أثارت التصريحات المنسوبة إلى د.عصام العريان القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين بشأن إسرائيل موجة من التساؤلات والتهافت الكبير لدى فئات متباينة من عناصر المشهد السياسي المصري، وبغض النظر عن ماهية التصريحات نفسها إلا أن ردود الأفعال عليها كانت المادة الأكثر جاذبية بالنسبة لي.
قيل أن العريان قد اعترف أنه في حال وصول الإخوان إلى السلطة في مصر فإنهم سيحترمون الاتفاقات التي أبرمها النظام السابق وقتها ومن بينها المعاهدات المبرمة مع إسرائيل، وهو ما هرع آخرون إلى تفسيره بأنه تبشير إخواني بإمكانية قبول فكرة الاعتراف بإسرائيل كدولة بالمنطقة، إلا أن أحدا لم يلتفت لتوضيح العريان للتصريح لاحقا.
قال العريان أن الالتزام بالمعاهدات أمر طبيعي إلى حين تنتهي مدتها -ألم ينته سريان معاهدة السلام؟- وهذا الالتزام لا يعني من جانب الإخوان اعترافا بإسرائيل بأي شكل، بل هو - حسبما فهمت أنا- امتثال لقيد معين بمثابة الهدنة نستفيد نحن منه على المستوى الداخلي لحين التخلص منه فيتم النظر بعدها للجبهة الخارجية مع كامل الاعتراف بأن المحورين الداخلي والخارجي وجهان لعملة واحدة لا أولوية لأحدهما على الآخر.
ولكن انتعش كل معارضي الإخوان بالتصريحات، فجانب من الرفاق اعتبر أن الجماعة وقتها كشفت عن حقيقتها البراجماتية التي لا تلتزم بأي مبدأ لينطبق عليها وصف "الزئبقية"، ونسى هؤلاء أن رهانهم على اعتراف حماس – ابنة الإخوان الشرعية- بإسرائيل لم يتم حتى الآن، على الرغم من كل ما تعرض له أبناء الحركة في فلسطين من تضييق وتهميش واتهامات دولية، وطعنات وغدر وصراعات داخلية من أبناء فتح.
كل هذا كان في طي النسيان بالنسبة لرفاق المعارضة الذين انتهزوا الفرصة لإحياء الخلافات القديمة وتعيمم المفاهيم المعتادة عن الحركات الإسلامية، لكن الطريف هو استغلال فئة من النظام الحاكم لتصريحات العريان علما بأن الحزب الوطني والدولة ذاتها من فرسان التطبيع مع إسرائيل ورواده، فكيف ينتفدون تصريحا فـُهم منه أنه باشرة اعتراف بإسرائيل؟ بل إن الليبراليين الذين حذروا من تولي الإخوان السلطة لأنهم سيدخلوننا حينها في حروب متهورة قد اعترضوا على التصريح أيضا حتى وإن توافق ظاهريا مع أجندتهم!!!
هذه كلها مؤشرات كوميدية على وضع الساحة المصرية سياسيا من حكومة ومعارضة، فالجميع في حالة تهافت، بل إن مرشد الإخوان نفسه لم يفوت الفرصة للتأكيد على عدم الاعتراف بإسرائيل بعصبيته المعتادة وانفعالاته التي أصبح صيدا سهلا للأقلام والعدسات، فانضم هو أيضا لقطيع المتهافتين من أبناء ردود الأفعال غير العقلانية بغض النظر عن صحتها، وبات العريان وحيدا بين كل هؤلاء.
موقفي الشخصي أتفق فيه مع ما قاله د.العريان وما يعنيه حرفيا، ولكن تبقى تحفظاتي بشأن ردود الأفعال التي لا أملك إلا السخرية منها، ولست أدري كيف ستكون الحلقة القادمة في مسلسل التصريحات والتهافت، والتي لن يكون فيها العريان هو الضحية بالضرورة، بل ربما أحد عناصر أي فصيل معارض آخر.