الأحد، ديسمبر 27، 2009

تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009 - الجزء الثالث


أريد أن يكون هذا هو الجزء الأخير، وسأحاول فيه الإجمال أكثر من التفصيل، فالبلاغة في الإيجاز وخير الكلام ما قل ودل.

حسنا.. يبدو أننا لم نترك من معالم باريس للزيارة سوى القليل..أعتقد أننا زرنا المعالم الأشهر كقوس النصر وكنيسة نوتردام وبرج إيفل والبانتيون ومتحف اللوفر وسرنا ونهر السين، وتسكعنا في الشانزليزيه والحي اللاتيني وحديقة لوكمسبورج وشارع سان جيرمان، وأفلتت منا يورو ديزني.

يمكنني العودة للانطباعات من جديد، لأقول إن باريس مدينة سياحية إلى المدى الأبعد، وفي أكثر من مناسبة أستوقف شخصا لأسأله عن الاتجاه بالفرنسية فينتظر حتى أفرغ ثم يقول بالإنجليزية "أنا لا أعرف أي شيء بالفرنسية".

بل وذات مرة تسقط مني تذكرة مترو فأجد من يلاحقني ويقول لي بالإنجليزية أيضا "لقد سقطت منك تذكرة!"، بل وحتى من يتحدثون الفرنسية.. فوجئت مرتين بمن يسألني داخل المترو عن محطة معينة.. وكان بالغ فخري حين نجحت في وصف محطة لإحدى السيدات التي تبدو من خارج العاصمة أو ربما لم تستوعب بعد الشبكة العملاقة.

يمكنني القول أن الفرنسية قد تكون آخر ما يحتاجه من يزور باريس، فجميع العاملين في المقاهي يتحدثون الإنجليزية، أو على الأقل ما يكفي منها للتعامل، وهناك من يجيدونها أيضا من العاملين في شبابيك المترو ولكن على سبيل الاستثناء وليس القاعدة.

باريس مليئة بالأجانب حتى في شهر نوفمبر الذي يأتي بعد نهاية موسم السياحة الصيفي، فدائما تسمع محادثات جانبية في المترو أو في المتاجر أو في الشارع، أي بعيدا عن المزارات السياحية، بلغات مثل الإيطالية والإسبانية والبرتغالية وغيرها.

بدت لي العولمة في أقصى صورها حين سألتني سيدة في المترو عن محطة ما، فأخبرتها أني لا أجيد الوصف بالفرنسية فأتى أحدهم ليساعدني فسأل هل تعرف الإسبانية فأجبت بنعم، فترجم لي من لغتها إلى لغتنا الوسيطة لأتعرف عليه لاحقا وأكتشف أنه برازيلي أي يتحدث البرتغالية.

ولتتخيل أن برازيليا لغته البرتغالية يقابل مصريا لغته العربية أثناء وجودهما في بلد الفرنسية، فيتحدثان بالإسبانية! ضحكت بسبب هذا المشهد.

في اللوفر وجدت قسما كاملا من الأقسام الثلاثة خصص نحو 90% من أجزائه أو أقل قليلا للمصريات، وهو شيء يبعث على الحيرة حين تجد مومياء وأغراضا لا نهائية، بل ونحو خمسة أو ستة تماثيل لأبي الهول طول الواحد منها قرابة خمسة أمتار.

وتزاد الحيرة حين تجد من كل حضارة آثارا، فها هي أغراض للفينيقيين، ومقابر للرومان، وأسود الفرس، وثيران الآشوريين المجنحة الملصقة بجدران عملاقة لا تعرف كيف خرجت من بلادها لتأتي إلى فرنسا! هذا بخلاف اللوحات الفنية كالموناليزا التي لا يمكن لأي شخص الاقتراب منها إلا بمسافة معينة.

لا أعرف حقيقة هل خرجت هذه القطع كهدايا مثل المسلة الموجودة في ميدان الكونكورد أم أنها خرجت خلسة في حين يستحيل ألا يشاهد أحد هذه الأحجام العملاقة أثناء خروجها! ربما لو منحت الفرصة لتسمية اللوفر اسما آخر لقلت "متحف المسروقات".

على الرغم من الوجود العربي الكبير في فرنسا، فإنك لا تجد جهاز ترجمة آلية إلى العربية أثناء دخولك إلى قصر فرساي، وهذا شيء صادم لأن أجهزة الترجمة متاحة في عشر لغات من بينها الكورية!! تلك اللغة التي يتحدثها 78 مليون نسمة مقابل 300 مليون للعربية!! الآن أدركت خسارتي الفادحة حين سخرت من تعلم الكورية والتأثر بالمسلسلات الدرامية التي أنتجتها سيول.

في الشانزليزيه تبدو أغلب المحال لـ"الفرجة" نظرا لارتفاع الأسعار بجانب أسلوب العرض الاستعراضي سواء لمجوهرات "كارتييه" أو معارض سيارات "رينو" و"بيجو" و"مرسيدس" و"تويوتا"، ورينو وبيجو تحديدا تسيطران على سوق السيارات الفرنسية تتبعهما سيتروين ومرسيدس.

ويلاحظ في ذلك الشارع انتشار الشحاذين من المسلمين، فمنذ أن وطأته بقدمي لأول مرة جاءتنا فتاة سألتنا إن كنا نعرف الإنجليزية أم لا لنتعلم أن نجيب بالنفي بعد ذلك، حيث أشهرت لنا ورقة كتب عليها "أنا من البوسنة ولاجئة هنا ولا أملك مالا.. ساعدني".

لست بحاجة للقول أن ملامح الفتاة لم تكن لها أية علاقة بالبوسنة على الإطلاق، فهي أقرب لمنطقة شرق-وسط آسيا، ولكن يبدو أن التسول وأحيانا الاحتيال معتاد في البلدان السياحية، وهو ما تأكد حين حاول أحدهم لعب حيلة "الخاتم الملقى" معنا بجوار مجرى السين قرب جزيرة إيل دي لاسيتيه التي تحمل نوتردام.

اللعبة تقوم على أنه يلقي خاتما وكأنه وجده للتو، فيسألك هل هذا لك؟ فتقول لا! فيلح عليك أن تأخذه لأنه غير متزوج وغير مرتبط عاطفيا، وبعدها يطالبك ببعض من المال كي يأكل! وحين حاولت كشف هذه اللعبة لسائح آخر بعبارة "سيدي.. لا" التي فهم منها ما أريد سريعا..، خرج إليّ من يريد الشجار معي، قبل أن أخاطبه بحسم وأبتعد.

هناك سبيل آخر للكسب لا أحب أن أسميه تسولا، هم شباب رأيتهم في الشانزليزيه يحملون معهم مشغل موسيقى كالهيب هوب ويقدمون فقرات راقصة بمهارة فائقة مقابل بعض المال في القبعة، أو فقرة موسيقية في المترو مع الدفع إن راقت لك.

وبمناسبة الفن، حين يمر بك المترو على جدران لا نهائية في الشوارع تشاهدها من النافذة، لا تجد واحدة منها سلمت من كتابات سبراي ملفتة وكأن فن الجرافيتي هو هواية كل الباريسيين.

المجتمع الفرنسي يبدو في بعض الأحيان متقبلا لفكرة اختلاط الأعراق، وهو ما شاهدته مرة لفتاة شقراء وشاب أسمر البشرة، والعكس تماما في مشهد آخر، ولكن هذا يبدو أكثر قبولا لدى الأجيال الشابة.

أمام نوتردام يوجد بعض ما يعبر عن ثقافة القبول تلك، فهناك شبان لا تعرف بلدانهم يحملون لافتات كتب عليها بالإنجليزية "أحضان مجانية" ويعانقون كل من يريد.. وبالطبع "مجانا".

ولكن الصورة ليست ناصعة هكذا، البعض كان يخاف الجلوس بجوار زوجتي المحجبة، والنظرات تكون قاتلة أحيانا، ولكن ذلك في طريقه للاندثار مع الكم الهائل من الأفارقة والآسيويين المتواجدين بكل مكان في فرنسا.



الخميس، ديسمبر 17، 2009

تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009 - الجزء الثاني




كنت قد رويت شكواي من البرودة رغم استمتاعي بالشتاء في مصر، ولكن الأمر كان مختلفا في باريس لدرجة تدفعك لرفض فكرة ركوب الحافلات الحمراء المكشوفة المسماة "أوبن تور" والتي تجوب بك لمدة يومين معالم العاصمة الفرنسية مقابل 24 يورو.

الحديث عن الأسعار أمر آخر، ولكنه يستوجب في البداية نسيان أن اليورو الواحد يساوي ما يزيد على ثماني جنيهات مصرية، فهذه قاعدة للتعامل قبل شراء تذكرة للمترو أو شطيرة من أي من محال الوجبات السريعة التي تبدو الخيار الأول لمن يريد اقتصادا في مصروفاته.

سعر تذكرة المترو داخل نطاق باريس 1.60 يورو، ويزيد بمجرد خروجك عن هذا النطاق تبعا للمسافة، وهو ما قد يرفع السعر إلى 2.5 يورو مثلا إذا كنت ذاهبا إلى حي لا ديفانس الملئ بمقار الأعمال والذي يقارب إلى حد كبير الصورة النمطية عن ناطحات سحاب نيويورك، وقد يصل السعر إلى 8 يورو أو أكثر إذا كان المطار هو الوجهة المقصودة.

أما الأطعمة، فتبقى شطيرة مكدونالدز الأشهر "بيج ماك" مثالا حيا للمقارنة بين نمطي استهلاك في مصر وفرنسا، فالشطيرة التي يبلغ ثمنها في مصر منفردة نحو 15 جنيها وتشبع فردا يصل سعرها في فرنسا إلى 3.20 يورو ولكنها لا تشبع قطا نظرا لتضاؤل حجمها بشكل مدهش.

شخصيا وجدت مشهدا كان يؤرقني أكثر من رؤية شطائر لحم الخنزير الباردة، وهو شطائر الجبن الأبيض التي يزيد سعر الواحدة منها عن 5 يورو في بعض الأحيان، في حين لا يجرؤ محل وجبات سريعة في مصر على مجرد طرحها بين قائمة المأكولات استخفافا بقيمتها.

ربما تكون السمة المميزة لكل لمطاعم الفرنسية هي تعليق قائمة المأكولات والأسعار على الواجهة الخارجية للمكان مما يجنبك عنصر المفاجأة أثناء الدفع أو حتى بعد الجلوس على المائدة، وهو مظهر يعكس الطابع السياحي لباريس التي ما إن توقف شخصا لتسأله عن مكان ما إلا وتكتشف أنه في الغالب أجنبي بدوره وقد لا يعرف الفرنسية.

في الحي اللاتيني حيث تتواجد المحال الشرقية عموما والعربية خصوصا، تكتشف أن سعر شطيرة مشبعة للغاية من الشاورما والبطاطس في محل يديره أكراد يصل إلى 4.5 يورو مما يقنع الفرد بالاعتماد عليها كوجبة يومية ثانية بجانب إفطار الفندق المدفوع مسبقا.

أما أسعار المزارات السياحية فهي متباينة بشكل يبعث على الحيرة، ففي ثاني يوم لنا وجدنا قصرا كنا قرأنا عنه على الإنترنت يدعى "جران باليه" ودخلناه بتذكرة تبلغ قيمتها 10 يورو للفرد لنكتشف أنه يضم حاليا معرضا للفنون التشكيلية التي لا نفقه فيها شيئا ولا تثير ذرة اهتمام من جانبنا.

في المقابل فإن متحفا كاللوفر لا تزيد تذكرته عن 9 يورو للفرد وتنخفض قيمتها إلى 6 يورو بعد الساعة الرابعة مساء يومي الثلاثاء والأربعاء، إلا أن الارتفاع النسبي يعود مجددا مع تذكرة قصر فرساي بقيمة 15 يورو يضاف إليها تذكرة مترو بقرابة 6 يورو.

ولكن على أي حال يمكن للسائح الاستمتاع مجانا بالوقوف أسفل برج إيفل الذي لم نفضل صعوده، أو دخول ساحة المتحف الحربي دون القاعات، أو التجول في فناء اللوفر وحول هرمه الزجاجي الشهير، أو حتى دخول كنيسة نوتردام أو الوقوف أسفل قوس النصر دون دفع سنت واحد.

بالنسبة للهدايا التذكارية، يمكن شراء تي شيرتات صيفية ذات علاقة بمعالم باريس بقيمة تتراوح من 15 وحتى 6 يورو لنفس القطعة تبعا للمتجر، ولكن إن كنت تبحث عن ميداليات فيمكنك شراء الخمس بيورو واحد من المهاجرين الأفارقة "على باب الله" الذين تجدهم أمام برج إيفل أو قصر فرساي أو اللوفر.

وهذه الميداليات تباع الواحدة بيورو أو اثنين في المتاجر، وشاهدت متجرا وحيدا يبيع الواحدة بنصف يورو، ولكن من الممتع، بجانب التوفير، أن تشتريها من شقيق أفريقي من دول غرب القارة السمراء يحدثك بالفرنسية أو الإنجليزية وأحيانا بالعربية.

لا مجال للحديث بالطبع عن أسعار التاكسي لأنني لم أجرؤ على التفكير في ركوبه، فالمترو وسيلة أفضل وقد بدأنا نستوعب آلياته وكيفية تطبيق الخريطة على الواقع مع مرور اليوم الثاني كما أنه يوفر أحيانا متعة الترجل من المحطة وحتى الجهة المقصودة.

والخريطة بالمناسبة مجانية وتجدها في كل منافذ بيع تذاكر المترو أو في الفنادق، ولكنها تحتاج بعضا من التركيز لاستيعاب شبكة القطارات التي تنقسم ما بين 14 خطا للمترو وخمسة لخدمة "إر أو إر" التي كنت أسميها "رير" وتعني اختصارا شبكة القطارات الداخلية، وهي قطارات تختلف عن المترو في اتساعها نسبيا فقط.

سأكمل لاحقا لأن الحديث قد طال.

الأحد، ديسمبر 13، 2009

تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009 - الجزء الأول


سأحاول من خلال هذه التدوينة أن أروي انطباعات وخبرات كونتها خلال زيارة إلى العاصمة الفرنسية باريس قمت بها برفقة زوجتي في الأسبوع الثاني من نوفمبر الماضي، وهي بالطبع ستكون قاصرة لأنها ليست سوى أيام معدودة مما يجعلني لا ألوم من يصف الكلمات هنا بالسطحية.

في الواقع أملك أفكارا متعددة في رأسي ولا أعرف حتى الآن كيف سأكتب السطور التالية، ولكن في البداية أشكر صديقي مهند الذي رشح لي عنوانا للتدوينة مقتبسا من عنوان كتاب رفاعة الطهطاوي عن نفس المدينة والذي اختصره الفرنسيون حين نقلوه إلى لغتهم إلى "ذهب باريس" ليلقوا بالسجع في أقرب سلة قمامة.

كما ذكرت في تدوينات سابقة، إن رغبتي في السفر أولا كانت إلى أوزبكستان في وسط آسيا، ولكنها مغامرة لا معنى لها خاصة أنني لم أغادر حدود وطني قبل نوفمبر الماضي، ولا يوجد طيران مباشر بين القاهرة وطشقند، ولا يوجد ما قد يسر زوجتي في تلك البلاد أصلا.

حسنا.. لتكن أوروبا، ومن هنا كانت الأفضلية لإيطاليا لولا وجود عرض سياحي أفضل إلى باريس لا يشمل استقبالا أو برنامج جولات لأنني لست من هواة أن أكون ممن يطلق عليهم لقب "سائح" ويعلقون الكاميرا في رقبتهم وينظرون إلى الأشياء ببلاهة، أي أن العرض كان تذاكر طيران بجانب حجز فندقي بسعر جيد.

بعد أن خرجت بسلام من المتاهات التي رويتها في التدوينة السابقة، اتجهت أنا وزوجتي بحقيبتي ظهر فقط للملابس وأخرى للكومبيوتر إلى باريس، وهو ما أثار دهشة موظفي المطار خاصة مع البرودة المتوقعة للجو هناك.

لدى نزولنا من الطائرة في مطار شارل دي جول، استقبلنا ضابط ليتأكد من صحة التأشيرة ويسألني عن سبب الزيارة، قبل أن أتعرض للاستجواب نفسه لدى حصولي على ختم الدخول، بل والتأكد من صحة بصمة يدي الموجودة في التأشيرة.

هنا شعرت وكأنني أدخل الجنة التي لا يستحقها أمثالي من أبناء العالم الثالث، فالتشكك هو السمة الدائمة، للدرجة التي تدفع الضباط للتساؤل عن حجز الفندق ومعرفة كم أحمل من النقود، وتساءلت في الوقت نفسه عن الكيفية التي يدخل بها مئات المهاجرين شهريا إلى فرنسا مع كل هذا التشديد على منافذ العبور، بالتأكيد البحر يقدم حلولا.

نزلت إلى بهو صالة الوصول، وكان أول من جربت معه فرنسيتي الرديئة عامل أمن في المطار أسأله عن مكان لشراء تذاكر المترو، ولكنه سألني بتلقائية إذا كنت أتكلم العربية، لأدرك بعدها أنه من دولة كموريتانيا أو ربما تشاد ويعمل هنا كغيره من آلاف العاملين في القطاعات التي لا يطيق أغلب الفرنسيين ذوي البشرة البيضاء العمل فيها.

بعد توهان كبير في المترو اكتشفت خطأ التعميم بأن كل الفرنسيين لا يعرفون شيئا عن الإنجليزية، بل من لا يعرف يحضر لك من يعرف.. وغالبا كنت أشعر بود من جانب من يصف لي الطريق وأشعر بتوجس من أولئك الذين يرمون سهاما من عنصرية إلى حجاب زوجتي حين ينظرون إليه خلسة.

في محطة "شاتليه ليزال" المركزية اكتشفنا أن التذكرتين اللتين كنا نحملهما ليستا صالحتين لتجاوز الماكينة الالكترونية ومن ثم العبور إلى رصيف خط آخر من خطوط المترو الـ19 يأخذنا إلى المحطة المجاورة للفندق، لنبقي في حيرة وسط دوي البوابات الإلكترونية كل ثانية وكأنها تتحدث عن غياب للإنسانية في نفق تحت الأرض يمرق فيه العابرون كآليين.

وفي ظل الحيرة وعجز فرنسيتي على تفسير الموقف، استوقفنا سيدتين ترتديان الحجاب، وكان السؤال البديهي بالفرنسية "هل تتحدثان العربية؟" وجاءت الإجابة السعيدة بـ"نعم".

السيدتان كانتا من المغرب، وقامتا على الفور باصطحاب كل واحد منا والعبور باشتراكهما صوب بهو المحطة كي نقطتع تذكرتين جديدتين، وهي مغامرة كانت من الممكن أن تؤدي إلى تغريمهما لو شوهدتا عبر كاميرات المراقبة، ولكنها وقفة كافية لتوثيق حبي للمغرب طيلة حياتي.

وهذا مشهد تكرر حين لاحظ شاب مغربي حيرتنا مع خريطة باريس أمام محطة "جار دو نور" ليصف لنا كيفية الذهاب إلى الحي اللاتيني، وهو شعور بالألفة قد تجده المحجبة في باريس حين تقابل محجبة أخرى تمر من جانبها فستسمع منها عادة تحية "السلام عليكم" مصحوبة بابتسامة ودودة.

وصلنا الفندق أخيرا في السابعة صباحا، لنترك الحقائب ونبدأ في التجول حتى الثانية ظهرا حين يحين موعد تسلمنا للغرفة.

الانطباع الأول: اللعنة على البرودة:
فهمت أخيرا معنى عبارة "حلاوة شمسنا" وإن كانت لا حلاوة في شمس مصر لأنها أذابت الحلوى! ولكن علي أي حال يبقى البرد في باريس مثار عجب بالنسبة لي خاصة أنني كنت أرتدي "سويت شيرت" وعليه معطف سبور فقط دون أية إضافات.

البرد هناك لا يشبه البرد هنا، ففي مصر نشعر بالبرد غالبا في صورة رياح تمر بالشارع، وليس بردا متوطدا يشكل محيطا غير مرئي للأرض كما هو الحال في باريس حيث كنت أشعر وكأني أمشي في صالة هائلة من السيراميك الذي يمتص البرودة ويحتفظ بيها طيلة العمر في تلك الحالة! ولا مجال للبحث عن قرص الشمس لأنه حين ظهر كان لا يلبث دقائق ويغيب مباشرة ثم يعود مجددا وهكذا.

البرودة في باريس تجعل من المقاهي المغلقة ملاذا آمنا، ومن محطات المترو معصما، ومن كل الأماكن المغلقة كهوفا دافئة إذا قورنت بالهواء الطلق.

سأكمل لاحقا لأن النوم يغالبني.


الاثنين، نوفمبر 30، 2009

بين القيد العائلي والشنجن

بعد أن استقر بنا المقام على اختيار العاصمة الفرنسية للسفر عقب الزواج، بدأت سلسلة من الإجراءات التي لا أصدق حتى الآن أنها انتهت.

تزوجت في أغسطس، وسافرت في نوفمبر.. ولكن قرار السفر في حد ذاته كان محسوما في أول أكتوبر حين دفعت مقدم حجز الفندق وتذاكر الطيران بإحدى شركات السياحة لأبدأ بعدها مباشرة السير في خطين متوازيين.

الخط الأول كان يفترض أن يكون الأسهل من الناحية النظرية، وهو الحصول على إذن سفر من وزارة الدفاع بناء على إعفائي مؤقتا من أداء الخدمة العسكرية، وهو الإذن الذي يتطلب إثباتا لمبرر استمراري معافى من أداء الخدمة.. أي إثباتا أنني مازلت الابن الذكر الوحيد لوالدي، أي وثيقة قيد عائلي حديثة لا يطول عمرها عن ثلاثة أشهر.

أذكر أيام حصولي على الإعفاء المؤقت أن وثيقة القيد كانت أسهل ما يكون لولا عبارة "الجهاز عطلان" التي كانت تفاجئني بها الموظفة أحيانا فأضطر لإرجاء الخطوة.

ولكن هذه المرة اختلف الوضع كليا، فقد فوجئت بعدة أمور، أولها أن وزارة الدفاع طلبت من جميع المتقدمين للتجنيد سواء كانوا يستحقون الإعفاء مثلي أم لا أن يقدموا وثيقة قيد عائلي، ليزداد الطلب عليها بشكل يفوق بمراحل كمية الأجهزة المتاحة في السجلات المدنية المعدودة التي تقدم هذه الخدمة.

فكرت في الإنترنت كما فعلت مع شهادة الميلاد من قبل، ولكن اتضح لي أن الأمر سيطول، وبالفعل وصل القيد الذي طلبته عبر الشبكة أثناء تواجدي في فرنسا، أي بعدها بشهر.

في تمام الساعة السابعة إلا الربع من صباح أحد الأيام كنت أقف أمام قسم الدقي الذي استخرجت منه القيد العائلي في السابق،ولكن فوجئت بـ13 شابا يطلبون مني تسجيل اسمي في قائمة حصلت فيها على الرقم 14 كي يكون دوري المفترض إذا دخلنا بالفعل للسجل.

ومع الوقت بدأ آخرون يتوافدون حتى بلغنا 86 اسما في القائمة، بجانب آخرين يؤكدون أن عطلا بالكومبيوتر منعهم من استخراج الوثيقة في الأيام السابقة مما يعني نيلهم أولوية عن المسجلين اليوم.

بعدما دخلنا إلى بهو القسم، خرج ضابط من شرفة وأكد أن مواليد قسم الجيزة (أمثالي) لا يتبعون الدقي كما كان في السابق، وبالتالي علي الذهاب إلى الهرم.

في الهرم وجدت الموظف وكأنه ينتظرني وحدي، فأكد لي أن مواليد الجيزة يتبعون العمرانية فشددت الرحال إليها.

في العمرانية طالبوني باستمارة مخالفة لتلك التي اشتريتها من مكتب البريد، فهرعت أبحث عنها وقدمت الأوراق أخيرا مع وعد بتسلم الوثيقة بعد أسبوع، وكان ذلك يوم السابع من أكتوبر.

بعدها بأسبوع ذهبت للقسم فقال لي الضابط أن أجئ بعدها بثلاثة أيام وفوجئت به يطالبني بتصوير إيصال الاستلام ففعلت، ثم وجدت اسمي قد دخل إلى الموظفة التي أكدت لي أن آتي لاحقا، ففعلت بعد شجار، ثم بقيت هكذا حتى أمسكت الوثيقة في التاسعة من صباح 28 أكتوبر.

كانت الموظفة لا تريد منحي القيد باعتبار أن قسيمة زواج أبي وأمي ليست مسجلة على الكومبيوتر وهو ما يستدعي ذهابي لتوثيقها إلكترونيا في العباسية، ولكن أخبرتها أنه سبق واستخرجت القيد من الدقي فأخرجت لي الوثيقة!!!

في نفس اليوم مباشرة، عدت سريعا إلى المنزل ومنه هرعت إلى مكتب التجنيد فحصلت على إذن السفر في نفس اليوم وأنا لا أصدق عيني.

في تلك الأثناء كنت أتردد بانتظام على قنصلية فرنسا بوسط المدينة كي أحصل على تأشيرة الدخول إلى الدول الموقعة على اتفاقية شنجن، وبعد أن جمعت كافة الأوراق ذهبت برفقة زوجتي لعمل المقابلة الشخصية التي تخللها اعتراض على رصيدي المصرفي وأسئلة عن والديّ وحمويّ وكأنني في تحقيق بوليسي.

عاد لي جوازا السفر في اليوم التالي مع طلب تقديم الجواز القديم بعدها بـ11 يوما كانت قد شهدت تحريات عني في العمل واستعلامات عن راتبي ومنصبي وما إلى ذلك حتى جاء الموعد الثاني فسلمت الجوازين السابقين مع وعد بمعرفة النتيجة في اليوم التالي.

وخلال ذلك كنت تقدمت للحصول على شهادة تحركات من المجمع خشية أن يكون الفاصل الزمني بين جوازي السفر الخاصين بي يثير ريبة السفارة، ففعلت ذلك من باب الاحتياط.

في اليوم الأخير ذهبت لأنتظر كثيرا حتى حصلت على الجوازين وبهما تأشيرة سارية لمدة ثلاثة أشهر مع إمكانية البقاء داخل ما يسمونه "حيز شنجن" لمدة 30 يوما منها.

أعرف أن أسلوبي في هذه التدوينة قد يكون شبيها بترجمة الطهطاوي لمغامرة تليماك.. ولكن أروي تلك الأيام وأنا لا أريد تكرارها.


الأحد، نوفمبر 22، 2009

مصر والجزائر - السفور

ما أجمل الصورة بلا قناع، وما أقبحها أحيانا دون ساتر.. هذه هي المقولة التي تنطبق على المشهد الحالي في مصر فيما يتعلق بالتعامل مع مباراة المنتخب الفاصلة في تصفيات كأس العالم والتي خسرها بهدف أمام نظيره الجزائري في السودان، والتي يبدو رأيي فيها مخالفا لرأي الغالبية من أبناء وطني، ومن مشجعي الكرة تحديدا.


فقط قبل أن أسترسل في الحديث الذي أشعر أنه سيطول، أتمنى من الجميع إلقاء ولو نظرة عابرة على تدوينتي السابقة مباشرة بعنوان "كنت معهم" والتي تتحدث عن لقاء 14 نوفمبر بالقاهرة الذي تابعته من المدرجات في ثالث تصفيات مونديالية أؤازر فيها منتخب بلادي من الملعب وتنتهي بالنتيجة ذاتها.

بل كنت أفكر جديا في السفر إلى السودان لحضور المباراة الفاصلة، ولكن معاناتي في استكمال الأوراق اللازمة للحصول على إذن سفر من وزارة الدفاع أدت إلى استبعاد الفكرة بجانب عدم تفاؤلي شخصيا بسبب موجة الاحتفالات التي سيطرت على مصر وكأنها تأهلت بالفعل، علما بأنني شاركت بنفسي في هذه الاحتفالات!!

ما أعنيه أنني مشجع كروي بحق، ليس من أمام التلفاز بل من المدرجات، وشاهدت لمنتخب بلادي مباريات تاريخية رغم صغر سني وقتها، كفوزنا على الجزائر تحديدا 5-2 في مارس 2001 بالقاهرة، وبالتالي فإنني لست بمعزل عما يشعره الجميع من مرارة الخروج من التصفيات والحاجة للانتظار أربع سنوات لمحاولة تحقيق الحلم.


شاء القدر أن تسند إليّ مهمة كتابة مقال عن المباراة الفاصلة لصحيفة "البريوديكو" الإسبانية العامة بحيث يتناول الأجواء في مصر، على أن يقوم صحفي جزائري بالمقابل بكتابة مقال آخر، وهو ما قد كان بالفعل وتم نشر المقالين يوم المباراة.

مقالي كان عنوانه "أفيقوا نحن أشقاء" وهو اقتباس من أغنية أحمد مكي "فوقوا" والتي أشرت إليها في معرض ذكري للمبادرات المصرية الداعية لتهدئة التوتر والتي لم تلق صدى مع إصابة حافلة الفريق الجزائري بالحجارة لدى وصوله إلى القاهرة.


وربما قيمة المقال كلها -إن كانت له قيمة- تكمن في الفقرة الأخيرة التي أسوق ترجمتها بالعربية عسى أن تساهم في إيضاح ما سأقوله بعد ذلك..

"إذا فازت مصر في الخرطوم فسينعم الشعب كله بالسعادة على الأقل حتى يونيو حين يبدأ المونديال، ولكن إذا حدث العكس فسيبدو كل شيء أكثر سوادا أمام المشاكل المعتادة كالمرور والبطالة والإسكان".


بالطبع من الوارد أن يتم اتهامي بالإساءة إلى سمعة مصر في الخارج باعتبار أن من قرأ المقال في إسبانيا لا يدري أن دول العالم الثالث تواجه أي نوع من هذه المشاكل، ولكن ما أردت قوله هو أن المستفيد الأول في حال ما تأهل المنتخب إلى كأس العالم هو النظام الحاكم في مصر الذي كان سيضيف إنجازا كرويا جديدا.


فالناظم المستمر في الحكم منذ 28 عاما شهد وصولنا لكأس العالم بعد غياب أكثر من نصف قرن، بجانب الفوز بأربعة كؤوس لأمم أفريقيا قام الرئيس بنفسه بتسليم اثنين منهما في 86 و2006 بفاصل عقدين من الزمان!


أما الآن والحديث عن التوريث وأزمات تلوث مياه الشرب وقضايا أكياس الدم والمجاري والمحاكم العسكرية والتعذيب في أقسام الشرطة وإمكانية ترشح البرادعي وخلية حزب الله، فكان أفضل شيء يلهي البشر عن كل ذاك هو إنجاز طال انتظاره بالتأهل لكأس العالم.

ولنغرق جميعا بهذا الإنجاز في حسابات القرعة وهل من الأفضل أن يلعب أبو تريكة كمهاجم متأخر أم كصانع ألعاب، وهل كان من حسن حظنا الوقوع مع الأرجنتين أم إيطاليا التي كنا سنعتبر هزيمتها مرة أخرى أمرا واقعا لا محال.

هذا هو ما أراده النظام، وليس للتوريث بالضرورة، بل ربما لمجرد إراحة الدماغ، وبالتالي ذهبت إلى السودان قوافل الفنانين والفنانات، ولا أدري ماذا كانت تفعل ميسرة في المدرجات؟! بينما ذهب الجزائريون رجالا من مشجعي كرة القدم الأكثر عاطفة في العالم ليؤازروا منتخبهم.

وذهب الخُضر في غياب جمهورنا الحقيقي الذي تكرر حرمانه من الذهاب إلى الملعب كما حُرم في أمم أفريقيا 2006 بسبب السوق السوداء وذهبت بدلا منه فتيات لا تعرف أن الأوفسايد هو نفسه التسلل بل وتجهل معنى أي منهما!

فقد كان النظام الحاكم يريد احتكار الإنجاز تماما، فأرسل فنانيه ورموزه للوقوف وراء الفريق الذي يبدو وكأنه قد تعرض للشؤم في المبارتين بسبب هؤلاء، وهو ما تمثل في غياب كامل لخط الوسط إذا أردنا الحديث من الناحية الفنية التي لا يريد أحد الاقتراب منها ولا أدري لماذا.

ولكن فوجئ الجميع بما هو يفترض أن يكون متوقعا! فالجمهور الجزائري الذي ذهب للتشجيع سعى لضرب المصريين انتقاما لمن أكدت وسائل الإعلام الجزائرية وفاتهم في مصر بينما لم يتم نشر التكذيب.

وفي كل الأحوال كان "المناصرون" كما يسمون هناك لا يريدون قتلا بقدر ما يريدون تخويفا وإحداث إصابات كما يفعل جمهور الإسماعيلي في أنصار الأهلي بالإسماعيلية تماما.. وبالتالي جاءت نتيجة في صورة 25 مصابا على أقصى تقدير ولا وجود لقتلى.

هي حادثة متكررة من الجمهور الجزائري المعروف بعاطفته الحارة لكرة القدم، وهي نفس العاطفة التي أدت إلى سقوط 14 قتيلا في احتفالات التأهل بالجزائر!! وهي الرد بصورة أو بأخرى على استفزازات أطلقها أمثال عمرو أديب لمصالحة الجهاز الفني لمنتخب مصر بعد اتهام اللاعبين بالزنا والدعارة خلال كأس القارات.


هي إعادة لما جرى خلال مباراة عنابة 2001 التي أفسدتها الجزائر على مصر رغم عدم حاجتها للفوز أو حتى التعادل كي تحرم الفراعنة من المونديال، وهي المباراة التي أحرقوا فيها العلم المصري وتعرضت بعدها حافلة اللاعبين للحجارة وأصيب المذيع هشام رشاد، وهرعنا نطالب بإعادتها، ولكن دون ربع الضجة المثارة حاليا نظرا لعدم وجود فنانين وقتها.


هو رد على كل ما جاء عبر فضائيات مصرية- لا تملك الجزائر ربعها- من صراخ وعويل واستنفار وتسفيه لتاريخ بلد الثوار وإمعان في نزع انتماء الجزائر إلى الإسلام أو العروبة وتفضّل حقير في الوقت ذاته بمساعدة النظام الناصري لثورة التحرير.

وهو أيضا سعي من رئيس الجزائر لكسب قاعدة شعبية لأخيه الذي شاهد المباراة من المدرجات، ويريد أن يكون له بمنزلة راؤول لفيدل، لولا أنهما ليسا في كوبا.


أما نعرف طبيعة المواجهات مع الجزائر؟ لماذا المفاجأة؟؟؟ فالبداهة تقول ضرورة إرسال مشجعين حقيقيين في مباراة كهذه، حينها كانوا سيضرِبون ويضرَبون ويمر الأمر سليما.

وحساسية الموقف بين مصر والجزائر في كرة القدم معروفة للجميع، فبالصدفة كنت في فرنسا قبل لقاء القاهرة بيومين اثنين، وحذرت زوجتي من الحديث في كرة القدم مع الجزائريين المتواجدين هناك، وعلى الرغم من ذلك قابلنا أحدهم وتركنا لديه انطباعا طيبا كما ترك هو الآخر لدينا.


والآن أتساءل لماذا نتعرض للتصريحات المضحكة كيهودية محمد روراوة ولماذا نشاهد التفافا شعبيا غير مسبوق حول الرئيس وعائلته للدرجة التي دفعت المطرب محمد فؤاد للتصريح لقناة الحياة بالقول "أنا بحمد ربنا إني عايش في عصر الرئيس ده وولاده".. "ولاده"؟؟؟؟؟؟


لا أقول أن الجزائريين الذين خدعوا بأخبار الإعلام المحلي الكاذبة معذورون، ولكن في الوقت نفسه النظام المصري هو من يتحمل المسئولية كاملة وقد بدا أمام عيني في حالة "سفور" فاضحة لاستغلاله الحدث في إلهاء و إثارة الشعب الذي انضم 83 ألفا منه حتى هذه اللحظة إلى جروب "أكره الجزائر" عبر الفيس بوك.


ما يفعله النظام المصري حاليا يتجاهل وجود مصريين في الجزائر ويتجاهل ضرورة عدم الإساءة للسودان في موقف كهذا ويتجاهل مرة أخرى أنه لم يفعل عشر ما يفعله الآن أمام التجاوزات التي تقع بانتظام ضد مصريين في دول خليجية تظن أنها استعبدت أبناءنا.

في النهاية، أكرر ما قاله كاتب عربي، ليس جزائريا كأغلب العاملين في الفضائيات العربية كما يبدو، حين جاء في صدر مقاله "خسرت مصر.. وخسرت الجزائر"، ولكن لا أريد إكمال العبارة بـ"فازت إسرائيل".




الأحد، نوفمبر 15، 2009

كنت معهم



هي مرة نادرة أخرى أتحدث فيها عن كرة القدم.. وعلى عكس  الندبة الأشهر في فيلم "الطريق إلى إيلات" التي كانت تقول "يا ريتني كنت معاهم" أقول أنا "كنت معاهم".


آسف لما قد يسببه هذا التشبيه للبعض من امتعاض، ولكن هو تشبيه وليس واقعا مطابقا على أي حال، فأنا أعي أن حديثي عن مباراة كرة قدم حضرتها في الملعب لأشاهد فريق بلادي يهزم الجزائر بثنائية دون رد في تصفيات كأس العالم.


صحيح هناك فساد معتاد في بيع التذاكر، وتذكرتي اشتراها لي صديق بمائة جنيه، وصحيح عانيت ككل مرة من طابور الدخول والمعاملة غير الآدمية من الأمن المركزي، وصحيح أيضا عانيت الأمرين على مدار شهر كامل كي أستخرج وثيقة حكومية تثبت سريان حالتي العائلية كي أحصل على إذن سفر إلى الخارج من وزارة الدفاع.. كل هذا صحيح.. ولكن قمة مشاعر الوطنية والانتماء صارت لا تتفجر في هذا العصر إلا حين نساند فريقنا الوطني.


فهذا الفريق وحده نشر حالة من البهجة بيننا جميعا، بشقينا وسعيدنا، بين الغني والفقير، بين المسلمين والمسيحيين، بين من يفقهون في كرة القدم ومن لا يعرفون أن التسلل هو نفسه الأوفسايد دون أن يعرفا معنى أي منهما، وقد نشر المنتخب هذه الحالة في ثلاث مناسبات من قبل.. لدى الفوز بكأس الأمم 2006 ثم عند حفاظه على اللقب في 2008 وعند النصر التاريخي على إيطاليا بطلة العالم في كأس القارات 2009.


والآن يبدو سيناريو السعد الرابع وشيكا، فقط شريطة أن نفوز في السودان، وهذا حديث آخر ليس موضعه الآن، فأنا هنا لأروي يوم 14 نوفمبر.


كنت قد عدت إلى مصر مساء الخميس 12 نوفمبر، ووصلت إلى المنزل في منتصف الليل تقريبا ليبدأ اتصالي بالعالم الخارجي بعد انقطاع لمدة أسبوع عن استخدام الإنترنت بسبب ارتفاع سعره هناك، حيث كان اعتمادي كله على قنوات تلفزيون أوروبية لا تبث أي شيء له علاقة بالمباراة أو حتى بمصر.


سهرت حتى الفجر وجلست مع الأهل على نوبتين إلى أن جاء موعد عملي في منتصف الليل من جديد.. كانت وردية السهرة... أنهيت العمل بعد مقاومة صامدة للنوم في الثامنة صباحا.. ثم هرعت إلى السيارة وأعدتها إلى المنزل الذي وصلته في التاسعة لأنام ساعتين بالضبط وأستيقظ في الحادية عشرة لأرتدي قميص المنتخب وأحمل علما معي منذ 2006 وأصطحب البيريه كي أبدو وأنا مرتديه غير بعيد الشبه بجيفارا بعد طول شعري (ليس إغراء لبنات حواء).



بعد صلاة الظهر مباشرة انطلقت دون السيارة إلى الجيزة -مسقط رأسي- حيث قابلت محمد نصر في محطة المترو وانطلقنا إلى الملعب الذي دخلناه في الساعة الرابعة.


كنا قبل الدخول قد قمنا بدورة كاملة حول الملعب من الخارج أي على محيط يساوي أضعاف محيطه الحقيقي حتى نصل إلى مدخل مدرجات الدرجة الثالثة يمين المخصصة عادة لجماهير الزمالك، وهي التي لم أجلس فيها من قبل طيلة حياتي.


وأثناء الطابور الأول بجوار أحد الأسوار المحيطة بالمدخل.. لاحظت بنطالا حينز تركه صاحبه أو جرى إجباره على تركه لأسباب مجهولة، ورأيت أنه يستحق صورة كوميدية للذكرى.








وما إن بدأت أهازيج التشجيع، حتى دخل المذيع الداخلي للملعب والذي لم نسمع أبدا صوتا خلاف صوته على مدار عقود، كي يبدأ في توجيه الجماهير بسترة حمراء جعلتني أشك في كونه سمير صبري شخصيا، لولا أنه دعا إلى قراءة الفاتحة جهارا والدعاء للمنتخب في نفس واحد.


ودون مفاجآت، طلب المذيع التحية لرئيس الجمهورية باعتباره راعي مسيرة التقدم وما إلى ذلك، وبالفعل هللت الغالبية العظمى من الجماهير، قبل أن ينعكس رد الفعل لدى مطالبته بتحية مماثلة لـ"السيد جمال مبارك" ليبدو هتاف "ييييييييييييييي" واضحا لكل ذي سمع.


وجاء موعد الإحماء ليندفع اللاعبون إلى أرض الملعب وسط تهليل خرافي، يتقدمهم القائد أحمد حسن بعد أن سبقه عصام الحضري ليشير كلاهما للجماهير تحفيزا وطلبا للدعم الذي كان فوق الوصف خاصة إذا امتدت الصورة لتنقل صافرات الاستهجان التي غطت دخول لاعبي الجزائر إلى الملعب.


وبدأت المباراة.. وهدف في الدقيقة الثانية ذهب معه صوتي قبل أن يذهب نبضي لثوان في الشوط الثاني مع صدة الحضري الإعجازية لانفراد صايفي!

واحتبست الأنفاس حتى الدقائق الأخيرة حين بدأت أصرخ فيمن في المدرج "مابتشجعوش ليه؟ مفيش رجالة؟ ابقوا اقعدوا في بيوتكم اتفرجوا على التلفزيون".


وبعد أن فقدت الأمل أنا نفسي بسبب اللعب السلبي للفريق والقصور الخططي، أكد لي محمد نصر أننا سنحرز هدفا قائلا "بقولك إيه ماتعمليش المتشاءمين بيشجعوا مصر"، ثم بدأ الجميع يهتف "كاس العالم.. كاس العالم" وبعض منا يدمع. 


وجاء الهدف الثاني.. لأنظر إلى إسلام نصر وكلانا في ذهول لمدة ثانيتين ثم ننفجر عناقا وبكاءً في الوقت ذاته..


ومع نهاية المباراة عادت الأغاني الوطنية في حالة إنشاد جماعي خاصة أغنية شادية "يا حبيبتي يا مصر"، بعد أن كنت قبلها أتخيل حسرتنا واحتفال الجزائريين على أرض الملعب بالتأهل بدلا منا بفارق هدف وهو أكثر سيناريو كنت أخشاه، ولتشاهد الفيديو على الرابط التالي 
http://www.facebook.com/video/video.php?v=214929464224
.


أكثر ما يسعدني حاليا بشكل سادي هو أولئك الذين ينظرون لكرة القدم على أنها مجرد "تفاهة" أو أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه، وهذا انعدام فهم لطبيعة هذه الرياضة التي تتخطى حواجز المستطيل الأخضر ولا يكون لها طعم إلا بأجواء الحشد والشحن هذه.. فلا معنى لكرة القدم دون تصريحات كالتي يطلقها مانويل جوزيه أو مورينيو أو مارادونا.. كل شيء يبدو مسليا ولكن إذا بقي في حيز الكلمات فقط.. طالما لم يتطور إلى أي اشتباك مباشر، وأعتقد أن كلامي واضح.


مما أسعدني أيضا خلو الملعب من الفتيات التافهات اللاتي أصبحن علامة مميزة للمدرجات منذ نهائيات 2006 ليأخذن بالمال مكان الجمهور الحقيقي الذي يقف مع المنتخب منذ سنوات.







الجمعة، نوفمبر 13، 2009

قريبا




1- بين القيد العائلي والشنجن.
2- تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009.


وقد أكتب بشكل عارض عن مباراة الجزائر إن كان لي عمر أو دعت الحاجة.

الأحد، أكتوبر 18، 2009

بالعامية تاني








لما أرجع أتكلم بالعامية شوية بعد فترات من جفاف الفصحى يبقى مزاجي رايق نسبيا.. أو على الأقل معنوياتي مستقرة..، وده يمكن اللي بتعبر عنه حالتي حاليا إني ممد على السرير وفي وداني السماعات عشان أتحاشى إني أكون سبب في الإزعاج.


بسمع إيه؟ باك ستريت بويز!! يخرب بيت الفريق ده فعلا.. ده ألبومهم الجديد اللي لحد دلوقتي شايف فيه 3 أغاني بس منهم 2 حلوين جدا بيحسسوني إن لسة عمري 16 سنة.


الليلة دي حلمت بماتش مصر والجزائر المرتقب.. حلمت بالشوط الأول بس! إننا عملنا شوط زفت وفيه فرصة كانت هدف مؤكد من كورة صدها الحضري على مرتين.. بس اللي نبهني إني بحلم إن وائل جمعة كان بيلعب وهو أصلا موقوف.


حكاية الأحلام بالمباريات دي مش جديدة عليا، يمكن تصفيات 2002 حلمت بماتشاتها ألف مرة، بالذات ماتشين المغرب والجزائر هناك، لكن تصفيات 2006 ماحلمتش بأي حاجة.. ماحستش حتى بالمونديال نفسه.


من ضمن المفارقات اللي حصلت لي في آخر شهر إن شخصيتين بعاد عن بعض للغاية حذروني لأسباب ميتافيزيقية من إني أتعرض لـ"مقلب" جامد أو "وشاية" ما هتسبب لي ضرر بالغ في حياتي.


النبؤة الأولى كانت من حوالي شهر وصاحبها شافها في سيناريو ما وفسرها بسيناريو آخر، وماوقفتش عندها إلا لما حصلت النبؤة الثانية اللي كانت بسيناريو ثالث واتفسرت بالسيناريو الثاني.


إيه التخريف اللي بقوله ده؟ مش عارف! أنا مش واقف قصاد فكرة النبؤة أو التحذير في حد ذاتها بقدر مانا واقف أمام معنى إني أبقى في خواطر شخصين بالصورة دي، الفكرة نفسها غريبة أوي، لدرجة إني أكتبها هنا.


بقى لي فترة كاتب جنب اسمي على الماسنجر "الفنان"! ومش عارف ليه بقيت بحس أوي بالجوانب الفنية اللي في شخصيتي، طبعا على أساس إن كل شخص في العالم بداخله جوانب فنية حتى لو في حاجات قد تبدو تافهة.


كنت بفكر أخلي عنوان المدونة ككل "تأملات" على غرار مقالات فيدل كاسترو الأسبوعية اللي بيتأمل فيها من زمان، وأهو يبقى جزء من إعجابي بالراجل.


الصداع رجع لي دلوقتي حالا!! هنشر التدوينة دي وأشوف لها صورة عدلة (عشان بقى لي فترة مبنزلش صور) وبعدين أتلقب أناااااااااااااام مرة تانية.


الثلاثاء، أكتوبر 06، 2009

تخيلات

كعربتي قطار انفصلت حلقتاهما، فواحدة بقيت في مكانها، والأخرى أكملت الرحلة حتى صارا كمدينتين.. لكل شعاره، ومبادئه، وقوميته، ولغته، وعقيدته العليا.. وكلها معلنات قد لا يمليها إلا الظرف وغياب البدائل وضرورة التماسك واعتبارات قد لا تنتهي.

***

ماذا لو كانت المظالم تباع؟ هل سيصبح بعضنا أثرياء؟ هل سيفتقر الجبارون؟ لا أرجح سوى أن يبقى الحال على ما هو عليه، بل قد يزيد الطين بلة.. ويصبح عرض المظالم أضعاف طلبها المعدوم.. ولن تجد مشتريا واحدا، فتضاف لعنة الفقر إلى ضحية الظلم.

***

في طور البلاهة.. قد يدفع أحدنا بأعز ما يملك لآخر.. حتى لو كان سرا بينه وبين ربه يظن أن فيه نجاته في الآخرة.. هو يدفعه إليه دون تفكير، ويفاجأ قبل أي شيء بمعتقده يلقى أرضا.. ويغطى بمقذوفات الاستهانة والتباهي بما يفوقه.. فأيا كانت خطوته التالية.. سواء جثا على الأرض للملمة الشظايا، أو استحى أن يقترب منها ويحوطها بكفه الذي دفعها.. ففي كل الأحوال يكون ما أدرك كافيا ألا يعود مهما يكون.

***


آمل أن أستيقظ بعد نحو ساعتين من الآن.. هي مهمة صعبة، ولكن يجب إتمامها.. أسأل من قد يقرأ هذا قبل ذهابي أن يسأل الله لي التوفيق.


الجمعة، أكتوبر 02، 2009

كله كلام

أشعر بالخجل من كل ما كتبت يوما! وقبل أن أسهب أكثر فقط أوضح أنه ليس خجلا بسبب تباين شخصيتي وكلماتي، بل هو خجل من أنني لم أملك يوما ما أراه يستحق جديا أن ينشر ولو مجانا على مدونة كهذه، أو حتى منتدى أو عبر أية وسيلة أخرى.

أتذكر أحد زملاء العمل السابقين، كان طوى ستة عقود من العمر، ومع ذلك يأبى أن يكتب رغم ثرائه الفكري، فقصر جهده على الترجمة إلى العربية من ثلاث لغات، وكنت بالصدفة أكتشف كتبا ومازلت.. لأعرف لاحقا أنه هو من ترجمها ولم يذكر ذلك قط.

ولكن حتى دور الناقل الذي يحيد بنفسه، لا أجدني له أهلا، وأشعر برغبة في التخفي حين يقرأ لي أحد، حتى لو تقريرا إخباريا أو تحليلا عن كرة القدم! فالآن أؤمن أنني لم أكتب عبارة واحدة تستحق النشر، وأن أقيَم ما كتبته هو ما رغبت ألا يقرأه أحد، ربما تكون هوامش في كراس محاضرات نتاج عقل غير منتبه لما كان يقال.

وربما يكون الأقيم ما لم يقيّم، وفي النهاية هو كله كلام.. قيل من قبلي ويعاد من بعدي، وما أخذت إلا دورا في صف، ولا أريد أكثر ولم أستحق أكثر.

لا أدري إلى متى سيمتد ابتعادي عن هذه المدونة، ولكن هذا لا يعني بالضرورة توقفي.

الاثنين، سبتمبر 07، 2009

بين السطور

هذه المرة أعود بعد توقف آخر امتد طيلة الشهر الماضي لأكتب من جديد.. وللمفارقة أكتب بين السطور أثناء تواجدي في العمل، فما أن أنتهي من تحرير خبر، أو ترجمة تصريح، أو مراجعة تقرير حتى ألتفت إلى صفحة المدونة فأكتب شيئا.

لماذا الليلة؟ لا أدري تحديدا، ولكن ربما لأنني المسئول الوحيد الآن عن هذه الوردية، وهذا ليس مدعاة للفخر، بل تعليلا قد يكون حقيقيا لانسلالي بين الأخبار والصور إلى مدونتي التي لا أدرك تحديدا إن كنت أفتقدها أم لا، أو إن كانت هي تفتقدني أم لا.

أمقت الزحام وخاصة إن ارتبط بالضوضاء، لا بد أن العيش في مدينة 6 أكتوبر قد أفسد ما زرعته في الجيزة خلال 18 عاما قضيتها في شوارعها حتى أنهيت الدراسة بالصف الأول الجامعي، فصرت الآن أكثر منزلية مما كنت من قبل، ولو خيرتني يوم الإجازة بين الذهاب إلى الأرجنتين أو النوم، فإن إجابتي ستكون مدفوعة بالكسل على أساس أن الأرجنتين بعيدة وتحتاج وقتا طويلا من الطيران وتجهيزات وغيرها، بل لن أكمل كلامي حتى تجدني مستلقيا على الفراش كي أنعم بالسبات.

أحتاج لهدنة مع نفسي بعض الشيء، ولكن قبل هذه الهدنة أحتاج لهمة تترجم ما سأستقر عليه إلى واقع عملي لأن كم الخطط التي وضعتها ولم تنفذ أصبح كبيرا بحق، وإن كنت لا أشعر بالأسف إزاء ذلك.

نحن على بعد ساعات من اليوم التاسع من الشهر التاسع للعام التاسع بعد الألفين من ميلاد المسيح (ع)، هذه ليست مقدمة فصل بكتاب تاريخي من القرون الوسطى، بل طريقة لفظية للتعبير عن الزمن بدلا من استخدام الأرقام كما فعلت قبل نحو عامين في يوم 7-7-2007 ووضعت سبع أماني مازلت أذكرها.

ما الجديد في اليوم التاسع من الشهر التاسع من العام التاسع؟ لا أدري! حتما لا وجود لمعجزات ترتبط بأرقام مبنية على تقويم وضعه بشر، فلماذا ميلاد المسيح؟ لماذا لا تكون ذكرى الصلب مثلا أو أية مناسبة أخرى؟ فكلها كانت قائمة ومتاحة وحسمها الاختيار البشري، وبالتالي لا معنى للحديث عن معجزات، بل حتى لو كان الأمر مختارا من عند الله، فهل هي آلة قمار تعطيك جائزة حين يظهر نفس الرقم أو نفس الشكل في الخانات الثلاث؟ ولو كان هذا صحيحا، فرقم 9 تحديدا ورد في الخانات الثلاث لتاريخ ميلادي، لأنني مولود في اليوم التاسع عشر من هذا الشهر، من عام ستة وثمانين وتسعمائة وألف (بالمرة)، وماذا حدث لي؟ لا شيء.. لا غمامة تظللني.

قد أعود في وردية أخرى.. أتمنى ألا يفتقدني أحد حتى حينها، وهذه أمنية مضمونة.

الاثنين، يوليو 27، 2009

حواديت

أغنية لمنير اتأخرت عني 14 سنة!


ياما في زماننا قلوب رسماها أعمارنا..
زي النجوم حواديت.. على ضل شباكنا.

***

دي مركبي فضة..
وفرحي لو قضّى..
حبيبتي تبقى معاي..
من غيرها مش هرضى!

ساعات أتوه مرات..
ألقى القمر هدّى..
يسقي النسيم شربات..
في ليل طويل عدى.

الصعب راح وّلى.
الحب ده أحلى.
لو وقفت الساعات..
صوتي أكيد أعلى.

لو زارني فرحي ساعات..
حواديتي مابتخلصش..
قمري حصان في الليل..
نجومه دي بترقص.

والحلم ويايا..
والذكرى جوايا..
من بين كتير حكايات..
حكايتنا دي حكاية.

ساعات أحب حاجات..
مايحبهاش غيري..
في الرايحة في الجايات..
بغني مع طيري..

طمّني أطمّن..
في القلب راح تسكن..
وطول هواكي معاي..
أتدفى واطمّن.

الخميس، يوليو 23، 2009

هناك آخرة




هذه ليست تدوينة دينية، ولكن إن كانت.. ليس عيبا.


نحن الآن في أواسط 2009 أي قاربنا نهاية العقد الأول من القرن، وهذه السنوات العشر تحمل بينها مئات التناقضات في نظري، ربما يبرز بينها ذلك التناقض في الموقف من فكرة الآخرة، وأن لهذه الحياة نهاية هي الموت، ثم تأتي مرحلة الآخرة حيث الحساب والعبور إما إلى الجنة أو النار.

أعتقد أن النصف الأول من هذا العقد كان في أغلبه يتسم بوجود مد للمشاعر الإيمانية حتى مع كل التحفظات التي لا يتوقف أعداء عمرو خالد عن ترديدها، وأقول أعداء لا منتقدي لأن الفارق كبير بين النقد والرفض لشخص ما بما يعكس حالة عداء واضحة قد تكون لها تبريراتها.

على كل حال كان تفكير قطاع لا بأس به من الشباب أو من هم تحت العشرين تحديدا غارقا في قضايا ذات أبعاد إسلامية، حتى ولو كانت خيرية عامة مثل مشروعات "شنطة رمضان" التي مازالت مستمرة بثوبها المتطور كل عام والتي قد تأخذنا لحديث آخر نظرا لارتباطها بثقافة العمل الخيري في مصر الذي لا يخلو من عيوب واضحة.

بل بشكل فكري، كان قيام الليل وقراءة التاريخ والتأثر بسير الصحابة من معالم المرحلة، فكان طبيعيا أن تجد حذيفة بن اليمان محور حديث جمع من الفتية أسرع أغلبهم للتسجيل في برامج حفظ القرآن التي تقدمها بعض المساجد الكبرى.

وكانت فلسطين حاضرة بقوة، ربما لحادثة استشهاد الشيخ أحمد ياسين والتي تبعتها حادثة استشهاد عبد العزيز الرنتيسي، أو ربما في إطار مشاعر العار التي صاحبت سقوط بغداد ومن قبلها كابول.

في كل الأحوال، كانت هناك حالة إيمانية عامة تنعكس على الأقوال والميول وأحيانا كثيرة السلوكيات والأنشطة الاجتماعية مهما كانت انتقاداتي أنا شخصيا أو غيري.

ولكن كل هذا تبخر! ولست ميالا للجزم بأن ميلودي ومزيكا مسئولتان عن هذا! ولكن حقيقة لا أدري ماذا حدث! ربما الحياة العملية.. ربما انتهاء الدراسة.. ربما حروب الحب.. ربما كأس الأمم الأفريقية.. ربما انتهاء مرور النسيم.. ربما زوال الموضة.. ربما أي شيء آخر.. وفي كل الحالات لا أعرف!

قد تكون الماديات بوجه عام هي السبب، وهذا ما أستشعره حين لا أقرأ لدى غالبية من أقابلهم أية فكرة عن الآخرة! بالتأكيد الغالبية تؤمن بوجود اليوم الآخر.. ولكنه إيمان عميق تحت الرمال، شيدت فوقه البنايات الشاهقة حتى أصبح نسيا منسيا، قد يحتاج استخراجه من جديد إلى صدمة نفسية تولدها زيارة للمقابر لشهود دفن أحد الأقرباء.. ولكنها تكون مؤقتة المفعول.

هذا ليس ادعاء للزهد، ولكن كثرة التفكير في الآخرة قد تساعد أحيانا على اللامبالاة الإيجابية إن صح التعبير، فلا يتوقف الفرد أمام إحباطاته كثيرا، بل قد يتعامل معها بابتسامة ساخرة وكأنه شيخ في الثمانين، يعمل ما ينبغي عمله بموجب شعوره بالمسئولية، ولا يطمح في المزيد.

انعدام التفكير في الآخرة تجده في أبسط تصرفاتنا، ولا أريد ضرب الأمثلة وإلا سأكون كالقائل "مثل شروق الشمس كل صباح"، فلم يضف جديدا قط.

هناك أيضا حالة من التشكك الداخلي لدى كثيرين منا، وهذه حالة إيجابية، وأعتقد أنه من السلبي ألا يمر بها أحد، أعني التشكك في وجود الآخرة، بل وفي جدوى كل شيء من بدايته إلى نهايته، وربما التشكك فيما هو أبعد، ولا عجب فالإلحاد في حد ذاته أصبح موضة بين فئات شابة بشكل يثير الضحك أحيانا، ولا يثيره أحيانا أخرى.

وأؤمن أن على المتشكك ألا يبحث بطريقة من يريد تفنيد شكوكه، بل من يريد أن يعرف ويعثر على الطمأنينة في بقعة ما.

هناك أيضا أزمة فائض في الاعتيادية، فتكرار النماذج أصبح مملا وباعثا على الاشمئزاز، فالغالبية تريد أن تعيش وتموت كبعضها! لا فوارق، بل ثبات على نهج العادات والأعراف والتقاليد والقيم السائدة بغض النظر عن صحتها من عدمها.

فالفتاة مهما بلغ عقلها لا تقبل المساس بإمكانية التخلي عن إقامة حفل زفاف تلطخ فيه وجهها بالمساحيق، والفتى الذي ينقصه االكثير لتوفير أساسيات الحياة مازال يحلم باليوم الذي يقود فيه سيارة بي.إم.دبليو، وكل منهما يعلم عدم جدوى ما يريد أو ما يقدس، ولكنه لا يقدر على مواجهة نفسه والآخرين فيفرط فيما جعله قدسا.

قد تكون الآخرة كما قلت وسط الكلام حلا يوفر اللامبالاة الإيجابية، ولكن ليس على مبدأ أن في الجنة أفضل والسلام، فهذا مبدأ من يضمن لنفسه دخولها ولا أحد بإمكانه ذلك! إذًا الموضوع متعلق أيضا بفكرة النار، أو حتى فكرة الموت، أن كل هذا لن يساوي شيئا ولن يغني عن أحد أي شيء، فما جدوى التمسك؟

قد أكون تحدثت عن جيلي، أو عن دائرة المحيطين بي، أو عن نفسي فقط، أو عن خيالي وحده، ولكن في كل الأحوال كتبت ما أشعر به منذ مدة، وهو ما حدثت عنه أحد أصدقائي في ليلة ليست ببعيدة، وأعتذر عن عدم الترابط والترتيب في الفقرات.

على الهامش: هناك حالة بلاهة مطبقة تسيطر على قطاع من الفتيات اللاتي يرين في أنفسهن أديبات حين يكتبن status مضحك ومثير للحنق في الوقت ذاته على الفيس بوك، مثل "النهاردة هعمل حمام بالفريك" أو "كوبان" أو "اشتريت النهاردة حلاوة المولد" وغيرها مما يجبرك حينها على الصراخ قائلا "وأنا مال أهلي!" أو "هي دي ا، فضلا عن الفتيات اللاتي تحددن مواعيد للقاء بينهن عبر الحائط المتاح لكل دائرة معارفهن! أي دون أية خصوصية.

الأحد، يوليو 05، 2009

هاااااااوم

ربما يكون لتهاوي نجم المدونات بصفة عامة أثر محمود على هذه المدونة تحديدا، فلم تعد تحظى بمتابعة كما كان في السابق، وهو ما يجعل محتواها أكثر تجريدا بقتله بعض مما كان يمكن أن يصيب الكاتب من زهو أو رياء أو تجمل بشكل لاإرادي وبحكم بشريته.

نجحت أخيرا في تغيير اتجاه اللغة ليصبح من اليمين إلى اليسار تماشيا مع قراري السابق بتحويل المدونة كاملة إلى اللغة العربية والتوقف عن الكتابة الموسمية بالإنجليزية، وهذا شيء يبهجني فعلا.

أعيش هذه الأيام معجبا بأغنية The Memory of Trees للمبدعة الأيرلندية Enya، والتي أعتبر أغانيها -كغيرها- قصيرة العمر في إبهاري، لسبب لا أدريه لكن اعتيادية الظاهرة تجعلني لا أهتم بالبحث عن تفسير.

قد تكون إنيا والسلت عموما وموسيقاهم وحتى فريق The Corrs من أسباب رغبتي في زيارة أيرلندا وشمال بريطانيا يوما (حيث أتخيل عالم هاري بوتر). دوما أعجبتني تلك القلاع المطلة على التلال الخضراء والغابات، أو حتى الغموض الذي يفوح من أغنية The River Sings لإنيا.

لا أعرف لماذا عاد هاجس السفر بالنسبة لي من جديد بعد أن زهدت في فكرة ركوب الطائرة ورؤية بلد جديد وعالم آخر بعيدا عن بلادي التي لم أغادرها إلى الآن. ولا أدري تحديدا لماذا إيطاليا فقط من بين الدول "المعتادة" هي من أرغب في زيارتها! فلا أريد برشلونة أو لندن أو باريس أو نيويورك، وبالطبع مازلت أحتفظ بنفس المقت تجاه شرق آسيا بأكمله سواء طوكيو أو بكين أو بانكوك أو سيول، وربما أستثني ميانمار انطلاقا من وازع الفضول.

لماذا إيطاليا وهي هدف القوارب المصرية في المتوسط؟ لا أدري! ربما بسبب رواية قرأتها، أو بسبب خلفيتي الضئيلة عن لغة أهلها، فدائما جذبني المجهول مثل حلم زيارة آسيا الوسطى، وبالتحديد أوزبكستان! ذلك الحلم الذي نسفه قبل تصريح التجنيد.. سعر التذكرة الوهمي من القاهرة إلى طشقند على متن الخطوط الروسية، فضلا عن الشروط التي رأيتها صعبة للحصول على تأشيرة الدخول إلى بلاد بخارى وسمرقند وخوارزم.

العقبة أن كل البلاد التي أرغب حقيقة في زيارتها تتسم بارتفاع ثمن التذكرة بسبب المسافة أو ندرة حركة الطيران، فصحراء مالي وتمبكتو القديمة تبدو هدفا صعبا، شأنها شأن جولة في الأرجنتين وتشيلي حيث لا أعتقد أنني سأرى أيا منهما يوما حتى مع رغبتي في ذلك.

أشعر أن العمر مر بسرعة غريبة، وأن الأحداث توالت كانفراط عقد، ربما لذلك أعجبت بأغنية "مرجيحة" لحمزة نمرة لدرجة تحويلها إلى رنة هاتفي! صحيح.. منذ قرابة شهرين فقط امتلكت أول هاتف حديث أو متعدد التقنيات. لم يعد الآخرون ينظرون لي بدهشة وأنا أجيب مكالمة على هاتف نوكيا 1208 أو من قبله وأنا أسجل رقما على نوكيا 2300 على الرغم أنني كنت أتعامل مع أي منهما بسهولة كبيرة ودون الحاجة إطلاقا للخصائص المتوفرة في هاتفي الحالي، لماذا اشتريته إذًا؟ كانت فرصة! سعر منخفض ومن شخص أثق فيه.

يغلبني النعاس، وقد حان وقت النوم لإضاعة ثاني أيام العطلة الأسبوعية، ربما يعبر عنوان التدوينة عن حالتي مع فارق وضع يدي على فمي أثناء التثاؤب كما علمتني أمي.

كنت أتخيل أنني سأكتب الكثير بعد انقطاع عن "روح" ما كنت يوما أكتب، ولكنها من جديد الشيخوخة المبكرة تؤكد إحاطتها بي إحاطة السور بالمعصم مع أني لم أكن معصما لأحد.

صحيح... عدت من جديد للكتابة مع منتدى ناشئ بناء على دعوة زميل سابق في عالم المنتديات، ولكن يبدو أن العرض جاء كما قال صديق آخر بعدما بدأت الحكمة تتسرب لأغلبنا وأعطينا الصمت قدره زاهدين في الرد.

الجمعة، يونيو 19، 2009

1-0




الخميس 18 يونيو 2009 يوم تاريخي بلا شك! أن نفوز على أبطال العالم!!! لا أدري كم سعادتي حقا، ربما لم أكتب كثيرا عن كرة القدم في هذه المدونة، ولكن حان الوقت للتخلي عن القاعدة لأن المناسبة بلا شك تستوجب الاستثناء.


مصر تهزم بطل العالم في بطولة رسمية! أطلقت صرخة مشتركة مع زملائي في العمل وأنا أشاهد محمد حمص يرتقي برأسه ليحول ركنية أبو تريكة في شباك من؟ جانلويجي بوفون!!! حقا مشاعد يعاد آلاف المرات دون أي ملل.


مرت في نهاية اللقاء خمس مرات كالدهر! وكوني مطالب بكتابة متابعة المباراة لوسيلة، أو لممول لوسائل أخرى، يحتم عليّ أن أنسى مصريتي التي كانت تتفجر داخلي وقتها.


فكرت في العنوان، "حمص والحضري يثأران لكليوباترا"، ولكنه كان غير مفهوم ولا أدري لماذا تندرت بفكرته قبل اللقاء مع زميل لي أثناء توجهي للحمام!


وبغض النظر عما سنفعله أمام الولايات المتحدة، لقد استمتعنا بالبطولة!


وكل الشكر لحسن شحاتة، أعظم مدرب في تاريخ الكرة المصرية، جمعني القدر به مرة وقتما كان مدربا لفريق "المقاولون العرب"، في مؤتمر صحفي كنت مازلت طلبا وأحاول سؤاله ولم تسنح لي الفرصة، فأمسك بيدي حتى فرغ من الإجابة على الآخرين، ثم بقي معي ليجاوب عن سؤالي.


ورغم وجود انتقادات وكل شيء، حفر ذلك الرجل اسمه في قلوب المصريين بعد أن حفره لاعبا ماهرا عبر مسيرته.


ويكفي شحاتة ما قدمه لمصر من كأسين لأمم أفريقيا، إحداهما في عرين غانا والأخرى تحت ضغط عصبي قاتل، بجانب كأس أفريقيا للشباب، وبلوغ الدور الثاني من مونديال الشباب، فضلا عن انتزاعه كأس مصر بذئاب الجبل وقتما كانوا من فرق الدرجة الثانية.


لا أنسى أن الحضري ورغم كل السهوات، ورغم كل شيء يبقى الحارس الأفضل في تاريخ مصر، كما يبقى أبو تريكة واحدا من أكثر اللاعبين عبقرية ممن شاهدتهم في حياتي.


بالمناسبة، صحيفة "جازيتا ديللو سبورت" الإيطالية شهيرة نشرت عقب المباراة في نسختها الإلكترونية صورة جاتوزو "الشهيرة" مع أبو تريكة بجوار عبارة "إيطاليا تبقى باللباس الداخلي"، وعلى الصورة "جاتوزو في عرض ستريبتيز مرتجل ولاإرادي".



الأحد، مايو 31، 2009

كراس


مرة أخرى أعود وأكتب عن نفسي، حتى مع تعهدي بغض الطرف عن ذاتي، لا أدري لماذا تحديدا أكتب ما أكتب.. ربما التساؤل نفسه غير جائز.

كنت أروي اليوم بداية تعلقي بكرة القدم، لا أدري المناسبة ولكن الحديث أخذنا لذلك المنحى، حيث أبحرت في ذاكرتي لبدايات 1996.

وقتها كانت كأس الأمم الأفريقية تقام في جنوب أفريقيا، وكنت لم أكمل عشر سنوات بعد، إلا أنني بقيت أسيرا لشاشة التلفاز أتابع أغلب المباريات بما فيها مباراة ميتة طرفاها سييراليون وبوركينا فاسو حيث فازت الأولى 2-1.

ومضى عامان، وجاء كأس العالم 1998 حيث كنت وقتها فرغت للتو من امتحانات الصف الأول الإعدادي، حينها، ودون أن أدري أو أفكر كثيرا في ماهية ما أفعل، أخذت كراسا أخضر 80 ورقة بغلاف طفولي يمثل الضفدع الشهير "كرميت" وهو يركب بالونًا ويلوح بيده.

تحول هذا الكراس لما يشبه بمجلة عن البطولة، فقبل انطلاقها كنت أقرأ كل ما يرد في الجرائد عن كل الفرق، وبالتالي أصبحت لدي خلفية تؤهلني لكتابة صفحة عن كل فريق تشمل استعراضا لأهم نقاط القوة والضعف وتوقعاتي لمسيرته في كأس العالم، بجانب العلم الوطني في نهاية الصفحة بألواني.

ومع بداية البطولة كنت أدون نتيجة كل مباراة وأهدافها مع انتظار اليوم التالي حتى تنشر صور منها في الجرائد، فأقصها وألصقها في كراسي وأكتب تحتها تعليقا من اختياري.

وحافظت على قوام الكراس حتى رغم سفري إلى مرسى مطروح أواسط البطولة، فعدت لأدون كل ما فاتني، وأغرق باحثا عن نتيجة مباراة كرواتيا ورومانيا في دور الستة عشر (1-0) حيث لم أملك وقتها كومبيوتر أو أعرف البحث على الإنترنت الذي كان موعدي الأول معه بعدها بثلاثة أشهر.

ومرت السنون وأبقيت على الكراس في دولاب والدتي، وفجأة لم يعد موجودا! ولا أدري السبب، ربما أثناء انتقالنا للمنزل الحالي ضل الطريق.

والآن بعد 11 عاما، أشتاق إلى هذا الكراس، بكل سذاجته، بكل ذكرياته، ورغم فقدان الأمل عمليا في وجوده.. لا أعرف لم أشعر أنني سأمسكه بين يدي يوما.






أول تي-شيرت كرة اشتريته كان الزي الاحتياطي الأزرق للأهلي
كنت متابعا للكرة أفضل من كوني لاعبا

الجمعة، مايو 15، 2009

كلام

لا شيء في هذه الحياة يساوي شعور الفرد أن هناك من يحبه ويفتقده، ذلك الشعور الذي أجده في معانقة صديق أعرفه منذ أكثر من عقد، تحول بيننا المشاغل والحياة، ولكن يجمعنا دائما عناق حار، يعود إلى أيام المدرسة الإعدادية، حين كنا صبية لم تلعب "المصلحة" أي دور بأي نسبة في تشكيل صداقتنا، أو قل أخوّتنا.


أعي جيدا أنني لم أعد أستخدم ضمائر المخاطَب فيما أكتب، لا أريد أن أفرض رؤيتي على من يقرأ إن كان هناك أحدهم... فقط أريد أن أكتب أحيانا.


هل أتنازل عن شهادتي الجامعية؟ ربما ألجأ لذلك كمواجهة لحملة التشويه المسبقة لكل من كان ذنبه أنه التحق بجهة تدرس الصحافة، أو أنه قرر أن تكون الكلمة والجملة مهنته وجرمه أنه وُفِّق لتحقيق ما أراد.


"شد الحزام"... أغنية أحبها وحل جميل.


الثلاثاء، مايو 05، 2009

الرحمة

الجدل الدائر على مدار الأسبوع الأخير هو أنفلونزا AH1N1 التي عرفت في البداية عن طريق الخطأ باسم "أنفلونزا المكسيك"، لتعرف بعدها بخطأ ثان باسم "أنفلونزا الخنازير" وتبدأ موجة من الجهل والعنصرية والتعسف والتسييس تعصف بالشارع المصري.

وبلغ الجدل ذورته مع قرار "إبادة" الخنازير بحجة تطهير مصر من المرض، وهو القرار الذي سبقته عرائض وحملات ومجموعات على الفيس بوك، فحواها عنصرية واضحة وقسوة بالغة وجهل جم.

اعتقدت الغالبية، وبمنتهى الصراحة، أن الدولة لن تقول "بم" في قضية الخنازير باعتبار أنها حيوانات تربى في الأعم الأغلب في مراعي يملكها مسيحيون، ويستهلك لحومها بالطبع مسيحيون أيضا، وبالتالي فإن الدولة في سياسة التراجع أمام المسيحيين لن تملك سوى ترك الخنازير بعكس ما فعلته من إبادة للدواجن قبل سنوات قليلة في ظل غزو أنفلونزا الطيور.

ونسيت هذه الغالبية أن الطيور التي أبيدت كانت مملوكة لمسلمين ومسيحيين على حد السواء، وأن من تضرر بالأزمة كانوا من مرتادي المساجد والكنائس معا، وبالتالي لا معنى أن تكون قضية الخنازير في وجه قضية الدواجن، ومن ثم الحديث عن ازدواجية في المعاملة.

وبالطبع توالى الهراء، فعشرات المحامين يطالبون البابا شنودة بموقف "وطني تاريخي" يتمثل في إعلانه تحريم أكل لحم الخنزير في مواجهة الأزمة! وهي نفسها الأزمة التي لم تقابلها أية دولة في العالم بقرار إبادة مماثل! الأزمة التي كشفت للمرة الثانية بعد أزمة الطيور أن الإدارة المصرية لا تعرف شيئا عن مواجهة الأزمة، وهذه قاعدة طبقها على أي مستوى أو أي مجال إن شئت.

فبدلا من تشديد الرقابة الصحية على الحظائر واستبعاد الحيوانات المصابة، وإمداد العاملين بإجراءات الوقاية اللازمة، ونقل الزرائب لخارج المدن، أو تحويلها إلى مزارع إلزاميا، كان القرار الأسهل هو الإبادة!

هذا إداريا، أما شعبيا فكان الأمر مضحكا، فهناك من يقول إن هذه الحيوانات محرم أكلها وهذا دليل على إعجاز الإسلام وعظمته، والحقيقة أن الإسلام ديني لم يزد شيئا أو يقل في أزمة كهذه، هذا ببساطة لأن من يرددون هذه العبارات تناسوا أن الإسلام لم يحرم الطيور التي أصيبت بالأنفلونزا مثلا! وبالتالي فإن تحريمه للخنازير لذات السبب ليس منطقيا... بالتأكيد حكمة التحريم في الإسلام لها أبعاد أخرى غير هذه.

كما أن هناك فارقا بين تحريم أكل حيوان ما وحقه في الحياة! فهل لأنه محرم يتم إعدامه؟!! هل نعدم الكلاب لأن هناك من يعتقد في نجاستها؟ هل نعدم الجوارح لأن أكلها غير جائز؟ هل خلق الله الخنازير دون أية فائدة على الإطلاق؟ هل خلقها عبثا؟ ولماذا لا نحترم حق المخالفين في الدين في تناول ما لم تحرمه شرائعهم؟

أضف إلى ذلك عبارات العنصرية، من طراز أن الخنزير حيوان "قبيح الشكل"، وكأن هو من خلق نفسه! وكأن قتل الغربان واجب لأنها قبيحة أيضا بمقاييس البشر القاصرة، ناهيك عن التحجج بقذارة الخنزير وقذارة مأكله، وكأن الماعز الذي يأكل أوراق الكتب الدراسية يتغذى على الكافيار بالمقابل، أو أن البط الذي يلتقط الديدان يأكل من المراعي! أي قذارة في بلد عبارة عن "زريبة" كبيرة؟!

كل هؤلاء تناسوا أيضا أن الكمية الهائلة من لحوم الخنازير المذبوحة ستسرب الآن إلى المطاعم لنأكلها جميعا رغم أنوفنا حيث لم تعد بالثلاجات سعة تستوعب هذه الكميات الهائلة! سنأكلها الآن وهي محرمة علينا ودون أن نعلم بفعل هذا القرار التعسفي!

أضف إلى كل ذلك الزيادة الحتمية في أسعار لحوم الماشية والأغنام، فلحم الخنازير الذي كان يسد خانة ما لدى شريحة من المستهلكين لم يعد موجودا، وبالتالي سيزداد الطلب على البدائل ليرتفع سعرها في دولة ترتفع فيها الأسعار بمناسبة أو بدون مناسبة.

أشعر بغاية الأسى حين أرى وأسمع متعلمين ينطقون بتلك الكلمات، أو يتناقلون تلك الأفكار في التعامل مع قضية كهذه، ولا أملك غي تدوينة كهذه أو نقاش مع صديق.

الأربعاء، أبريل 15، 2009

Overrated

كل مرة أبدأ فيها بالكتابة أرغب قبل أي شيء أن أضيف جديدا على أي مستوى، وبغض النظر عما قد أكتب، فمن الضروري أولا التخلص من نغمة الكآبة الباكية على ترك سنوات الجنون والانطلاق، والتوقف عن الشكوى من أعراض الشيخوخة المبكرة التي تضرب بقوة أواسط العقد الثالث من العمر... لا بد أن أنحي كل ذلك جانبا، وأكتب في أي شيء آخر.

لا أدري عم أكتب تحديدا! حسنا لنبدأ بالعبارة الإنجليزية القائلة Everything is overrated وهي تنتهي بصفة لا يوجد ما يعبر عنها في العربية بكلمة واحدة، أو هكذا أظن في ضوء معرفتي، المهم أن المعنى يدور حول كون القيمة أو التقدير الممنوح للأشياء يفوق ما تستحق في الواقع، والحديث عن كل الأشياء، أو لنقل أغلبها.

مصر نفسها أصبحت أوفر-ريتد! زحام في كل مكان، على الرصيف وعلى الطريق! وكما أثمر نقاشي مع صديقي عمرو منذ أسابيع، فإن فرص العمل ما أكثرها! ولكن أيا منها ليس في قطاع إنتاج سلعي! كل ما هنالك مجموعة من مراكز خدمة العملاء في كل التخصصات، ولكل الشركات، ومن مختلف الجنسيات، وبجميع اللغات.

كل الإنتاج خدمي، لا ننتج سلعة واحدة! ووداعا لأحلام الاكتفاء وقدرة الاقتصاد على الصمود داخليا إذا واجهنا حربا لأي سبب.

حتى سياسيًا، أصبحت متابعة السياسة الخارجية المصرية أمرا مضحكا! وكل أدوار الوساطة الإقليمية لم تعد مصرية، سواء كانت الفصائل السودانية أم اللبنانية أو حتى الحوار الفلسطيني الذي لا يقام في القاهرة إلا على سبيل القرب الجغرافي فيما يبدو.

بل إن الحديث أصبح كوميديًا عن ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية حول وجود مؤامرة إيرانية لاغتيال الرئيس المصري! ولا أدري لماذا تفعل إيران ذلك أصلا، ولماذا لم تلجأ لنفس الخيار مع خصم تاريخي مثل صدام حسين خلال حرب السنوات الثماني! أقول لتذهب إيران إلى الجحيم إن كانت هي ما يزعزع الأمن المصري بحكم مشروعها "الصهيوني من النيل إلى الفرات"، أو بحكم سجلها الدامي بحق شهداء مصر في حروبها، أو بحكم قربها جغرافيا ومشاركتها مياه المتوسط وأطماعها في سيناء.


بعيدا عن كل ما سبق، أصبحت لا أحب الكتابة الذاتية، لا أريد أن أكتب عما أشعر به أو فعلته أو أفعله أو أنوي فعله، لا أريد حتى أن يهتم من يقرأ بمعرفة هويتي حتى وإن كانت معلنة كما هي... لي من الأسباب الكثير، ما بين أخلاقي ومزاجي وغير ذلك مما لا أذكر الآن.

في كل الأحوال، أنا لم أعد مميزا بأي شيء، لست ببراعة خالد بن الوليد العسكرية، أو بحزم أبي بكر الصديق، أو بورع معاذ بن جبل، أو بعزيمة بلال بن رباح، أو بحكمة علي بن أبي طالب، وهذا ليس يزعجني في شيء على الإطلاق، بل يريحني، ويريح كاهلي من نير التميز، فما أفضل أن أكون واحدا آخر وسط الزحام بعيدا عن أية أضواء أو ضوضاء.

ربما لهذا أتمنى أن أعمل هنا قرب مسكني البعيد نسبيا عن جحيم العاصمة حتى وإن بقيت أقطن جزءا مما يسمى بالقاهرة الكبرى.

أشعر الآن بحالة ارتياح نفسي وأنا أفكر في خاتمة لهذه التدوينة، صحيح ذكري لهذا يتناقض مع ما كتبته قبل قليل بنفي رغبتي في كتابة أي شيء عن مشاعري وأفعالي، ولكنه تملك النوم من عينيّ قبل مقاومتي تلبية للفجر... بالمناسبة أنا أيضا أوفر-ريتد.

الجمعة، أبريل 03، 2009

إذا نيسان "بال" على الباب


إنه أبريل من جديد، نفس الشهر الذي يتملك الإنسان بحنين إلى ذكريات مبهمة، لا يتبينها تحديدا، ولكنها تبقى ذات معنى أو شعور طيب... ربما في أبريل الماضي كان حفل التخرج، وبعده تعرضت للحادث الذي خرجت منه سالمًا بأعجوبة ولا أذكر الكثير عن ذلك الشهر سوى عواصفه الترابية

ربما أفضل ما في أبريل 2009 هو استمرار بصمات الشتاء المحببة لفترة أطول، فالمعتاد أصبح أن يكون الصيف في مصر تسعة أشهر مقابل ثلاثة للشتاء، إلا أن هذا العام أعطى قسطا أوفر لفصلي المحبب وهو ما أتمنى ألا يزول فجأة خلال الأيام المقبلة حيث بدأت الحرارة تزحف بالنهار

لا أريد الحديث عني بشكل شخصي، ولكن أكتفي بالإشارة إلى أنني فعلا أكثر شغلا من أي مرحلة مضت في حياتي، وليعذرني من يفتقدني إن كان هناك من يشعر بذلك

لا أدري من يتواجد حاليا في إيطاليا ويتابع مدونتي بشكل شبه يومي

السبت، فبراير 28، 2009

معركة الذات

دائما هناك سبيل لتغيير الاتجاه، أو النوايا، أو أي شيء.

هناك سبيل للجلوس مع النفس والتفكير دون أية نزعات يفرضها كبرياء الذات، ليس عسيرا أن يجلس الواحد منا مع ذاته ويبدأ بالتذكر والتقييم دون الاحتكام لأية معايير اعتاد النظر إليها، ليكن الضمير هو وحده الفيصل.

هناك دائما طريق نسلكه، والتراجع ليس عيبا بأي حال، بل فضيلة إن أدركنا سوء النهاية، وحتمية العودة.

أرى الآن أن أول معركة ينبغي للفرد أن ينتصر فيها هي على نفسه، أن يغلب عمرو عمرًا، فإن نجح كسب احترامه لذاته، وتحرر من رق كبريائه، وأدرك أنه كغيره من المحيطين، لا تحيط هالة صفراء برأسه، ولا يملك جناحين، وليس أكثر من عبد لله، ولنضع ألف خط هنا.

من الحكم الإلهية أن العبودية قدرنا، ولكنها للإله وحده! لا لفرد آخر مثلي ومثلك، لا لقيمة أو لفكرة مها كانت، هي للإله فقط! والإله واحد... فهي بهذه الطريقة تعصم البشر من تقمص دور الآلهة بشكل غير إرادي ليدركوا الحقيقة وتصبح حياتهم أكثر بساطة، وفي الوقت نفسه تحررهم من العبودية لأية قيمة أخرى سوى كانت كبرياءهم الخاص، أو صورتهم في أعين الآخرين أو حتى في المرآة أمام أنفسهم.

أية صدمة في الحياة كبيرة كانت أم بسيطة... ينبغي ألا يكون رد فعلنا عليها هو العناد بالاستمرار الذي يمليه كبرياء الذات، وشتان بين العناد والثبات، فالثبات يكون في حالة العبودية للإله فقط، لا للكبرياء.

مثال في سائق سيارة يفقد الإطار الاحتياطي (الاستبن) الذي طالما اطمأن أنه طوع يمينه في أي وقت، لطالما قسى عليه ولكنه مازال يؤدي الدور ويمكن اللجوء إليه! فعند فقد هذا الإطار قد لا يرى السائق كافة الخيارات المطروحة أمامه، قد لا يرى أنه بإمكانه البحث عن أسباب الفقد وتلافيها مستقبلا، أو أنه بإمكانه العودة وتطوير السيارة، أو سلك طريق آخر أكثر أمنا بما يحافظ على سلامته، أو ربما تغيير الطريق والعزوف عن فكرة القيادة بهذا الأسلوب، وليس عيبا أو استسلاما، بل إدراكا للحقيقة وتعاملا معها.

ينبغي ألا نكون كمن يدافع عن أفكار سياسية لا يؤمن بها إلا أنه مضطر للمضي في رفع نفس الشعارات، لأنه حين يفكر في العدول وتغيير المسار يتذكر هتافات الإشادة، وصيحات الإعجاب، ولافتات التأييد، فيظن حينها لبرهة أنه على الحق، ويلقي هذه الفكرة في أعماق عقله فلا يلتفت لها مرة أخرى إلا بعد سنوات في وقفة مع الذات قد لا تمليها إلا كارثة.

منذ وقت طويل لم أستشهد بآية قرآنية، ولكن في سورة الحديد يرد القول:


"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون".

السبت، فبراير 21، 2009

ترحل وأعود


ترحل أنت، بضحكتك، بقلبك الجسور... الحنون.

وأعود أنا إلى الدرب، أخطو وأتعثر... لألحق بك.


إلى لقاءٍ أخي..