حاولت على مدار اليومين الأخيرين أن أفكر فيما تعنيه ذكرى 23 يوليو بالنسبة لي. صحيح أنني كتبت الأهداف الستة لهذه الحركة مرارا وتكرارا أثناء دراستي والتي كان آخرها "إقامة حياة ديمقراطية سليمة".. إلا أنني أجد صعوبة في إصدار حكم من جانبي على ما حدث.. ولكن أخرج بمبدأ قد يكون عاما في نظرتي للأمور من هذا النوع.
لا توجد وسيلة لتشويه فكرة أو نظرية أو مذهب أسوأ من احتكاره والجزم بأن سلوكي هذا هو التطبيق السليم. صحيح من حقي أن أقتنع بهذا من داخلي.. ولكن لا ينبغي أن تمتد قناعتي إلى فرض على الآخرين بحيث يصير أي تبنٍ لتطبيق مغاير لذات الفكرة شذوذا وانحرافا.
ما حدث بعد 23 يوليو 1952 بدّل مفهوم الثورة لدى الناس.. فحركة الضباط هذه لم تجد غضاضة في اعتبار أنها ثورة دون أن يكون للجماهير دور في الموضوع ليتعطل الشارع إلى الآن. ولم تكتف هذه المجموعة بذلك فقدمت طرحا فكريا قالت إنه عين الاشتراكية اقتصاديا وجوهر القومية سياسيا.
توالت السنون، وحين تُذكر الاشتراكية اليوم في ظل ارتفاع الأسعار وسياسات الاحتكار.. تُقابل بصيحات الاستهجان وبعبارات من طراز "دي أيام شفناها انت ماتعرفش عنها حاجة" و"دي أفكار فشلت في الستينيات وفشلت في بلادها".
وبالمثل، لا معنى للتوجه القومي حاليا، فشعارات مثل "مصر فقط" و"أنا مش عربي" وغيرها باتت مرفوعة دون استحياء، وتراجعت اللغة العربية كثيرا وظهرت صفحة "ويكيبيديا مصري" وساد الفرانكو.. إلى ذلك.
هنا أدرك حجم الإساءة التي دفعت بها "الثورة" إلى هاتين الفكرتين "الاشتراكية" و"القومية" رغم أنهما كانتا عنوان الراية التي رفعت وقتها وتم في سبيلهما التضحية بالغالي والنفيس من أبناء الوطن الذين اكتظت بهم المعتقلات.
الأمر تكرر في عقود أخرى حين قُتل السائحون والأبرياء باسم الإسلام وقوبل ذلك من الأمن بتعسف وغباء معتاد فتفاقمت المسألة وبات كل من يقدم الآن طرحا إسلاميا يحتاج أولا إلى تأكيد نبذه للعنف وتجنبه للأفكار الإقصائية التي جاهر بها سابقون له ادعوا أن ما كانوا يرونه هو وحده الرسالة.
لو أن أولئك اكتفوا بتوصيف أفكارهم بأنها رؤيتهم أو فهمهم هم للإسلام لانتهى الأمر، وكذلك لو فعل رجال "الثورة" مع الاشتراكية والقومية دون احتكار أي من الشعارين.. لما عانينا اليوم من ضباب التعميم الذي يلتصق بكل فكرة مغايرة لما هو مناف للواقع المفروض.
لو لم يحتكر أحد الفكرة.. لما نُظر إلى الشخص الملتحي بشبهة الإرهاب، ولا إلى الاشتراكي بشك في عقيدته، ولا كفرت الفرق والمذاهب بعضها البعض ولا كانت تطبيقات "شعب الله المختار" هي السائدة لدى أغلبنا.