كانت لي تدوينة قبل ما يقارب العامين تحمل نفس العنوان، وقبل أي شيء، أؤكد أنني لا أسعى من وراء السطورالمقبلة إلى ارتداء عباءة الأستاذية أو تقمص دور المثقف بأية صورة، فكل ما أريده هو لفت الأنظار إلى أخطاء شائعة ممن يستخدمون اللغة الفصحى بشكل لا يليق باحترافهم الكتابة سواء في المجال الصحفي أو على المستوى الأدبي في ظل سهولة النشر هذه الأيام.
ربما قبل البدء أيضاً، أستشعر حاجتي لتوجيه شكر لمن ساعدني على تحسين لغتي بشكل ملحوظ، هو معلمي أ.ماهر المرسي، بالتأكيد لن يقرأ هذه التدوينة ولكن له جزيل الشكر حقاً وكامل العرفان بالجميل.
أولاً: الجزم التعسفي للفعل المضارع:
اعتادت شريحة كبيرة من الكتاب على تجريد الفعل المضارع من حروف العلة تعسفاً ودون سابق إنذار، والحقيقة أن الخطأ مرده الاشتباه في أداة الجزم ذاتها، فالفعل المضارع يجزم في صور محددة مثل:
لا الناهية: لا تقل – لا ترم نفسك في النار، ولكن الخطأ الشائع هو الجزم مع لا النافية، فحين أقول "أراك لا ترمي نفسك في النار" فأنا هنا لا أستخدم معنى النهي، وبالتالي لا بد من الإبقاء على حروف الكلمة كلها بما فيها حرف العلة الذي يُحذف حين الجزم فقط. كما لا يمكن القول "لا أدر" لأنها بطبيعة الحال "لا أدري" ولا يمكن للمتكلم نهي نفسه بنفس الصيغة، فسيقول حينها "لا تدر يا فلان" مخاطباً ذاته وكأنه يقول لها أنه من الأفضل عدم الدراية بشيء ما، هكذا يكون المعنى هو المتحكم في القاعدة، لا العكس.
هناك أيضاً فارق بين "لم" الجازمة، و"لن" الناصبة، وبالتالي فالصحيح أن أقول "لم تعد ذكرياتي تؤلمني" و"لن تعود ذكريات تؤلمني"، وهكذا ليس ممكناً أن أقول "لن تعد".
ثانياً: إعراب اسم كان المؤخر:
أصبح من المعتاد أن تقرأ هذه العبارة "وكان لها دوراً في قيادة الثورة" وهذا خطأ فادح فيه عكس للقاعدة التي توجب رفع اسم كان ونصب خبرها، فصيغة الجملة أصلاً هي "كان دور لها" ولكن نظراً لمجئ اسم كان نكرة فإن تأخيره قد تم وجوباً مع تقديم شبه الجملة "لها" والذي يعرب في محل نصب خبر كان، وبالتالي يصبح الشكل الصحيح هو "كان لها دور".
ونفس الحركة تتكرر مع اسم إن وأخواتها واجب النصب، فتقرأ مثلاً "إن هناك دب داخل الكهف" ونظراً لأن الاسم هو "دب" جاء نكرة فتم تأخيره ولكن هذا لا يعني تحرره من النصب، بل يكون الصحيح "إن هناك دباً داخل الكهف".
ثالثاً: تنوين الممنوع من الصرف:
المفترض أنه لا ينون مطلقاً، ومع ذلك حين النصب تحديداً تجد علامة التنوين تطارده عن دون حق، وقد قرأت بنفسي من تقمص دور أنيس منصور في مقال عن الحب وكتب "لا تكن أحمقاً"، والمفترض "لا تكن أحمق" بإزالة التنوين من على خبر كان لأنه على وزن "أفعل" التفضيل، وبالتالي ممنوع من الصرف، ونفس الأمر مع الألوان التي تأتي بالاستساغة مثل أحمر، أصفر، فلا نقول "أحمراً" أو "أصفراً" مهما كانت الظروف.
الحركة ذاتها تتكرر مع صيغة منتهى الجموع، وهي تأتي بالاستساغة أيضاً، فلم نسمع مثلاً من يقول "بنيت حوائطاً" بل "بنيت حوائط"، أو "هدم العدو منازلاً" بل "هدم العدو منازل"، وهكذا.
رابعاً: مجاملة الكلمات بإضافة الهمزات:
وهذا يصلح عنواناً لكتاب، ولا أدري لماذا يتعامل الناس مع الهمزات وكأنها لازمة في أغلب الأحوال، وأحياناً غير لازمة على الإطلاق، فقد سمعت من يقول "لا همزات في الصحافة"، ولا أدري هل الصحافة لا تكتب بالعربية؟
حسناً، ببساطة ينبغي أولاً إدراك أنه من الممكن كتابة همزة أسفل الألف في حال القطع، فلا يمكن أن أقول "النظافة من الأيمان" بل بالتأكيد هي من "الإيمان" لأن الأيمان لها معنى آخر له علاقة بالقسَم، وبالتأكيد هي "أسبوع" وليست "إسبوع" و"أسلوب" لا "إسلوب".
الاستساغة أولاً وأخيراً، فمثلاً لا يمكن أن أقول "إستمرار" أو "إجتماع" أو "إنتهاء" لأن كلها تبدأ بألف الوصل، فهي مصادر لأفعال سداسية وخماسية، فالأصل منها "استمر" و"اجتمع" و"انتهى" وبالتالي تكون في وضعيتها الصحيحة "استمرار" و"اجتماع" و"انتهاء".
الهمزة دوماً لازمة في مصادر الأفعال الرباعية مثل "إنزال" من الفعل "أنزل" وإقحام" من الفعل "أقحم"، وهكذا.
ولا ننسى أن كلمات مثل "الاثنان" أي "يوم الاثنين"، و"اسم"، و"امرأة" كلها تبدأ بألف الوصل ولا يجوز ترصيعها بهمزة ليست من أصلها، علماً بأن جمع "اسم" هو "أسامٍ" بإضافة الهمزة.
خامساً: الاسم المنقوص:
وهي قاعدة درسناها مع الاسمين الممدود والمقصور في الصف الثالث الإعدادي على ما أذكر، وتقول ببساطة إن الاسم الذي آخره ياء أصلية مثل "وادي" أو "ماضي" أو "قاضي" يتم حذفها طالما بقى الاسم نكرة، ولكنها تبقى إذا كان معرفاً.
أي أننا نقول "هذا وادٍ كبير"، و"ماضٍ في حكمُك"، و"محمد قاضٍ عادل"، ولكن حين التعريف ترد الياء مرة أخرى، فتصبح "هذا الوادي الكبير!"، "ماضي الأستاذة لا يُشرّف!" –معرف بالإضافة، "قاضي القضاة يرتكب مخالفات"، وهكذا.
وينبغي التمييز بين الياء الأصلية مثل الكلمات الثلاث السابقة، وبين ياء النسب مثل "مصري" أو "عالمي" التي لا تحذف سواء كانت نكرة أو معرفة.
هذا ما كان في بالي، وأعتذر إن حوت كلماتي أخطاء من أي نوع، فهذه مزحة دوماً ما تحدث، أن يخطئ من يسعى لإظهار الخطأ! ومرة أخرى أؤكد أن هذه التدوينة ليست سبيلاً للتحذلق بأي شكل، والحمد لله.