انطلقت اليوم بالسيارة ذاهباً للعمل كما اعتدت مؤخراً بعد تدربي جيداً على القيادة عبر الأشهر الماضية، المحور صار طريقاً محفوظاً بالنسبة لي، لا مشاكل مطلقاً...
أوقفت السيارة على ناصية الشارع وأخذت منديلاً كي أزيل فضلات طائر تراكمت على الزجاج الأمامي، عملية لم تأخذ سوى دقيقة واحدة، ولكن ترتب عليها الكثير فوراً...
من التقاطع خرجت إلى الطريق العمومي... حافلة قادمة من الجهة الأخرى... صدام!
أنا المخطئ لأني أسرعت في الانطلاق... شم النسيم والإجازة والطريق خال وأول اليوم وشبه نائم! هو أخطأ لأنه لم يلتزم الجانب الأيسر من طريقه نظراً لسرعته ولوجود تقاطع على يمينه، كما كان مسرعاً مثلي على الرغم من عبوره "مطب" للتو...
لا يهم، وقع ما وقع... اصطدمت الحافلة بالباب الخلفي لمقعدي مباشرة، وعلى إثرها قامت السيارة بلفة عكسية ليصبح ظهرها مصطدماً بالرصيف، وبالتالي فرغ الإطار الخلفي الأيسر من الهواء، وطارت "الطاسة" بعيداً إلى أشلاء، بينما تعرض "الجنط" الداخلي إلى اعوجاج واضح... فضلاً عن الصدمة القوية في الباب.
على الرغم من هدوء المكان، إلا أن الجميع توقف، ولم يصدقوا أنني حي حين بدأت أتحرك وأغادر السيارة! نعم حي ودون أية جروح أو كدمات... والله وحده يعرف كيف نجوت، له الحمد.
ذهبت للعمل بعد أن اعتذرت عن التأخير قبلها، ولم يدر رئيسي بالحادث لأنه وصل بعدي، ولكن زملائي استقبلوني بالبسمة، صديقي العزيز مهند كان أول من سمع مني القصة في محادثة، ونطقنا نحن الاثنين في نفس اللحظة "عمر الشقي بقي".
كل الحب لمن قلق عليّ فور أن حكيت له القصة، كل الحب لمن اتصل بي، حقاً أشعر أن هناك من أعني لهم شيئاً.
كما قلت لإيهاب التهامي، الحياة بدت في عيني لا شيء، ربما لأن الحادث جاء في مرحلة الفوضى الفكرية والشعورية التي أمر بها حالياً، ولكن كم تضاءلت الحياة حقاً أمامي الآن... كنت أنا والموت الذي طالما كتبت عنه، وكثيراً تمنيته في لحظات حالكة... وحين مر بي تأكدت أن كل شيء لا يساوي شيئاً! هذه الحياة كلها تضيع في لحظة واحدة، وبشكل فجائي، وبصورة تبدو عشوائية، فلم كل شيء؟ أكمن يبني بيتاً ورقياً في منطقة معرضة للريح في أية لحظة؟ نعم تماماً.
استمع مني إيهاب لما هو أكثر، قلت له لم أحيا؟ من أنا؟ محرر صحفي متخصص في الرياضة؟ له بعض القناعات والآراء السياسية؟ لا يوجد ما أبقى له! أحسب أبي وأمي عني قد رضيا، تخرجت في كلية ذات سمعة طيبة، أعمل منذ الدراسة ومستقل مادياً، لست منحرفاً أو مدمناً... ماذا يبقى أكثر؟ قد عاشا ليراني قد تخرجت وأحمل بطاقة تواصل عليها اسمي ووظيفتي وأرقامي... ليكن هذا حسبي! أما أخي وأختي فقد تزوجا وأنجبا ولكل منهما حياته، لست قلقاً على أيهما.
في الحب كنت تعيساً، أو قل غير موفق، أو قل أسأت التصرف، وبالنهاية بقيت حبيس جدران غرفتي، لا أفعل شيئاً سوى العمل، ودراسة اللغة، وبعض القراءات من حين لآخر، واللجوء لهذه الشاشة وهذه اللوحة ذات المفاتيح التي تنطلق أناملي عليها كعازف ماهر في حفل أوبرالي.
لم أبقى؟ أمتي؟ كم خذلتها! ربما تبدو كلماتي غريبة لأنها تحوي معنى فقدان الإيمان بالذات، وهو شيء لم يعرفه عني أصدقائي، قد اعتادوا دوماً العكس، ولكنني حقاً تعبت، وسئمت التماسك، لا أحمل سوى وهميات تندر مع الوقت.
لن أنكر استعطافي لمن يقرأ سطوري هذه، لا أخجل من ضعفي الإنساني، فهو ما بقى لي من بشريتي، وأتباهى بامتلاكه، فلست بلا قلب، بل بداخلي نبض يسرع حيناً ويبطئ آخر...
لا أصنع مأساة من لا شيء، أعلم أن أحوالي مرفهة مقارنة بكثيرين غيري، ولا أنكر فضل الله عليّ، ولكنها بشريتي مرة أخرى، لمن يقرأ هذا... لتدع لي... ولتسامحني على ما كان مني...