الثلاثاء، مايو 05، 2009

الرحمة

الجدل الدائر على مدار الأسبوع الأخير هو أنفلونزا AH1N1 التي عرفت في البداية عن طريق الخطأ باسم "أنفلونزا المكسيك"، لتعرف بعدها بخطأ ثان باسم "أنفلونزا الخنازير" وتبدأ موجة من الجهل والعنصرية والتعسف والتسييس تعصف بالشارع المصري.

وبلغ الجدل ذورته مع قرار "إبادة" الخنازير بحجة تطهير مصر من المرض، وهو القرار الذي سبقته عرائض وحملات ومجموعات على الفيس بوك، فحواها عنصرية واضحة وقسوة بالغة وجهل جم.

اعتقدت الغالبية، وبمنتهى الصراحة، أن الدولة لن تقول "بم" في قضية الخنازير باعتبار أنها حيوانات تربى في الأعم الأغلب في مراعي يملكها مسيحيون، ويستهلك لحومها بالطبع مسيحيون أيضا، وبالتالي فإن الدولة في سياسة التراجع أمام المسيحيين لن تملك سوى ترك الخنازير بعكس ما فعلته من إبادة للدواجن قبل سنوات قليلة في ظل غزو أنفلونزا الطيور.

ونسيت هذه الغالبية أن الطيور التي أبيدت كانت مملوكة لمسلمين ومسيحيين على حد السواء، وأن من تضرر بالأزمة كانوا من مرتادي المساجد والكنائس معا، وبالتالي لا معنى أن تكون قضية الخنازير في وجه قضية الدواجن، ومن ثم الحديث عن ازدواجية في المعاملة.

وبالطبع توالى الهراء، فعشرات المحامين يطالبون البابا شنودة بموقف "وطني تاريخي" يتمثل في إعلانه تحريم أكل لحم الخنزير في مواجهة الأزمة! وهي نفسها الأزمة التي لم تقابلها أية دولة في العالم بقرار إبادة مماثل! الأزمة التي كشفت للمرة الثانية بعد أزمة الطيور أن الإدارة المصرية لا تعرف شيئا عن مواجهة الأزمة، وهذه قاعدة طبقها على أي مستوى أو أي مجال إن شئت.

فبدلا من تشديد الرقابة الصحية على الحظائر واستبعاد الحيوانات المصابة، وإمداد العاملين بإجراءات الوقاية اللازمة، ونقل الزرائب لخارج المدن، أو تحويلها إلى مزارع إلزاميا، كان القرار الأسهل هو الإبادة!

هذا إداريا، أما شعبيا فكان الأمر مضحكا، فهناك من يقول إن هذه الحيوانات محرم أكلها وهذا دليل على إعجاز الإسلام وعظمته، والحقيقة أن الإسلام ديني لم يزد شيئا أو يقل في أزمة كهذه، هذا ببساطة لأن من يرددون هذه العبارات تناسوا أن الإسلام لم يحرم الطيور التي أصيبت بالأنفلونزا مثلا! وبالتالي فإن تحريمه للخنازير لذات السبب ليس منطقيا... بالتأكيد حكمة التحريم في الإسلام لها أبعاد أخرى غير هذه.

كما أن هناك فارقا بين تحريم أكل حيوان ما وحقه في الحياة! فهل لأنه محرم يتم إعدامه؟!! هل نعدم الكلاب لأن هناك من يعتقد في نجاستها؟ هل نعدم الجوارح لأن أكلها غير جائز؟ هل خلق الله الخنازير دون أية فائدة على الإطلاق؟ هل خلقها عبثا؟ ولماذا لا نحترم حق المخالفين في الدين في تناول ما لم تحرمه شرائعهم؟

أضف إلى ذلك عبارات العنصرية، من طراز أن الخنزير حيوان "قبيح الشكل"، وكأن هو من خلق نفسه! وكأن قتل الغربان واجب لأنها قبيحة أيضا بمقاييس البشر القاصرة، ناهيك عن التحجج بقذارة الخنزير وقذارة مأكله، وكأن الماعز الذي يأكل أوراق الكتب الدراسية يتغذى على الكافيار بالمقابل، أو أن البط الذي يلتقط الديدان يأكل من المراعي! أي قذارة في بلد عبارة عن "زريبة" كبيرة؟!

كل هؤلاء تناسوا أيضا أن الكمية الهائلة من لحوم الخنازير المذبوحة ستسرب الآن إلى المطاعم لنأكلها جميعا رغم أنوفنا حيث لم تعد بالثلاجات سعة تستوعب هذه الكميات الهائلة! سنأكلها الآن وهي محرمة علينا ودون أن نعلم بفعل هذا القرار التعسفي!

أضف إلى كل ذلك الزيادة الحتمية في أسعار لحوم الماشية والأغنام، فلحم الخنازير الذي كان يسد خانة ما لدى شريحة من المستهلكين لم يعد موجودا، وبالتالي سيزداد الطلب على البدائل ليرتفع سعرها في دولة ترتفع فيها الأسعار بمناسبة أو بدون مناسبة.

أشعر بغاية الأسى حين أرى وأسمع متعلمين ينطقون بتلك الكلمات، أو يتناقلون تلك الأفكار في التعامل مع قضية كهذه، ولا أملك غي تدوينة كهذه أو نقاش مع صديق.

هناك 4 تعليقات:

JuSt_hUmAn يقول...

"هذا إداريا، أما شعبيا فكان الأمر مضحكا، فهناك من يقول إن هذه الحيوانات محرم أكلها وهذا دليل على إعجاز الإسلام وعظمته"

يا عمرو احنا لا نستحق كلمة شعب، أنا بقيت أقول الكائنات المصرية بدل الشعب المصري!

Ayman Elsherbiny أيمن الشربيني يقول...

عجبتني التدوينة يا صديقي !

ahmed hassan يقول...

حقا يقال أن العالم بأسره في محنة قوية، وأشعر أن غضب الخالق ينصب في تلك الأمراض سريعة الانتشار. فعلينا جميعا التوجه إلى الله وعدم نسيان تقرير إحدى الجامعات البريطانية التي أكدت احتمال انتشاره بين ثلث سكان العالم، وأن يكون هناك حالة مصابة من بين كل ثلاث أشخاص. سترك يا عليم

Amr يقول...

الحمد لله إن لموضوع هِدي
هنتقابل الليلة دي إن شاء الله يا عمور

ربنا يكرمك يا أيمون... أقول انت واحشني لدرجة إيه ولا الناس هتشك فينا؟؟

ربنا يستر يا أبو حميد، هي ديتها حالة واحدة في مصر وتلاقي حالة فزع عام