الأربعاء، مارس 23، 2011

من بين من قالوا نعم




عبّر أخ عزيز لي عن دهشته حين علم موقفي بالتصويت بـ"نعم" في استفتاء التعديلات الدستورية الماضي، وحينها قلت إنني لا أفضل الخوض في الأسباب قبل التصويت بل بعده. ولم يكن ذلك إيمانا مني بقدرتي على التأثير في غيري، فحتى لو كنت أمتلك تلك القدرة لما كان لها أثر وسط المناخ الإعلامي الرافض للتعديلات والذي حشد غالبية المثقفين كي يحثوا الجماهير على التصويت بـ"لا".

فضلت الحديث عن أسبابي بعد التصويت وانتهائه كي أنأى عن احتداد الجدل، فلكل فريق وجهة نظر جديرة بالاحترام والتقدير، ولكن أن نختلف على شيء قد تم حسمه أهون بكثير من الاختلاف حول أمر مازال معلقا وبعلم الغيب وحده.

قبل أن أبدأ أود فقط أن أشدد على احترامي الكامل لوجاهة رأي فريق كبير ممن قالوا "لا"، فهم اختاروا ذلك المسلك عن قناعة تامة بأن في ذلك صالح البلد وما يهيئ لحياة ديمقراطية حقيقية وبالتالي فإنه لا يحق لي مطلقا اللجوء إلى التخوين أو التسفيه أو الادعاء على أي منهم بـ"عدم الفهم" أو "النصب" أو غيرها من الاتهامات المتداولة.

السبب الرئيسي وراء اختياري "نعم" بدلا من "لا" هو ما عبر عنه الناشر هشام قاسم ببلاغة حين قال إن التصويت ينبغي أن يكون لاختيار "المسار السياسي وليس التيار السياسي"، وبالتالي فإنني رأيت في مسار "نعم" ما أحسبه خيرا من الخيار الآخر.

أعتقد أن الأفضل دائما هو الانتخاب لا التعيين، وبالتالي إذا كنا نطالب بتطبيق الانتخاب لاختيار النائب العام وعمداء الكليات بل وشيخ الأزهر وغيرها من المناصب فمن باب أولى أن يكون مسلكنا هو الانتخاب لوضع الدستور، لا أن يأتي عن طريق لجنة قام مجلس عسكري بتعيينها وهو ما لن يكون مدعاة للفخر حين التأريخ لهذه المرحلة بعد عقود من الآن.

في رأيي أن اللجنة المعينة كانت ستثير خلافات أكثر من اتفاقات، بمعنى أن الانقسام سيبدأ بمجرد الإعلان عن تشكيلها وضمها بعض الأسماء التي بالتأكيد لن تحظى بإجماع وطني، وذلك بالضرورة من شأنه أن يقسمنا لما هو أشبه بفريقي 8 و14 آذار في لبنان، فالمؤيدون للجنة يقيمون مظاهرة حاشدة في وجه أخرى تؤكد أن مواد الدستور المقترح لا تعبر عن إرادة شعبية، وهكذا.

بقدر ما ساءني كثيرا تورط بعض التيارات الإسلامية سواء من الإخوان أو السلفيين بجانب بعض رموز الكنيسة في استمالة الجماهير انطلاقا من وازع ديني، فقد ساءني أيضا شعار "لا حتى لا يأتي الإخوان"، فهذا بالفعل هو نفس أسلوب النظام السابق القائم على الفزاعات.

ينبغي لمن أراد الديمقراطية ألا يحدد لها موعدا مسبقا، فالكلام عن أن الشعب ليس جاهزا لها ولن يختار تيارات ديمقراطية يوافق تماما ما قاله عمر سليمان في مقابلة مع الصحفية الأمريكية كريستيان أمان بور أثناء الثورة عن أن الشعب لم يمتلك بعد الثقافة التي تؤهله للديمقراطية.

للأسف خيب أملي كثيرون كنت أعتقد أنهم دعاة ديمقراطية ثم اتضح أنهم لا يريدون إلا الديمقراطية التي تأتي بخياراتهم هم، وتستروا وراء ذلك بالسعار ضد الإخوان والتيارات الإسلامية كافة، ثم بحجة عدم تجهيز "شباب الثورة" لأحزاب، وبحجة ضيق الوقت أمام الأحزاب المعلنة.

واستفزتني للغاية هذه الشعارات كون مصطلح "شباب الثورة" مطاطي للغاية كما أنه أغفل أن اتئلاف شباب الثورة مثلا وهو الرمز الأبرز المعلن للثورة هو مؤلف من أبناء تيارات سياسية بالفعل سواء من اليمين أو اليسار أو الإسلاميين.

وفي الوقت ذاته أضحكتني عبارة أن الأحزاب المعلنة لا وقت لديها لطرح نفسها في الشارع، فهذه شهادة وفاة سياسية فبينما كانت تعمل هذه الأحزاب تحت الضوء أو حتى تحت شعار "تحت التأسيس" كان غيرها يضيق عليه باعتقال كوادره ومصادرة الأموال ومع ذلك يتصل بالشارع، فهذا يبدو عذرا أقبح من ذنب.

نقطة أخرى لم أتفق معها وهي الحديث عن أن من قالوا "نعم" قد "شقوا إجماع الثورة"، فأنا أرى أن الثورة لم ترفع مطلبا واضحا سوى "إسقاط النظام" وهو ما يمكن لنسبة كبيرة اعتباره قد تحقق يوم اقتحام مقار أمن الدولة ومن قبله تنحي مبارك وسليمان وإزاحة حكومة شفيق، كما أن ثمة دستورا جديدا في كل الأحوال ولا صحة لإحياء دستور 1971 وها نحن في انتظار إعلان دستوري.

وانطلاقا من النقطة السابقة تحديدا فقد ساءني ما يمكن وصفه بـ"المتاجرة بدم شهداء الثورة"، والحديث قطعا عن أنهم كانوا سيقولون لا، فحتى لو افترضنا اطلاع القائل بذلك على الغيب فإن من بعد تحقق هدف الثورة وهو إسقاط النظام تبقى الخيارات سياسية من وجهة نظري وللجميع حق الاختلاف حولها.

ثمة نقاط أخرى لا يمكن أن أزعم أنها كانت غائبة عني ليس وقت اتخاذ القرار ولكن لتثبيت القرار، منها مثلا قضية ضرورة عودة الجيش إلى وضعه الطبيعي وإبعاده عن السلطة بعد أن أدى المهمة حفاظا على عدم عسكرة الدولة من جهة وإعادة للأمور إلى نصابها من جهة أخرى.

أكون منافقا لو قلت إن الحديث عن المادة الثانية كان غائبا عن ذهني، ولكن الأمر يستدعي بعض التوضيح حتى لا يساء فهمي ويُعتقد بأنني ممن تأثروا بالخطاب الديني من هنا أو هناك فسارعوا للتصويت أملا في صك غفران.

أعتقد أن كثيرين يتفقون معي على أن المادة الثانية ما كانت لتتغير حتى لو وضعت لجنة معينة الدستور المقبل، فالجميع يعرف بحكم عوامل عدة أنه من الأفضل للحفاظ على استقرار مصر داخليا ترك هذه المادة وشأنها وبالتالي كانت ستبقى حتما.

وبرغم هذا، إلا أنه من الواضح أن بعض الرموز من هنا أو هناك -مثلما شاهدنا في الدعوة إلى التصويت- كانت ستثير جدلا حول هذه المادة وهو ما من شأنه أن يثير توترا واحتقانا لا يتناسب مع الأوضاع الأمنية في الدولة حاليا ولا حتى في حالتها المثالية، وبالتالي يمكنني القول بأننا في غنى عن هذا الجدل الذي سيضر ولن ينفع ومن ثم اخترت تجنبه تماما.

كان هذا رأيي الذي لا أنتظر عليه ردا.. فما فائدة الرد الآن وقد حُسم الأمر؟ وبالتالي دونته ليس لإقناع أحد به بل لبيان موقفي مثلما وعدت بعض أصدقائي الذين استمعت إليهم.. لا داعي لإعادة الجدل مرة أخرى وأنا أقر بأنني قد أكون مخطئا في حساباتي التي بنيت عليها قناعتي بـ"نعم" فلم أكن روحا أبدية الألم.. مع الاعتذار لأمل دنقل.

ليست هناك تعليقات: