سأحاول من خلال هذه التدوينة أن أروي انطباعات وخبرات كونتها خلال زيارة إلى العاصمة الفرنسية باريس قمت بها برفقة زوجتي في الأسبوع الثاني من نوفمبر الماضي، وهي بالطبع ستكون قاصرة لأنها ليست سوى أيام معدودة مما يجعلني لا ألوم من يصف الكلمات هنا بالسطحية.
في الواقع أملك أفكارا متعددة في رأسي ولا أعرف حتى الآن كيف سأكتب السطور التالية، ولكن في البداية أشكر صديقي مهند الذي رشح لي عنوانا للتدوينة مقتبسا من عنوان كتاب رفاعة الطهطاوي عن نفس المدينة والذي اختصره الفرنسيون حين نقلوه إلى لغتهم إلى "ذهب باريس" ليلقوا بالسجع في أقرب سلة قمامة.
كما ذكرت في تدوينات سابقة، إن رغبتي في السفر أولا كانت إلى أوزبكستان في وسط آسيا، ولكنها مغامرة لا معنى لها خاصة أنني لم أغادر حدود وطني قبل نوفمبر الماضي، ولا يوجد طيران مباشر بين القاهرة وطشقند، ولا يوجد ما قد يسر زوجتي في تلك البلاد أصلا.
حسنا.. لتكن أوروبا، ومن هنا كانت الأفضلية لإيطاليا لولا وجود عرض سياحي أفضل إلى باريس لا يشمل استقبالا أو برنامج جولات لأنني لست من هواة أن أكون ممن يطلق عليهم لقب "سائح" ويعلقون الكاميرا في رقبتهم وينظرون إلى الأشياء ببلاهة، أي أن العرض كان تذاكر طيران بجانب حجز فندقي بسعر جيد.
بعد أن خرجت بسلام من المتاهات التي رويتها في التدوينة السابقة، اتجهت أنا وزوجتي بحقيبتي ظهر فقط للملابس وأخرى للكومبيوتر إلى باريس، وهو ما أثار دهشة موظفي المطار خاصة مع البرودة المتوقعة للجو هناك.
لدى نزولنا من الطائرة في مطار شارل دي جول، استقبلنا ضابط ليتأكد من صحة التأشيرة ويسألني عن سبب الزيارة، قبل أن أتعرض للاستجواب نفسه لدى حصولي على ختم الدخول، بل والتأكد من صحة بصمة يدي الموجودة في التأشيرة.
هنا شعرت وكأنني أدخل الجنة التي لا يستحقها أمثالي من أبناء العالم الثالث، فالتشكك هو السمة الدائمة، للدرجة التي تدفع الضباط للتساؤل عن حجز الفندق ومعرفة كم أحمل من النقود، وتساءلت في الوقت نفسه عن الكيفية التي يدخل بها مئات المهاجرين شهريا إلى فرنسا مع كل هذا التشديد على منافذ العبور، بالتأكيد البحر يقدم حلولا.
نزلت إلى بهو صالة الوصول، وكان أول من جربت معه فرنسيتي الرديئة عامل أمن في المطار أسأله عن مكان لشراء تذاكر المترو، ولكنه سألني بتلقائية إذا كنت أتكلم العربية، لأدرك بعدها أنه من دولة كموريتانيا أو ربما تشاد ويعمل هنا كغيره من آلاف العاملين في القطاعات التي لا يطيق أغلب الفرنسيين ذوي البشرة البيضاء العمل فيها.
بعد توهان كبير في المترو اكتشفت خطأ التعميم بأن كل الفرنسيين لا يعرفون شيئا عن الإنجليزية، بل من لا يعرف يحضر لك من يعرف.. وغالبا كنت أشعر بود من جانب من يصف لي الطريق وأشعر بتوجس من أولئك الذين يرمون سهاما من عنصرية إلى حجاب زوجتي حين ينظرون إليه خلسة.
في محطة "شاتليه ليزال" المركزية اكتشفنا أن التذكرتين اللتين كنا نحملهما ليستا صالحتين لتجاوز الماكينة الالكترونية ومن ثم العبور إلى رصيف خط آخر من خطوط المترو الـ19 يأخذنا إلى المحطة المجاورة للفندق، لنبقي في حيرة وسط دوي البوابات الإلكترونية كل ثانية وكأنها تتحدث عن غياب للإنسانية في نفق تحت الأرض يمرق فيه العابرون كآليين.
وفي ظل الحيرة وعجز فرنسيتي على تفسير الموقف، استوقفنا سيدتين ترتديان الحجاب، وكان السؤال البديهي بالفرنسية "هل تتحدثان العربية؟" وجاءت الإجابة السعيدة بـ"نعم".
السيدتان كانتا من المغرب، وقامتا على الفور باصطحاب كل واحد منا والعبور باشتراكهما صوب بهو المحطة كي نقطتع تذكرتين جديدتين، وهي مغامرة كانت من الممكن أن تؤدي إلى تغريمهما لو شوهدتا عبر كاميرات المراقبة، ولكنها وقفة كافية لتوثيق حبي للمغرب طيلة حياتي.
وهذا مشهد تكرر حين لاحظ شاب مغربي حيرتنا مع خريطة باريس أمام محطة "جار دو نور" ليصف لنا كيفية الذهاب إلى الحي اللاتيني، وهو شعور بالألفة قد تجده المحجبة في باريس حين تقابل محجبة أخرى تمر من جانبها فستسمع منها عادة تحية "السلام عليكم" مصحوبة بابتسامة ودودة.
وصلنا الفندق أخيرا في السابعة صباحا، لنترك الحقائب ونبدأ في التجول حتى الثانية ظهرا حين يحين موعد تسلمنا للغرفة.
الانطباع الأول: اللعنة على البرودة:
فهمت أخيرا معنى عبارة "حلاوة شمسنا" وإن كانت لا حلاوة في شمس مصر لأنها أذابت الحلوى! ولكن علي أي حال يبقى البرد في باريس مثار عجب بالنسبة لي خاصة أنني كنت أرتدي "سويت شيرت" وعليه معطف سبور فقط دون أية إضافات.
البرد هناك لا يشبه البرد هنا، ففي مصر نشعر بالبرد غالبا في صورة رياح تمر بالشارع، وليس بردا متوطدا يشكل محيطا غير مرئي للأرض كما هو الحال في باريس حيث كنت أشعر وكأني أمشي في صالة هائلة من السيراميك الذي يمتص البرودة ويحتفظ بيها طيلة العمر في تلك الحالة! ولا مجال للبحث عن قرص الشمس لأنه حين ظهر كان لا يلبث دقائق ويغيب مباشرة ثم يعود مجددا وهكذا.
البرودة في باريس تجعل من المقاهي المغلقة ملاذا آمنا، ومن محطات المترو معصما، ومن كل الأماكن المغلقة كهوفا دافئة إذا قورنت بالهواء الطلق.
سأكمل لاحقا لأن النوم يغالبني.
في الواقع أملك أفكارا متعددة في رأسي ولا أعرف حتى الآن كيف سأكتب السطور التالية، ولكن في البداية أشكر صديقي مهند الذي رشح لي عنوانا للتدوينة مقتبسا من عنوان كتاب رفاعة الطهطاوي عن نفس المدينة والذي اختصره الفرنسيون حين نقلوه إلى لغتهم إلى "ذهب باريس" ليلقوا بالسجع في أقرب سلة قمامة.
كما ذكرت في تدوينات سابقة، إن رغبتي في السفر أولا كانت إلى أوزبكستان في وسط آسيا، ولكنها مغامرة لا معنى لها خاصة أنني لم أغادر حدود وطني قبل نوفمبر الماضي، ولا يوجد طيران مباشر بين القاهرة وطشقند، ولا يوجد ما قد يسر زوجتي في تلك البلاد أصلا.
حسنا.. لتكن أوروبا، ومن هنا كانت الأفضلية لإيطاليا لولا وجود عرض سياحي أفضل إلى باريس لا يشمل استقبالا أو برنامج جولات لأنني لست من هواة أن أكون ممن يطلق عليهم لقب "سائح" ويعلقون الكاميرا في رقبتهم وينظرون إلى الأشياء ببلاهة، أي أن العرض كان تذاكر طيران بجانب حجز فندقي بسعر جيد.
بعد أن خرجت بسلام من المتاهات التي رويتها في التدوينة السابقة، اتجهت أنا وزوجتي بحقيبتي ظهر فقط للملابس وأخرى للكومبيوتر إلى باريس، وهو ما أثار دهشة موظفي المطار خاصة مع البرودة المتوقعة للجو هناك.
لدى نزولنا من الطائرة في مطار شارل دي جول، استقبلنا ضابط ليتأكد من صحة التأشيرة ويسألني عن سبب الزيارة، قبل أن أتعرض للاستجواب نفسه لدى حصولي على ختم الدخول، بل والتأكد من صحة بصمة يدي الموجودة في التأشيرة.
هنا شعرت وكأنني أدخل الجنة التي لا يستحقها أمثالي من أبناء العالم الثالث، فالتشكك هو السمة الدائمة، للدرجة التي تدفع الضباط للتساؤل عن حجز الفندق ومعرفة كم أحمل من النقود، وتساءلت في الوقت نفسه عن الكيفية التي يدخل بها مئات المهاجرين شهريا إلى فرنسا مع كل هذا التشديد على منافذ العبور، بالتأكيد البحر يقدم حلولا.
نزلت إلى بهو صالة الوصول، وكان أول من جربت معه فرنسيتي الرديئة عامل أمن في المطار أسأله عن مكان لشراء تذاكر المترو، ولكنه سألني بتلقائية إذا كنت أتكلم العربية، لأدرك بعدها أنه من دولة كموريتانيا أو ربما تشاد ويعمل هنا كغيره من آلاف العاملين في القطاعات التي لا يطيق أغلب الفرنسيين ذوي البشرة البيضاء العمل فيها.
بعد توهان كبير في المترو اكتشفت خطأ التعميم بأن كل الفرنسيين لا يعرفون شيئا عن الإنجليزية، بل من لا يعرف يحضر لك من يعرف.. وغالبا كنت أشعر بود من جانب من يصف لي الطريق وأشعر بتوجس من أولئك الذين يرمون سهاما من عنصرية إلى حجاب زوجتي حين ينظرون إليه خلسة.
في محطة "شاتليه ليزال" المركزية اكتشفنا أن التذكرتين اللتين كنا نحملهما ليستا صالحتين لتجاوز الماكينة الالكترونية ومن ثم العبور إلى رصيف خط آخر من خطوط المترو الـ19 يأخذنا إلى المحطة المجاورة للفندق، لنبقي في حيرة وسط دوي البوابات الإلكترونية كل ثانية وكأنها تتحدث عن غياب للإنسانية في نفق تحت الأرض يمرق فيه العابرون كآليين.
وفي ظل الحيرة وعجز فرنسيتي على تفسير الموقف، استوقفنا سيدتين ترتديان الحجاب، وكان السؤال البديهي بالفرنسية "هل تتحدثان العربية؟" وجاءت الإجابة السعيدة بـ"نعم".
السيدتان كانتا من المغرب، وقامتا على الفور باصطحاب كل واحد منا والعبور باشتراكهما صوب بهو المحطة كي نقطتع تذكرتين جديدتين، وهي مغامرة كانت من الممكن أن تؤدي إلى تغريمهما لو شوهدتا عبر كاميرات المراقبة، ولكنها وقفة كافية لتوثيق حبي للمغرب طيلة حياتي.
وهذا مشهد تكرر حين لاحظ شاب مغربي حيرتنا مع خريطة باريس أمام محطة "جار دو نور" ليصف لنا كيفية الذهاب إلى الحي اللاتيني، وهو شعور بالألفة قد تجده المحجبة في باريس حين تقابل محجبة أخرى تمر من جانبها فستسمع منها عادة تحية "السلام عليكم" مصحوبة بابتسامة ودودة.
وصلنا الفندق أخيرا في السابعة صباحا، لنترك الحقائب ونبدأ في التجول حتى الثانية ظهرا حين يحين موعد تسلمنا للغرفة.
الانطباع الأول: اللعنة على البرودة:
فهمت أخيرا معنى عبارة "حلاوة شمسنا" وإن كانت لا حلاوة في شمس مصر لأنها أذابت الحلوى! ولكن علي أي حال يبقى البرد في باريس مثار عجب بالنسبة لي خاصة أنني كنت أرتدي "سويت شيرت" وعليه معطف سبور فقط دون أية إضافات.
البرد هناك لا يشبه البرد هنا، ففي مصر نشعر بالبرد غالبا في صورة رياح تمر بالشارع، وليس بردا متوطدا يشكل محيطا غير مرئي للأرض كما هو الحال في باريس حيث كنت أشعر وكأني أمشي في صالة هائلة من السيراميك الذي يمتص البرودة ويحتفظ بيها طيلة العمر في تلك الحالة! ولا مجال للبحث عن قرص الشمس لأنه حين ظهر كان لا يلبث دقائق ويغيب مباشرة ثم يعود مجددا وهكذا.
البرودة في باريس تجعل من المقاهي المغلقة ملاذا آمنا، ومن محطات المترو معصما، ومن كل الأماكن المغلقة كهوفا دافئة إذا قورنت بالهواء الطلق.
سأكمل لاحقا لأن النوم يغالبني.
هناك 5 تعليقات:
يااااه...أخيراً لقيت حد نفسه يروح أوزبكستان زيي....الناس كانت بتقول عني مجنون...لكن أنا شايف إن مغامرة في أرض قطز وببرس تستحق المحاولة فعلاً ...عجبتني التدوينة وعايز أعرف ايه إلي حصلك تاني في المغامرة الباريسية !
صحيح...إنت قريت "قمر على سمر قند" بتاعة محمد المنسي قنديل ؟؟؟؟
Hi, If u r the cold wierd in Paris u should try Montreal, with the phrase Frezzy sun to say it all.
Want to hear ur visit details plz...
منتظر التدوينة التانية، متتأخرش علينا فيها! :))
وانا كمان هستنى مع ايمن بالظبط
متسيبناش كتير بقى يا عمرو
الجو برد وشتا وبتاع
شكرا على التعليقات.. رفعتم روحي المعدنية
إرسال تعليق