الأحد، مايو 31، 2009

كراس


مرة أخرى أعود وأكتب عن نفسي، حتى مع تعهدي بغض الطرف عن ذاتي، لا أدري لماذا تحديدا أكتب ما أكتب.. ربما التساؤل نفسه غير جائز.

كنت أروي اليوم بداية تعلقي بكرة القدم، لا أدري المناسبة ولكن الحديث أخذنا لذلك المنحى، حيث أبحرت في ذاكرتي لبدايات 1996.

وقتها كانت كأس الأمم الأفريقية تقام في جنوب أفريقيا، وكنت لم أكمل عشر سنوات بعد، إلا أنني بقيت أسيرا لشاشة التلفاز أتابع أغلب المباريات بما فيها مباراة ميتة طرفاها سييراليون وبوركينا فاسو حيث فازت الأولى 2-1.

ومضى عامان، وجاء كأس العالم 1998 حيث كنت وقتها فرغت للتو من امتحانات الصف الأول الإعدادي، حينها، ودون أن أدري أو أفكر كثيرا في ماهية ما أفعل، أخذت كراسا أخضر 80 ورقة بغلاف طفولي يمثل الضفدع الشهير "كرميت" وهو يركب بالونًا ويلوح بيده.

تحول هذا الكراس لما يشبه بمجلة عن البطولة، فقبل انطلاقها كنت أقرأ كل ما يرد في الجرائد عن كل الفرق، وبالتالي أصبحت لدي خلفية تؤهلني لكتابة صفحة عن كل فريق تشمل استعراضا لأهم نقاط القوة والضعف وتوقعاتي لمسيرته في كأس العالم، بجانب العلم الوطني في نهاية الصفحة بألواني.

ومع بداية البطولة كنت أدون نتيجة كل مباراة وأهدافها مع انتظار اليوم التالي حتى تنشر صور منها في الجرائد، فأقصها وألصقها في كراسي وأكتب تحتها تعليقا من اختياري.

وحافظت على قوام الكراس حتى رغم سفري إلى مرسى مطروح أواسط البطولة، فعدت لأدون كل ما فاتني، وأغرق باحثا عن نتيجة مباراة كرواتيا ورومانيا في دور الستة عشر (1-0) حيث لم أملك وقتها كومبيوتر أو أعرف البحث على الإنترنت الذي كان موعدي الأول معه بعدها بثلاثة أشهر.

ومرت السنون وأبقيت على الكراس في دولاب والدتي، وفجأة لم يعد موجودا! ولا أدري السبب، ربما أثناء انتقالنا للمنزل الحالي ضل الطريق.

والآن بعد 11 عاما، أشتاق إلى هذا الكراس، بكل سذاجته، بكل ذكرياته، ورغم فقدان الأمل عمليا في وجوده.. لا أعرف لم أشعر أنني سأمسكه بين يدي يوما.






أول تي-شيرت كرة اشتريته كان الزي الاحتياطي الأزرق للأهلي
كنت متابعا للكرة أفضل من كوني لاعبا

الجمعة، مايو 15، 2009

كلام

لا شيء في هذه الحياة يساوي شعور الفرد أن هناك من يحبه ويفتقده، ذلك الشعور الذي أجده في معانقة صديق أعرفه منذ أكثر من عقد، تحول بيننا المشاغل والحياة، ولكن يجمعنا دائما عناق حار، يعود إلى أيام المدرسة الإعدادية، حين كنا صبية لم تلعب "المصلحة" أي دور بأي نسبة في تشكيل صداقتنا، أو قل أخوّتنا.


أعي جيدا أنني لم أعد أستخدم ضمائر المخاطَب فيما أكتب، لا أريد أن أفرض رؤيتي على من يقرأ إن كان هناك أحدهم... فقط أريد أن أكتب أحيانا.


هل أتنازل عن شهادتي الجامعية؟ ربما ألجأ لذلك كمواجهة لحملة التشويه المسبقة لكل من كان ذنبه أنه التحق بجهة تدرس الصحافة، أو أنه قرر أن تكون الكلمة والجملة مهنته وجرمه أنه وُفِّق لتحقيق ما أراد.


"شد الحزام"... أغنية أحبها وحل جميل.


الثلاثاء، مايو 05، 2009

الرحمة

الجدل الدائر على مدار الأسبوع الأخير هو أنفلونزا AH1N1 التي عرفت في البداية عن طريق الخطأ باسم "أنفلونزا المكسيك"، لتعرف بعدها بخطأ ثان باسم "أنفلونزا الخنازير" وتبدأ موجة من الجهل والعنصرية والتعسف والتسييس تعصف بالشارع المصري.

وبلغ الجدل ذورته مع قرار "إبادة" الخنازير بحجة تطهير مصر من المرض، وهو القرار الذي سبقته عرائض وحملات ومجموعات على الفيس بوك، فحواها عنصرية واضحة وقسوة بالغة وجهل جم.

اعتقدت الغالبية، وبمنتهى الصراحة، أن الدولة لن تقول "بم" في قضية الخنازير باعتبار أنها حيوانات تربى في الأعم الأغلب في مراعي يملكها مسيحيون، ويستهلك لحومها بالطبع مسيحيون أيضا، وبالتالي فإن الدولة في سياسة التراجع أمام المسيحيين لن تملك سوى ترك الخنازير بعكس ما فعلته من إبادة للدواجن قبل سنوات قليلة في ظل غزو أنفلونزا الطيور.

ونسيت هذه الغالبية أن الطيور التي أبيدت كانت مملوكة لمسلمين ومسيحيين على حد السواء، وأن من تضرر بالأزمة كانوا من مرتادي المساجد والكنائس معا، وبالتالي لا معنى أن تكون قضية الخنازير في وجه قضية الدواجن، ومن ثم الحديث عن ازدواجية في المعاملة.

وبالطبع توالى الهراء، فعشرات المحامين يطالبون البابا شنودة بموقف "وطني تاريخي" يتمثل في إعلانه تحريم أكل لحم الخنزير في مواجهة الأزمة! وهي نفسها الأزمة التي لم تقابلها أية دولة في العالم بقرار إبادة مماثل! الأزمة التي كشفت للمرة الثانية بعد أزمة الطيور أن الإدارة المصرية لا تعرف شيئا عن مواجهة الأزمة، وهذه قاعدة طبقها على أي مستوى أو أي مجال إن شئت.

فبدلا من تشديد الرقابة الصحية على الحظائر واستبعاد الحيوانات المصابة، وإمداد العاملين بإجراءات الوقاية اللازمة، ونقل الزرائب لخارج المدن، أو تحويلها إلى مزارع إلزاميا، كان القرار الأسهل هو الإبادة!

هذا إداريا، أما شعبيا فكان الأمر مضحكا، فهناك من يقول إن هذه الحيوانات محرم أكلها وهذا دليل على إعجاز الإسلام وعظمته، والحقيقة أن الإسلام ديني لم يزد شيئا أو يقل في أزمة كهذه، هذا ببساطة لأن من يرددون هذه العبارات تناسوا أن الإسلام لم يحرم الطيور التي أصيبت بالأنفلونزا مثلا! وبالتالي فإن تحريمه للخنازير لذات السبب ليس منطقيا... بالتأكيد حكمة التحريم في الإسلام لها أبعاد أخرى غير هذه.

كما أن هناك فارقا بين تحريم أكل حيوان ما وحقه في الحياة! فهل لأنه محرم يتم إعدامه؟!! هل نعدم الكلاب لأن هناك من يعتقد في نجاستها؟ هل نعدم الجوارح لأن أكلها غير جائز؟ هل خلق الله الخنازير دون أية فائدة على الإطلاق؟ هل خلقها عبثا؟ ولماذا لا نحترم حق المخالفين في الدين في تناول ما لم تحرمه شرائعهم؟

أضف إلى ذلك عبارات العنصرية، من طراز أن الخنزير حيوان "قبيح الشكل"، وكأن هو من خلق نفسه! وكأن قتل الغربان واجب لأنها قبيحة أيضا بمقاييس البشر القاصرة، ناهيك عن التحجج بقذارة الخنزير وقذارة مأكله، وكأن الماعز الذي يأكل أوراق الكتب الدراسية يتغذى على الكافيار بالمقابل، أو أن البط الذي يلتقط الديدان يأكل من المراعي! أي قذارة في بلد عبارة عن "زريبة" كبيرة؟!

كل هؤلاء تناسوا أيضا أن الكمية الهائلة من لحوم الخنازير المذبوحة ستسرب الآن إلى المطاعم لنأكلها جميعا رغم أنوفنا حيث لم تعد بالثلاجات سعة تستوعب هذه الكميات الهائلة! سنأكلها الآن وهي محرمة علينا ودون أن نعلم بفعل هذا القرار التعسفي!

أضف إلى كل ذلك الزيادة الحتمية في أسعار لحوم الماشية والأغنام، فلحم الخنازير الذي كان يسد خانة ما لدى شريحة من المستهلكين لم يعد موجودا، وبالتالي سيزداد الطلب على البدائل ليرتفع سعرها في دولة ترتفع فيها الأسعار بمناسبة أو بدون مناسبة.

أشعر بغاية الأسى حين أرى وأسمع متعلمين ينطقون بتلك الكلمات، أو يتناقلون تلك الأفكار في التعامل مع قضية كهذه، ولا أملك غي تدوينة كهذه أو نقاش مع صديق.