الاثنين، أبريل 18، 2011

في نقد النخبة


أنظر باستياء بالغ إلى القوم الذين يصرون على احتكار الديمقراطية بشتى السبل فلا يصبح للفظة مرادف إلا ما يريدونه هم حتى ولو كان عكس رأي الأغلبية التي تفننوا في السخرية منها وتسفيه أحلامها في كل مناسبة وغير مناسبة.

أشير بصراحة إلى نفر من المثقفين لا تذهب عيناك إلى قناة تلفزيونية حتى تقع على أحدهم، ولا تفتح صحيفة إلا وتقرأ مقالا لواحد منهم، ربما هم أنفسهم الذين حملوا لواء "لا" في شتى المحافل وتعاملوا باستعلاء واضح مع كل من كان يميل إلى "نعم" فأبت غالبية الجماهير إلا مقابلتهم بصفعة يبدو أن رنينها أطار صوابهم.

حسنا.. حتى لا يساء فهمي أقول إنني بالتأكيد لا أعني بكلامي كل من قال "لا" في الاستفتاء، وكذلك لا أشير إلى النخبة المثقفة إجمالا، بل أعني فئة بعينها ما زالت حتى الآن تصر في كل موعد على مد الفترة الانتقالية ووضع دستور من قبل لجنة معينة –لا تسل من يُعينها- ضاربين عرض الحائط برأي الأغلبية.

ممن يعبرون عن هذا النفر للأسف شخص أعتز به كثيرا ولما منحه من فخر لهذا الوطن، وربما يكون مرشحي الأبرز في الانتخابات المقبلة وهو د.محمد البرادعي الذي أصر في مقابلة مع كبار مسئولي صحيفة الشروق هذا الشهر على ضرورة وضع الدستور الآن وهو ما أصابني بالصدمة.

لا أعرف ماذا يريد البرادعي حقا بوضع الدستور الآن.. هل يريد أن يسلب إرادة الغالبية؟ أم أن يقول لكل فرد منها أنهم حفنة من المنقادين الجهلة الذين لا علم لهم بصالح البلاد فتزيد الهوة بين النخبة والشعب الذي باتت الثورة ملك كل أبنائه ؟

تحدث البرادعي عن أن الاستفتاء لم يكن له معنى على اعتبار أن إعلانا دستوريا صدر في الأيام التالية ثم تحدث عن تضمن هذا الإعلان ما يزيد على خمسين مادة لم يتم الاستفتاء عليها وهذه هي العبارة التي يرددها كثيرون وهي نفسها الفخ الذي سقط فيه البعض مثل د.حسن نافعة الذي أكن له فائق الاحترام.

لا أعرف هل يحق لي وأنا لا أحمل درجة تعليمية تفوق البكالوريوس أن أزعم أن التعديلات التي صوتت الغالبية لصالح إقرارها كانت "في المجمل" هي تلك المواد المتعلقة بمسار التحول الديمقراطي وليست تلك الضابطة لأحوال البلاد أثناء الفترة الانتقالية والتي يعتبر سنها من اختصاص المجلس العسكري الحاكم شكلا وموضوعا.

أقول "في المجمل" لأنني بلا شك أختلف مع بعض التفصيلات مثل حصة العمال والفلاحين في مقاعد البرلمان، ولكن هذا على سبيل الاستثناء وليس القاعدة وبالتالي أبقى راضيا عن اختياري.

لا أعرف أيضا هل يمكن أن يصف بعضنا بـ"النفاق" أولئك الذين يعتبرون المجلس العسكري قد أجرم لعدم استفتائه الشعب على بقية مواد الإعلان الدستوري أم لا. أقول النفاق لأن نفس هؤلاء المستائين هم أنفسهم من كانوا يريدون دستورا تضعه لجنة معينة ويُستفتون عليه مرة واحدة –لا مادة مادة- فهل يقبلون بذلك في استفتاء تحكم مواده العقود المقبلة بينما يأبون نفس الاختيار عند إعلان دستوري لا يمتد مفعوله لأكثر من بضعة أشهر؟

أضف إلى ذلك أن بعضا من هؤلاء كانت حجتهم الأولى للرفض هي الشعار الزائف "لا لترقيع الدستور" و"لا لإعادة دستور 71 إلى الحياة".. وما إن ثبُت عكس ذلك حتى هرعوا يبحثون عن مثار نقد في الإعلان الدستوري فاخترعوا قصة عدم الاستفتاء على بقية المواد.

في الحقيقة، شذ د.عمرو حمزاوي عن هذه القاعدة وأتذكر مقالا له في الشروق عقب نتيجة الاستفتاء شدد خلاله على ضرورة عدم النظر للوراء والتعامل من الآن فصاعدا مع الواقع بناء على نتيجة التصويت وليس بناء على ما يراه البعض مثاليا ويرغبون في فرضه بالوصاية.

لست بحاجة طبعا إلى التذكير بالفكاهة السياسية التي يطلقها من حين لآخر نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الأحرار والتي كانت آخر حلقاتها حين ظهر في برنامج العاشرة مساءً وزعم أن كل من قالوا نعم في الاستفتاء لا يعرفون في الواقع السبب الحقيقي وراء اختيارهم.

هذه الفقرة الكوميدية سبقتها فقرات أخرى كان أحدها ظهوره في فيديو مسروق من مبادرة أمريكية للحث على التصويت في الانتخابات الماضية دون التوجيه لمرشح بعينه.. ولكن حين تم تعريب هذا الفيديو الذي استقبل تبرعات تبدأ من "500 جنيه فقط" -بتعبير القائم عليه شادي شريف- فإننا فوجئنا بأنه يوجه الجماهير إلى "لا" بالتحديد مستخدما استمالات عاطفية لا تقل فداحة عما لجأ إليه السلفيون ووقع فيه بعض من الإخوان.

إن مشكلة من هم مثل ساويرس –الذي أصر على ضرورة وضع الدستور الآن في الحوار الوطني – أنهم لا يريدون إلا ما يخدم مصالحهم فقط.. ولا عيب في ذاك إن كانت تغلفه الصراحة بدلا من الالتفاف والتعلق بدم الشهداء وإهانة غالبية المصريين واختزال مفهوم "التوعية" في التخويف من الإسلاميين دون تقديم طرح بديل.

لقد قال السلفيون صراحة عقب "غزوة الصناديق" إنهم "مش بتوع ديمقراطية" وهذا أمر يستحقون عليه التحية كونهم اتسموا بالوضوح والشفافية في حين يبقى الفريق الآخر من الأدعياء مصرا على فرض سيناريو معين دون أي اعتبار للإرادة الشعبية.


مرة أخرى أكررها.. إن إصرار هذا القطاع من النخبة على إملاء رؤيته وفرض وصايته على الشعب الذي يبدو في نظرهم وبتعبيرهم "غير مؤهل" يتطابق مع ما سبق وقاله نائب الرئيس السابق عمر سليمان في حوار مع محطة نلفزيونية أمريكية نذكر مضمونه جيدا وأكثر النقاط فيه إثارة للانتقاد.
                                              


ليست هناك تعليقات: