتحرش من قبل الفتيات، ولكن الأمر يبقى في دائرة المراهقة المرتبطة بالمدارس الثانوية، بعكس التحرش المعتاد الموجه إلى الإناث والذي يعبر الطبقات الاجتماعية والشرائح العمرية.
أرى أن أول خطوة لمواجهة التحرش هو ألا تخاف الفتاة من رواية ما تعرضت له ولكن هذا يحتاج لاستيعاب مجتمعي يبدو أننا للأسف بعيدون عنه في ظل بعض القيم السلبية المغلفة بإطار زائف من الأخلاق، ولكن كل شيء يبدأ بالتدريج.
لا أحسب أن سن قوانين لمواجهة هذه الظاهرة تحديدا سيعني الكثير لأن جل القوانين في مصر لا تُطبق للأسف، كما أن الثقة في الشرطة معدومة وبالتالي الحديث عن أي دور ممكن لها في حماية الفتيات يكاد يكون خيالا.
لا بد من التوعية المجتمعية أولا.. فهي وحدها التي ستفتح الباب أمام تقبل شكاوى الإناث وستوفر لهن الحماية ولو حتى في صورة المارة الذين يستطيعون التدخل ضد أي اعتداء محتمل.
ربما ما أقوله يبدو مضحكا في نظر البعض.. ولكن هذا ما أملك.

أما العتاب فهو موجه لغالبية القائمين على حملات مكافحة التحرش، فهن أولا لا يبدين أي نوع من التفهم للأسباب التي قد تولد هذا السلوك لدى المعتدي، ومن ثم فإنه حين يتعرض لرسائلهم يشعر وكأنه بصدد توجيهات صادرة من كوكب آخر.
زد على ذلك أنهن مصرات تماما على تجنب الوازع الديني في الخطاب، وأحسب شخصيا أن حتى الفتى مدمن المخدرات قد يجد أثرا أكبر في خطاب ديني ينهاه عن التحرش من تلك العبارات البتراء مثل "خليك راجل" أو "كن شهما" وهكذا.
الأمر الأكثر استفزازا هو تأكيد بعض القائمين على الحملات أن التحرش سهم يصيب أية أنثى سواء كانت محجبة أو منتقبة أو غير محجبة أو كاشفة عن ساقيها حتى الفخذين أو من كتفيها إلى حواف النهدين.. فكلهن سواء، وهذا حق يراد به باطل.
أعتقد أن التوعية ضد التحرش لا يمكن أن يتم الحديث عنها بمعزل عن السياق المجتمعي، فعلى الجميع أن يعلم أننا في مصر ولسنا في باريس أو لندن التي قد يقابل أهلها بالتصفيق زوجين من المثليين وهما يتبادلان القبلات على قارعة الطريق.
فتلك ثقافة قد تتفهم أن ملبس الأنثى –مهما كان- ليس مبررا للاعتداء عليها، أما عندنا فالوضع مختلف.. فمع إدانة المعتدي سيبقى بعض من اللوم موجها لتلك التي "فتحت الباب" –بالطبع دون قصد- ولم تراع بملبسها ثقافة بلدها خاصة في العقود الأخيرة حيث بات الوازع الديني حاضرا ومشكلا رئيسيا لكثير من المفاهيم.
صحيح أن المحجبة والمنتقبة وغير المحجبة معرضات للتحرش، ولكن بالتأكيد فتاة التنورة القصيرة أو الكتفين البارزين أو السروال شديد الضيق الذي يخيل للبعض أنها ولدت به أو أنه مجرد لون مرشوش على فخذيها.. أكثر عرضة بكثير.. ولا أرى أي منطق لإنكار هذا.
آمل ألا تظل القائمات على الحملات الخاصة بالتحرش، وتلك الحقوقية بشكل عام، في خصام دائم مع الدين وألا يحملنه وملتزميه مسئولية أي تدهور تشهده البلاد بطريقة آلية.
هذا والسلام.


الأحد، يونيو 19، 2011

بعد القراءة

انتهيت من قراءة رواية "الحب في المنفى" لبهاء طاهر ولا أدري لماذا أشعر بالحاجة للكتابة بعد إتمام هذه المهمة التي أنجزت الجزء الأكبر منها في وسائل المواصلات.
هذا أول عمل أقرأه للكاتب، والحق أنني انبهرت بسلاسة أسلوبه وخفته كريشة تحملها النسائم، وراق لي بشدة تناغم الحوار مع السرد في قالب لم أعرفه من قبل. 
أنا لست ناقدا أدبيا بأي حال، وللأدب النصيب الأدنى من قراءاتي المحدودة، ومن ثم لا أريد أن يتخيل أي قارئ عابر لهذه التدوينة أنني أحلل الرواية، بل فقط أدون انطباعات شخصية بحتة، ولا أعني بها أنه كان من الأفضل أن تسير الجزئية الفلانية على النحو العلاني أو أي شيء من هذا القبيل، حتى على مستوى الشخصيات.
أتأمل الفقرة السابقة وأدرك حقا كم بات المرء مطالبا بأن يعبر عن رأيه في سطر أو اثنين ويكرس ما تبقى من الورق أو المساحة لدفع سوء الفهم المحتمل والشبهات التي لن يتوانى البعض في طرحها كتطبيق للإرهاب الفكري الذي قد يدفعني أحيانا للتخلي عن كتابة فكرة ولو كانت حتى على مدونتي الخاصة!

ربما كل هذه السطور مكتوبة لأقول إن ما لم يعجبني هو تشبث الراوي بالحياة حتى آخر نفس فيما بدا، صحيح هو منفي في زمن يرى فيه أسوأ كوابيسه واقعا، ولكنه وسط كل هذا ممسك بالحياة كطفل يقبض على لعبته.. ولا أحب هذا إطلاقا وآمل أن يكون ميلي هذا مترجما في شخصي فلا أنافق أكثر، وألا يكون ذلك مستقبلي إن عشت فأحزن إن تذكرت يومي هذا.
أتخيلني في رواية قد تصدر وقد لا تنشر.. ولكن أخشى حقا  ما قد يقوله الراوي عني.. آه لو له بعض من إنصاف بهاء طاهر، أو لو أنه يتخلى عن الانتقائية ولا يستبعد مشاهد ويستحضر أخرى بشكل يجعلني ذلك الآخر الذي يقف على ضفة بعيدة لا تبدو فيها مشاعره ولا دوافعه في حين يستأثر هو بعرض ما مر به.
ولكن علام أتحسر إن كتب عني رفيق ما لا يروق لي! حسبي أنه سيذكرني إن خط اسمي بقلمه أو رسم أحرفه الأربعة بمفاتيح الحاسوب.. ربما من هنا أخرج ببعض الرضا أنني إن فارقت هذا العالم فقد أترك بصمة هنا أو هناك. في هذا أنا بعيد عن الإخلاص ولكن قد أكون في حاجة إلى العزاء.

الاثنين، يونيو 06، 2011

السَكينة

((وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سَكينة من ربكم))

((ثم أنزل الله سَكينته على رسوله وعلى المؤمنين))

((إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سَكينته عليه وأيده بجنود لم تروها)) 

((هو الذي أنزل السَكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما))  

 ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السَكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا))

((إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سَكينته على رسوله وعلى المؤمنين))

الأحد، يونيو 05، 2011

قبل المضيّ

أعلم أن ما أخبرتني به هو الصواب، وأفقه ما أنا في الطريق إليه.. ولكن اعذرني! إنه ذلك الوهَج البرّاق الذي لا تقع عليه الأعين حتى يُخدّر الناظرون.
ليست لذة المغامرة، بل الرغبة في الحقيقة التي لا سبيل إليها إلا باللمس! قد تكون خيرا من واقعنا، وإن لم تكن فلا أمل لدينا حتى يخيب.
السيوف لم تصنع كي تبقى في غمدها، والرئتان إن لم يملأهما الهواء.. ضاقتا!
 إن ترددت في الرفقة فدعني ولا تثريب عليك، بل قسمّك الثواب أن نصحتني فأبيتُ أنا.
دعني.. دعني.. من يدريك ألا نلتقي؟! هذا ليس رهان.. لن أقابلك ببسمة نصر ولن تقف على قبري شامتا، فإما أن تعانقني أو تطلب لي المغفرة.




الخميس، يونيو 02، 2011

أغنية أحبها



 هي "أنشودة البحر" بالبرتغالية.. بالتأكيد لم أفهم كل كلماتها من البداية لضحالة خلفيتي عن تلك اللغة ولكن جوجل يحل المشكلة.. الأهم أن صوت المغنية "دولسي بونتيش" آسر لدرجة بعيدة.

الاثنين، مايو 16، 2011

من هزليات الرحلة


كنت في طريق العودة إلى بيتي والساعة جاوزت منتصف الليل الشتوي.. فضلت السير على جانب الطريق واعتليت الرصيف الملاصق لسور المستشفى الجامعي وهو المسار الذي سرعان ما تحول إلى ممر بعد أن حجبت سلسلة الأشجار رؤية الطريق الأسلفتي من ناحية اليسار.

لا أعرف السبب وراء تفضيلي السير عبر هذا الممر الموحش في ظلام بارد تحرك الرياح جزياءته فتهتز فروع الشجر فيكسوني الخوف.. ربما هي الرغبة في المواجهة.. هذا ما تعلمته من الاضطرابات النفسية.. أن أحاول مواجهة مخاوفي حتى وإن انتهى الأمر بالفرار منها، فيكفيني شرف المحاولة.

أين كنت والقلق طيلة ما مضى من شباب وصبا؟ لعل أحد المكتسبات التي باتت تثقل ظهري من هذه التجربة إدراكي ضرورة المواجهة.

تتراءى لي الآن عبثية قول أمل دنقل "كُن لي كما أهوى.. أمطر عليّ الدفء والحلوى".

الاثنين، مايو 09، 2011

الأحد، أبريل 24، 2011

البحرين




تأخرت كثيرا في كتابة هذه السطور لعدة أسباب أولها أن رأيي قد يبدو لبعض من معارفي مجروحا كون قطاع منهم قد عاملني لفترة وكأنني "شيعي مستتر" نظرا لميلي لفكرة التقارب بين أكبر فرقتين في الأمة الإسلامية في وقت ساد فيه خطاب التفرقة وانتعشت فيه ثقافة شعب الله المختار وأتمنى ألا يُفهم ذلك على أنه مدح في شخصي المتواضع.

وأخيرا بدأت كتابات لآخرين تتحدث في نفس المسار الذي أخالني فيه فقررت أن أنضم عساني أضيف شيئا أو أثقب ثغرة أخرى في جدار تكون من لبنات العنصرية والطائفية والانخداع واتباع الأهواء.

نعم أقول "اتباع الأهواء" وأعلم جيدا أنه نفس المصطلح الذي اعتاد أنصار التباعد بين الفرقتين الكبيرتين استخدامه لرمي كل من يسعى إلى التقارب دون أن يفطنوا إلى أن اتباع الهوى قد ينطبق أيضا على تفضيل الانعزال وإخراج كل ما هو آخر من الدائرة التي يفترض أنها تتسع لنا جميعا لا بحكم العقل فقط.. بل بحكم النصوص أيضا التي لنا منها حظ مثلهم تماما وربما أكثر.

لم أشأ حقا أن أطيل في المقدمة ولكن ربما دفعني "هواي" إلى ذلك فأسأل العفو وأنتقل مباشرة إلى الموضوع وهو البحرين تلك الدولة الصغيرة المؤلفة من مجموعة جزر بالخليج المعروف في خرائط العالم كلها بالفارسي ولكن يشار إليه في خرائطنا نحن فقط بالعربي ولا أميل إلى أي الرأيين.

شهدت البحرين بدءا من 14 فبراير الماضي مسيرات شعبية للمطالبة بإصلاحات في المملكة -التي تتشكل غالبية سكانها من الشيعة في حين أن الأسرة الحاكمة من الأقلية السنية- ورفع المتظاهرون مطالب تشمل إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية تؤدي في النهاية إلى التحول إلى الملكية الدستورية.

وتتشابه حالة البحرين هنا مع الحراك الذي شهده كل من الأردن والمغرب، فلم ترفع غالبية المتظاهرين الشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام" بل استبدلت به عبارة أخرى وهي "الشعب يريد إصلاح النظام" واتفقت الجماهير في البلدان الثلاثة على أن الملكية الدستورية تبدو حلا لا بأس به.

في الأسبوع الأول انجذبت عدسات الفضائيات إلى دوار اللؤلؤة في المنامة والذي كان يريد البحرينيون تحويله إلى نموذج مصغر من ميدان التحرير الذي استأثر بالضوء طيلة الأسابيع السابقة عن طريق الاعتصام فيه وتحويله إلى مسرح للتظاهر السلمي حتى تلبية المطالب.

بالطبع لم تكن أية حكومة عربية تطيق صبرا على وضع كهذا فجاءت محاولة فض الدوار بالقوة وتدخل الجيش وأطلق نيرانه صوب المتظاهرين وهم يرددون "سلمية.. سلمية" في مقطع شهير على الإنترنت، ثم استعانت الحكومة بقوات سعودية لمساعدتها في "ضبط الأمن".

هنا أقف مليا وأحاول أن ألقي الضوء على بضع نقاط قد تلخص ما أريد قوله. أما النقطة الأولى فهي أن المظاهرات في البحرين لم يتألف المشاركون فيها من الشيعة فقط بل كانت من بينهم شخصيات سنية بارزة، كما أنه حتى لو افترضنا جدلا أن كل المشاركين من الشيعة فما هي المشكلة إن كانوا يتعرضون لمظالم بالفعل ووجدوا في الحراك العربي فرصة لإنهائها؟

النقطة الثانية هي أن الشيعة بالفعل أوضاعهم المادية تقل عن السنة في البحرين رغم كونهم الأكثرية ورغم أن هذه الدولة وإن كانت الأقل ثراء بين بلدان الضفة العربية من الخليج فإنها تنفق الملايين سنويا لاستضافة سباق لسيارات الفورمولا1 على سبيل المثال في حين أن قطاعا من أبنائها يقطن ما يشبه "العشش" الخشبية وهو ما رأيناه عبر الإنترنت أيضا.

ثالث النقاط هي أسطورة "طائفية الثورة" وهي عبارة إن جازت فإنها ستعني مثلا أنه لم يكن من حق الزنوج الأمريكيين المطالبة بحقوقهم في المساواة لمجرد أن حركتهم لا تضم أيًا من الأعيان البيض، وكذلك ستعني أن سنة إيران لا يحق لهم المطالبة برفع التضييقات الممارسة عليهم نظرا لأنهم مجرد طائفة لا يتعاطف معها آخرون بنفس الدولة.

حزنت بالغ الحزن أن خرج وصف "ثورة طائفية" من لسان الشيخ القرضاوي الذي كانت له إسهامات في مجال التقارب والمتأثر بفكر الإخوان المسلمين الذين دعا إمامهم المؤسس حسن البنا في أكثر من مناسبة إلى لم الشمل الإسلامي، وكذلك لأنه أزهري أي ينتمي للمؤسسة التي أصدر شيخها محمود الشلتوت في القرن الماضي فتوى معتمدة بإجازة المذهب الشيعي الجعفري.

أما النقطة الرابعة فهي أن ثمة ممارسات تثير الريبة أجرتها الحكومة البحرينية مثل التساهل في إجراءات تجنيس العمالة الوافدة وبالأخص من باكستان رغم أزمة البطالة المحلية، وهو أمر لا أستحي من تفسيره بأن ثمة رغبة في تعديل التركيبة السكانية للبلاد فتصبح الكفتان متقاربتين، وهو أمر طبقه على أية دولة أخرى بها أقلية وأكثرية سواء عرقيا أو دينيا أو مذهبيا وستجد الأمر مثيرا.

النقطة الخامسة تتلخص في أن الثوار، رغم ذلك، لم يرفعوا شعارات طائفية بل كان هتافهم الأشهر باللهجة المحلية "سنة وشيعة.. البحرين ما نبيعَه"، كما أنهم لم يرفعوا الأعلام الإيرانية أو صور المراجع الشيعة مثلما تم الترويج على بعض المنتديات أو عبر بعض مقاطع الفيديو الممنتجة التي أنصح كل من يتعامل معها أن يحكم أولا على موضوعية العنوان واسم من قام بتحميل هذا المقطع على الشبكة.

النقطة السادسة هي التي قد يطول الحديث عنها وهي تلك المتعلقة بدولة إيران، فإن الموضة العربية منذ قيام نظام ولاية الفقيه هي اللعب على وترين أساسيين هما الفرس ضد العرب، والسنة ضد الشيعة، وكثيرا ما يتم خلط الأمرين ببعضهما.

فقط أدعو إلى الرجوع بالخلف بضعة عقود وتحديدا أيام حكم الشاه في إيران حيث كانت العلاقات بين طهران والضفة العربية من الخليج لا تشوبها مشكلات كبيرة لأن كليهما كان يستظل بالعلم الأمريكي.

أما وقد خلعت إيران هذه العباءة وتبنت قبلة أخرى غير البيت الأبيض في حين بقي العرب ملتزمين بالولاء الأمريكي.. فقد دب الخلاف وفجأة اكتشفنا أن الشيعة فرقة مارقة مبتدعة ينص مذهبها على ضرورة تكفير الصحابة وسبهم وكذلك القدح في السيدة عائشة والقول بخطأ نزول الوحي ووجود قرآن غير الذي نقرأه إلى آخر تلك الأساطير.

وسمح لهذه الأساطير بالسريان في مجتمعاتنا أولا خلو بعضها من الشيعة تماما، وثانيا اتفاق نادر بين علماء الإقصاء وطواغيت الحكم على تشويه جماعة بعينها لاتفاق المصالح، وثالثا مناخ الجهل الذي يجعل الواحد منا لا يكلف نفسه عناء القراءة في مصادر المخالفين فإن حدث وأراد كتابا عن الفكر اليساري مثلا فإنه يختار "سقوط اليسار" ولا يختار أي كتاب لأحد أرباب ذلك التوجه.

هنا أتساءل لماذا لم يتسع الخلاف هكذا إلا حين تبنت إيران نهجا مغايرا للإرادة الأمريكية؟ لا أعتقد أن قانون الصدفة بهذه الجاهزية، بل الحقيقة إنه الخوف من الثورة والذي طال بلدانا ليس بها شيعة أصلا مثل مصر.. وفي هذا المقام أدعو لمراجعة قصيدة أحمد فؤاد نجم "ده شيعة واحنا سنة".

هل كلامي هذا يعني أن إيران دولة ملائكية لا تبحث عن مصلحتها؟ كلا! قد يكون بكل تأكيد دور لإيران في مؤازرة فريق بعينه في البحرين ولكن الأمر لم يرتق أبدا إلى إرسال قوة من الحرس الثوري مثلا على غرار السعودية.. فكل ما حدث إلى الآن لا يعدو مرحلة التصريحات.

إن النظر إلى إيران في أسوأ الأحوال لا يمكن أن يلهينا عن الخطر الإسرائيلي، فهذا أمر لا يفكر به أدنى الناس عقلا ولكنه للأسف صار واقعا بفضل النظم الديكتاتورية التي تخلصنا منها ولكننا لم ننفض غبارها عن ملابسنا.

في النقطة السابعة أتحدث عن التغطية الإعلامية من واقع معرفتي الشخصية قبل أي شيء آخر. فمن المدهش حقا وكذلك غير الأخلاقي أن تبدأ الفضائيات في تغطية أحداث البحرين في بدايتها ثم تقطع فجأة التغطية فلا تتحدث بالسلب أو الإيجاب وكأن هذه الدولة قد اختفت من الخريطة بين عشية وضحاها.

أفهم أن قناتي "الجزيرة" و"العربية" مملوكتان لكل من قطر والسعودية على الترتيب، وبالتالي فإن موقفهما قد يكون منحازا إلى حكومة البحرين وقد يسمح ذلك بنشر بعض الأخبار التي تظهر مساوئ الثوار وتركز على أخطائهم.. أما التجاهل التام فهو شيء عجيب!

والسؤال هنا.. إذا كان شيعة البحرين حقا يفعلون الأفاعيل ويعطلون الأمن ويمارسون الطائفية أفلا يعتبر ذلك فرصة مثلى للتغطية القطرية والسعودية كي تسلط الضوء عليهم وتفقدهم أي تعاطف شعبي؟ أم أن القناتين وجدتا أن تشغيل العدسة في البحرين سينقل -طوعا أو كرها- ضرب المتظاهرين السلميين وهدم بعض المساجد والحسينيات؟

ثامن النقاط هي أن انحيازك لفئة أو مذهب أو جماعة أو فكر لا ينبغي أن يلغي ضميرك بالكلية، ولهذا السبب أنحاز إلى الشعب السوري تماما بالرغم من أن نظام الأسد يدعم المقاومة في غزة ولبنان.. ولكن المبادئ لا تتجزأ أو هكذا أظن.

النقطة التاسعة هي أنه بغض النظر عن أي انتماء ديني أو مذهبي أو عرقي.. أولى بنا أن ننحاز دوما لآدمية الإنسان وليس هذا من باب النزعة الإنسانية البحتة فحسب بل أيضا تطبيقا لأوامر إلهية مثل الحكم بالعدل واحترام كرامة الإنسان ونشر الرحمة بين العالمين وإيقاظ الضمير وعدم وضع الأصابع في الآذان أو استغشاء الثياب وغير ذلك كثير.

النقطة العاشرة والأخيرة.. لماذا أتحدث بكل هذه الإطالة عن البحرين في حين لم أكتب مثلا عن اليمن أو ليبيا التي تشهد حربا صريحة؟ الإجابة أن هاتين الدولتين أسمع الدعاء لهما في الصلوات الجهرية وأتابع أخبارهما عبر الفضائيات في حين سقط أبناء البحرين من ذهننا وبالطبع من دعائنا.

ليس عندي أكثر وألتمس العذر للإطالة، فقط أترك فرصة الاطلاع على بعض الروابط النصية التي قد تكون مفيدة وأترك مهمة تتبع مقاطع الفيديو لمن يريد فلا بد أن يتكلف أي نوع من العناء بدلا من انتظار طبق فضي.

الاثنين، أبريل 18، 2011

في نقد النخبة


أنظر باستياء بالغ إلى القوم الذين يصرون على احتكار الديمقراطية بشتى السبل فلا يصبح للفظة مرادف إلا ما يريدونه هم حتى ولو كان عكس رأي الأغلبية التي تفننوا في السخرية منها وتسفيه أحلامها في كل مناسبة وغير مناسبة.

أشير بصراحة إلى نفر من المثقفين لا تذهب عيناك إلى قناة تلفزيونية حتى تقع على أحدهم، ولا تفتح صحيفة إلا وتقرأ مقالا لواحد منهم، ربما هم أنفسهم الذين حملوا لواء "لا" في شتى المحافل وتعاملوا باستعلاء واضح مع كل من كان يميل إلى "نعم" فأبت غالبية الجماهير إلا مقابلتهم بصفعة يبدو أن رنينها أطار صوابهم.

حسنا.. حتى لا يساء فهمي أقول إنني بالتأكيد لا أعني بكلامي كل من قال "لا" في الاستفتاء، وكذلك لا أشير إلى النخبة المثقفة إجمالا، بل أعني فئة بعينها ما زالت حتى الآن تصر في كل موعد على مد الفترة الانتقالية ووضع دستور من قبل لجنة معينة –لا تسل من يُعينها- ضاربين عرض الحائط برأي الأغلبية.

ممن يعبرون عن هذا النفر للأسف شخص أعتز به كثيرا ولما منحه من فخر لهذا الوطن، وربما يكون مرشحي الأبرز في الانتخابات المقبلة وهو د.محمد البرادعي الذي أصر في مقابلة مع كبار مسئولي صحيفة الشروق هذا الشهر على ضرورة وضع الدستور الآن وهو ما أصابني بالصدمة.

لا أعرف ماذا يريد البرادعي حقا بوضع الدستور الآن.. هل يريد أن يسلب إرادة الغالبية؟ أم أن يقول لكل فرد منها أنهم حفنة من المنقادين الجهلة الذين لا علم لهم بصالح البلاد فتزيد الهوة بين النخبة والشعب الذي باتت الثورة ملك كل أبنائه ؟

تحدث البرادعي عن أن الاستفتاء لم يكن له معنى على اعتبار أن إعلانا دستوريا صدر في الأيام التالية ثم تحدث عن تضمن هذا الإعلان ما يزيد على خمسين مادة لم يتم الاستفتاء عليها وهذه هي العبارة التي يرددها كثيرون وهي نفسها الفخ الذي سقط فيه البعض مثل د.حسن نافعة الذي أكن له فائق الاحترام.

لا أعرف هل يحق لي وأنا لا أحمل درجة تعليمية تفوق البكالوريوس أن أزعم أن التعديلات التي صوتت الغالبية لصالح إقرارها كانت "في المجمل" هي تلك المواد المتعلقة بمسار التحول الديمقراطي وليست تلك الضابطة لأحوال البلاد أثناء الفترة الانتقالية والتي يعتبر سنها من اختصاص المجلس العسكري الحاكم شكلا وموضوعا.

أقول "في المجمل" لأنني بلا شك أختلف مع بعض التفصيلات مثل حصة العمال والفلاحين في مقاعد البرلمان، ولكن هذا على سبيل الاستثناء وليس القاعدة وبالتالي أبقى راضيا عن اختياري.

لا أعرف أيضا هل يمكن أن يصف بعضنا بـ"النفاق" أولئك الذين يعتبرون المجلس العسكري قد أجرم لعدم استفتائه الشعب على بقية مواد الإعلان الدستوري أم لا. أقول النفاق لأن نفس هؤلاء المستائين هم أنفسهم من كانوا يريدون دستورا تضعه لجنة معينة ويُستفتون عليه مرة واحدة –لا مادة مادة- فهل يقبلون بذلك في استفتاء تحكم مواده العقود المقبلة بينما يأبون نفس الاختيار عند إعلان دستوري لا يمتد مفعوله لأكثر من بضعة أشهر؟

أضف إلى ذلك أن بعضا من هؤلاء كانت حجتهم الأولى للرفض هي الشعار الزائف "لا لترقيع الدستور" و"لا لإعادة دستور 71 إلى الحياة".. وما إن ثبُت عكس ذلك حتى هرعوا يبحثون عن مثار نقد في الإعلان الدستوري فاخترعوا قصة عدم الاستفتاء على بقية المواد.

في الحقيقة، شذ د.عمرو حمزاوي عن هذه القاعدة وأتذكر مقالا له في الشروق عقب نتيجة الاستفتاء شدد خلاله على ضرورة عدم النظر للوراء والتعامل من الآن فصاعدا مع الواقع بناء على نتيجة التصويت وليس بناء على ما يراه البعض مثاليا ويرغبون في فرضه بالوصاية.

لست بحاجة طبعا إلى التذكير بالفكاهة السياسية التي يطلقها من حين لآخر نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الأحرار والتي كانت آخر حلقاتها حين ظهر في برنامج العاشرة مساءً وزعم أن كل من قالوا نعم في الاستفتاء لا يعرفون في الواقع السبب الحقيقي وراء اختيارهم.

هذه الفقرة الكوميدية سبقتها فقرات أخرى كان أحدها ظهوره في فيديو مسروق من مبادرة أمريكية للحث على التصويت في الانتخابات الماضية دون التوجيه لمرشح بعينه.. ولكن حين تم تعريب هذا الفيديو الذي استقبل تبرعات تبدأ من "500 جنيه فقط" -بتعبير القائم عليه شادي شريف- فإننا فوجئنا بأنه يوجه الجماهير إلى "لا" بالتحديد مستخدما استمالات عاطفية لا تقل فداحة عما لجأ إليه السلفيون ووقع فيه بعض من الإخوان.

إن مشكلة من هم مثل ساويرس –الذي أصر على ضرورة وضع الدستور الآن في الحوار الوطني – أنهم لا يريدون إلا ما يخدم مصالحهم فقط.. ولا عيب في ذاك إن كانت تغلفه الصراحة بدلا من الالتفاف والتعلق بدم الشهداء وإهانة غالبية المصريين واختزال مفهوم "التوعية" في التخويف من الإسلاميين دون تقديم طرح بديل.

لقد قال السلفيون صراحة عقب "غزوة الصناديق" إنهم "مش بتوع ديمقراطية" وهذا أمر يستحقون عليه التحية كونهم اتسموا بالوضوح والشفافية في حين يبقى الفريق الآخر من الأدعياء مصرا على فرض سيناريو معين دون أي اعتبار للإرادة الشعبية.


مرة أخرى أكررها.. إن إصرار هذا القطاع من النخبة على إملاء رؤيته وفرض وصايته على الشعب الذي يبدو في نظرهم وبتعبيرهم "غير مؤهل" يتطابق مع ما سبق وقاله نائب الرئيس السابق عمر سليمان في حوار مع محطة نلفزيونية أمريكية نذكر مضمونه جيدا وأكثر النقاط فيه إثارة للانتقاد.
                                              


الأحد، مارس 27، 2011

ثرثرة بمناسبة الثورات العربية


من المظاهر الطفولية التي كانت تعبر عن ميلي للجغرافيا أو السياسة أو الشئون الدولية منذ دارستي الابتدائية كنت أحيانا أحضر ورقة فلوسكاب من تلك التي كانت تستخدمها أختي في المذاكرة وأقسمها لخانتين رئيسيتين، الأولى لاسم الدولة والأخرى لاسم حاكمها ملكا كان أو رئيسا أو رئيس وزراء.

مرت السنون سراعا وقبل نحو ثلاثة أعوام شد معمر القذافي الرحال إلى أوغندا تحديدا لافتتاح مجمع إسلامي هناك في إطار حملات الدعاية لزعامته الأفريقية، وبقدر ما استوقفني ما حكاه عدد من أصدقائي الذين قاموا بتغطية تلك الرحلة، أدهشني أن الرئيس الأوغندي مازال هو يوري موسيفيني.

في عقد التسعينيات كانت السياسة الخارجية المصرية تشهد حالة نشاط أو ربما حالة عدم ركود مقارنة بأول عقود الألفية، ومن ثم كنت أسمع أمام نشرة التاسع أسماء ضيوف مصر وأدونهم في القائمة، وكان من بينهم موسيفيني الذي بقي اسمه في ذاكرتي ربما بسبب ميلي لأفريقيا بوجه عام.

بقاء هذا الحاكم بالذات في منصبه أعاد إلى ذهني بعضا من الأسماء التي تضمنتها القائمة واكتشفت أن أغلبهم مازال في السلطة في حين رحل الآخرون من العروش إلى القبور مباشرة، ولفت ذلك انتباهي أيضا إلى شيء أبعد من السخرية التي كنا نتعامل بها مع حكام العرب مثل القذافي وغيره.

شخصيا على مدار عمري لم أشهد تغييرا لحاكم عربي إلا في حالات نادرة ربما كان أولها وفاة الملك حسين في الأردن وتولية ابنه عبد الله، أو وفاة حافظ الأسد وتوريث الحكم لبشار، ثم إسقاط نظام صدام حسين، ثم الانقلاب على معاوية ولد الطايع في موريتانيا، وبالطبع وفاة الملك فهد والملك الحسن الثاني.

ربما تبقى لبنان الاستثناء الوحيد كون منصب الرئيس قد تم تداوله من إلياس هراوي إلى إميل لحود إلى ميشيل سليمان، ولكن شاءت الأقدار أن منصب رئيس الوزراء تم توريثه بشكل غير مباشر من رفيق الحريري إلى سعد، وكذلك الجزائر حين تولى عبد العزيز بوتفليقة خلفا للأمين زروال ليبدأ ديكتاتورية جديدة.

لماذا كل هذا السرد؟ لا أدري شخصيا.. ولكنني صدمت حين أدرك أننا في العقد الثاني من الألفية ومازال القذافي يتشبث بالسلطة وكذلك علي عبد الله صالح وغيرهما من المحيط إلى الخليج الذي يبدو أن ثمة رجاء فيه بفضل ثورة البحرين.

هنا تحديدا.. أود أن أعبر عن بالغ استيائي لرفض عدد من المصريين تأييد ثوار البحرين باعتبار أنها حركة "طائفية"!! ولا أدري هل يقبل هؤلاء ديكتاتورية الأقلية التي هي أسوأ بكثير من ديكتاتورية الأغلبية؟ ربما الأمر ليس بحاجة إلى نص مكتوب كون ذلك بديهيا.. وهو أنه في غالبية المجتمعات حتى الغربي منها تجد من الطبيعي أن يكون الحاكم من الفئة الغالبة سواء على المستوى العرقي أو التصنيف الديني وإن كان ذلك غير مفضل في الصورة اليوتوبية التي يسعى كثيرون إليها.

بالنسبة لي لا أفضل مطلقا أن يكون هناك حديث عن سنة وشيعة فالفريقان ينتميان لنفس الدين، وبالتالي التفرقة على أساس المذهب تبدو مضحكة أحيانا بالنسبة لي ولكن منذ أن استأثر فريق بالسلطة فلا بد أن ننصر الفريق الآخر بعض النظر عن أي اختلاف.

لا يعقل أن غالبية سكان البحرين يعانون الفقر في حين أن الأسرة التي تمثل الأقلية تستضيف سباقات الفورمولا1 وتصرف الملايين سنويا.. وحين يخرج الناس إلى المظاهرات رافعين الورود ومرددين "سنة وشيعة.. البحرين ما نبيعه" يُتهمون فورا بالطائفية ويتم تجاهل ما هم فيه من فقر وما هم فيه من كبت سياسي.

وجد ثوار البحرين أنفسهم في تجاهل تام من الفضائيات الخليجية كون الحكومات لا تريد تكرار هذا السيناريو في إماراتها وممالكها، كما وجدوا أنفسهم متهمين بالطائفية أو العمالة لإيران وهي التهمة التي تذكرنا بالعهد البائد في مصر، وفوق ذلك وجدوا مدافع سعودية توجه إلى صدورهم.

بعيدا عن البحرين، ذكرني الوضع في سوريا بحقبة عشناها في مصر، وهي أن يضعك النظام في خيار صعب.. فإما أن تقبل بحكم ديكتاتوري يصنف على أنه وطني ويرفض الهيمنة الغربية.. وإما أن تثور وتنتزع حقك ثم تصدم بعدها بكوادر حاكمة تلقي بنفسها في أحضان الغرب.

الاختيار بالنسبة لي محسوم وهو الثورة على النظام الطاغي أيا كان توجهه.

هذه أمور شتى فقط أوردتها.

الأربعاء، مارس 23، 2011

من بين من قالوا نعم




عبّر أخ عزيز لي عن دهشته حين علم موقفي بالتصويت بـ"نعم" في استفتاء التعديلات الدستورية الماضي، وحينها قلت إنني لا أفضل الخوض في الأسباب قبل التصويت بل بعده. ولم يكن ذلك إيمانا مني بقدرتي على التأثير في غيري، فحتى لو كنت أمتلك تلك القدرة لما كان لها أثر وسط المناخ الإعلامي الرافض للتعديلات والذي حشد غالبية المثقفين كي يحثوا الجماهير على التصويت بـ"لا".

فضلت الحديث عن أسبابي بعد التصويت وانتهائه كي أنأى عن احتداد الجدل، فلكل فريق وجهة نظر جديرة بالاحترام والتقدير، ولكن أن نختلف على شيء قد تم حسمه أهون بكثير من الاختلاف حول أمر مازال معلقا وبعلم الغيب وحده.

قبل أن أبدأ أود فقط أن أشدد على احترامي الكامل لوجاهة رأي فريق كبير ممن قالوا "لا"، فهم اختاروا ذلك المسلك عن قناعة تامة بأن في ذلك صالح البلد وما يهيئ لحياة ديمقراطية حقيقية وبالتالي فإنه لا يحق لي مطلقا اللجوء إلى التخوين أو التسفيه أو الادعاء على أي منهم بـ"عدم الفهم" أو "النصب" أو غيرها من الاتهامات المتداولة.

السبب الرئيسي وراء اختياري "نعم" بدلا من "لا" هو ما عبر عنه الناشر هشام قاسم ببلاغة حين قال إن التصويت ينبغي أن يكون لاختيار "المسار السياسي وليس التيار السياسي"، وبالتالي فإنني رأيت في مسار "نعم" ما أحسبه خيرا من الخيار الآخر.

أعتقد أن الأفضل دائما هو الانتخاب لا التعيين، وبالتالي إذا كنا نطالب بتطبيق الانتخاب لاختيار النائب العام وعمداء الكليات بل وشيخ الأزهر وغيرها من المناصب فمن باب أولى أن يكون مسلكنا هو الانتخاب لوضع الدستور، لا أن يأتي عن طريق لجنة قام مجلس عسكري بتعيينها وهو ما لن يكون مدعاة للفخر حين التأريخ لهذه المرحلة بعد عقود من الآن.

في رأيي أن اللجنة المعينة كانت ستثير خلافات أكثر من اتفاقات، بمعنى أن الانقسام سيبدأ بمجرد الإعلان عن تشكيلها وضمها بعض الأسماء التي بالتأكيد لن تحظى بإجماع وطني، وذلك بالضرورة من شأنه أن يقسمنا لما هو أشبه بفريقي 8 و14 آذار في لبنان، فالمؤيدون للجنة يقيمون مظاهرة حاشدة في وجه أخرى تؤكد أن مواد الدستور المقترح لا تعبر عن إرادة شعبية، وهكذا.

بقدر ما ساءني كثيرا تورط بعض التيارات الإسلامية سواء من الإخوان أو السلفيين بجانب بعض رموز الكنيسة في استمالة الجماهير انطلاقا من وازع ديني، فقد ساءني أيضا شعار "لا حتى لا يأتي الإخوان"، فهذا بالفعل هو نفس أسلوب النظام السابق القائم على الفزاعات.

ينبغي لمن أراد الديمقراطية ألا يحدد لها موعدا مسبقا، فالكلام عن أن الشعب ليس جاهزا لها ولن يختار تيارات ديمقراطية يوافق تماما ما قاله عمر سليمان في مقابلة مع الصحفية الأمريكية كريستيان أمان بور أثناء الثورة عن أن الشعب لم يمتلك بعد الثقافة التي تؤهله للديمقراطية.

للأسف خيب أملي كثيرون كنت أعتقد أنهم دعاة ديمقراطية ثم اتضح أنهم لا يريدون إلا الديمقراطية التي تأتي بخياراتهم هم، وتستروا وراء ذلك بالسعار ضد الإخوان والتيارات الإسلامية كافة، ثم بحجة عدم تجهيز "شباب الثورة" لأحزاب، وبحجة ضيق الوقت أمام الأحزاب المعلنة.

واستفزتني للغاية هذه الشعارات كون مصطلح "شباب الثورة" مطاطي للغاية كما أنه أغفل أن اتئلاف شباب الثورة مثلا وهو الرمز الأبرز المعلن للثورة هو مؤلف من أبناء تيارات سياسية بالفعل سواء من اليمين أو اليسار أو الإسلاميين.

وفي الوقت ذاته أضحكتني عبارة أن الأحزاب المعلنة لا وقت لديها لطرح نفسها في الشارع، فهذه شهادة وفاة سياسية فبينما كانت تعمل هذه الأحزاب تحت الضوء أو حتى تحت شعار "تحت التأسيس" كان غيرها يضيق عليه باعتقال كوادره ومصادرة الأموال ومع ذلك يتصل بالشارع، فهذا يبدو عذرا أقبح من ذنب.

نقطة أخرى لم أتفق معها وهي الحديث عن أن من قالوا "نعم" قد "شقوا إجماع الثورة"، فأنا أرى أن الثورة لم ترفع مطلبا واضحا سوى "إسقاط النظام" وهو ما يمكن لنسبة كبيرة اعتباره قد تحقق يوم اقتحام مقار أمن الدولة ومن قبله تنحي مبارك وسليمان وإزاحة حكومة شفيق، كما أن ثمة دستورا جديدا في كل الأحوال ولا صحة لإحياء دستور 1971 وها نحن في انتظار إعلان دستوري.

وانطلاقا من النقطة السابقة تحديدا فقد ساءني ما يمكن وصفه بـ"المتاجرة بدم شهداء الثورة"، والحديث قطعا عن أنهم كانوا سيقولون لا، فحتى لو افترضنا اطلاع القائل بذلك على الغيب فإن من بعد تحقق هدف الثورة وهو إسقاط النظام تبقى الخيارات سياسية من وجهة نظري وللجميع حق الاختلاف حولها.

ثمة نقاط أخرى لا يمكن أن أزعم أنها كانت غائبة عني ليس وقت اتخاذ القرار ولكن لتثبيت القرار، منها مثلا قضية ضرورة عودة الجيش إلى وضعه الطبيعي وإبعاده عن السلطة بعد أن أدى المهمة حفاظا على عدم عسكرة الدولة من جهة وإعادة للأمور إلى نصابها من جهة أخرى.

أكون منافقا لو قلت إن الحديث عن المادة الثانية كان غائبا عن ذهني، ولكن الأمر يستدعي بعض التوضيح حتى لا يساء فهمي ويُعتقد بأنني ممن تأثروا بالخطاب الديني من هنا أو هناك فسارعوا للتصويت أملا في صك غفران.

أعتقد أن كثيرين يتفقون معي على أن المادة الثانية ما كانت لتتغير حتى لو وضعت لجنة معينة الدستور المقبل، فالجميع يعرف بحكم عوامل عدة أنه من الأفضل للحفاظ على استقرار مصر داخليا ترك هذه المادة وشأنها وبالتالي كانت ستبقى حتما.

وبرغم هذا، إلا أنه من الواضح أن بعض الرموز من هنا أو هناك -مثلما شاهدنا في الدعوة إلى التصويت- كانت ستثير جدلا حول هذه المادة وهو ما من شأنه أن يثير توترا واحتقانا لا يتناسب مع الأوضاع الأمنية في الدولة حاليا ولا حتى في حالتها المثالية، وبالتالي يمكنني القول بأننا في غنى عن هذا الجدل الذي سيضر ولن ينفع ومن ثم اخترت تجنبه تماما.

كان هذا رأيي الذي لا أنتظر عليه ردا.. فما فائدة الرد الآن وقد حُسم الأمر؟ وبالتالي دونته ليس لإقناع أحد به بل لبيان موقفي مثلما وعدت بعض أصدقائي الذين استمعت إليهم.. لا داعي لإعادة الجدل مرة أخرى وأنا أقر بأنني قد أكون مخطئا في حساباتي التي بنيت عليها قناعتي بـ"نعم" فلم أكن روحا أبدية الألم.. مع الاعتذار لأمل دنقل.