دائما هناك سبيل لتغيير الاتجاه، أو النوايا، أو أي شيء.
هناك سبيل للجلوس مع النفس والتفكير دون أية نزعات يفرضها كبرياء الذات، ليس عسيرا أن يجلس الواحد منا مع ذاته ويبدأ بالتذكر والتقييم دون الاحتكام لأية معايير اعتاد النظر إليها، ليكن الضمير هو وحده الفيصل.
هناك دائما طريق نسلكه، والتراجع ليس عيبا بأي حال، بل فضيلة إن أدركنا سوء النهاية، وحتمية العودة.
أرى الآن أن أول معركة ينبغي للفرد أن ينتصر فيها هي على نفسه، أن يغلب عمرو عمرًا، فإن نجح كسب احترامه لذاته، وتحرر من رق كبريائه، وأدرك أنه كغيره من المحيطين، لا تحيط هالة صفراء برأسه، ولا يملك جناحين، وليس أكثر من عبد لله، ولنضع ألف خط هنا.
من الحكم الإلهية أن العبودية قدرنا، ولكنها للإله وحده! لا لفرد آخر مثلي ومثلك، لا لقيمة أو لفكرة مها كانت، هي للإله فقط! والإله واحد... فهي بهذه الطريقة تعصم البشر من تقمص دور الآلهة بشكل غير إرادي ليدركوا الحقيقة وتصبح حياتهم أكثر بساطة، وفي الوقت نفسه تحررهم من العبودية لأية قيمة أخرى سوى كانت كبرياءهم الخاص، أو صورتهم في أعين الآخرين أو حتى في المرآة أمام أنفسهم.
أية صدمة في الحياة كبيرة كانت أم بسيطة... ينبغي ألا يكون رد فعلنا عليها هو العناد بالاستمرار الذي يمليه كبرياء الذات، وشتان بين العناد والثبات، فالثبات يكون في حالة العبودية للإله فقط، لا للكبرياء.
مثال في سائق سيارة يفقد الإطار الاحتياطي (الاستبن) الذي طالما اطمأن أنه طوع يمينه في أي وقت، لطالما قسى عليه ولكنه مازال يؤدي الدور ويمكن اللجوء إليه! فعند فقد هذا الإطار قد لا يرى السائق كافة الخيارات المطروحة أمامه، قد لا يرى أنه بإمكانه البحث عن أسباب الفقد وتلافيها مستقبلا، أو أنه بإمكانه العودة وتطوير السيارة، أو سلك طريق آخر أكثر أمنا بما يحافظ على سلامته، أو ربما تغيير الطريق والعزوف عن فكرة القيادة بهذا الأسلوب، وليس عيبا أو استسلاما، بل إدراكا للحقيقة وتعاملا معها.
ينبغي ألا نكون كمن يدافع عن أفكار سياسية لا يؤمن بها إلا أنه مضطر للمضي في رفع نفس الشعارات، لأنه حين يفكر في العدول وتغيير المسار يتذكر هتافات الإشادة، وصيحات الإعجاب، ولافتات التأييد، فيظن حينها لبرهة أنه على الحق، ويلقي هذه الفكرة في أعماق عقله فلا يلتفت لها مرة أخرى إلا بعد سنوات في وقفة مع الذات قد لا تمليها إلا كارثة.
منذ وقت طويل لم أستشهد بآية قرآنية، ولكن في سورة الحديد يرد القول:
"ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون".