الجمعة، ديسمبر 28، 2007

الجسر



اعتدت المرور في الأشهر الأخيرة من فوق جسر "قصر النيل" الرابط بين منطقتي الجزيرة ووسط البلد لتفضيلي النزول في محطة الأوبرا الرائقة وكي أستمتع بعبور الجسر من فوق النيل في تمشية يسيرة، وبغض النظر عن الأسود الأربعة التي تحرس مدخلي الجسر إلا أن العلامة الأبرز هي الثنائيات (شاب وفتاة) التي تنتشر على سطحه وتستند إلى أسواره، وإذا نظرت إلى الأسفل من المسار الشمالي من جهة الجزيرة فستلاحظ حديقة يبدو أن العرف قد جعلها مقتصرة على استضافة الثنائيات فقط، حتى وإن دخلتُها مرة بمفردي كي أقرأ رواية في إحدى ساعات الفراغ... كانت كل فتاة يجلس بجوارها فارسها، أو هكذا تراه... أما أنا فوضعت حقيبتي على المقعد المجاور، ولم تنظر عيناي في حدقتين مختلفتين، بل بقت تحترف المرور بين الأسطر تتعرف على الكلمات وترسلها إلى عقلي كي تترجم إلى معان ومدارك.


وعند مدخل الحديقة وعلى طول المسار الشمالي للجسر ينتشر بائعو الزهور الحمراء، ويلتمسون كل السبل لإقناع الشاب لابتياع فتاته زهرة، سواء بالإلحاح أو الإحراج، ولكن دائما بالأفضل عن طريق الدعاء بالتوفيق وأن يكتب الله أحدهما للآخر.


من فوق الجسر يمكنك الاستناد إلى السور بساعديك، والتأمل من منظور علوي لما يحدث في الحديقة، كأنك أمام إحدى الألعاب الاستراتيجية التي قد تفضلها، هل هم يتحابون حقا؟! لا أبالغ حين أقول أن السمة العامة للانطباع الأول تدفعك لوصف الحضور أمام عينيك بأنهم شريحة كبيرة من الأوغاد، كالممثل الفاشل حين يؤدي دورا في مشهد لقاء بين روميو وجولييت.


ولكن مع التدقيق والحيادية قد تجد السعادة حقا، في هؤلاء الذين لا يتلامسون، وبغض النظر عن صحة الوضع بأكمله من عدمها، إلا أن البساطة أهم معالمه، فهو يحبها وهي تحبه، ومقعدان خشبيان أمام النيل في جو هادئ مع مشروب دافئ في الشتاء، همهمات بالكاد تدركها، وابتسامات خجولة من حين لآخر، وأحلام، وتعهدات...، وفوق كل شيء بساطة!


يعود بصري من جديد إلى قاعدة عيني، ومعه أتذكر موعدي في قلب القاهرة، وطيلة السير أتساءل... أهناك من أحبَّت مثلي؟! وتنطلق علامات الاستفهام والتعجب تطوف حول رأسي، ثم لا ألبث أن أجد نفسي في موعدي، أباشر عملي، وأغرق في التفاصيل من جديد، وكل مرة أفكر في النزول بمحطة أنور السادات، لكنها الأوبرا بجاذبيتها وتحتيمها المرور على الجسر.


الثلاثاء، ديسمبر 18، 2007

ليلة عيد

هذه مجموعة من خواطري عن هذه الليلة، هي ليلة اكتسبت مزيجا خاصا من مشاعر وأفكار بحيث صار يصعب تحديد وصف لها، وبالتالي فلا يوجد أفضل من الحلول العشوائية، أن أمر بشكل منفلت عبر أفكاري محاولا نقل ما أستطيع، مع التوقف إن لم أقدر على الإكمال سواء لعجز عن التبين أو لاكتشاف اللامعنى من النشاط بوجه عام.


هذا هو العيد الرابع الذي أعمل فيه كالمعتاد، أستمتع بالشوارع الخالية وأتخلص من مواعيد الأصدقاء التقليدية، والتي قد لا تروق لي إلا أنها ستسسبب في ضجرهم مني إن لم أمتثل لها، لأن كل مبرراتي تبدو ببساطة فارغة وكئيبة ولا معنى لها.

في العام السابق كنت أعمل مسائيا بصفة منتظمة، واتفق عيدا الفطر والأضحى أن يكون أول أيامهما موعدا للمبارتين، وبالتالي كان علي أن أكون ثاويا على مكتبي بالجريدة الأسبوعية، حيث كانت إحدى أهم محطاتي، أكتب كل ما أراه وأدفع برأيي بين السطور.

أما العام الحالي فتزامن أن أحصل على إجازتي ثاني يوم في المناسبتين، وبالتالي أن أعمل يوم العيد نفسه وصباحيا أيضا، هي ضريبة العمل في الصحافة، ولكنها تروق لي بأي حال.


وبعيدا عن الإجازات، فإن العيد الحالي هو السادس لي على التوالي الذي لا يكتسي بصبغة السرور، فهكذا عهدت منذ أن كنت طالبا بالصف الثالث بالجامعة إلى أن تخرجت الآن، فمرة يسيطر الحزن، ومرة اليأس، ومرة الكآبة، ومرة الغضب، وأخرى يقتسمني القلق والتفكير، كأن العيد عندي أصبح إلغاء مسبقا لأية حالة هدنة ممكنة مع مشاكلي وهمومي الشخصية البحتة.


هذا كان عن العيد بوجه عام، أما عن عيد الأضحى على درجة الخصوص، فحين كنت صغيرا ان بإمكاني احتمال مشهد البح بمنتهى الاعتيادية، أما منذ أن تحولت إلى فترة بداية الشباب ونهاية المراهقة، فلا أدري لماذا لم أعد أتخيل فكرة أن يذبح حيوان أمامي، حتما هو أمر شرعي، بل ومن أسس استمرار الحياة على الكوكب في ضوء قانون السلسلة الغذائية الذي لا يجهله طالب بالمرحلة الابتدائية، ولكن موقفي لا يعارض هذا، بل أطالب بإعفائي من مشاهدة حيوان أعزل مكبل يتعرض للذبح من إنسان قوي مسلح! هكذا يبدو المشهد في عيني، ولا أدري لماذا أشعر بالذنب لسلبيتي لدى بقائي خلف الجدار وأنا أعلم ما يجري أمام فناء المنزل! والأمر ليس أنني ملاك رحيم، بل لا أكذب حين اقول أنه من الممكن يوما أن آخذ زمام المبادرة لذبح إنسان ولا أفعل الأمر نفسه مع أي من الحيوانات، فهناك كثيرون على ظهر هذه الدنيا لا يستحقون ما يحصلون عليه من الأكسجين.

أرى أن أتوقف.