الجمعة، يناير 16، 2009

نجاح النظام المصري




يظن البعض أن إسرائيل بإمكانها في أي وقت أن تشن حربا على مصر، أو أنها تضع مصر على قائمة أهدافها حتى يتحقق حلم "النيل-الفرات"، وهنا لا أجد سوى طمأنة ذلك القطاع الواهم بأن إسرائيل لن تحاربنا أبدا، وهذا بالطبع بفضل السياسة "الحكيمة" للرئيس مبارك.

إسرائيل ليست بحاجة لمحاربة دولة صديقة كمصر، وقف النظام الحاكم فيها بصف تل أبيب متى احتاجت تغطية ظهرها أثناء العملية الدائرة في غزة، اءتمنته على المعبر، ولم يأل جهدا في إبقائه مغلقا، رغم الآهات والصرخات المنطلقة من الجانب الآخر، رغم نحيب الأطفال، رغم وهن العجائز، رغم عورات النساء، كان النظام المصري لعهده حافظا، ولحليفه الإسرائيلي سندا.

أوهم النظام المصري البعض عبر آلته الإعلامية التي لا تلقى صدى إلا لدى المغيبين، أو المستغيبين، أو الأنانيين، بأننا ملزمون بتطبيق اتفاقية لسنا طرفا فيها، وبأن أمننا الاستراتيجي ينتهي عند نهاية ظل العلم المصري، وبأن الآخرين يريدوننا أن نحارب! أوهم البعض أنه يحقق مصلحة الوطن، كما يحققها عبر تصدير الغاز بموجب اتفاق فاشل تجاريا، وعبر الدخول في الكويز للحفاظ على المنتج المصري، وعبر المبيدات الإسرائيلية التي تولت عميلة سرطنة الأغذية على مدار عقود.

الحقيقة أن النظام المصري نجح تماما في جعل إسرائيل تعزف عن فكرة محاربة مصر، فماذا تريد أكثر؟ غالبية الشباب قوى معطلة، نحن جميعا غارقون حتى أذنينا في المستقبل والزواج والشقة والسيارة والعمل، وهي دوامة لن تنتهي حتى آخر نفس في العمر.

نجح النظام المصري في تحقيق كافة أهداف إسرائيل، وإعفائها في الوقت ذاته من تحمل عبء إطعام 80 مليون مصري، منهم بالفعل من بلغ به اليأس إلى طلب الهجرة إليها، أو الزواح من إحدى بناتها، فهو لا يحلم بأكثر من أن يكون مواطنا إسرائيليا ولو من الدرجة الثانية باعتباره عربي، حتما سيكون أفضل حالا مما هو عليه الآن.

نجحت القيادة الرشيدة في زيادة خنوع الشعب أضعافا مضاعفة، فهو اعتاد منذ الصغر مبدأ السير بجوار الحائط والدخول فيه متى استطاع، وأن المظاهرات ليست إلا فوضى، وأن القراءة محببة ولكن يُنصح بتجنبها إن كانت في السياسة التي ينبغي تحاشي الخوض فيها.






نجحت القيادة الحكيمة في وضع إسرائيل في إطار الدولة الصديقة، التي نحتفظ معها بعلاقات طيبة، ولا نمانع الجلوس مع ممثليها تحت أية مظلة، سواء شرق أوسطية، أو متوسطية، أو عربية-إسرائيلية، أو أي شيء يضعنا نحن الاثنين في خانة واحدة.

نجح النظام أن يجعل نفسه مصر، ومصر نفسه! فمن ينتقده فهو ينتقد مصر! ومن ينتقد مصر ينتقده! وكأن هذا الوطن الأبقى أصبح مختزلا في شخص واحد، أو مجموعة أشخاص، وهو أمر لا يحدث لدى أي شعب آخر في العالم إلا بموجب تشريعات تثير استهجان العاقلين، كالخاصة بمصطفى كمال في تركيا، أو ملك تايلاند.

نجح النظام في إيهام البعض أننا لا نملك أي سلاح استراتيجي، وأن كل من يطالب بالتحرك فهو يدعو للحرب حتما! وأننا حاربنا وأدينا واجبنا وعلينا بموجب تلك الحروب –التي ليس منها إلا واحدة من أجل فلسطين لا ست كما يقولون- أن نعيش العمر الباقي على أساس إهانة وإذلال الفلسطينيين والتمنن عليهم بشهدائنا، بل وأن نطالبهم بدم شهيد النظام الذي قتل أثناء محاولة الشرطة منع أهل غزة بالقوة من الاستنجاد بأرض مصر لدى مرور غارة!

ولهذا الشهيد مفارقة، سُميت باسمه مدرسة، وشارع، ومسجد، وربما يُكتب عنه درس في كتاب القراءة المدرسي، وكلها أشياء لم تحدث أعشارها لشهداء الوطن الآخرين الذين رحلوا بنيران إسرائيلية "صديقة" في ذات العام.

نجح النظام أيضا في إيهامنا بخطابه الشاب الواعد أنه آن لمصر ألا تهتم إلا بما يحقق مصلحتها، فعدونا –عفوا- الذي كان عدونا لم يتقدم إلا باهتمامه بذاته والتنصل من الآخرين من حوله، وهي نظرة بعيدا عن كونها مغلوطة بالمنطق ذاته وبشكل عملي، فإنها غير إنسانية أو حتى حيوانية! فما استحق أن يولد من عاش لنفسه!

نجح النظام أن يقنعنا أن فنزويلا مثلا التي طردت سفير إسرائيل لديها تعتبر دولة فلسطينية أكثر من الفلسطينيين، وأن مصر لا يمكنها فعل المثل على الرغم من كونها معنية أكثر بالأمر، فإنسانية شافيز ليست محل إعجاب، ولا تستحق وقفة، فهي من وجهة نظر النظام في مصر مجرد حلقة في سلسلة تعديه على سياسات الولايات المتحدة، والمتاجرة بحربه على الإمبريالية.









نجح النظام المصري أن يوهم الناس أن العمالة الآن أصبحت لدول يفترض أن تكون صديقة وحليفة بحكم الجيرة أو العمق الاستراتيجي أو التاريخ مثل سوريا وإيران، وأقنعهم أن عميل طهران أخطر من عميل إسرائيل، وأن عميل دمشق ألعن من عميل الولايات المتحدة، وأن حماس عميلة للاثنين! هل يمكنني اعتبار فتح عميلة للقاهرة؟

نجح أيضا في اللعب على الوتر المذهبي، فنحن في مصر وغيرها مسلمون ومسيحيون ولا مشاكل، فكيف إن كان من بين المسلمين السني والشيعي؟ هل الاختلاف في المذهب أعمق من الاختلاف في الدين؟ فإن كان لا مشكلة في الخلاف في الدين؟ فما بال الخلاف في المذهب! ولم يستخدم الخلاف كحل سحري لإلصاق الاتهام بحزب الله مثلا؟ لقد نجح النظام أن يجعل الدعاء لأي فصيل مقاوم مختلف في أي شيء مسألة شرعية تحتاج لفتوى من الأزهر! هل يجوز الدعاء للروافض ولاد الـ*** في حربهم مع إسرائيل؟ هكذا أصبح كثيرون يفكرون.

نجح النظام في اجتذاب العديد من حملة بطاقات العضوية بالحزب الوطني، وبدلا من أن يمزقوها، صاروا يدافعون عما لا يؤمنون به، يدركون من أعماقهم أنهم في إطار فاسد، ولكن يسايرون الدورة دون وقفة مع النفس تحسم كل شيء، دون إيقاظ للضمير من سباته، إن لم يكونوا قتلوه.

نجح النظام أخيرا في ملء قلبي بالكراهية والبغضاء تجاه كل رموزه، في تمني اليوم الذي تغرب فيه "شمسه"، وتُخرب فيه "إنجازاته"، وينقشع "استقراره"، ويزول "رخاؤه".


هناك تعليقان (2):

سوووكا يقول...

لتسب النظام المصري ولتطلق عليه لعناتك كما تشاء ووقتما تشاء .....ذلك لن يشكل فارقاً كبيرا ......النظام المصري بالرغم من دنائته وقذارته وخيانته ....هو يتحدث عن حجمه الطبيعي بقحة ودونما أي ذرة من الخجل

لا نقدر على المواجهة ولا اتحدث عني او عنك فإننا لن نكون سوى ارقام مضافة لعداد الشهداء الذي لم يتوقف منذ بدء الهجوم على غزة ؛ ولا اعني بذلك كراهيتي للموت والاستشهاد ولكنه موت بلا دية فالتغيير محال أن يحدث لأننا حكومة وشعباً لسنا مستعديين للحرب


الشعب .....فلا اعتقد اني بجاجة لتذكيرك أن تعد لي على اصابع يدك الواحدة من يهتم بصدق بما يحدث في فلسطين ولا أعلو بنفسي عنهم الحقيقة انني قد اكون احداهم ، للأسف إننا لا نشعر ببعضنا كمصريين نتقاتل على الحياة ......لعل الأسافين التي نمر بها يوميا توضح لي ولك قدرتنا على الاحساس بشعب يعيش على أرض مجاورة يذبح ويقتل دونما أي رحمة أو شفقة!!!! ..... ولا اعمم ولكن نسبة الذين في قلوبهم غل للذين آمنوا كبيرة .....اضف اليهم فريق الخنافس الذكورية ... والفتيات الحمقاوات من اصحاب العقول الفارغة


قوتنا العسكرية .... فحدث ولا حرج انت تابع عدة وعتاد للوبي الأمريكي اليهودي تدرب جنودك لديهم وتستورد معدات الحرب منهم ...بذمتك ده جيش يعرف يحارب ...من سيحارب من أعده للقتال !!!!!

اقتصاديا ...

لا يوجد من الأساس اقتصاد مصري ....انتهي.... اصبح حبر على ورق..... انت اقتصاد تابع اما لشركات عالمية متعددة الجنسيات او لشركات قطاع عام اسما ولكنها في الواقع مملوكة للوبي من رجال الأعمال عميل مائة في المائة
واقولها للأسف لا يوجد رجل أعمال من ذوي السلطة والنفوذ لم تتلوث يده بالدماء ولم تمتد كفه لاسرائيل تطلب منها العون......والأمر قادم في الأيام القادمة من خلال ذلك البرنامج الشيطاني المسمي بإدارة الأصول وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية......بيع رسمي بادينا مش بايد حد تاني للبلد

سأتخيل معك السيناريو الذي نتمناه ونحلم به...تم فتح المعبر للفلسطنيين .....هرب أوغاد النظام المصري للخارج .....مثلما فعل أوغاد النظام العراقي ..ماذا بعد .... زيادة عدد الشهداء والقتلى من الفلسطنيين والمصريين


للأسف لا نستطيع أن نطالب حاليا بفتح المعبر ولا مناصرة إخواننا في غزة لأننا لا نقدر على المواجهة ... ولو كنا قادريين على المواجهة فكان الأولى لنا التصدي للفساد داخليا ً...


بخصوص حماس ..لا أنكر فضلها وعدم اعترافها باسرائيل إلي الآن _ وإن كانت في رأيي لم تخير بين الاعتراف أو الرفض _ لكن في نفس الوقت لا استطيع أن اغض الطرف عن تصريحات خالد مشعل في ظل الدمار الحادث في غزة ليخرج علينا متحدثاًعن حجم الخسائر البشرية في الحركة ولايذكر لنا سوى القتلى من حماس لا قتلى غزة ككل ....

بخصوص الدول الشقيقة ...لا تنسى ياعمرو ان تلك الدول الشقيقة تحكمها انظمة تماثل في قذارتها النظام المصري ومن ثم فلا يمكنك صب غضبك على كل من اتهم تلك الدول بالعمالة لاسرائيل فربما يكون غاضب مثلك على تواطؤ النظم العربية بما فيها النظام المصري مع اسرائيل ؛ ولأنه للأسف النظام يعني الدولة شئنا ذلك أم أبينا ...فلن يقال سوى مصر ، الأردن ، قطر ...الخ


شعورياً أميل إلي النفخ في البوق والدعوة إلي الجهاد ....ولكني في قريرة نفسي اعلم علم اليقين أن تلك اللحظة لم يحن وقتها بعد لعل الله يخرج من أصلابنا من يبيض وجوهنا عنده ويشفع لنا ويوقف نزيف الدماء في بلاد المسلميين

قلمي الحر يقول...

ىأنا بعتذر عن التأخير في الرد ، لكن بقالي فترة مدخلتش على المدونة
تحفة اللي أنت كتبته يا عمرو بجد

كل اللى أقدر أقوله أننا للأسف انقسمنا حتى ما فيما داخلنا حول ما إذا كان من في غزة مجنى عليهم أم جاني

ليست الحكومة وحدها الملامة ، بل الأمر تعدى إلي أنها جعلت جزءا منها أبواق تحارب ضد القضية وليس معها

وجعلتهم يختزلون القضية في حماس أو فتح أو إيران أو حزب الله

القضية في النهاية قضية أمة سُلبت منها أرضها وهي تتفرج ..جميعنا ملامين

ليتهم يعلمون ياعمرو أن بيت المقدس ليست فلسطينة وإنما هي إسلامية حضارية عربية ، ملكا للجميع

تذكرت جل ما تذكرت ...بكاءنا على شهادة الشيخ أحمد ياسين ، وما فعلناه حينها في الكلية
وتخليته لو كان موجودا ماذا كان سيفعل ؟