بإمكان أي عربي غير متهم بالسياسة حاليا أن يذكر لك أسماء خمس مدن ليبية على الأقل.. ولا تتعجب إن كان من بينها ما لم تسمع به من قبل مثل رأس لانوف أو الزليتن، فبلاد عمر المختار صارت حديث الساعة منذ أن هبت في وجه القذافي.
الحق أقول أنني بقدر بغضي لديكتاتورية القذافي ومرضه بجنون العظمة ومذابحه الإجرامية في الجامعات والملاعب.. أظل أحتفظ له بذكرى أنه ممن نجحوا في إضحاكي حتى دمعت عيناي، والحديث هنا ليس عن خطاب "زنقة زنقة" الشهير بل على ما سبقه أيضا.
أذكر جيدا القذافي وهو يتحدث عن حل الكتاب الأبيض وعن تقديره لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس، ولا أنسى بالطبع خطابه التاريخي في الأمم المتحدة ولا رحلاته المكوكية في أفريقيا كإمام للمسلمين.. هي كلها مشاهد غاية في الكوميديا وإن كانت سوداء في الواقع.
حسنا.. نجح الليبيون في صناعة المستحيل واضطرهم القذافي إلى حمل السلاح ضد كتائبه الأمنية إلى أن دخلوا باب العزيزية وها هم بصدد دخول سرت قريبا، ولكن لا ننسى أن ذلك ما كان ليحدث لولا تدخل الناتو لتطبيق قرار الحظر الجوي.
فاتورة الناتو ستكون باهظة بلا شك، وحين كنت أشاهد أعلام مصر وتونس وقطر وتركيا في بنغازي بأيدي الثوار كنت أتمنى ألا أشاهد بجوارها علم فرنسا أو الولايات المتحدة أو بريطانيا.
مشكلة الأنظمة الديكتاتورية القمعية أنها جعلت التدخل الأجنبي بديلها الوحيد، فيبقى المواطن بين نارين إما الاحتلال الخارجي أو الاستعباد الداخلي ولعل هذه هي نفس الفكرة التي يطرحها النظام السوري وكذلك كان سيحدث لو كان حكم البعث مستمرا في العراق إلى يومنا هذا.
الفخ الذي أريد ألا نقع فيه هو ألا نحول الحكام الذين تسببوا في إذلالنا إلى أبطال، فلم أزل أتعجب من أولئك الذين يرثون صدام حسين بطل العرب وقاهر الفرس وكأنه لم يستخدم أبدا الأسلحة الكيماوية ضد شعبه أو لم يقرر غزو الكويت أو لم يدخل في حرب لا طائل من ورائها مع إيران لاستنزاف البلدين طيلة ثماني سنوات!
نفس النبرة أسمعها الآن بل سمعتها منذ بدء الثورة الليبية، فكثيرون يتساءلون علام يثور الليبيون؟ أليس سعر الوقود منخفضا؟ ألا يركبون أحدث السيارات؟ أليست المواد الغذائية برخص التراب؟ وقد نسي أولئك أنه ليس بالأكل والشرب فقط يحيا الإنسان.
أما في سوريا فما يحدث يستدعي بقوة قول شاعرنا فؤاد حداد "حيّوا أهل الشام.. يا أهل الله"، فالإخوة هناك يواجهون المعادل الطبيعي لديكتاتوريات أمريكا اللاتينية العسكرية بين السبعينيات والثمانينيات.. ولعل آل الأسد تفوقوا بمذبحة حماة مثلا على بعض أفعال بينوشيه.
المدهش حقا هو موقف الجيش السوري الذي كان يُعتقد أنه على خط المواجهة مع إسرائيل فها هو يطلق رصاصاته وقد أصابها الصدأ صوب مواطنيه.. وليت كارلوس لطوف يرسم عن ذلك ربع ما يرسمه عن المجلس العسكري في مصر.
أنتظر بفارغ الصبر الحسم في اليمن وكذلك البحرين التي استثنتها من حساباتنا الطائفية البغيضة، وأترقب ما قد يحدث في الجزائر الشهر المقبل وأرضى بعض الشيء بما حققه أهل المغرب من إصلاح بالدستور.. ولنقم جميعا من قبورنا.
هناك تعليقان (2):
عزيزي (زقزوق) ببساطة نحن العرب عموما لانجيد سوى الكلام الذي أصبح ميداننا الذي نتنافس فيه,مع الأسف هذا الكلام المنمق من الظاهر خارج من أشخاص لايعوون حجم مايكتبون,ماهو بالواقع ولايمثل حقيقة الأمور التي يكتبون عنها,أنا من سوريا ولست من أعضاء الحكومة السورية ولست موظفا فيها بل أنا حتى مغترب أعيش خارج بلادي,تقول أن الانسان لا يحيا على الطعام والشراب فقط بل هناك ماهو أهم وتقصد بالحرية طبعا,هل تعلم أن 70% من دول العالم قيدت الحريات فيها وخاصة الكلام عن الرؤساء والحكومات (ومنهم دول أوربية) وبقية الدول تدع الكلام بحرية عن السياسة والمسؤولين اما بهدف تنفيس الضغوطات عن الشعب أو للادعاء الظاهر بالحرية,نحن مجتمعات ياسيدي لانعرف ماهي الحرية فعلا بل نرسم لها صورا مشرقة براقة ونسعى للحصول عليها بوسائلنا التي نراها مناسبة لكي نكتشف فيما بعد وهم ماسعينا لأجله والسراب الذي لم نكن نتوقعه,أوتستغرب من العراقيين تمنيهم رجوع رئيسهم الشهيد صدام حسين,إذن فإنني أدعوك لزيارة العراق مدينة مدينة قرية قرية إن استطعت الى ذلك سبيلا لكي ترى بأم عينك فقدان العراق والعراقيين لما كانوا يملكون كالكهرباء التي تأتي ساعتان في اليوم والماء والغلاء في أسعار المواد المختلفة وعدم حصولهم على ماكانوا به يوعدون,ياسيدي نحن ببساطة شعوب بحاجة لقادة أشداء وحازمين ليتعاملوا معنا ,نحن سعيدون بمصر وتونس وليبيا واليمن بما يجري لاعتقادنا بأن هذه الشعوب قد نالت ماسعت اليه وهي الحرية الزائفة ولكن ماسيحصل لاحقا هو أمر مؤسف حقا وسترى ذلك في الزمن القريب,سترى كم نحن بسيطون ومخدوعون ومشاعرنا هي التي تقودنا وليست عقولنا,نحن أناس لانقدر قيمة مانملك حتى نفقده وعندها يكون الأوان قد فات لاسترجاعه,عذرا للإطالة وتقبل مروري.
مرورك يسعدني بكل تأكيد يا أخي وإن اختلفنا في الرأي.
كلامك في المطلق يوافق حتى ما ذهب إليه بعض علماء السياسة الغربيين مثل روبرت دال الذي قال إنه لا توجد دولة في العالم تطبق الديمقراطية بشكل صحيح وأن الديمقراطية تبدو وكأنها لعبة خيالية.
نختلف في ذلك ولا يهم.
إرسال تعليق