الخميس، يناير 27، 2011

قراءة متعجلة





ربما يكون من أكبر الأخطاء التي تدل على ضحالة صاحبها أو قصر نظره هو الإسراع في محاولة تحليل الأحداث ولكنني سأخوض هذه المغامرة مع استبعاد وصف "التحليل" والاكتفاء بـ"التعليق" الذي يبدو كلمة أخف وطأة بكثير.

ما يحدث من 25 يناير وحتى الساعة التي أكتب فيها الآن كان حلما بعيدا عن مخيلة غالبيتنا منذ فترة، ولعل فقدان الأمل والسكوت والسلبية كان ملهما لبعض السيناريوهات شديدة الكآبة وفي الوقت نفسه شديدة القابلية للحدوث مثل أحداث رواية "يوتوبيا" للكاتب أحمد خالد توفيق.

ولم تُبن أحداث تلك الرواية أو غيرها من التصورات على أي نوع من الاحتجاجات واسعة النطاق في الشارع، فكان التخيل يُنسج دائما على استسلام تام من جانب الشعب واستمرار في التصعيد من أعمال النهب والقمع من جانب الفئة الحاكمة حتى يصل الوضع إلى كارثة محققة.

وبالتالي فإن خروج آلاف الشباب إلى الشوارع في "دفعة أولى" استجابة لدعوة عبر الإنترنت لا يعني إلا أن السيناريو الأسود بات بعيدا وأن حسابات النظام ارتبكت كثيرا عما كانت عليه وقت تزوير الانتخابات النيابية الأخيرة التي كان يتم الحديث خلالها عن "حزب الأغلبية" والذي لم يخرج منه ولو شخص واحد يرفع شعارا له.

المكاسب كثيرة من وراء اليومين الماضيين فقط.. أولها كسر حاجز الخوف واستبعاد سيناريو السير بجوار الحائط والدخول فيه إن أمكن، وثانيها أن من خرجوا إلى الشارع هو مسلمون ومسيحيون من اليمين واليسار والتيارات الإسلامية بما فيها بعض السلفيين وهو ما يعتبر انتصارا حقيقيا على خطاب طاعة ولي الأمر مهما فعل.

أقف هنا لأستمتع بلحظة الإجماع النادرة هذه.. فإن لها نسيما أود أن يملأ رئتيّ عوضا عن التلوث الفكري الذي كان كان منتشرا حاملا معه عبارة "لا فائدة".

مكسب ثالث أود تنقيته من الشوائب الشخصية كأن أشعر بالشماتة تجاه كل من سخر يوما من فكرة التظاهر سواء أيام الجامعة أو حتى التوقيع على بيان التغيير.. أو كل من اكتفى بالسخرية والنقد أو كل من لم يكن له رأي في السياسة وكان يفضل عدم الخوض فيها والبقاء على الحياد السلبي.. فالآن أقول لا شماتة بل لنفرح ببعضنا.. فكثير من هؤلاء الآن يرفعون الأعلام ويفكرون حقا بالنزول ويتابعون الأخبار أولا بأول.

مكسب رابع.. النضال عبر الفيسبوك وتويتر يأتي بنتائج حتى في المجتمعات ذات التعليم المنخفض، والتكنولوجيا وسيلة جبارة لخرق التعتيم الإعلامي وحتى تواطؤ المؤسسات.

مكسب خامس وأحسبه الأهم هو أن التوريث لم يعد ممكنا.. أعتقد الآن أنه حتى لو هدأت الأوضاع –وإن كنت أستبعد ذلك- فإن التوريث لن يحدث.. يدرك النظام جيدا أن خروج الآلاف من الشباب قبل موعد تسمية مرشح الحزب الحاكم بأشهر يدل على إمكانية خروج الملايين حال ما جاء الإعلان عكس التيار تماما.

بل وحتى إن بقي المرشح الرئيس الحالي فإن هذا لن يرضي أحدا وسيكون سببا في اندلاع احتجاجات أشد وطأة من الحالية بالنظر إلى أن أحد المطالب الرئيسية هو عدم ترشح مبارك الأب لولاية جديدة.

لا ننسى أن النظام بات مرتعشا منذ إسقاط ابن علي في تونس وخرجت صحفه بعناوين عن توفير فرص عمل وإصلاحات اقتصادية مع استمرار تجاهل السياسة، والمشكلة بالنسبة له أن التجربة التونسية أحرقت جميع الأوراق الممكنة أمامه.

في مصر ثمة سقف أعلى من الحرية الشكلية كبرامج التوك شو المنتشرة والتي أجمع غالبية ضيوفها على ضرورة إقالة حكومة أحمد نظيف الحالية.. وبالتالي بات هذا هو الحل المرحلي الذي سيأمل النظام أن يكون نهائيا.

ولكن المخيف حقا بالنسبة للنظام هو أن إقالة الحكومة كان قرارا أقدم عليه ابن علي في تونس ولم يؤجل رحيله الذي جاء بعدها بساعات.. كما أن حالة الطوارئ معلنة أصلا وبالتالي لا يوجد أي إجراء أمني شكلي يمكن اتخاذه باستثناء حظر التجوال ربما.

بعبارة أخرى، الكروت التي يملكها النظام في يده وهي قليلة سبق وألقاها ابن علي في تونس ولم تجد نفعا.. والمشكلة أن النظام في القاهرة يدرك أنه لا مفر من الإقدام عليها إذ لا سبيل سوى مزيد من التشدد الأمني مع تلبية لبعض المطالب.. وكل هذا لن يبدو أنه يقابل بترحاب وهذه هي الورطة الحقيقية والكابوس الذي يؤرقه.

أضف إلى ذلك أن كافة الحكام العرب بمن فيهم مبارك نفسه قالوا إنهم يحترمون خيارات التوانسة، وحتى يحافظوا على ما تبقى من صورهم أمام شعوبهم فسيحترمون اختيارات المصريين تماما مثلما طرأ تغير على الخطاب الغربي في التعامل مع احتجاجات مصر.

نقطة أخيرة لا أرغب أن تفوتني وهي أنه لا يعقل أن مدينة مثل السويس تبعد عن القاهرة نحو 130 كيلومترا فقط تبدو وكأنها في قارة أخرى حين تتعرض لمجزرة من جانب الأمن.. إنها صورة بشعة أخرى للمركزية التي تجعل كل شيء في العاصمة ويبقي سواها في الظل.

السبت، يناير 15، 2011

آه يا تونس




بركان من الأفكار والخواطر انفجر في ذهني وأنا أتابع ما حدث ويحدث في تونس خاصة بعد الإيقاع السريع ليوم الجمعة الذي شهد إقالة الحكومة ثم إعلان الطوارئ ففرار الرئيس وسط مظاهرات شعبية حاشدة كانت ذروتها رشق مقر وزارة الداخلية بالحجارة في قلب العاصمة.

في البادئ علينا الإقرار جميعا بأن التوانسة أبطال مهما كانت النتائج التي ستسفر عنها الأيام المقبلة حتى لو كانت ستشمل سرقة أو احتواء الثورة من قبل بعض رموز النظام السابق الذين ظهروا في الكادر وقت إعلان محمد الغنوشي تسلمه السلطة مؤقتا.

شاعر تونس أبو القاسم الشابي هو وحده صاحب البيت الذي ظلل كل الآمال الثورية في البلدان الناطقة بالعربية، وبالتالي كان من حق التاريخ أولا أن تتصدر بلاده جيرانها وتفوز بشرف السبق بأول انتفاضة شعبية تقصي ديكتاتور من طراز بن علي.

كنا نظن في الماضي أن الثورة على الحكام "رجس من عمل الفرس" بعد أن اقتصرت تجارب الشرق الأوسط في هذا المضمار على إسقاط شاه إيران محمد رضا بهلوي منذ 32 عاما حين أقلعت طائرته بحثا عن جهة تستقبله، إلا أن تكرار المشهد مع بن علي الليلة الماضية بدد كثيرا من اليأس.

تونس أسدت جميلا للعالم بأسره وللعرب بوجه خاص كونها أثبتت أن هذه النظم الديكتاتورية "أوهن من بيت العنكبوت"، فحتى لو كان الرئيس مسئولا أمنيا سابقا يشغل منصب وزير الداخلية فإن هذا لن يعصمه أبدا من غضب الشعب فقط إذا "أراد الحياة".

كسر عقدين من الزمان على رأس السلطة لا يعني أن هذا الحاكم قد بات ظل الله على الأرض، ولا يعني أن ثمة شعوبا "مسالمة" ترضى بالأمر الواقع وأخرى "جسورة" ترفض الظلم.. فقط بعض التفاصيل تختلف بين هنا وهناك ولكن يبقى الجميع قادرا على هدم الأصنام التي طالما عُبدت لأنها تتضرر –بطبيعتها- من ضربات الفأس.

رحيل بن علي بهذه الطريقة يؤكد البعد المسرحي للخطابات الشعبية التي يلقيها الحكام وسط عواصف التصفيق وهتافات الفداء بالروح وبالدم، ولعل ذلك أحد أسباب طريقة تعامل وسائل الإعلام العربية الرسمية مع الوضع في تونس الذي يبدو نموذجا قابلا للتكرار.

لا مجال الآن للحديث عن خطاب "طاعة ولي الأمر" مهما فعل أو أن فلانا هو "الحاكم الشرعي" أو إصدار فتوى بإهدار دم من يدعو للخروج على النظام، أو انتقاد فكرة الاعتصامات وتحريم التظاهر، فقد اتضح الآن أن مرددي هذه الأفكار هم فئة من أعداء الشعب ينتفعون ببقاء الأوضاع الحالية لأن من خلالها عرفوا الفضائيات وكونوا الثروات وصار لهم مريدون يقدسونهم وباتوا يشار إليهم بالبنان.

لم يكن غريبا أن يجد ابن علي مقصده لدى نفس النظام الذي استقبل في السابق عيدي أمين، فهذه النظم جميعا لا يوجد لها أي نوع من الشرعية وأرى أن أغلب رؤوسها سيعانون من الآن فصاعدا كوابيس يرون أنفسهم فيها يهرولون على سلالم الطائرات المغادرة.

شخصيا شعرت بأمل كبير في 2011 بعد ثورة تونس، فالعام الذي بدأ كأسوأ ما يكون بحادث كنيسة القديسين ها هو يبتسم للمرة الأولى ويجلب حدثا تاريخيا يعيد الأمل إلى الشعوب التي عانت طويلا تحت نير القمع والخوف.

تهانينا يا أبطال تونس.. أنتم السابقون.



الأحد، يناير 09، 2011

مبعثرات

ثمة مشكلة حقيقية لمن يجد نفسه مطالبا بالتخلص من شعور قلما تعرض له في السابق ولكنه صار الآن يلازمه كظله الذي يطول ويقصر تبعا لمصدر الضوء دون أن يفارقه في النهاية.

كثيرا راودني حلم ألا أفعل أي شيء بإتمامي العقد الرابع من العمر إن قُدِّر لي العيش حتى تلك السن التي لا أدري كم سأكون مندهشا حينها وأنا الذي مازال لا يصدق أنه في أواسط العشرينيات.

في ذلك الحلم لا عمل لي ولا مسئوليات.. فقط أعيش رفقة زوجتي بهدوء وأقابل أصدقائي في سهرة على مقهى كل أسبوع وأعود إلى منزلي لست مطالبا بشيء.

أحيانا يضرب هذا الحلم امتعاضي من فكرة اللامسئولية المطلقة، فأضيف إليه بعض الرتوش كأن أملك مثلا كشك على ناصية الشارع أبيع فيه ما أشاء وأفتحه وأغلقه وقتما أريد وقد أمتنع عن البيع لمجرد أن الزبون لا يروق لي أسلوبه، وهذه الفكرة أقتبسها من صديقي عمرو النحراوي.

أستمتع كثيرا بأن الإضاءة خافتة في منزلي. لا أعني أنها تتسبب في ضعف الإبصار الضعيف أصلا، بل أقول إنها ليست صاخبة وتريح العينين بشكل يبعث على النعاس أغلب فترات اليوم.

أحب ترك النوافذ مغلقة أغلب الوقت حتى في الصيف، ولي علاقة مودة كبيرة مع النوم الذي لم يخذلني في أكثر أوقات احتياجي إليه.

هذه كانت كتابة لأشياء مبعثرة فقط لأنني رغبت في الكتابة.