الخميس، يناير 16، 2014

أجيال وراء أجيال


شعور كبير بالمرارة ساد بيننا نحن من ننتمي عمريا لمرحلة الشباب حين لاحظنا أن الغالبية العظمى ممن رضوا بالتصويت على دستور الدم هم من الكبار في السن. شخصيا انسقت مع الموجة التي كالت لذلك الجيل الاتهامات بأنه جيل خانع قبل الظلم ورضي به سواء في الستينيات أو ما تلاها من فترات، ولكن وقفة بسيطة مع النفس تجعلني أرى الوضع بشيء من الاختلاف.
الأمر ليس بتلك السذاجة، لا يوجد جيل يولد خانعا بالكامل، فإذا كنا نقول إن من خرجوا للتصويت من ذوي الشعر الأبيض هم نتاج ثقافة ما بعد 1952 فعلينا أن نلقي باللائمة على الجيل الذي كان شابا وقت الانقلاب الأول ذاته.
ولعلنا سندهش حين ندرك حقيقة أن جيلا كان الكثيرون من شبابه أعضاء في جمعيات سرية أو تنظيمات إسلامية أو حتى أحزاب ليبرالية لم يستطع مقاومة الانقلاب وسياساته وقتها، هناك من خُدع فيها ولكنه سريعا ما وجد نفسه في السجن مع الاستفاقة.
أما الجيل الذي يليه فقد وجد كثيرون منه أيضا أنفسهم في السجون خلال دفعة الستينيات، وما أريد قوله هنا أن أمام من خرجوا اليوم للتأييد والتهليل وتصدر المشهد فإن هناك مثلهم قضوا في السجون وتعرضوا للتعذيب بجانب من هاجر وترك البلاد، أما من خرج من وراء القضبان فقد حاول فعل شيء في السبعينيات ولكنه لم يفلح.. إلا أنه في النهاية حاول.. وليس مطلوبا من أي منا غير المحاولة.
ومع السبعينيات والثمانينيات جاءت محاولات أخرى في الجامعات بل وفي الشوارع أحيانا كثيرة، ثم جاءت التسعينيات التي تصلح لأن تكون فترة ركود شبيهة بالستينيات، وعلا فيها صوت محاربة الإرهاب.. إلا أن ذلك لم يمنع من وجود ومضات من البحث عن الحرية والتغيير انتهت بمحاكمات عسكرية لأصحابها.
جيلنا نحن الذي نقول إنه جيل الثورة سيكون عرضة للسخرية بنفس النظرة القاصرة مستقبلا.. فإن كنا نحكم على جيل الستينيات مثلا بأنه خانع وذليل متجاهلين ما تعرض له كل من حاول منه تحقيق شيء أفضل، فنحن الجيل الذي ظن التقاء مصلحته مع العسكر في منع توريث الحكم لجمال مبارك قد حقق ثورة حقيقية فتفرغ لتفاخر محدثي النعمة! وهو جيل تخلى كثيرا عن الثورة لصراعات ضيقة وكيد متبادل بين الفصائل، بل وقبل الوقوف مع أعدائه أمام خصومه السياسيين الذين هم شركاء في الميدان، وتخلى عن الإنسانية كثيرا جدا بتبريرات مضحكة، وخذل الحراك ظنا أن بيده عصا ذهبية لا ينبغي أن يستخدمها مع من لا يستحق، ثم حين أدرك الكارثة ألقى باللائمة على من سبقه وأراح ضميره!
بل إن هذا الجيل الحالي احترف بشكل حقيقي البطولة المجانية، ولا أقصد هنا الشهداء والمصابين والمعتقلين فهؤلاء تيجان الرؤوس، بل أعني أولئك النشطاء وأشباههم من غير المعروفين الذين لم يعتقل منهم أحد ولم يكن لأي منهم تجرؤ سياسي قبل إسقاط حسني مبارك.. هؤلاء لم نسمع منهم سوى أصوات عالية وقت الرفاه وأتحفونا بصمت مطبق أوقات الشدائد، وإنكار مذهل لمجرد إمكانية الوقوع في خطأ ببعض الحسابات، وفي النهاية يتحدثون بتنظير فارغ عن الثورة وإلى أين ذهبت وكيف ضاعت ويتبادلون فيما بينهم الاتهمامات.
المشكلة أن حصاد الأجيال السابقة في الستينيات والسبعينيات ما كان ليختلف كثيرا عن سنتين ونصف السنة من الربيع السياسي -عشناها معا- لو كانت أيام الماضي قد عرفت ثورة الاتصالات الحالية، فالإنسان هو الإنسان وإن اختلفت الأسماء.. وما ندري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. 

الثلاثاء، يناير 07، 2014

تعليق على بيان وائل غنيم



أخيرا ظهر وائل غنيم من خلال بيان على صفحته الرسمية يكسر به صومه الذي نذره للرحمن منذ انقلاب الثالث من يوليو الماضي، فالرجل حي وغير مختطف أو محتجز مثلما كان يشاع، بل والأهم بالنسبة لي أنه لم يتواطأ مع الأمن أو أية جهة أخرى كما كنت أشك مؤخرا.. فها هو قد نطق لتكذيب حملة التسجيلات الهاتفية التي سقط ضحيتها شأنه شأن مصطفى النجار وأحمد ماهر وكل من أيد ودعا وحشد إلى الثلاثين من يونيو رغم نداءاتنا المتكررة وقتها بأن الحراك تقوده وتوجهه وتدعمه قوى الثورة المضادة.
يقول وائل في بيانه إنه ما كان ليرد لولا إلحاح أسرته عليه، ويعلل صمته منذ الانقلاب إلى الآن برغبته في اعتزال الفتنة، ويختتم بالدعوة إلى عدم تصديق من يقول إن للجميع مصالح شخصية وليس هناك من يحب مصر فوق أي اعتبار.
والحقيقة أن وائل وقع في تناقض غريب.. فهو بجملته الختامية يريد أن يقول إن مصر لديه في الصدارة، رغم ذكره في البداية أن كسر صمته جاء بسبب ضغط الأسرة.. وبالتالي استجابته لحاجة محيطه العائلي أقوى من استجابته لما يحتاجه الوطن من تفاعل مع ما حدث ويحدث ولو حتى بتغريدة باهتة لشجب القمع والقتل.
أما بخصوص اعتزال الفتنة، فلا أدري كيف تشارك أنت بنفسك في تشكيل وضعية معينة ثم تنسحب فور انتهائك من وضع النار في مواجهة الزيت! كيف تسخر صفحة "كلنا خالد سعيد" كفرع للشئون المعنوية ما بين الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو –لدرجة أن بيانات القيادة العامة كانت تنشر عليها دون تمهيد- وتريد الآن أن تقنع اي مغفل أنك فجأة أدركت أن الوضع فتنة يجب اعتزالها! لو كان ذلك حقيقيا لكان الاعتزال أولى بعد مجزرة الحرس الجمهوري مثلا في الثامن من يوليو وليس بعد الانقلاب مباشرة.. فطبقا لما ذكرته أنت بنفسك في آخر ما كتبت فور إعلان الانقلاب فلم يكن هناك وجود لأية فتنة، بل انتصار للثورة.
مشكلة وائل الكبرى أنني أتذكر دموعه على شهداء الفصل الأول من الثورة (25 يناير-11 فبراير 2011) فأجد شابا مخلصا لم يحتمل وفاة نحو 800 مصري وشعر بالمسئولية كونه كان من الداعين لما انتهى إليه الوضع، ثم أجده الآن في أول ظهور له يتجاهل تماما ما يقارب ألفي مصري نحسبهم من الشهداء في مشهد يبدو واضحا أنه ساهم أيضا بدعواته في الوصول إليه.
هذه ليست محاكمة لوائل فكلنا أخطأنا وهو نفسه يقول "أخطأت كثيرا وأصبت أحيانا"، لكن للأسف فإنه ليس على مستوى الحدث مطلقا.. ومسئوليته تجاه كثيرين ممن وثقوا فيه –وأنا منهم- تفرض عليه أن يشير إلى هذه الأخطاء حتى لا يفترض كل شخص ما يحلو له ويظل الأمر قيد استنتاجات تمليها الأهواء والميول.. لا أحب أن أقول لوائل إنه عاد بعد فوات الأوان فيبدو أنه لم يعُد أصلا.