أتاح قدر سكني بمدينة السادس من أكتوبر الفرصة كي أتعامل
بشكل شبه يومي مع عينات مختلفة من الإخوة السوريين المقيمين في مصر، وهم هنا في
المدينة يظهرون بكثافة تفوق تلك التي كان عليها الإخوة العراقيون قبل نحو عشر
سنوات، وبالتالي فإن الشرائح الممثلة متنوعة للغاية ولكنها رغم ذلك تشترك في سمات
عامة.
أبرز ما يميز السوريين هنا هو اعتزازهم الكبير بانتمائهم
الوطني، فأسماء جميع المحلات تعبر عن ذلك "ميدان الشام، البدر الدمشقي،
سوريانا، المركز السوري لصيانة الدش.."، فضلا عن حرص بعض الشباب على حظاظة
علم الاستقلال السوري وغيرها من الإشارات التي تجعلك تدرك بسهولة أنك أمام شخص من
بلاد الشام.
وقد يخيل للبعض أن هذا الحرص على إبراز الهوية الوطنية يعكس
نظرة قومية قُطرية ضيقة كتلك التي نعاني منها في مصر حاليا، ولكن الواقع عكس ذلك
تماما، فأول ما تلاحظه عند تعاملك مع السوري بالبيع أو الشراء أو حتى الحوار
الجانبي مع الجار أو الراكب المجاور أنه إنسان ودود بدرجة كبيرة يحب الكلام
ويتحاشى دوما أن يبدي رأيا له حول أي شيء يخص مصر سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا
حتى، فهو لا يعقد مقارنات أبدا بين المرور في سوريا والمرور في مصر مثلا، هو فقط
يتحدث ويستفيض حين تسأله عن سوريا.
وهذه الصفة ميزت السوريين في مصر حتى قبل الانقلاب الأخير،
أي قبل أن يتحولوا إلى هدف لحملات تحريض إعلامية خسيسة، وبالتالي لا يمكن الزعم
بأن هذا السلوك المتواتر يرجع إلى جبن أو رغبة في تفادي المشاكل فحسب.
السوريون تخصصوا بشكل كبير في قطاع المطاعم، فالشاورما
والمثلجات والتسالي والحلوى والألبان وأحيانا البقالة هي أبرز المجالات التي تلاحظ
انتشارهم فيها، وهناك تجد فارقا عميقا بينهم وبيننا نحن المصريين.
في المطعم السوري النظافة هي السمة الأبرز، فلا يقوم
زبون من مائدته إلا وتكون قد نظفت في دقيقة لاستقبال الزبون التالي، وحتى إن كانت
الطاولات في الشارع فإن الهواء قد لا يلقي بورقة على الأسفلت إلا وتجد من يلتقطها
من عمال المطعم في حينها.
يضاف إلى النظافة جودة الطعام نفسه ووفرة كميته وانخفاض
سعره مقارنة بالوضع مع المطاعم المصرية، ناهيك عن المعاملة الرائعة التي تبدأ بطبق
التحية المستنثى من الحساب شأنه في ذلك شأن السلاطات والخدمة، وصولا إلى الدعاء
اللطيف بعد دفع الحساب "يعوّض عليك".
نفس آداب المعاملة تتكرر في أي مجال آخر غير المطاعم،
فتشعر وكأن كل السوريين في هذه المدينة عائلة واحدة كبيرة جدا تشترك في نمط معين
من التربية يجعلك لا تنزعج أبدا من جيرتهم، بل قد تفضلها على جيرة كثير من
المصريين من محترفي إثارة المشاكل وافتعال المتاعب والقول الفظ.
وأمام هذا الاحتكاك المستمر بيني وبين الإخوة السوريين،
أتساءل: هل هم يتقنون عملهم بشكل زائد عن الحد أم أن كثيرا منا نحن المصريين للأسف
لا يحسن عمله؟ هل هم فقط مهوسون بالنظافة أم أننا لا نكترث بها ونعتبرها معيارا
ثانويا؟ هل هم فقط رغم الآلام الكبيرة التي أصابتهم يجيدون التبسم في الوجه
والكلمة الطيبة أم أننا نحن من يتفنن في النكد والعبوس والتعبيرات العنصرية؟
شخصيا سعيد بجوار السوريين، ولكن ما أحزنني هو هذا
الفارق الكبير في تعاملاتنا وتعاملاتهم الذي أكتشفه يوما بعد آخر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق