الاثنين، أغسطس 30، 2010

ضد الحكومة.. وضدنا



حقا بات أمرا مثيرا للاشمئزاز ما يحدث في مصر يوميا من انقطاع للتيار الكهربي لسبب صار معروفا للجميع وهو أزمة الغاز الذي نصدره لإسرائيل مدعما.
 في هذا الشأن –كغيره من أغلب الشئون- تجدني ضد الحكومة تماما وأكاد أتلو الفاتحة على أرواحنا نحن الشعب الصامت الذي بات في حالة موات تام تجعله يتقبل كل شيء بعد نوبة من السباب سريعا ما تنتهي.
هذا ربما هو شعور نسبة كبيرة أحسب أنني أنتمي إليها، وهي نفس الفئة التي تناقلت بعجب تصريحات المسئول الكبير الذي أكد على أن انقطاع التيار يزيد من ثواب الصائم، وهي ذاتها التي تنظر إلى الأزمة بعين لا تتحول عن ضعف الأداء الحكومي أو غيابه بالكامل.
ولكن الأمر بالنسبة لي يشمل شعورا آخر يغالبني أيضا -لا أزعم الانفراد به عن غيري- وهو أننا لا نستحق إلا هذا الذي يحدث لنا.. وأبرز لذلك سببا أتمنى ألا يراه البعض نوعا من جلد ذات وهو "إساءة الاستهلاك".
قد لا يختلف اثنان على أن مصر صارت بلدا استهلاكيا أكثر من أن يكون إنتاجيا.. والأدلة أكثر من أن تعد أو تحصى.. ربما نجحنا في صناعة السينما أو الدراما ولكننا بالمقابل تراجعنا كثيرا على مستوى الأغذية مثلا.. فلا نزرع إلا قليلا في حين أننا نلتهم الكثير المستورد.

انظر حولك.. ما هي الوظائف التي تنتظر أغلب الخريجين دون انتقاص من أي منها؟ مراكز خدمة العملاء؟ السياحة؟ ستجد بلا شك أن أغلب ما نتحدث عنه هو ما ينتمي إلى القطاع الخدمي وليس الإنتاجي.. هل نزرع؟ هل نصنع؟ وكيف ينظر المجتمع إلى كلية الزراعة أو حامل شهادة التعليم الصناعي؟
ما أقوله ليس بعيدا عن الموضوع كما قد يبدو.. بل هو صورة وثيقة الصلة بثقافة الاستهلاك التي باتت سائدة، والتي تجعل الواحد منا يرتعد إذا فكر كيف ستكون مصر إن خاضت حربا لأي سبب؟ من أين سنأكل؟ لا أحد يعلم.
هذا كله مرتبط بأن الاستهلاك بات هو التوجه العام.. ولأن لا أحد ينتج فليس هناك من يعرف قيمة الماء الذي يصل عبر شبكات أو ثمن الكهرباء المولدة.. كل شيء يأتي من حيث يأتي ولا يهم سوى أننا نستهلكه بعد أن يأتي.

البيت الذي يضم غرفتين في كل منهما مكيِّف هواء بالتقسيط.. يشهد في إحداهما جلوس الوالد وزوجته أمام التلفاز، وفي الأخرى شابا يستعمل حاسبه الشخصي، وفي الحمام مغلسة أوتوماتيكية لا تتوقف وسخانا كهربيا يرفع درجة حرارة الماء، بينما كل مصابيح المنزل مضاءة.

حين ينتقل الشاب المتعلم إلى الحمام لسبب تافه مثل حلاقة ذقنه فإنه لا يكلف خاطره أن يغلق المكيف في غرفته حتى يعود أو أن يغلق الحاسب توفيرا للطاقة.. وحين يقف أمام الحوض يترك الصنبور مفتوحا كشلالات ريبون بينما تركيزه كله هو إزاحة المسحوق من لحيته باستخدام الماكينة، وكأننا في بلد لا توجد به قرى قريبة من النيل لا تجد نقطة ماء.

حين يتأمل أحدنا مثل هذه الصور فإن الكلام عن مبادرات لمواجهة التغير المناخي مثل "ساعة الأرض" يبدو من قبيل الفكاهة أو الحديث عن علم النانو، فنحن لم نعد مؤهلين لإدراك قيمة الكثير من الأشياء.

ما أقوله هنا ليس من باب حملات التوعية الكلاسيكية التي نبحث عنها عبر "يوتيوب" للتندر مثل "هي كلمة!!"، ولست بحاجة أيضا للتأكيد على أنني لا أنحاز إلى موقف الحكومة ولو لمليمتر واحد.. فقط أريد أن ننظر في مرآة لا تعكس ما نعترف به الآن من قيم، لربما ندرك وجود خلل عفلناه. 

الأحد، أغسطس 08، 2010

دعوة في رمضان




لا داعي للشك.. لن أدعو أصدقائي للصلاة وإحسان الصيام أو قيام الليل أو أي شيء يتعلق بالعبادات خلال الشهر الكريم لعدة أسباب أولها أنني لست أهلا لذلك.. كما أنني لا أدعو أيضا إلى عدم الإفراط في طعام الإفطار أو خفض استهلاك الكهرباء قدر الإمكان وإن كان ذلك واجبا.

فقط أتوجه بالدعوة إلى من يتلو القرآن خلال هذا الشهر- شأنه شأن نسبة كبيرة من المسلمين- بأن يتدبر قليلا لا في القَصص والمعاني وحدها بل في اللغة أيضا وخاصة على مستويين هما الإملاء والنحو الذي يساعد كذلك على فهم التفسير لأنه ليس أداة تجميلية فحسب كما يعتقد البعض.

من الفرص النادرة أن تحظى بكتاب يخلو من الأخطاء الإملائية والنحوية والتي يتسابق عليها في أغلب الكتب الأخرى الكاتب ذاته بجانب المسئول عن جمع الأحرف "التايبيست" بحيث يظهر في النهاية مطبوع يشوه مظهر اللغة ويكسب شرعية للكتابة بأساليب ركيكة ومبتذلة.

منذ عامين تقريبا كنت أكتب التنوين بالفتحة على الألف ذاتها إلى أن نبهني صديقي مهند الشناوي أن التنوين يوضع على الحرف الأصلي الأخير من الكلمة. حينها أدركت أن جزءا من قراءتي للمصحف كان منتقصا لعدم ملاحظتي هذه الحقيقة.. وصرت أتعمد أن أكون أكثر دقة وأقوى ملاحظة لدى التلاوة حتى أستمر في تصويب الأخطاء التي أقع فيها.

أظن أن بعض الأخطاء اللغوية الفاجعة التي نقرأها هنا وهناك -وبخاصة على الإنترنت- من أناس متعلمين مثل "إنشاء الله" و"واللهي" و"بئا" تدل على البعد الكامل عن قراءة النص العربي والنظر فيه بأدنى درجات التأمل.

وبما أن شهر رمضان يشهد إقبال عدد كبير من الناس على تلاوة القرآن فمن الأولى أن نستغل هذه الفرصة التي تبدو نادرة كي نتوقف قليلا ونلاحظ الفارق بين لا النافية وأختها الناهية، وبين لم ولن، وندرك أن اسم كان المؤخر لا ينصب وأن الفاعل مرفوع وأن المصادر الخماسية لا تحتاج إلى همزة قطع.. إلى ذلك.

إن ما تحمله هذه الدعوة هو عينه ما كان سيجنبنا التعرض لمن نراهم الآن من خطباء مساجد يجيدون تلاوة القرآن على الوجه الأكمل دون أخطاء.. ولكنهم حين يرتقون المنابر يتجاهلون قواعد الأسماء الخمسة ويجرون الفاعل ويرفعون المجرور دون استحياء.

إن كان النظام التعليمي وعوامل أخرى قد حالت دون إجادتنا للعربية بصورة صحيحة.. فنحن مازلنا بعد نملك الفرصة للارتقاء بمستوانا.. فقط إن لم يقتصر هدف قارئ القرآن خلال الشهر على نيل الثواب والأجر في الآخرة.