الأحد، نوفمبر 15، 2009

كنت معهم



هي مرة نادرة أخرى أتحدث فيها عن كرة القدم.. وعلى عكس  الندبة الأشهر في فيلم "الطريق إلى إيلات" التي كانت تقول "يا ريتني كنت معاهم" أقول أنا "كنت معاهم".


آسف لما قد يسببه هذا التشبيه للبعض من امتعاض، ولكن هو تشبيه وليس واقعا مطابقا على أي حال، فأنا أعي أن حديثي عن مباراة كرة قدم حضرتها في الملعب لأشاهد فريق بلادي يهزم الجزائر بثنائية دون رد في تصفيات كأس العالم.


صحيح هناك فساد معتاد في بيع التذاكر، وتذكرتي اشتراها لي صديق بمائة جنيه، وصحيح عانيت ككل مرة من طابور الدخول والمعاملة غير الآدمية من الأمن المركزي، وصحيح أيضا عانيت الأمرين على مدار شهر كامل كي أستخرج وثيقة حكومية تثبت سريان حالتي العائلية كي أحصل على إذن سفر إلى الخارج من وزارة الدفاع.. كل هذا صحيح.. ولكن قمة مشاعر الوطنية والانتماء صارت لا تتفجر في هذا العصر إلا حين نساند فريقنا الوطني.


فهذا الفريق وحده نشر حالة من البهجة بيننا جميعا، بشقينا وسعيدنا، بين الغني والفقير، بين المسلمين والمسيحيين، بين من يفقهون في كرة القدم ومن لا يعرفون أن التسلل هو نفسه الأوفسايد دون أن يعرفا معنى أي منهما، وقد نشر المنتخب هذه الحالة في ثلاث مناسبات من قبل.. لدى الفوز بكأس الأمم 2006 ثم عند حفاظه على اللقب في 2008 وعند النصر التاريخي على إيطاليا بطلة العالم في كأس القارات 2009.


والآن يبدو سيناريو السعد الرابع وشيكا، فقط شريطة أن نفوز في السودان، وهذا حديث آخر ليس موضعه الآن، فأنا هنا لأروي يوم 14 نوفمبر.


كنت قد عدت إلى مصر مساء الخميس 12 نوفمبر، ووصلت إلى المنزل في منتصف الليل تقريبا ليبدأ اتصالي بالعالم الخارجي بعد انقطاع لمدة أسبوع عن استخدام الإنترنت بسبب ارتفاع سعره هناك، حيث كان اعتمادي كله على قنوات تلفزيون أوروبية لا تبث أي شيء له علاقة بالمباراة أو حتى بمصر.


سهرت حتى الفجر وجلست مع الأهل على نوبتين إلى أن جاء موعد عملي في منتصف الليل من جديد.. كانت وردية السهرة... أنهيت العمل بعد مقاومة صامدة للنوم في الثامنة صباحا.. ثم هرعت إلى السيارة وأعدتها إلى المنزل الذي وصلته في التاسعة لأنام ساعتين بالضبط وأستيقظ في الحادية عشرة لأرتدي قميص المنتخب وأحمل علما معي منذ 2006 وأصطحب البيريه كي أبدو وأنا مرتديه غير بعيد الشبه بجيفارا بعد طول شعري (ليس إغراء لبنات حواء).



بعد صلاة الظهر مباشرة انطلقت دون السيارة إلى الجيزة -مسقط رأسي- حيث قابلت محمد نصر في محطة المترو وانطلقنا إلى الملعب الذي دخلناه في الساعة الرابعة.


كنا قبل الدخول قد قمنا بدورة كاملة حول الملعب من الخارج أي على محيط يساوي أضعاف محيطه الحقيقي حتى نصل إلى مدخل مدرجات الدرجة الثالثة يمين المخصصة عادة لجماهير الزمالك، وهي التي لم أجلس فيها من قبل طيلة حياتي.


وأثناء الطابور الأول بجوار أحد الأسوار المحيطة بالمدخل.. لاحظت بنطالا حينز تركه صاحبه أو جرى إجباره على تركه لأسباب مجهولة، ورأيت أنه يستحق صورة كوميدية للذكرى.








وما إن بدأت أهازيج التشجيع، حتى دخل المذيع الداخلي للملعب والذي لم نسمع أبدا صوتا خلاف صوته على مدار عقود، كي يبدأ في توجيه الجماهير بسترة حمراء جعلتني أشك في كونه سمير صبري شخصيا، لولا أنه دعا إلى قراءة الفاتحة جهارا والدعاء للمنتخب في نفس واحد.


ودون مفاجآت، طلب المذيع التحية لرئيس الجمهورية باعتباره راعي مسيرة التقدم وما إلى ذلك، وبالفعل هللت الغالبية العظمى من الجماهير، قبل أن ينعكس رد الفعل لدى مطالبته بتحية مماثلة لـ"السيد جمال مبارك" ليبدو هتاف "ييييييييييييييي" واضحا لكل ذي سمع.


وجاء موعد الإحماء ليندفع اللاعبون إلى أرض الملعب وسط تهليل خرافي، يتقدمهم القائد أحمد حسن بعد أن سبقه عصام الحضري ليشير كلاهما للجماهير تحفيزا وطلبا للدعم الذي كان فوق الوصف خاصة إذا امتدت الصورة لتنقل صافرات الاستهجان التي غطت دخول لاعبي الجزائر إلى الملعب.


وبدأت المباراة.. وهدف في الدقيقة الثانية ذهب معه صوتي قبل أن يذهب نبضي لثوان في الشوط الثاني مع صدة الحضري الإعجازية لانفراد صايفي!

واحتبست الأنفاس حتى الدقائق الأخيرة حين بدأت أصرخ فيمن في المدرج "مابتشجعوش ليه؟ مفيش رجالة؟ ابقوا اقعدوا في بيوتكم اتفرجوا على التلفزيون".


وبعد أن فقدت الأمل أنا نفسي بسبب اللعب السلبي للفريق والقصور الخططي، أكد لي محمد نصر أننا سنحرز هدفا قائلا "بقولك إيه ماتعمليش المتشاءمين بيشجعوا مصر"، ثم بدأ الجميع يهتف "كاس العالم.. كاس العالم" وبعض منا يدمع. 


وجاء الهدف الثاني.. لأنظر إلى إسلام نصر وكلانا في ذهول لمدة ثانيتين ثم ننفجر عناقا وبكاءً في الوقت ذاته..


ومع نهاية المباراة عادت الأغاني الوطنية في حالة إنشاد جماعي خاصة أغنية شادية "يا حبيبتي يا مصر"، بعد أن كنت قبلها أتخيل حسرتنا واحتفال الجزائريين على أرض الملعب بالتأهل بدلا منا بفارق هدف وهو أكثر سيناريو كنت أخشاه، ولتشاهد الفيديو على الرابط التالي 
http://www.facebook.com/video/video.php?v=214929464224
.


أكثر ما يسعدني حاليا بشكل سادي هو أولئك الذين ينظرون لكرة القدم على أنها مجرد "تفاهة" أو أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه، وهذا انعدام فهم لطبيعة هذه الرياضة التي تتخطى حواجز المستطيل الأخضر ولا يكون لها طعم إلا بأجواء الحشد والشحن هذه.. فلا معنى لكرة القدم دون تصريحات كالتي يطلقها مانويل جوزيه أو مورينيو أو مارادونا.. كل شيء يبدو مسليا ولكن إذا بقي في حيز الكلمات فقط.. طالما لم يتطور إلى أي اشتباك مباشر، وأعتقد أن كلامي واضح.


مما أسعدني أيضا خلو الملعب من الفتيات التافهات اللاتي أصبحن علامة مميزة للمدرجات منذ نهائيات 2006 ليأخذن بالمال مكان الجمهور الحقيقي الذي يقف مع المنتخب منذ سنوات.







ليست هناك تعليقات: