الأحد، مارس 27، 2011

ثرثرة بمناسبة الثورات العربية


من المظاهر الطفولية التي كانت تعبر عن ميلي للجغرافيا أو السياسة أو الشئون الدولية منذ دارستي الابتدائية كنت أحيانا أحضر ورقة فلوسكاب من تلك التي كانت تستخدمها أختي في المذاكرة وأقسمها لخانتين رئيسيتين، الأولى لاسم الدولة والأخرى لاسم حاكمها ملكا كان أو رئيسا أو رئيس وزراء.

مرت السنون سراعا وقبل نحو ثلاثة أعوام شد معمر القذافي الرحال إلى أوغندا تحديدا لافتتاح مجمع إسلامي هناك في إطار حملات الدعاية لزعامته الأفريقية، وبقدر ما استوقفني ما حكاه عدد من أصدقائي الذين قاموا بتغطية تلك الرحلة، أدهشني أن الرئيس الأوغندي مازال هو يوري موسيفيني.

في عقد التسعينيات كانت السياسة الخارجية المصرية تشهد حالة نشاط أو ربما حالة عدم ركود مقارنة بأول عقود الألفية، ومن ثم كنت أسمع أمام نشرة التاسع أسماء ضيوف مصر وأدونهم في القائمة، وكان من بينهم موسيفيني الذي بقي اسمه في ذاكرتي ربما بسبب ميلي لأفريقيا بوجه عام.

بقاء هذا الحاكم بالذات في منصبه أعاد إلى ذهني بعضا من الأسماء التي تضمنتها القائمة واكتشفت أن أغلبهم مازال في السلطة في حين رحل الآخرون من العروش إلى القبور مباشرة، ولفت ذلك انتباهي أيضا إلى شيء أبعد من السخرية التي كنا نتعامل بها مع حكام العرب مثل القذافي وغيره.

شخصيا على مدار عمري لم أشهد تغييرا لحاكم عربي إلا في حالات نادرة ربما كان أولها وفاة الملك حسين في الأردن وتولية ابنه عبد الله، أو وفاة حافظ الأسد وتوريث الحكم لبشار، ثم إسقاط نظام صدام حسين، ثم الانقلاب على معاوية ولد الطايع في موريتانيا، وبالطبع وفاة الملك فهد والملك الحسن الثاني.

ربما تبقى لبنان الاستثناء الوحيد كون منصب الرئيس قد تم تداوله من إلياس هراوي إلى إميل لحود إلى ميشيل سليمان، ولكن شاءت الأقدار أن منصب رئيس الوزراء تم توريثه بشكل غير مباشر من رفيق الحريري إلى سعد، وكذلك الجزائر حين تولى عبد العزيز بوتفليقة خلفا للأمين زروال ليبدأ ديكتاتورية جديدة.

لماذا كل هذا السرد؟ لا أدري شخصيا.. ولكنني صدمت حين أدرك أننا في العقد الثاني من الألفية ومازال القذافي يتشبث بالسلطة وكذلك علي عبد الله صالح وغيرهما من المحيط إلى الخليج الذي يبدو أن ثمة رجاء فيه بفضل ثورة البحرين.

هنا تحديدا.. أود أن أعبر عن بالغ استيائي لرفض عدد من المصريين تأييد ثوار البحرين باعتبار أنها حركة "طائفية"!! ولا أدري هل يقبل هؤلاء ديكتاتورية الأقلية التي هي أسوأ بكثير من ديكتاتورية الأغلبية؟ ربما الأمر ليس بحاجة إلى نص مكتوب كون ذلك بديهيا.. وهو أنه في غالبية المجتمعات حتى الغربي منها تجد من الطبيعي أن يكون الحاكم من الفئة الغالبة سواء على المستوى العرقي أو التصنيف الديني وإن كان ذلك غير مفضل في الصورة اليوتوبية التي يسعى كثيرون إليها.

بالنسبة لي لا أفضل مطلقا أن يكون هناك حديث عن سنة وشيعة فالفريقان ينتميان لنفس الدين، وبالتالي التفرقة على أساس المذهب تبدو مضحكة أحيانا بالنسبة لي ولكن منذ أن استأثر فريق بالسلطة فلا بد أن ننصر الفريق الآخر بعض النظر عن أي اختلاف.

لا يعقل أن غالبية سكان البحرين يعانون الفقر في حين أن الأسرة التي تمثل الأقلية تستضيف سباقات الفورمولا1 وتصرف الملايين سنويا.. وحين يخرج الناس إلى المظاهرات رافعين الورود ومرددين "سنة وشيعة.. البحرين ما نبيعه" يُتهمون فورا بالطائفية ويتم تجاهل ما هم فيه من فقر وما هم فيه من كبت سياسي.

وجد ثوار البحرين أنفسهم في تجاهل تام من الفضائيات الخليجية كون الحكومات لا تريد تكرار هذا السيناريو في إماراتها وممالكها، كما وجدوا أنفسهم متهمين بالطائفية أو العمالة لإيران وهي التهمة التي تذكرنا بالعهد البائد في مصر، وفوق ذلك وجدوا مدافع سعودية توجه إلى صدورهم.

بعيدا عن البحرين، ذكرني الوضع في سوريا بحقبة عشناها في مصر، وهي أن يضعك النظام في خيار صعب.. فإما أن تقبل بحكم ديكتاتوري يصنف على أنه وطني ويرفض الهيمنة الغربية.. وإما أن تثور وتنتزع حقك ثم تصدم بعدها بكوادر حاكمة تلقي بنفسها في أحضان الغرب.

الاختيار بالنسبة لي محسوم وهو الثورة على النظام الطاغي أيا كان توجهه.

هذه أمور شتى فقط أوردتها.

الأربعاء، مارس 23، 2011

من بين من قالوا نعم




عبّر أخ عزيز لي عن دهشته حين علم موقفي بالتصويت بـ"نعم" في استفتاء التعديلات الدستورية الماضي، وحينها قلت إنني لا أفضل الخوض في الأسباب قبل التصويت بل بعده. ولم يكن ذلك إيمانا مني بقدرتي على التأثير في غيري، فحتى لو كنت أمتلك تلك القدرة لما كان لها أثر وسط المناخ الإعلامي الرافض للتعديلات والذي حشد غالبية المثقفين كي يحثوا الجماهير على التصويت بـ"لا".

فضلت الحديث عن أسبابي بعد التصويت وانتهائه كي أنأى عن احتداد الجدل، فلكل فريق وجهة نظر جديرة بالاحترام والتقدير، ولكن أن نختلف على شيء قد تم حسمه أهون بكثير من الاختلاف حول أمر مازال معلقا وبعلم الغيب وحده.

قبل أن أبدأ أود فقط أن أشدد على احترامي الكامل لوجاهة رأي فريق كبير ممن قالوا "لا"، فهم اختاروا ذلك المسلك عن قناعة تامة بأن في ذلك صالح البلد وما يهيئ لحياة ديمقراطية حقيقية وبالتالي فإنه لا يحق لي مطلقا اللجوء إلى التخوين أو التسفيه أو الادعاء على أي منهم بـ"عدم الفهم" أو "النصب" أو غيرها من الاتهامات المتداولة.

السبب الرئيسي وراء اختياري "نعم" بدلا من "لا" هو ما عبر عنه الناشر هشام قاسم ببلاغة حين قال إن التصويت ينبغي أن يكون لاختيار "المسار السياسي وليس التيار السياسي"، وبالتالي فإنني رأيت في مسار "نعم" ما أحسبه خيرا من الخيار الآخر.

أعتقد أن الأفضل دائما هو الانتخاب لا التعيين، وبالتالي إذا كنا نطالب بتطبيق الانتخاب لاختيار النائب العام وعمداء الكليات بل وشيخ الأزهر وغيرها من المناصب فمن باب أولى أن يكون مسلكنا هو الانتخاب لوضع الدستور، لا أن يأتي عن طريق لجنة قام مجلس عسكري بتعيينها وهو ما لن يكون مدعاة للفخر حين التأريخ لهذه المرحلة بعد عقود من الآن.

في رأيي أن اللجنة المعينة كانت ستثير خلافات أكثر من اتفاقات، بمعنى أن الانقسام سيبدأ بمجرد الإعلان عن تشكيلها وضمها بعض الأسماء التي بالتأكيد لن تحظى بإجماع وطني، وذلك بالضرورة من شأنه أن يقسمنا لما هو أشبه بفريقي 8 و14 آذار في لبنان، فالمؤيدون للجنة يقيمون مظاهرة حاشدة في وجه أخرى تؤكد أن مواد الدستور المقترح لا تعبر عن إرادة شعبية، وهكذا.

بقدر ما ساءني كثيرا تورط بعض التيارات الإسلامية سواء من الإخوان أو السلفيين بجانب بعض رموز الكنيسة في استمالة الجماهير انطلاقا من وازع ديني، فقد ساءني أيضا شعار "لا حتى لا يأتي الإخوان"، فهذا بالفعل هو نفس أسلوب النظام السابق القائم على الفزاعات.

ينبغي لمن أراد الديمقراطية ألا يحدد لها موعدا مسبقا، فالكلام عن أن الشعب ليس جاهزا لها ولن يختار تيارات ديمقراطية يوافق تماما ما قاله عمر سليمان في مقابلة مع الصحفية الأمريكية كريستيان أمان بور أثناء الثورة عن أن الشعب لم يمتلك بعد الثقافة التي تؤهله للديمقراطية.

للأسف خيب أملي كثيرون كنت أعتقد أنهم دعاة ديمقراطية ثم اتضح أنهم لا يريدون إلا الديمقراطية التي تأتي بخياراتهم هم، وتستروا وراء ذلك بالسعار ضد الإخوان والتيارات الإسلامية كافة، ثم بحجة عدم تجهيز "شباب الثورة" لأحزاب، وبحجة ضيق الوقت أمام الأحزاب المعلنة.

واستفزتني للغاية هذه الشعارات كون مصطلح "شباب الثورة" مطاطي للغاية كما أنه أغفل أن اتئلاف شباب الثورة مثلا وهو الرمز الأبرز المعلن للثورة هو مؤلف من أبناء تيارات سياسية بالفعل سواء من اليمين أو اليسار أو الإسلاميين.

وفي الوقت ذاته أضحكتني عبارة أن الأحزاب المعلنة لا وقت لديها لطرح نفسها في الشارع، فهذه شهادة وفاة سياسية فبينما كانت تعمل هذه الأحزاب تحت الضوء أو حتى تحت شعار "تحت التأسيس" كان غيرها يضيق عليه باعتقال كوادره ومصادرة الأموال ومع ذلك يتصل بالشارع، فهذا يبدو عذرا أقبح من ذنب.

نقطة أخرى لم أتفق معها وهي الحديث عن أن من قالوا "نعم" قد "شقوا إجماع الثورة"، فأنا أرى أن الثورة لم ترفع مطلبا واضحا سوى "إسقاط النظام" وهو ما يمكن لنسبة كبيرة اعتباره قد تحقق يوم اقتحام مقار أمن الدولة ومن قبله تنحي مبارك وسليمان وإزاحة حكومة شفيق، كما أن ثمة دستورا جديدا في كل الأحوال ولا صحة لإحياء دستور 1971 وها نحن في انتظار إعلان دستوري.

وانطلاقا من النقطة السابقة تحديدا فقد ساءني ما يمكن وصفه بـ"المتاجرة بدم شهداء الثورة"، والحديث قطعا عن أنهم كانوا سيقولون لا، فحتى لو افترضنا اطلاع القائل بذلك على الغيب فإن من بعد تحقق هدف الثورة وهو إسقاط النظام تبقى الخيارات سياسية من وجهة نظري وللجميع حق الاختلاف حولها.

ثمة نقاط أخرى لا يمكن أن أزعم أنها كانت غائبة عني ليس وقت اتخاذ القرار ولكن لتثبيت القرار، منها مثلا قضية ضرورة عودة الجيش إلى وضعه الطبيعي وإبعاده عن السلطة بعد أن أدى المهمة حفاظا على عدم عسكرة الدولة من جهة وإعادة للأمور إلى نصابها من جهة أخرى.

أكون منافقا لو قلت إن الحديث عن المادة الثانية كان غائبا عن ذهني، ولكن الأمر يستدعي بعض التوضيح حتى لا يساء فهمي ويُعتقد بأنني ممن تأثروا بالخطاب الديني من هنا أو هناك فسارعوا للتصويت أملا في صك غفران.

أعتقد أن كثيرين يتفقون معي على أن المادة الثانية ما كانت لتتغير حتى لو وضعت لجنة معينة الدستور المقبل، فالجميع يعرف بحكم عوامل عدة أنه من الأفضل للحفاظ على استقرار مصر داخليا ترك هذه المادة وشأنها وبالتالي كانت ستبقى حتما.

وبرغم هذا، إلا أنه من الواضح أن بعض الرموز من هنا أو هناك -مثلما شاهدنا في الدعوة إلى التصويت- كانت ستثير جدلا حول هذه المادة وهو ما من شأنه أن يثير توترا واحتقانا لا يتناسب مع الأوضاع الأمنية في الدولة حاليا ولا حتى في حالتها المثالية، وبالتالي يمكنني القول بأننا في غنى عن هذا الجدل الذي سيضر ولن ينفع ومن ثم اخترت تجنبه تماما.

كان هذا رأيي الذي لا أنتظر عليه ردا.. فما فائدة الرد الآن وقد حُسم الأمر؟ وبالتالي دونته ليس لإقناع أحد به بل لبيان موقفي مثلما وعدت بعض أصدقائي الذين استمعت إليهم.. لا داعي لإعادة الجدل مرة أخرى وأنا أقر بأنني قد أكون مخطئا في حساباتي التي بنيت عليها قناعتي بـ"نعم" فلم أكن روحا أبدية الألم.. مع الاعتذار لأمل دنقل.

السبت، مارس 12، 2011

دوران للأمام


هذا تعليق قد يراه البعض استباقيا للأحداث بدرجة كبيرة، والحقيقة أن فكرته تدور برأسي حتى قبل مشاهدة لقاء تلفزيوني على فضائية "الجزيرة مباشر" الخاصة بمصر مع الداعية السلفي محمد حسان حيث تحدث عن أمور عدة من بينها وجود توجه لدى التيار الذي يعتبر أحد رموزه للدخول إلى حلبة السياسة.

كثيرون ساءتهم التلميحات المتتالية من رموز الدعوة السلفية في مصر حول وجود نية للمشاركة السياسية في المرحلة المقبلة. وشخصيا يتنازعني تجاه ذلك شعوران قد يكونان متضادين ولكن أحاول التأليف بينهما حتى أكون على قدر من التوسط المصطنع.

أما الشعور الأول فهو الاستياء المخلوط بنذر يسير من الدهشة إزاء هذا التحول الذي يأتي بعد العزوف الكامل للإخوة السلفيين عن المشاركة السياسية بل وانتقاد الداعين لها وتنحية كافة الخيارات الخاصة بالتحرك الشعبي كالاعتصامات والمظاهرات بل والانتخابات ذاتها.

ويبدو هذا التحول وكأنه يحتمل وجهين: الأول -وهو مبني على إحسان الظن- يقول بأن ثمة مراجعة حقيقية لمبادئ خاصة بالدعوة السلفية بعد ثبوت نجاح الخيارات الشعبية، في حين يرى الوجه الآخر في هذا النحو انتهازية سياسية  وخوفا من خسارة قاعدة شعبية بعد أن شاركت تيارات إسلامية أخرى بثقل في إنجاح الثورة.

وعلى الجهة الأخرى ينتابني شعور بالارتياح إزاء اشتراك السلفيين في العمل السياسي كون هذا التيار يعبر عن شريحة واسعة من المجتمع كنت آسفا لرؤيتها "معطلة" طيلة الفترة الماضية، كما أن أصول الحرية السياسية تتيح للجميع حق الاختيار بين كافة التيارات طالما ابتعدت عن لغة القوة والخطاب الإقصائي.

ما أتوقعه حاليا هو أن الفترة المقبلة قد تشهد إعلانا من الإسكندرية –حيث يوجد ما هو أشبه بالحوزة السلفية- حول مشاركة هذا التيار في الانتخابات المقبلة ومن ثم تغير خريطة توزيع القوى السياسية بوجه عام والإسلامية بشكل خاص.

ما أتمناه أيضا هو ألا تصاب قطاعات بعينها بحالة من السعار إزاء دخول السلفيين إلى حقل السياسة، فمن يعارض هذا الفكر قد يقدم له خدمة جليلة بمحاولة تشويهه مما قد يكسبه مزيدا من التعاطف المجاني، كما أن الدعوة إلى الحظر والمنع غير مقبولة خاصة إذا كانت تأتي ممن انتقد دائما التهميش والإقصاء.