الاثنين، يوليو 25، 2011

بعض مما في نفسي


أقل من ستة أشهر بقليل قد تكون كافية لإفساد أروع صورة في تاريخ جيلنا.. تلك الجماهير الهادرة التي تموج في ميادين مصر وكأنها على قلب رجل واحد ها هي الآن شتى.. لا ضرر في ذلك طالما كانت السهام تتجه إلى هدف واحد عبر طرق مختلفة، ولكن ما يحدث الآن ينذر بالصدام الذي هو أسوأ من أسود كوابيسنا.

حالتي العصبية للأسف لم تعد تسعفني للدخول في نقاشات، وجهادي مع الرهاب استنزف مني الكثير ولعل كلماتي هنا تثير لدى البعض حنقا من ذلك الذي ظنناه ثوريا ثم ما إن تأثره بهواه الفكري حتى أغمد سيفه (البعض يشكك أنني أشهرته يوما أو أن لي سيفا من الأصل).

إن كانت الصدور لا تتسع لروايتي فإن الورق والفضاء الإلكتروني أرحب بكثير. حسنا! نحن ننتمي لهذا الجيل الذي أسقط نظام حسني مبارك.. وهذه العبارة في حد ذاتها هي أول ما سيثير الحنق فالبعض لا يعترف بسقوط النظام (ولو جزئيا) ويؤكد على انتشار خلايا نائمة تحت الرماد بل وفوقه بل وفي القيادة العسكرية ذاتها لا تريد زوالا للفساد.

وهنا أقول بنبرة تفاؤلية.. إن من لم يدرك التغيير لا يريد أن يراه، تماما مثل من يحبون سماع الغناء ولا يفضلون فيروز! إحدى المشكلات أن البعض بات يدرك أن انتهاء الثورة بالمعنى المكاني وتحولها إلى حركة في جسد مؤسسات الدولة والمجتمع يعني عدم ظهوره مرة أخرى على شاشة التلفاز وعدم وجود مجال يسمح له بتقديم "خارطة طريق" لمصر.

هؤلاء بالطبع من وجهة نظر من يخونني لا يقومون إلا برد الفعل، فالقيادة العسكرية هي المسئول الأوحد عن ارتفاع مد الثورة المضادة وبطء التغيير وعدم شعور الشعب به.. ولا أدري هل لرأيي علاقة ببغضي لفكرة النقاء الثوري وأن الميدان هو مصباح علاء الدين الذي أوشكت جنباته أن تتساقط من كثرة الفرك والأمنيات؟

بغضت هؤلاء منذ دفعهم قبل أشهر في اتجاه الصدام مع العسكر.. لا ألعق حذاء القيادة الغليظ.. ولكن أكره الأثمان الباهظة.. أكره سياسة الإملاءات التي بدأت باسطوانة "الدستور أولا" وتجهيل وتسفيه جل من قالوا نعم والمطالبة باحتساب صوت الأمي بنصف مما سواه! أشمئز ممن يدعوني إلى مظاهرة للتطهير ثم يرفع راية اتفقنا على نبذها فتحسبني الصحيفة القذرة وكأني من أفراد تياره.

أمقت الصوت العالي الذي نزل بهيبة الثورة فحولها من ملايين في شتى الميادين إلى بضعة آلاف وفي بعض الأحيان مئات في ميدان أو اثنين.. هؤلاء الذين أفقدوا المليونيات التوافقية هيبتها بأن صارت الحركة أمرا معتادا فلا تحرك لها السلطة ساكنا.

أبغض أيضا أولئك الذين غازلوا العسكر لتمرير الدستور أولا بتخويله حماية "مدنية" الدولة.. ولا تسل كيف يكون هذا ضامنا لذاك.. ولا تسل لماذا لم نر في القبلة التركية ما يعاني منه أهلها من وصاية للعسكر على كل شيء.. لا تسل.

لا تظن للحظة أنني أغض الطرف عن أخطاء الإسلاميين.. فإنني، فضلا عما سبق، أكاد أراهم متورطين في حرب أهلية قد تدور رحاها بدءا من الجمعة المقبل.. أتصور ذلك اليوم الذي سيكون فيه للميدان خطيبان كل يهتف في اتجاه.. فالأول متمسك بالمطالب ويطلب تحقيقها بعصا الساحر وينفي وجود مرتزقة من هنا أو هناك ويتحدث وكأن أفعالا كغلق المجمع لم تتم.. وكأن هتافات غير مسئولة لم تصدر.. وكأن من وضع الثورة في مواجهة الشعب لم يفعل.

وعلى الجهة الأخرى إمام لم يخطب إلا ود العسكر.. فبعد الحديث عن الاستقرار ومصالح العباد وغير ذلك، سيتحدث عن المؤامرات الخارجية ومن يريدون فرض الوصاية على الشعب وعن هوية مصر الإسلامية فتختلط الأوراق ويلتقي القطاران على نفس القضيب فتكون الفاجعة.

لك أن تتخيل هذا المشهد وتعود إلى يوم 11 فبراير، وأمنيتي ألا يكون هناك ظرف يستدعي تلك المقارنة يوم الجمعة، يا رب سلّم.

هذه أفكاري المبعثرة.. لست أحابي المجلس العسكري ولكن أعرف أننا في حال أفضل من ليبيا وسوريا مثلا.. وأنني لا أحب المستحيل الأمثل باهظ الثمن، وأنني وإن كنت أرفض سلوك المجلس ففي النهاية أتفهمه دون أن أتقبله.. فعيني على سبيل آخر قد يكون بخسائر أقل في الطريق إلى الهدف الذي أتمنى ألا يكون مغايرا.

كالعادة.. أنتظر اللمزات والتحسر على ذلك الفتى الذي ظنناه يوما من الفرقة الناجية أو قل شعب الله المختار صاحب العصمة.. ولا أعتزم الرد على أي تعليق وإن ظن صاحبه أنه يفحمني فله ذلك فيئا دون عراك.