كثر القيل والقال من الجاهلين أو المستجهلين حول لافتة "فخور بأني مدون إسلامي" التي ترصع جدار مدونتي ومدونات أخرى، هي لافتة لا أذكر من أي مدونة تحديدا حصلت عليها، ولكنها تعبر عن هويتي وانتمائي الفكري وقناعتي…حتى وإن لم تكن مفصلة، ولكن هذا دوما حال الشعارات… فأي شعار في الحياة دوما ما يكون مختصرا إلا أن أعداءه وبغباء فريد ينتقدونه متهمينه بعدم التفصيل متناسين أن هذا من طبيعة أية جملة تُتخذ كشعار عام...
في البداية كتب أحد المدونين تدوينة يستفهم فيها عن ماهية اللافتة وتهكم عليها بشكل لا يعكس إلا تهافتا كما أخبرته نصا، ولكن شاء القدر أن يدخل مصمم اللافتة ويوضح له جهله بالمنطق.
أرى أنه من الضروري أن أتحدث شيئا عن مفهوم "إسلامي" الوارد في الشعار من منطلق فهمي الشخصي له، كي يفهم من لا يعي ماذا أريد وماذا أعني...
في اللغة العربية لا توجدة أداة للنسب سوى الياء المشددة، بعكس الإنجليزية التي توجد فيها مقاطع شتى تعطي معنى النسب للأسماء فتحولها لصفات، فمثلا إن كنا نقول أمة أو قوم فسنقول بالعربية أممي أو قومي، وهنا تحمل معنى التوجه القومي فكريا، أو العمل لمصلحة الأمة إن كنا نتحدث عن مشروع عام، صحيح يتحدد المعنى من السياق إلا أن الصفة واحدة في كلتا الحالتين، في الإنجليزية يختلف الوضع، فإن كنا نتحدث عن مشروع قومي أو هيئة قومية فسنقول National وإن كنا بصدد الحديث عن شخص قومي الفكر والاتجاه فسنقول Nationalist، وهذا هو الفارق الكبير الذي تجاهله كل من انتقد الشعار الذي يحمل كلمة Islamist ولا يحمل كلمة Islamic والفارق بينهما شاسع لمن يدرك ويعي، إلا أنه في العربية يستخدم نفس الاشتقاق مما قد يعطي تشابها في الدلالة وإن كان السياق أيضا يبين، ولكن لا أحد منهم يفهم إما عن جهل أو استجهال.
Islamic تعني الأمور المتعلقة بالإسلام كدين بالمعنى التقليدي، أي كشعائر وفرائض من صلاة وزكاة وصوم وحج وفقهيات وغيرها، أو فن تزيين المساجد أو الأبنية بشكل عام بالآيات القرآنية والزخارف المستمدة من الإطار الروحي للإسلام، وهذا هو المفهوم الذي يريد العلمانيون دائما تعميمه على الإسلاميين ليحتجوا بأننا لا يمكننا أبدا الحديث عن الدولة لأن الإسلام ليس إلا "دينا" فقط.
على النقيض تماما، فإن كلمة Islamist تشير إلى الشخص الذي يرى في الإسلام فكرة شمولية، فالدين بالمعنى التقليدي هو إحدى زواياه ولكن ليس كلها، فإن كان ذلك الجانب يمثل الروح، فإن الالتزام بالإسلام في جوانب المادة كالعلوم الطبيعية والسياسيةوالاقتصادية والاجتماعية وغيرها هو المعنى المراد إبرازه من خلال هذا المفهوم.
هناك فلسفة بدائية جدا ينبغي تبيانها إذا ما أردنا قطع الطريق على الخصوم قبل أن يطرحوا أسئلتهم المعتادة والتي لا تلقى صدى مثل صياح الديكة فوق الأسطح... هذه الفلسفة تقول أن الله تعالى خلق كل شيء في الدنيا ونقيضه، وفي ذلك استدلال على ألوهيته وذاته، كيف؟ لننظر حولنا، سنرى ليلا يناقضه نهار، وموتا تناقضه حياة، وارتفاعا يناقضه انخفاض، وأملاح تقابلها سكريات، وذكورا تقابلهم إناث، وقاتلا يقابله مقتول، وظلما يقابله عدل، ومفعولا يقابله فاعل، وهكذا بشكل يجعلك تستدل من شيء على وجود نقيضه، حتى نصل إلى النتيجة النهائية وهي موجودات "نحن" يقابلها واجد "الله"! في وسط هذا نجد الله قد خلق نقيضين آخرين وسط آلاف النقائض، هما الحلال والحرام.
وخلق الله الحلال جاعلا سمته الكثرة والسعة، والحرام مرتضيا وصفه بالقلة والضيق، فأصل التحليل والتحريم نابع من أن كل شيء مباح ماعدا استثناءات قليلة، فالقاعدة هي التحليل، والتحريم هو الاستثناء، ما علاقة هذا بموضوعنا؟ علاقته أننا نحن الإسلاميين، وعن نفسي أتحدث بالدرجة الأولى، ندعو إلى التزام الجانب الأكثر سعة، وإقامة دوائر ينتظم فيها الناس بإرادتهم الحرة باجتناب الحرام، لأن الحلال أكثر من أن يحدد في أ،ب، ج إلا في حالات نادرة كالزواج ومصادر كسب المال مثلا، أعني أنه بنظرة أشمل فإن الإسلام يلغي خيارا واحدا هو الحرام، ويبيح خيارات متعددة هي كلها من الحلال.
بوجه أكثر عملية أتحدث بأمثلة قائلا، إن النظام السياسي يكون إسلاميا في حال اجتنابه الظلم والانفراد بالرأي والتوريث والتفرقة، وبالتالي فإن هذا النظام برلمانيا كان أم جمهوريا أم عشائريا يبقى إسلاميا طالما اجتنب المحرم بغض النظر عن آليته.
الأمر نفسه بالنسبة للاقتصاد، فإن تجنب الربا وتحاشى غياب العدالة الاجتماعية يجعلان لدينا اقتصادا إسلاميا، وضع تصنيفا له كما تشاء من التصنيفات الحديثة في ضوء آلية أدائه الحالية التي يستدعيها واقع المجتمع ومتطلباته.
يبقى التساؤل عن من يحدد الحلال والحرام، وهو ما نقرأه دوما في عين العلمانيين الذي ما إن يسمعون كلمتيّ الحلال والحرام حتى يسارعون بالصرخات التحذيرية من حكم دولة رجال الدين وما شابه من استنفارات مضحكة، ولكن كما كتب الكثير من المفكرين الإسلاميين فإن الدولة التي تعمد إلى تبني نظام إسلامي ينبغي أن تتعامل مع قضايا الحلال والحرام من منطلق الصحيح والمؤكد من الأمور غير الخلافية، أما الأمور الخلافية البسيطة فيبقى لكل فرد ومواطن أن يتبع الرأي الذي يريد من الآراء الفقهية إن كانت المسألة خطيرة عملا بمبدأ "اختلاف الأمة رحمة".
أوضح أيضا أننا حين نتحدث عن نظام إسلامي يجمعنا فنحن ندعو إلى هذا من منطلقين، الأول أن الشرائع الإلهية في الإسلام ليست زواجا وطلاقا وحيضا ونفاسا وعبادات وحسب! لا! فالله حين يتحدث عن تحريم الربا فإن أمره هنا للامتثال لا للزعم بأن الدين شيء والاقتصاد آخر وكأن الخالق –تعالى وتنزه- يشرع في مجالات البشر أعلم بها ولا حاجة لأوامره! أما المنطلق الثاني فهو أن النظام الإسلامي هو الأفضل، وهذه عقيدتنا، هو الأفضل للحياة، لأن وظيفته تهيئة حياة كريمة وعادلة بين الناس كي يتمكنوا من القيام بالمهام المنوطة بهم وهي إعمار الأرض وتهيئتها كبيئة مثلى وسط قيم العدل والجمال، ولا مبالغات رومانسية هنا، فالإسلامي يرى في حلمه هذا عين الواقعية القابلة للتحقق، فأكثر ما يميزنا ليس إحسان الظن فحسب، بل اليقين!
الفكرة أكثر من بسيطة، وحين أعكسها على مدونتي هنا فإنني أقول أنني وضعت اللافتة تعبيرا عن هويتي الفكرية واعتزازي بها وعدم خوفي من المجاهرة بها، وأنا أرى أنه حين أكتب هنا في الجوانب الفنية أو الرياضية أو السياسية أو حتى في الترفيه فأنا لا أنفصل عن كوني إسلامي، لأن شعاري هذا لا يلغي بشريتي، بل يعليها بعزة لا مثيل لها، فأنا هنا أنتقد وأتهور، وأجتهد لأصيب أو أخطئ، وأضحك وأحزن، وأكتب عن حبيبتي، وأشكو واقع وطني، وأدعو لأفكار أتبناها وأتواصل مع أصدقائي، وكلها أمور لا تعارض بينها وبين قناعتي الفكرية، فكوني "مدون إسلامي" لا يعني كوني ملَك مجنح لا يخطئ! أعتقد أن لو كانت اللافتة تحمل عبارة Proud to be Socialist blogger لما ثارت الدنيا هكذا، فالاشتراكي فنان ومبدع، أما الإسلامي فلا! هو فقط من وجهة نظر المنتقدين لا يجيد من الفنون سوى الابتهالات والأناشيد الحماسية وربما الزخرفة، أما المسرح والشعر والرسم والتصوير والرواية والقصة فكلها أمور عنه غائبة!! منطق أعوج! بالضبط كما يتعجبون كوني إسلامي ولا أنتمي لتنظيم بعينه من التنظيمات القائمة، وكأن كل الاشتراكيين منتظمون في أحزاب، أو كل من يؤمنون بالليبرالية ناشطون في جماعات! لماذا يختلف الأمر حين التعامل مع الإسلامي؟! ميزان بلا رمانة!
أختم بالتأكيد على أمر ما، أن من يوجه النقد لمن يعمل في الشارع السياسي بغض النظر عن اتجاهه عليه أولا أن ينزل إلى نفس الشارع ويترك المصطبة التي افترشها على الرصيف، وليقدم البديل أو يتبنى اتجاها قبل مهاجمة الآخر الذي أعمل عقله وحضر ونزل وتحدث ودعى حتى ولو على أمل غرس بذرة تغيير تثمر واقعا أفضل من وجهة نظره، فإن أسهل الأمور دوما هو انتقاد الواقع بالكلية ورفضه تماما وكأن المنتقد هو وحده الصواب في حين أنه لا يقدم شيئا، بل لا يملك إلا التعليقات! ولكن نصيبه من العمل والتقديم والاقتراحات صفري! هو سلبي لأنه يقوم بردود الأفعال ولم يعرف أبدا أن يفعل! يقول أنه ليس ملزما بتقديم الحل أكثر من كشف المشكلة التي يغرق فيها المعارضون من ذوي التوجهات، لأنه يرى في نفسه معارضا ولكن دون توجه! وهذه عبارة حق يراد بها باطل، فهو لا يعمل لكشف الخلل الفعلي، بل يكتفي بالتهكم كي يظهر خفيف الظل لا كي يفضح من يراهم على خطأ، هو أصلا ليس منشغلا بمشاكل أحد سواه، وإن كان هو يريد كشف الخلل فينا، فليتركنا نكشف ما به من كوارث أولا.