هذه التدوينة تلبية لدعوة أطلقها بعض النشطاء لجعل يوم 20 يونيو مخصصا للتدوين حول قضية التحرش الجنسي الذي عادة ما تكون الإناث ضحاياه في مصر.
اخترت العنوان بكلمتين "كتاب وعتاب"، فأما الأولى فهي تأكيد على ضرورة وقف هذه الظاهرة وما تسببه من أذى نفسي أو جسدي للضحية، ولا أحسب في ضوء فهمي أن الفتاة قد تتعرض لأذى كبير إذا ما سمعت عبارة غزل عابرة من شاب لا يقصد إهانتها فيقول وهو مار بجانبها "أنت جميلة جدا".
أعتقد أن الإيذاء أو صلب التحرش الذي نحن معنيون بالحديث عنه هو الكلمات الجارحة أو الغزل الصريح الذي يركز على مناطق بعينها في جسد الأنثى، هذا إن كان لفظا.. أما إن كان فعلا فالأمر ليس بحاجة إلى الشرح.
هل مكافحة التحرش تستوجب كل هذه الضجة؟ نعم.. وأقول إن السبب الأدعى لذلك هو أن غالبية الفتيات يلزمن الصمت دائما تجاه ما يتعرضن له سواء بدافع الالتزام بـ"سلوك البنت المهذبة" وتجنب أن يقال عنها "كلام" بدعوى أنها تشكو من تعرضها لحادث ما، أو ربما الخوف من الأسرة.
صحيح أن في بعض الحالات يتعرض الذكور للتحرش من قبل الفتيات، ولكن الأمر يبقى في دائرة المراهقة المرتبطة بالمدارس الثانوية، بعكس التحرش المعتاد الموجه إلى الإناث والذي يعبر الطبقات الاجتماعية والشرائح العمرية.
أرى أن أول خطوة لمواجهة التحرش هو ألا تخاف الفتاة من رواية ما تعرضت له ولكن هذا يحتاج لاستيعاب مجتمعي يبدو أننا للأسف بعيدون عنه في ظل بعض القيم السلبية المغلفة بإطار زائف من الأخلاق، ولكن كل شيء يبدأ بالتدريج.
لا أحسب أن سن قوانين لمواجهة هذه الظاهرة تحديدا سيعني الكثير لأن جل القوانين في مصر لا تُطبق للأسف، كما أن الثقة في الشرطة معدومة وبالتالي الحديث عن أي دور ممكن لها في حماية الفتيات يكاد يكون خيالا.
لا بد من التوعية المجتمعية أولا.. فهي وحدها التي ستفتح الباب أمام تقبل شكاوى الإناث وستوفر لهن الحماية ولو حتى في صورة المارة الذين يستطيعون التدخل ضد أي اعتداء محتمل.
ربما ما أقوله يبدو مضحكا في نظر البعض.. ولكن هذا ما أملك.
أما العتاب فهو موجه لغالبية القائمين على حملات مكافحة التحرش، فهن أولا لا يبدين أي نوع من التفهم للأسباب التي قد تولد هذا السلوك لدى المعتدي، ومن ثم فإنه حين يتعرض لرسائلهم يشعر وكأنه بصدد توجيهات صادرة من كوكب آخر.
زد على ذلك أنهن مصرات تماما على تجنب الوازع الديني في الخطاب، وأحسب شخصيا أن حتى الفتى مدمن المخدرات قد يجد أثرا أكبر في خطاب ديني ينهاه عن التحرش من تلك العبارات البتراء مثل "خليك راجل" أو "كن شهما" وهكذا.
الأمر الأكثر استفزازا هو تأكيد بعض القائمين على الحملات أن التحرش سهم يصيب أية أنثى سواء كانت محجبة أو منتقبة أو غير محجبة أو كاشفة عن ساقيها حتى الفخذين أو من كتفيها إلى حواف النهدين.. فكلهن سواء، وهذا حق يراد به باطل.
أعتقد أن التوعية ضد التحرش لا يمكن أن يتم الحديث عنها بمعزل عن السياق المجتمعي، فعلى الجميع أن يعلم أننا في مصر ولسنا في باريس أو لندن التي قد يقابل أهلها بالتصفيق زوجين من المثليين وهما يتبادلان القبلات على قارعة الطريق.
فتلك ثقافة قد تتفهم أن ملبس الأنثى –مهما كان- ليس مبررا للاعتداء عليها، أما عندنا فالوضع مختلف.. فمع إدانة المعتدي سيبقى بعض من اللوم موجها لتلك التي "فتحت الباب" –بالطبع دون قصد- ولم تراع بملبسها ثقافة بلدها خاصة في العقود الأخيرة حيث بات الوازع الديني حاضرا ومشكلا رئيسيا لكثير من المفاهيم.
صحيح أن المحجبة والمنتقبة وغير المحجبة معرضات للتحرش، ولكن بالتأكيد فتاة التنورة القصيرة أو الكتفين البارزين أو السروال شديد الضيق الذي يخيل للبعض أنها ولدت به أو أنه مجرد لون مرشوش على فخذيها.. أكثر عرضة بكثير.. ولا أرى أي منطق لإنكار هذا.
آمل ألا تظل القائمات على الحملات الخاصة بالتحرش، وتلك الحقوقية بشكل عام، في خصام دائم مع الدين وألا يحملنه وملتزميه مسئولية أي تدهور تشهده البلاد بطريقة آلية.
هذا والسلام.