اعتدت المرور في الأشهر الأخيرة من فوق جسر "قصر النيل" الرابط بين منطقتي الجزيرة ووسط البلد لتفضيلي النزول في محطة الأوبرا الرائقة وكي أستمتع بعبور الجسر من فوق النيل في تمشية يسيرة، وبغض النظر عن الأسود الأربعة التي تحرس مدخلي الجسر إلا أن العلامة الأبرز هي الثنائيات (شاب وفتاة) التي تنتشر على سطحه وتستند إلى أسواره، وإذا نظرت إلى الأسفل من المسار الشمالي من جهة الجزيرة فستلاحظ حديقة يبدو أن العرف قد جعلها مقتصرة على استضافة الثنائيات فقط، حتى وإن دخلتُها مرة بمفردي كي أقرأ رواية في إحدى ساعات الفراغ... كانت كل فتاة يجلس بجوارها فارسها، أو هكذا تراه... أما أنا فوضعت حقيبتي على المقعد المجاور، ولم تنظر عيناي في حدقتين مختلفتين، بل بقت تحترف المرور بين الأسطر تتعرف على الكلمات وترسلها إلى عقلي كي تترجم إلى معان ومدارك.
وعند مدخل الحديقة وعلى طول المسار الشمالي للجسر ينتشر بائعو الزهور الحمراء، ويلتمسون كل السبل لإقناع الشاب لابتياع فتاته زهرة، سواء بالإلحاح أو الإحراج، ولكن دائما بالأفضل عن طريق الدعاء بالتوفيق وأن يكتب الله أحدهما للآخر.
من فوق الجسر يمكنك الاستناد إلى السور بساعديك، والتأمل من منظور علوي لما يحدث في الحديقة، كأنك أمام إحدى الألعاب الاستراتيجية التي قد تفضلها، هل هم يتحابون حقا؟! لا أبالغ حين أقول أن السمة العامة للانطباع الأول تدفعك لوصف الحضور أمام عينيك بأنهم شريحة كبيرة من الأوغاد، كالممثل الفاشل حين يؤدي دورا في مشهد لقاء بين روميو وجولييت.
ولكن مع التدقيق والحيادية قد تجد السعادة حقا، في هؤلاء الذين لا يتلامسون، وبغض النظر عن صحة الوضع بأكمله من عدمها، إلا أن البساطة أهم معالمه، فهو يحبها وهي تحبه، ومقعدان خشبيان أمام النيل في جو هادئ مع مشروب دافئ في الشتاء، همهمات بالكاد تدركها، وابتسامات خجولة من حين لآخر، وأحلام، وتعهدات...، وفوق كل شيء بساطة!
يعود بصري من جديد إلى قاعدة عيني، ومعه أتذكر موعدي في قلب القاهرة، وطيلة السير أتساءل... أهناك من أحبَّت مثلي؟! وتنطلق علامات الاستفهام والتعجب تطوف حول رأسي، ثم لا ألبث أن أجد نفسي في موعدي، أباشر عملي، وأغرق في التفاصيل من جديد، وكل مرة أفكر في النزول بمحطة أنور السادات، لكنها الأوبرا بجاذبيتها وتحتيمها المرور على الجسر.