قبل
نحو شهر بدا واضحا أن فيروس كورونا ليس مجرد وباء محلي في الصين، بل هو وباء عالمي
جديد، ولكن تولد لديّ مع بداية انتشاره في أوروبا تحديدا انطباعع بأن الحكومات
تبالغ في رد الفعل الذي أبدته لمحاولة احتواء أو مكافحة الفيروس، فكان لي حديث مع
بعض الأصدقاء المتخصصين في مجالات قريبة من الفيروسات.
قيل
لي وقتها إن خطورة كورونا تظهر في سرعة انتشاره وعلوقه لفترات طويلة بالأسطح، ثم
تظهر الخدعة الكبيرة في إمكانية خلو حامله من أي أعراض ظاهرية دون أن يفقد دوره
كناقل للعدوى، وهنا بدأت نظرتي للموضوع تتغير شيئا فشيئا وأستشعر الخطورة رغم بقاء
احتمال تراجع نشاط الفيروس مع حرارة الصيف، وهو ما اتضح عدم دقته لاحقا.
خرجت
رؤوس الدول الأوروبية: ميركل في ألمانيا وجونسون في بريطانيا، وماكرون في فرنسا
وبالطبع كونتي في إيطاليا التي تعرضت لبالغ الضرر مقارنة بغيرها، كنت ألاحظ على
ملامح ميركل إنهاكا شديدا وكأنها تحمل هما ثقيلا، كأنها ترى نهاية العالم ماثلة
أمامها وبخاصة بعد تصريحها بأن سبعين بالمائة من الألمان سيصابون بالفيروس على
الأرجح.
انتقل
التوتر إلى الرئيس الأمريكي ترمب وشعرت بأنه قد يغشى عليه خلال أكثر من ظهور له، حتى
الدول العربية سارعت إلى اتخاذ إجراءات احترازية مشددة وصلت إلى حد غلق كل شيء
تقريبا وبإيقاع سريع رغم أن عدد الحالات المصابة، أو بالأحرى التي تم تشخيصها، كان
أقل بكثير منه في أوروبا.
هنا
تولدت لدي قناعة بأن ثمة معلومة سوداء عن هذا الوباء ليست متاحة لا للإعلام ولا
حتى لجمهور المختصين، هي من المعلومات التي يمكن أن تصنف كأمن عالمي، بمعنى أن
خطورتها تطال النظام العالمي بأسره، وأن تسربها قد يعني حالة هلع تجتاح الكوكب
بالكامل.
كثير
من السيناريوهات مرت برأسي، هل يموت نصف سكان الكوكب أو ثلثهم مثلا؟ هل تشح المواد
الغذائية ويتوقف إنتاجها وتقع المجاعات في الدول المعتمدة على الاستيراد مثل بلادنا؟
هل بعد انتهاء الأزمة يكون التضخم قد بلغ مداه بسبب ندرة السلع الأساسية أثناءها
فنجد سعر كيس القمح 100 دولار؟ هل تعود هناك أي قيمة للدولار أصلا؟ هل تنفرد الصين
بقيادة العالم؟ أسئلة لا تنتهي منها الساذج ومنها المبرر ولكنها علقت بمخيلتي.
أما
بلادي، فتولدت لدي قناعة أخرى بأن فكرة مناعة القطيع التي تبنتها بريطانيا لأيام
معدودة تبدو مطبقة بسلطة الأمر الواقع هنا، أي أن الفيروس يتناقل بسرعة خاطفة وأن
أهلنا في القرى بالصعيد والدلتا بعيدا لن يلبثوا أن يكونوا في طليعة المصابين بسبب غياب
التوعية والممارسات الصحية والمقومات اللوجستية لإجراءات العزل والوقاية أو حتى التشخيص.
ومن
يصاب بالفيروس فهو حسب آخر التقارير على حال من ثلاثة، إما ألا تظهر عليه أعراض
مطلقا ويُشفى وفي هذه الحالة لن يلاحظ أي مزارع الأمر، وإما أن تظهر عليه أعراض ويشفى
أيضا وهنا سيكون التشخيص الشائع أنها حمى أو مجرد نزلة برد، وإما أن يكون مصابا
أصلا بمرض مزمن أو متقدما في السن، وحينها إن توفاه الله فسيقول ذووه ومعارفه
"الله يرحمه كان عيان" أو "الله يرحمه كان كبر... عمره بقى!"،
فتسير الأمور في هدوء ودون ضجة بقانون "البقاء للأصلح" وتتشكل مناعة
القطيع تلقائيا.
وبهذه
الوتيرة –على سذاجة تصورها- أتوقع أن تسير الأمور في مصر، بحيث لا يكون القلق
سائدا إلا في المدن الكبرى حيث تنتشر شرائح متنوعة من الطبقة الوسطى المتعلمة التي
تحاول اتخاذ إجراءات الوقاية لحماية الأفراد الأكثر عرضة لخطر الوفاة بسبب
الفيروس.
وأيًا
كان السيناريو القادم فإن أيامًا صعبة ستكون مصاحبة له، فلا يمكن تجاهل أزمة
الغذاء العالمية التي ستبلغنا آثارها لا محالة إن وقعت، وليس من الوارد استبعاد
سيناريو انهيار قطاعات العديد من الأعمال وتسريح العاملين بها بسبب كسادها، وكلنا معرضون لهذا
بنسب متفاوتة.
وفي
خلفية كل هذا أتعجب من استمرار سيطرة التفكير المادي البحت على عقول الغالبية، إن
أمرا كهذا لو وقع منذ عشرين عاما مثلا لكان الحديث وقتها عن ضرورة الإسراع
بالتوبة، أما الآن فتبدو أدنى مظاهر الدعوة إلى الله تستوجب الخجل من القائم بها،
والنفور أو السخرية من المستهدف منها.
لم
أعرف حتى الآن أحدا دعا معارفه علانية إلى قراءة القرآن والدعاء، أو امرأة عادت
إلى حجابها الذي نزعته في سنوات تغول المادية الأخيرة، بل إننا حتى إن تغاضينا عن
المعاصي على اعتبار أن كلنا في الهم شركاء ولو بنسب مختلفة، فإن المشكلة الأكبر
تكمن في ثبوت القناعات والجحود واستمرار ترديد المغالطات رغم أن الأزمة لم تحرج
أحدا قدر ما أحرجت المادية نفسها.
والله
إنها لغفلة تكاد تكون أخطر من الوباء نفسه! لا أحد يريد أن يتذكر الآخرة إلا من
رحم الله!
إنها
أيام عصيبة على كل المستويات، شاء الله أن نكون ممن يعيشها، ولا ندري أيكون في
نهايتها خير أم لا، لكننا ونحن نتهيأ للمجهول لا نملك إلا التوكل على الله بعد
استغفاره وتسليم الأمر إليه مع الأخذ بما أتيح من أسباب.