هذا الموضوع ليس من قبيل ادعاء علم الغيب أو الجزم بما كان سيكون لو تأهل المنتخب المصري في نوفمبر الماضي إلى كأس العالم، ولكن كل في الأمر أنني أتأمل من زاويتين.. الأولى لمشجع ما عاد يحضر من المدرجات سوى مباريات المنتخب الذي آزره في آخر ثلاث تصفيات للمونديال وبات يستشعر بشكل ما كيف تسير الأمور بما جعل خياله سجينا لظاهرة "ديجافو" اللعينة.
أما الزاوية الثانية، فهي لمواطن مصري ساءه كثيرا ما يراه يوميا في بلده، ويدب فيه اليأس أحيانا وتكاد عبارة "لا فائدة" تقتله كلما اصطدم بواقع أليم لا يؤثر عليه ظاهريا بسبب استعانته بواجهة اللامبالاة.
أرجو من قارئ هذه السطور أن يتحلى قليلا بالصبر.. وهذا ليس بجديد على أي مصري خاصة وإن كان من هواة كرة القدم.
+ زاوية المشجع:
فرحت كثيرا حين شاهدت محمد بركات وهو يسجل الهدف الثالث في مرمى الجزائر في الدقيقة السادسة من الوقت بدل الضائع. عدت إلى منزلي سكيرا من لذة الفوز وكان الفجر للتو يؤذن وقد ظلت أبواق السيارات تصيح لمدة أسبوع كامل.
لا حديث للجميع إلا عن كأس العالم وماذا سنفعل في زيارتنا الثانية لجنوب أفريقيا، وقد استقر الرأي على ضغط مباريات الدوري والكأس حتى يتفرغ المنتخب تماما للمونديال بدءا من مايو بدلا من إلغاء المسابقة المحلية كما فعلنا من فرط الفرحة قبيل نهائيات 1990.
الجميع كان يدرك ضمنيا أن كأس الأمم الأفريقية هي للتجربة هذه المرة، وكلنا خشي الإصابات وبالتالي كان الخروج من دور الثمانية أمام الكاميرون منطقيا. أنجبت لنا البطولة لاعبا رائعا هو "جدو" الذي استفاد من الدقائق التي لعبها ليصبح حلمنا أن نراه برفقة أبو تريكة بعد تعافيه في المونديال.
مر الوقت سريعا بعد التعادل الودي مع صربيا، وعلى عكس شتاء جنوب أفريقيا.. أقمنا معسكرا في الكويت بطقسها الحار تلبية لدعوة خاصة لحسن شحاتة، واستفاد جميع مسئولي كرة القدم في مصر من هذه الزيارة ماديا.
وصلنا جنوب أفريقيا بقائمة من أصحاب الخبرة. محمد شوقي كان الغائب الأبرز والجميع في مصر يتحدثون فنيا عن مشكلة التعامل مع الكرات العرضية عند الدفاع.
كانت الأجواء كرنفالية للغاية بحسب ما رأيناه من تقارير مراسلي برامج الفضائيات، فهؤلاء كانوا تقريبا ينامون تحت أسرة اللاعبين في فنادقهم فيخرجون بكل كبيرة وصغيرة للجمهور، كما أن نجلي الرئيس أصرا على مرافقة اللاعبين أينما ذهبوا وتصدرت صورهما الأغاني التي تم إعدادها خصيصا لتشجيع مصر في المونديال.
السفر للتشجيع كان لا يجوز إلا عبر بوابة الحزب الوطني.. والتكلفة للمشجع الواحد بلغت 15 ألف جنيه بعد الدعم، وعلى الرغم من ذلك ذهب الآلاف لمؤازرة الفريق الذي عانت عناصره من ضغط إعلامي هائل بسبب الحديث عمن سنواجه في دور الستة عشر وضرورة تجنب لقاء ألمانيا.
في المباراة الأولى أمام سلوفينيا، فوجئنا بهدف مبكر من كرة عرضية معتادة، إلا أن التعادل جاء عبر عماد متعب لتنتهي النتيجة بهدف لكل فريق.
دخلنا مباراة إنجلترا بذكريات التألق أمام البرازيل وإيطاليا، وبالفعل انتزعنا تعادلا سلبيا لنواجه الولايات المتحدة في محاولة للثأر من هزيمتنا في كأس القارات.
تقدمنا أولا بهدف لحسني عبد ربه من ركلة جزاء، وبعدها مال الفريق بالكامل إلى الاستعراض. أحمد حسن سدد خمس كرات من نصف الملعب جميعها في المدرجات، وحسام غالي لم يهدأ إلا بعد أن مرر الكرة من بين ساقي ثلاثة لاعبين أمريكيين، ووسط كل هذا.. أعاد عبد الظاهر السقا كرة صعبة إلى عصام الحضري خطفها لاندون دونوفان ليتعادل.
وانهار فريقنا جراء التعادل وتعرض عمرو زكي للبطاقة الحمراء بسبب عصبيته.. فجاء هدف ثان عبر دونوفان أيضا ولكن من تسديدة استعان فيها بدهاء كرة جابولاني لتخدع الحضري وتمر إلى الشباك.
عدنا إلى القاهرة وأصرت الصحف على اعتبار الخروج مشرفا لسببين.. الأول لأنه لا يمكن أن يكون غير ذلك ونجلا الرئيس متواجدان مع الفريق، والآخر لأن الصحف الجزائرية انتظرت الإخفاق لتؤكد فشل الفراعنة في تمثيل الكرة العربية.
تم تجديد الثقة في شحاتة ومعاونيه مع وعد ببناء فريق شاب يكون حاضرا للمنافسة في مونديال 2014 على عكس ما نادى به علاء الصادق الذي أكد أن التأهل كان بفضل هذا الجيل وليس المدرب، في حين أن كريم شحاتة - مرافق البعثة- استمات في الدفاع عن والده.
تداولت المواقع الإخبارية أنباء غير معقولة نقلا عن وكلاء اللاعبين، فمتعب مطلوب الآن في ليفربول وجدو هو هدف لبرشلونة بينما يتم الحديث مرة أخرى عن أحمد المحمدي وسندرلاند.
+ زاوية المواطن:
لم أصدق هذا الكم الهائل من الأغنيات التي تبارى المطربون في إعدادها للمنتخب. لقد عاد د.محمد البرادعي إلى مصر بحديث عن ضرورة التغيير ولكن يبدو أن كل شيء مرجأ إلى ما بعد المونديال. تابعت قبل البطولة أن إسرائيل هاجمت سفينة مساعدات تركية كانت متوجهة إلى قطاع غزة لكسر الحصار ولكن ذلك لم يلق صدى في الشارع المصري على الإطلاق.
في أيام المونديال الأولى، تداولت بعض الصحف الخاصة خبرا مقتضبا عن إمكانية أن يكون شاب في الإسكندرية قد قتل على يد مخبرين اثنين بسبب التعذيب، ولكن يبدو أن المونديال غطى على كل هذه الملفات بما فيها انتخابات مجلس الشورى التي لا أعرف متى تحديدا جرت وعما أسفرت.
ساد جدل كبير حول مشاهدة المباريات عبر التلفزيون الأرضي أو حتمية الاشتراك في الجزيرة الرياضية، ورفعت المقاهي الأسعار إلى درجة لا تصدق بينما اكتست الشوارع بإعلانات تظهر نجوم البرامج الرياضية يقدمون برامج مثل "مونديال الفراعنة" و"معك يا شحاتة" وأشياء كهذه.
غير المهتمين بالكرة باتوا أكثر انجذابا لها من هواتها، البنات جعلن ألوان العلم هي الزي الرسمي في مشهد أعاد كأس الأمم 2006 إلى الأذهان. تحولت كل المجالس إلى ما يشبه دار إفتاء كروية، فلا يوجد من لا يعرف مكامن قوة سلوفينيا أو نقاط ضعف إنجلترا.. الكل يفهم.. الكل موسوعة.
بعد انتهاء مشاركتنا، فوجئت شخصيا بأن قضايا التعذيب عادت للنقاش مرة أخرى، كل المساوئ طفت على السطح من جديد، ولكن شاهدت للتو مقابلة مع البرادعي في التلفزيون سئل خلالها عما إذا كان يعتبر الإقصاء من كأس العالم جزءا من "منظومة الفشل".