لم أتردد كثيرا قبل كتابة هذه السطور، فقط أتمنى قراءة الجمل جيدا والتماس المقصود من ورائها بدقة قبل التسرع في إصدار أحكام عامة ليست صحيحة بالضرورة...
خلال السنوات العشر الأخيرة، وربما قبل ذلك، برزت ظاهرة مجتمعية إيجابية، وهي الجمعيات الخيري أو دعنا نقول العمل الخيري المنظم بشكل عام، والفكرة كانت قائمة بالأساس على تنسيق الجهود واستغلال علم الإدارة في العمل الخيري للحصول على أفضل نتائج ممكنة من خلال الاستخدام الأدنى أو الأمثل للموارد المتاحة.
والحقيقة أن التنظيم عنصر لا غنى عنه لأي نشاط هادف، ومع بروز الجمعيات الخيرية بالشكل الإداري الجديد تدفق الشباب عليها بقلوب تملؤها مشاعر الحنان، وتسكنها نبضات الإيمان، وزاد من حجم المشاركة الصحوة الإسلامية التي شهدتها مصر بداية من أواخر العقد الماضي والتي دخلت الآن في مرحلة خمول تقليدية.
وكعادة أية حركة جديدة ذات طبيعة قائمة على الاحتكاك مع المجتمع، فإن الأمور لا تمضي كما بدأت، ولا تسير كما كان مخططا لها، وهذا هو الوضع الطبيعي لكافة الحركات الطارئة، وبالتالي يبقى أن يتم التنويه ولفت الأنظار لما قد يضر بالنشاط ويخرجه عن مضماره بدلا من أن يثبته ويعمل على زيادة كفاءته.
ربما تكون أكبر مشكلة أراها - وعليها سأركز حديثي- هي مشكلة الأضواء، أي تسليط الضوء على العمل الخيري بشكل خاطئ، فمثلا حين تتصفح أحد المواقع لتجد صورا بل وأفلام فيديو لمجموعة من الشباب المنتظمين في العمل الخيري لملاجئ الأيتام مثلا، أو الأطفال من مرضى السرطان، فالضرر هنا جد كبير على هؤلاء الأحداث... الأمر نفسه ينطبق على الوسائل الإعلامية الأخرى وعلى رأسها المصورة كالتلفزيون والمجلات تحديدا... لأن الضجة التي تذهب بها هذه الوسائل من كاميرات وإضاءة وغيرها تجعل الطفل اليتيم أو المريض يشعر بـ"مشكلته" أكثر، وهي "حاجته للعلاج أو الأمومة"، أو يبث لديه عقدة "النقص"، فهو "مختلف" عن الباقين خارج أسوار المؤسسة التي تضمه وأقرانه، ولهذا هم يهتمون به، وينشرون صوره وهو يتلقى "المساعدات" و"المنح" كأنه "عالة" و"حدث اسثنائي غير طبيعي" على المجتمع، فإنسانية الآخرين فقط هي ما تبقيه حيا، وهم يأتون لمد يد المساعدة "طواعية" دون أي التزام من جانبهم.
لنتخيل أن هذا الطفل بعد خمس سنوات من الآن أو ربما أقل وهو يتذكر هذه المشاهد بعد أن وعى الدنيا، أو حين يتصفح المواقع ليعثر على صفحاتها على صورة شاب يقدم قميصا لطفل يشبه نفس الصورة التي يراها في بطاقة تأمينه الصحي، بل إن هذا الشاب نشر القصة كلها... وذكر اسم الطفل أو لم يذكره... نشر كل شيء وكأنه يقول "أنا من أهل الجنة" أو "أنا فاعل خير".
أرى أن الضرر النفسي الآني واللاحق الذي يصيب اليتيم أو الطفل المريض جراء هذه الدعاية بالغ لأقصى درجة، وعلينا تدراكه سريعا.
أرى أن الضرر النفسي الآني واللاحق الذي يصيب اليتيم أو الطفل المريض جراء هذه الدعاية بالغ لأقصى درجة، وعلينا تدراكه سريعا.
ه
هنا أتوقف بعدما أوضحت نقطتي لأبين أنني لا أعني أن يتعمد الإعلام مثلا تجاهل المؤسسات الخيرية، لا! بل أقول أنه من الضروري توضيح حاجتها وإجراء اللقاءات مع مسئوليها لشرح أنشطتها وتوجيه الدعوة لمن يمكنه التبرع، بل من الضروري أيضا تبيان الإحصاءات والأرقام الخاصة بالأطفال الذين تتولى رعايتهم تلك المؤسسة، ولا مانع من نشر صور "عامة" غير شخصية لهم، أو صور شخصية ولقطات فيديو مسجلة في الحالات الطارئة جدا كالحملة الناجحة لمشروع "هتساعدني؟" للأطفال مرضى السرطان، ولكن ليتم كل هذا بمعزل عن "فعلة الخير"، ودون أن يظهروا وهم يقدمون للأطفال هباتهم، ومنحهم، فالمتلقي سيتشجع بعدما يطلع على الأرقام ويدرك بشيء من الرحمة والعقل معا خطورة المسألة وشدة الحاجة لتدخل فوري، أما أن يرى آخرين يفعلون الخير فربما يقول – والناس تفكر بأشكال شتى ونحن بحاجة للجميع- أن الوسيلة الإعلامية تقدم هؤلاء على أنهم القدوة والنموذج فيردد في رأسه "ليشبعوا بهم... فلن أتبرع!"، علينا أن نعي أن تشجيع الآخرين للانخراط في العمل الخيري لا يأتي بالصور والفيديوهات العلنية التي يداخلها رياء كبير وتجريح بالأحداث التي تنص مواثيق الشرف الصحفية على عدم نشر صورهم أبدا، بل تأتي بالدعوة من شاب لزميله أو قريبه، أو من فتاه لصديقتها... وهكذا.
بعيدا عن هذا أيضا، فإن مشروعات كثيرة تعملقت ودخلت الضوء بشكل جعل الكثير من الملاجئ أو معاهد السرطان بالمناطق المحرومة تزداد بؤسا على بؤس، لا يفوتني أيضا أن أنوه لما لاحظته، أن بعض هذه المؤسسات تحولت لأندية وملتقيات لـMatching هائل بين الشباب والبنات، فعلى الجميع الالتزام بضبط النفس قليلا وعدم نسيان الهدف الذي جمع بين كافة الأعضاء وهو الخير دون الإضرار باليتيم أو المريض، ودون رياء ودون منّ أو أذى.
علينا أيضا أن نعي أن العمل الخيري حل مسكّن، وليس غاية مثلى، فالغرض والهدف النهائي هو تطوير المجتمع حكوميا وأهليا بحيث لا يوجد من يسمى فقيرا أو من يوصف بالمحروم، حين يضمن كل فرد حدا أدنى من الحياة الكريمة وغير المنتقصة، ولتحقيق هذا الهدف علينا بأدوات أخرى خلاف المسكنّات كالعمل السياسي ومناقشة الأطروحات وتغيير المفاهيم لدى عموم الناس وغيرها مما لا يتسع المجال للإشارة إليها.
هناك 12 تعليقًا:
هاتكلم عن نموذج فى حالة معينة احترمتها جدا واعتقد انها مرتبطة بالسياق
كان برنامج العاشرة مساءا جايب حفلة عملها لاطفال مرضى السرطان من كام يوم ..وكان جميع طاقم البرنامج موجودين
الاطفال كانت على وجوهم فرحة غير طبيعية بالحفلة والهدايا اللى اتقدمت ليهم
احترمت فيها جدا اللى عملوه ..نقاشوا فكرة التطوع بطريقة جديدة عملوا لقاءات مع شباب اللى بيزور الاطفال دايما عملوا احاديث مع الاطفال نفسهم وسالوهم نفسهم فى ايه واتكلموا عن اهلهم واحساسهم باليوم
غير انهم ركزوا على الحالات الصعبة والمتاخرة كمان بدون موسيقى تصويرية ولا لعب بمشاعر الناس
وكان هدف الاحتفال ده انهم يعرفوا اخر ما توصلت اليه الجهود فى انهاء المسشتفى المجانية للاطفال لعلاج السرطان واللى ختموا بيها فى الفقرة فى حوار مع الاطباء نفسهم
يعنى زى ما قولت كان تنويه عن الفكرة بشكل محترم وفى نفس الوقت بدون اى رياء ومع مراعاة حالة الاطفال اللى لما يفتكر لحظة زى دى اكيد مش هايحس بالنقص
اعتقد انها تجربة تستحق الاحترام والتقدير بدون اى تجوازات او اى اضواء مصطنعة
كلامك مش كله صح يا زقزوق، اللى انت تقصده تصرفات فردية بحتة مبتعبرش إطلاقًا عن جمعيات معينة، ناتجة عن عمل أهلى غير منظم، لأن إحنا عمومًا معندناش ثقافة العمل الأهلى المنظم، هقول لك على مثال صغير، فى حوار مع د.شريف عبد العظيم مدير جمعية رسالة بعد ما انتهى الحوار طلبت إننا نصور كذا صورة من الجمعية، قال لى صور الأنشطة براحتك بس متصورش لا متطوعين ولا مستفيدين، وافتكر إن رسالة دى نموذج لللعمل الأهلى السليم، وهو بيتعارض مع كلامك، وبالتالى زى ما قلتلك كلامك مش صح كله ومش غلط كله.
تدوينة لظيظة، وبالتوفيق يانجم، ولعلمك.. أنا مليش مصلحة، ده كله عشان خاطر العيال.. ياكرف
تعليقا على كلام مهند
معلش انا مختلفة معاك شوية بخصوص رسالة
هو طبعا لا غبار على الدكتور شريف عبد العظيم هو راجل محترم جدا
بس تعالى للافراد والمتطوعين نفسهم
انا واحدة كنت شغالة فى رسالة.. كان فى هدف تانى او خلينا نقول هدف جانبى الى جانب التطوع
رسالة نموذج ناجح وكل حاجة بس مش النموذج السليم اللى احنا بنتطلع ليه
لانه فيه سلبيات انا شوفتها بنفسى
ولازلت بأكد ان رساله نموذج ناجح بس لا يخلو من السلبيات اللى عمرو بيتكلم عنها بشكل عام
كلامك مظبوط جدا وده بيحصل كتير البعض يعتبرها نوع من الدعاية والإعلان وانه طرف فى المجتمع يؤدى دوره فيه لكن فعلا بينسوا او يتناسوا مشاعر الناس الى بيسعدوهم وربنا يهدى
دينا.. كلامك وكلامى مش مختلفين.. بالعكس إحنا الاتنين بنصب فى نفس المعنى.. برضه هنرجع ونقول إن كل الأخطاء اللى بتحصل فى العمل الأهلى فى مصر هى أخطاء لأفراد مش لمؤسسات.. ودى بترجع لثقافة المتطوع ونفسيته، هل هو عاوز يتطوع لأنه بنى آدم كويس ولا لأنه عنده هدف تانى.. يجوز يكون عاوز يتصور مثلاً وهو بيدى ولد يتيم تى شيرت أو هدف تالت زى ما انتى قلتى وأنا مفهمتوش.. أيًا كان أفتكر إننا متفقين
فيه حاجة بس فاتت ع الناس، إن مش لازم يكون في دماغه إنه يتلمع، ممكن يكون فرحان بالعمل الخيري بس الفرح بطريقة غير صحيحة.... سعيد بالجدل
متجدد دائما كما عهدتك، لا يستطيع أحد التكهن بما ستكتبه، وغالبا ما تثير مواضيع جيدة للنقاش إلى جانب المواضيع الشخصية، وهنا تكمن ميزة هذة المدونة
أنا اتفق معك في أن بعض الإعلانات تؤدي لتعميق الشعور بالإبعاد أو الغربة أو الاختلاف عن الآخرين، مما يشوه الهدف المراد تحقيقه، بل إن البعض يستغل معاناة الأطفال لتحقيق مكاسب مادية ببناء صورة إيجابية عن شركة أو منظمة، وبالتالي زيادة الأرباح
دينا: عجبني المثل اللي انتي طرحتيه
مهند: أنا مش معاك لسبب، أنك جبت مثل واحد عن تجربة ولكن هناك العديد من الأمثلة السيئة للتلاعب بمشاعر الأطفال، ياعني زي مانقول مثلا أن أمريكا دي بنت ...لانها بتقتل العراقيين، وبعدين نقول بس فيه 10% مثلا بيعارضوا الحرب دي
أخيرا: أنا مبسوط أن في دلوقتي ثقافة منتشرة إلى حد ما بين الشباب وهيه ثقافة العمل التطوعي، وده شيء إيجابي وربنا يوفقهم لخدمة صالح المجتمع، ويوفق كل الجمعيات التطوعية
بعيدا عن الاستغلال المؤسسي للموضوع يا أيمن، غياب الثقافة زي ما مهند قال
يعني اللي بينزلوا صورهم وهما بيدوا الأطفال هدايا دول عايزين التعليق يبقى ع الصورة ايه يعني؟ زي كتب القراءة المدرسية "امجد طالب مجهد... أمجد يفعل الخير، أمجد يساعد المحتاج..." ده تهريج طبعا إن حاجة زي دي تفوت عليهم حتى لو مش في نيتهم شيء مش كويس... ولا عايزين يقولوا احنا النموذج والقدوة
في كل الحالات الشيء مستفز
سعيد بتعليقك ومدحك للمدونة اللي متستاهلش كل ده
فعلا يا عمرو موضوع يستحق المناقشه، الموضوع ده دايما كان بيلفت نظري وبحس انه ليه سلبيات ،اكيد ضروري الاعلان عن الاعمال الخيريه لتعريف الناس وجذبهم ليها بس بردو مهم اننا ما ننساش الهدف الاصلي والموضوع يتحول لشكل ترويجي لاشخاص بعينهم علشان كمان مايفقدش معناه اللي اكبر من كده بكتير.
تمام يا ألفت وحتى لو مش ترويج بس ممارسة خاطئة... فدهمطلوب تعديله
موضوع حلو يباشا
اللي عجبني في كلامك نقطتين الاولي كلامك ان المؤسسات الخيريه حل مسكن وديه غايبه عن ذهن ناس كتير ولكن في ظل مجتمعنا هتدوم ولن تكون حل وقتي الا ان يشاء الله
التانيه موضوع الاستغراق ف العمل دون وعي قد ينسي القائمين عليه بالهدف منه اساساً تمام زي موضوع الولاد والبنات والهجس ده ونسيوا انه عمل خيري في الاساس
اما نقطة الضرر النفسي فده ناتج من وجهة نظري عن المبالغه في الطريقه الخاصه بتقديم المساعدات و وفي نفس الوقت هو ممكن يكون عامل ايجابي عند بعض الاطفال اللي هيحسوا ان المجتمع
مهتم بيهم ومتواصل معاهم وكده
محمد فتحي باشا جاب من الآخر
برنس يا شيخ من يومك
إرسال تعليق