الخميس، يوليو 23، 2009

هناك آخرة




هذه ليست تدوينة دينية، ولكن إن كانت.. ليس عيبا.


نحن الآن في أواسط 2009 أي قاربنا نهاية العقد الأول من القرن، وهذه السنوات العشر تحمل بينها مئات التناقضات في نظري، ربما يبرز بينها ذلك التناقض في الموقف من فكرة الآخرة، وأن لهذه الحياة نهاية هي الموت، ثم تأتي مرحلة الآخرة حيث الحساب والعبور إما إلى الجنة أو النار.

أعتقد أن النصف الأول من هذا العقد كان في أغلبه يتسم بوجود مد للمشاعر الإيمانية حتى مع كل التحفظات التي لا يتوقف أعداء عمرو خالد عن ترديدها، وأقول أعداء لا منتقدي لأن الفارق كبير بين النقد والرفض لشخص ما بما يعكس حالة عداء واضحة قد تكون لها تبريراتها.

على كل حال كان تفكير قطاع لا بأس به من الشباب أو من هم تحت العشرين تحديدا غارقا في قضايا ذات أبعاد إسلامية، حتى ولو كانت خيرية عامة مثل مشروعات "شنطة رمضان" التي مازالت مستمرة بثوبها المتطور كل عام والتي قد تأخذنا لحديث آخر نظرا لارتباطها بثقافة العمل الخيري في مصر الذي لا يخلو من عيوب واضحة.

بل بشكل فكري، كان قيام الليل وقراءة التاريخ والتأثر بسير الصحابة من معالم المرحلة، فكان طبيعيا أن تجد حذيفة بن اليمان محور حديث جمع من الفتية أسرع أغلبهم للتسجيل في برامج حفظ القرآن التي تقدمها بعض المساجد الكبرى.

وكانت فلسطين حاضرة بقوة، ربما لحادثة استشهاد الشيخ أحمد ياسين والتي تبعتها حادثة استشهاد عبد العزيز الرنتيسي، أو ربما في إطار مشاعر العار التي صاحبت سقوط بغداد ومن قبلها كابول.

في كل الأحوال، كانت هناك حالة إيمانية عامة تنعكس على الأقوال والميول وأحيانا كثيرة السلوكيات والأنشطة الاجتماعية مهما كانت انتقاداتي أنا شخصيا أو غيري.

ولكن كل هذا تبخر! ولست ميالا للجزم بأن ميلودي ومزيكا مسئولتان عن هذا! ولكن حقيقة لا أدري ماذا حدث! ربما الحياة العملية.. ربما انتهاء الدراسة.. ربما حروب الحب.. ربما كأس الأمم الأفريقية.. ربما انتهاء مرور النسيم.. ربما زوال الموضة.. ربما أي شيء آخر.. وفي كل الحالات لا أعرف!

قد تكون الماديات بوجه عام هي السبب، وهذا ما أستشعره حين لا أقرأ لدى غالبية من أقابلهم أية فكرة عن الآخرة! بالتأكيد الغالبية تؤمن بوجود اليوم الآخر.. ولكنه إيمان عميق تحت الرمال، شيدت فوقه البنايات الشاهقة حتى أصبح نسيا منسيا، قد يحتاج استخراجه من جديد إلى صدمة نفسية تولدها زيارة للمقابر لشهود دفن أحد الأقرباء.. ولكنها تكون مؤقتة المفعول.

هذا ليس ادعاء للزهد، ولكن كثرة التفكير في الآخرة قد تساعد أحيانا على اللامبالاة الإيجابية إن صح التعبير، فلا يتوقف الفرد أمام إحباطاته كثيرا، بل قد يتعامل معها بابتسامة ساخرة وكأنه شيخ في الثمانين، يعمل ما ينبغي عمله بموجب شعوره بالمسئولية، ولا يطمح في المزيد.

انعدام التفكير في الآخرة تجده في أبسط تصرفاتنا، ولا أريد ضرب الأمثلة وإلا سأكون كالقائل "مثل شروق الشمس كل صباح"، فلم يضف جديدا قط.

هناك أيضا حالة من التشكك الداخلي لدى كثيرين منا، وهذه حالة إيجابية، وأعتقد أنه من السلبي ألا يمر بها أحد، أعني التشكك في وجود الآخرة، بل وفي جدوى كل شيء من بدايته إلى نهايته، وربما التشكك فيما هو أبعد، ولا عجب فالإلحاد في حد ذاته أصبح موضة بين فئات شابة بشكل يثير الضحك أحيانا، ولا يثيره أحيانا أخرى.

وأؤمن أن على المتشكك ألا يبحث بطريقة من يريد تفنيد شكوكه، بل من يريد أن يعرف ويعثر على الطمأنينة في بقعة ما.

هناك أيضا أزمة فائض في الاعتيادية، فتكرار النماذج أصبح مملا وباعثا على الاشمئزاز، فالغالبية تريد أن تعيش وتموت كبعضها! لا فوارق، بل ثبات على نهج العادات والأعراف والتقاليد والقيم السائدة بغض النظر عن صحتها من عدمها.

فالفتاة مهما بلغ عقلها لا تقبل المساس بإمكانية التخلي عن إقامة حفل زفاف تلطخ فيه وجهها بالمساحيق، والفتى الذي ينقصه االكثير لتوفير أساسيات الحياة مازال يحلم باليوم الذي يقود فيه سيارة بي.إم.دبليو، وكل منهما يعلم عدم جدوى ما يريد أو ما يقدس، ولكنه لا يقدر على مواجهة نفسه والآخرين فيفرط فيما جعله قدسا.

قد تكون الآخرة كما قلت وسط الكلام حلا يوفر اللامبالاة الإيجابية، ولكن ليس على مبدأ أن في الجنة أفضل والسلام، فهذا مبدأ من يضمن لنفسه دخولها ولا أحد بإمكانه ذلك! إذًا الموضوع متعلق أيضا بفكرة النار، أو حتى فكرة الموت، أن كل هذا لن يساوي شيئا ولن يغني عن أحد أي شيء، فما جدوى التمسك؟

قد أكون تحدثت عن جيلي، أو عن دائرة المحيطين بي، أو عن نفسي فقط، أو عن خيالي وحده، ولكن في كل الأحوال كتبت ما أشعر به منذ مدة، وهو ما حدثت عنه أحد أصدقائي في ليلة ليست ببعيدة، وأعتذر عن عدم الترابط والترتيب في الفقرات.

على الهامش: هناك حالة بلاهة مطبقة تسيطر على قطاع من الفتيات اللاتي يرين في أنفسهن أديبات حين يكتبن status مضحك ومثير للحنق في الوقت ذاته على الفيس بوك، مثل "النهاردة هعمل حمام بالفريك" أو "كوبان" أو "اشتريت النهاردة حلاوة المولد" وغيرها مما يجبرك حينها على الصراخ قائلا "وأنا مال أهلي!" أو "هي دي ا، فضلا عن الفتيات اللاتي تحددن مواعيد للقاء بينهن عبر الحائط المتاح لكل دائرة معارفهن! أي دون أية خصوصية.

هناك تعليق واحد:

abo solh يقول...

عزيزي الأستاذ زقزوق

الموضوع باختصار عامل زي الرحلة، الفرق الوحيد إنك لما بتستقل القطار بتروح في اتجاه واحد، إحنا بقى بين الجنة والنار عاملين زي اللي في قطار مصر على التحرك بدون وعي -أو به- بين الاتجاهين وكل ما تقرب لناحية بتبعد عن التانية.

أنا لست من منتقدي أو كارهي أو حاسدي عمرو خالد ولا أنكر فضله, إلا أن الهوة اللي بقت موجودة بعد تغييبه عمدا لا تعود إلى قوته كداعية بقدر ما تنسب إلى لغة خطابه الديني. طول عمر الفقراء هما اللي بيلجأوا إلى الدين من أجل التعايش مع الواقع الصعب، يمنون النفس بفردوس فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت لأنهم لا يتصورون عيش الحرمان دنيا وآخرة. لما جه الأستاذ عمرو بدأ يتكلم للمرة الأولى مع الطبقة البعيدة (الشاب الذي يستمتع على الإنترنت (خد بالك أن الكلام ده بدأ في 1999 تقريبا، كان فيه كم واحد عنده نت في البلاد؟-الفتاة التي عليها التفكير بالحجاب مع زميلاتها في النادي، ياترى اشتراك الأهلي والجزيرة كان كام أيامها.

لما أغلب أفراد الطبقة بغياب الداعية الشاب رجعوا لقواعدهم لاحظت إنت كمان إن فيه تغير. هو الحقيقة إن المقطورة غيرت اتجاه القطر شوية وبعيدن رجع زي مكان في بعض القطارات والبعض الآخر عرف طريقه.

وياريت يا زقازيقو بلاش الانتقاد أوي لظواهر اجتماعية قد تكون مقبولة مقارنة بأخرى زي موضوع المساحيق والبي إم. تعالى نتمنى بس إن الناس في جواها تفكر قبل ما تشك. صدقني قبل الشك فيه مرحة مهمة جدا اسمها التفكير.

وشكرا لقوتك على احتمالي