الاثنين، نوفمبر 30، 2009

بين القيد العائلي والشنجن

بعد أن استقر بنا المقام على اختيار العاصمة الفرنسية للسفر عقب الزواج، بدأت سلسلة من الإجراءات التي لا أصدق حتى الآن أنها انتهت.

تزوجت في أغسطس، وسافرت في نوفمبر.. ولكن قرار السفر في حد ذاته كان محسوما في أول أكتوبر حين دفعت مقدم حجز الفندق وتذاكر الطيران بإحدى شركات السياحة لأبدأ بعدها مباشرة السير في خطين متوازيين.

الخط الأول كان يفترض أن يكون الأسهل من الناحية النظرية، وهو الحصول على إذن سفر من وزارة الدفاع بناء على إعفائي مؤقتا من أداء الخدمة العسكرية، وهو الإذن الذي يتطلب إثباتا لمبرر استمراري معافى من أداء الخدمة.. أي إثباتا أنني مازلت الابن الذكر الوحيد لوالدي، أي وثيقة قيد عائلي حديثة لا يطول عمرها عن ثلاثة أشهر.

أذكر أيام حصولي على الإعفاء المؤقت أن وثيقة القيد كانت أسهل ما يكون لولا عبارة "الجهاز عطلان" التي كانت تفاجئني بها الموظفة أحيانا فأضطر لإرجاء الخطوة.

ولكن هذه المرة اختلف الوضع كليا، فقد فوجئت بعدة أمور، أولها أن وزارة الدفاع طلبت من جميع المتقدمين للتجنيد سواء كانوا يستحقون الإعفاء مثلي أم لا أن يقدموا وثيقة قيد عائلي، ليزداد الطلب عليها بشكل يفوق بمراحل كمية الأجهزة المتاحة في السجلات المدنية المعدودة التي تقدم هذه الخدمة.

فكرت في الإنترنت كما فعلت مع شهادة الميلاد من قبل، ولكن اتضح لي أن الأمر سيطول، وبالفعل وصل القيد الذي طلبته عبر الشبكة أثناء تواجدي في فرنسا، أي بعدها بشهر.

في تمام الساعة السابعة إلا الربع من صباح أحد الأيام كنت أقف أمام قسم الدقي الذي استخرجت منه القيد العائلي في السابق،ولكن فوجئت بـ13 شابا يطلبون مني تسجيل اسمي في قائمة حصلت فيها على الرقم 14 كي يكون دوري المفترض إذا دخلنا بالفعل للسجل.

ومع الوقت بدأ آخرون يتوافدون حتى بلغنا 86 اسما في القائمة، بجانب آخرين يؤكدون أن عطلا بالكومبيوتر منعهم من استخراج الوثيقة في الأيام السابقة مما يعني نيلهم أولوية عن المسجلين اليوم.

بعدما دخلنا إلى بهو القسم، خرج ضابط من شرفة وأكد أن مواليد قسم الجيزة (أمثالي) لا يتبعون الدقي كما كان في السابق، وبالتالي علي الذهاب إلى الهرم.

في الهرم وجدت الموظف وكأنه ينتظرني وحدي، فأكد لي أن مواليد الجيزة يتبعون العمرانية فشددت الرحال إليها.

في العمرانية طالبوني باستمارة مخالفة لتلك التي اشتريتها من مكتب البريد، فهرعت أبحث عنها وقدمت الأوراق أخيرا مع وعد بتسلم الوثيقة بعد أسبوع، وكان ذلك يوم السابع من أكتوبر.

بعدها بأسبوع ذهبت للقسم فقال لي الضابط أن أجئ بعدها بثلاثة أيام وفوجئت به يطالبني بتصوير إيصال الاستلام ففعلت، ثم وجدت اسمي قد دخل إلى الموظفة التي أكدت لي أن آتي لاحقا، ففعلت بعد شجار، ثم بقيت هكذا حتى أمسكت الوثيقة في التاسعة من صباح 28 أكتوبر.

كانت الموظفة لا تريد منحي القيد باعتبار أن قسيمة زواج أبي وأمي ليست مسجلة على الكومبيوتر وهو ما يستدعي ذهابي لتوثيقها إلكترونيا في العباسية، ولكن أخبرتها أنه سبق واستخرجت القيد من الدقي فأخرجت لي الوثيقة!!!

في نفس اليوم مباشرة، عدت سريعا إلى المنزل ومنه هرعت إلى مكتب التجنيد فحصلت على إذن السفر في نفس اليوم وأنا لا أصدق عيني.

في تلك الأثناء كنت أتردد بانتظام على قنصلية فرنسا بوسط المدينة كي أحصل على تأشيرة الدخول إلى الدول الموقعة على اتفاقية شنجن، وبعد أن جمعت كافة الأوراق ذهبت برفقة زوجتي لعمل المقابلة الشخصية التي تخللها اعتراض على رصيدي المصرفي وأسئلة عن والديّ وحمويّ وكأنني في تحقيق بوليسي.

عاد لي جوازا السفر في اليوم التالي مع طلب تقديم الجواز القديم بعدها بـ11 يوما كانت قد شهدت تحريات عني في العمل واستعلامات عن راتبي ومنصبي وما إلى ذلك حتى جاء الموعد الثاني فسلمت الجوازين السابقين مع وعد بمعرفة النتيجة في اليوم التالي.

وخلال ذلك كنت تقدمت للحصول على شهادة تحركات من المجمع خشية أن يكون الفاصل الزمني بين جوازي السفر الخاصين بي يثير ريبة السفارة، ففعلت ذلك من باب الاحتياط.

في اليوم الأخير ذهبت لأنتظر كثيرا حتى حصلت على الجوازين وبهما تأشيرة سارية لمدة ثلاثة أشهر مع إمكانية البقاء داخل ما يسمونه "حيز شنجن" لمدة 30 يوما منها.

أعرف أن أسلوبي في هذه التدوينة قد يكون شبيها بترجمة الطهطاوي لمغامرة تليماك.. ولكن أروي تلك الأيام وأنا لا أريد تكرارها.


الأحد، نوفمبر 22، 2009

مصر والجزائر - السفور

ما أجمل الصورة بلا قناع، وما أقبحها أحيانا دون ساتر.. هذه هي المقولة التي تنطبق على المشهد الحالي في مصر فيما يتعلق بالتعامل مع مباراة المنتخب الفاصلة في تصفيات كأس العالم والتي خسرها بهدف أمام نظيره الجزائري في السودان، والتي يبدو رأيي فيها مخالفا لرأي الغالبية من أبناء وطني، ومن مشجعي الكرة تحديدا.


فقط قبل أن أسترسل في الحديث الذي أشعر أنه سيطول، أتمنى من الجميع إلقاء ولو نظرة عابرة على تدوينتي السابقة مباشرة بعنوان "كنت معهم" والتي تتحدث عن لقاء 14 نوفمبر بالقاهرة الذي تابعته من المدرجات في ثالث تصفيات مونديالية أؤازر فيها منتخب بلادي من الملعب وتنتهي بالنتيجة ذاتها.

بل كنت أفكر جديا في السفر إلى السودان لحضور المباراة الفاصلة، ولكن معاناتي في استكمال الأوراق اللازمة للحصول على إذن سفر من وزارة الدفاع أدت إلى استبعاد الفكرة بجانب عدم تفاؤلي شخصيا بسبب موجة الاحتفالات التي سيطرت على مصر وكأنها تأهلت بالفعل، علما بأنني شاركت بنفسي في هذه الاحتفالات!!

ما أعنيه أنني مشجع كروي بحق، ليس من أمام التلفاز بل من المدرجات، وشاهدت لمنتخب بلادي مباريات تاريخية رغم صغر سني وقتها، كفوزنا على الجزائر تحديدا 5-2 في مارس 2001 بالقاهرة، وبالتالي فإنني لست بمعزل عما يشعره الجميع من مرارة الخروج من التصفيات والحاجة للانتظار أربع سنوات لمحاولة تحقيق الحلم.


شاء القدر أن تسند إليّ مهمة كتابة مقال عن المباراة الفاصلة لصحيفة "البريوديكو" الإسبانية العامة بحيث يتناول الأجواء في مصر، على أن يقوم صحفي جزائري بالمقابل بكتابة مقال آخر، وهو ما قد كان بالفعل وتم نشر المقالين يوم المباراة.

مقالي كان عنوانه "أفيقوا نحن أشقاء" وهو اقتباس من أغنية أحمد مكي "فوقوا" والتي أشرت إليها في معرض ذكري للمبادرات المصرية الداعية لتهدئة التوتر والتي لم تلق صدى مع إصابة حافلة الفريق الجزائري بالحجارة لدى وصوله إلى القاهرة.


وربما قيمة المقال كلها -إن كانت له قيمة- تكمن في الفقرة الأخيرة التي أسوق ترجمتها بالعربية عسى أن تساهم في إيضاح ما سأقوله بعد ذلك..

"إذا فازت مصر في الخرطوم فسينعم الشعب كله بالسعادة على الأقل حتى يونيو حين يبدأ المونديال، ولكن إذا حدث العكس فسيبدو كل شيء أكثر سوادا أمام المشاكل المعتادة كالمرور والبطالة والإسكان".


بالطبع من الوارد أن يتم اتهامي بالإساءة إلى سمعة مصر في الخارج باعتبار أن من قرأ المقال في إسبانيا لا يدري أن دول العالم الثالث تواجه أي نوع من هذه المشاكل، ولكن ما أردت قوله هو أن المستفيد الأول في حال ما تأهل المنتخب إلى كأس العالم هو النظام الحاكم في مصر الذي كان سيضيف إنجازا كرويا جديدا.


فالناظم المستمر في الحكم منذ 28 عاما شهد وصولنا لكأس العالم بعد غياب أكثر من نصف قرن، بجانب الفوز بأربعة كؤوس لأمم أفريقيا قام الرئيس بنفسه بتسليم اثنين منهما في 86 و2006 بفاصل عقدين من الزمان!


أما الآن والحديث عن التوريث وأزمات تلوث مياه الشرب وقضايا أكياس الدم والمجاري والمحاكم العسكرية والتعذيب في أقسام الشرطة وإمكانية ترشح البرادعي وخلية حزب الله، فكان أفضل شيء يلهي البشر عن كل ذاك هو إنجاز طال انتظاره بالتأهل لكأس العالم.

ولنغرق جميعا بهذا الإنجاز في حسابات القرعة وهل من الأفضل أن يلعب أبو تريكة كمهاجم متأخر أم كصانع ألعاب، وهل كان من حسن حظنا الوقوع مع الأرجنتين أم إيطاليا التي كنا سنعتبر هزيمتها مرة أخرى أمرا واقعا لا محال.

هذا هو ما أراده النظام، وليس للتوريث بالضرورة، بل ربما لمجرد إراحة الدماغ، وبالتالي ذهبت إلى السودان قوافل الفنانين والفنانات، ولا أدري ماذا كانت تفعل ميسرة في المدرجات؟! بينما ذهب الجزائريون رجالا من مشجعي كرة القدم الأكثر عاطفة في العالم ليؤازروا منتخبهم.

وذهب الخُضر في غياب جمهورنا الحقيقي الذي تكرر حرمانه من الذهاب إلى الملعب كما حُرم في أمم أفريقيا 2006 بسبب السوق السوداء وذهبت بدلا منه فتيات لا تعرف أن الأوفسايد هو نفسه التسلل بل وتجهل معنى أي منهما!

فقد كان النظام الحاكم يريد احتكار الإنجاز تماما، فأرسل فنانيه ورموزه للوقوف وراء الفريق الذي يبدو وكأنه قد تعرض للشؤم في المبارتين بسبب هؤلاء، وهو ما تمثل في غياب كامل لخط الوسط إذا أردنا الحديث من الناحية الفنية التي لا يريد أحد الاقتراب منها ولا أدري لماذا.

ولكن فوجئ الجميع بما هو يفترض أن يكون متوقعا! فالجمهور الجزائري الذي ذهب للتشجيع سعى لضرب المصريين انتقاما لمن أكدت وسائل الإعلام الجزائرية وفاتهم في مصر بينما لم يتم نشر التكذيب.

وفي كل الأحوال كان "المناصرون" كما يسمون هناك لا يريدون قتلا بقدر ما يريدون تخويفا وإحداث إصابات كما يفعل جمهور الإسماعيلي في أنصار الأهلي بالإسماعيلية تماما.. وبالتالي جاءت نتيجة في صورة 25 مصابا على أقصى تقدير ولا وجود لقتلى.

هي حادثة متكررة من الجمهور الجزائري المعروف بعاطفته الحارة لكرة القدم، وهي نفس العاطفة التي أدت إلى سقوط 14 قتيلا في احتفالات التأهل بالجزائر!! وهي الرد بصورة أو بأخرى على استفزازات أطلقها أمثال عمرو أديب لمصالحة الجهاز الفني لمنتخب مصر بعد اتهام اللاعبين بالزنا والدعارة خلال كأس القارات.


هي إعادة لما جرى خلال مباراة عنابة 2001 التي أفسدتها الجزائر على مصر رغم عدم حاجتها للفوز أو حتى التعادل كي تحرم الفراعنة من المونديال، وهي المباراة التي أحرقوا فيها العلم المصري وتعرضت بعدها حافلة اللاعبين للحجارة وأصيب المذيع هشام رشاد، وهرعنا نطالب بإعادتها، ولكن دون ربع الضجة المثارة حاليا نظرا لعدم وجود فنانين وقتها.


هو رد على كل ما جاء عبر فضائيات مصرية- لا تملك الجزائر ربعها- من صراخ وعويل واستنفار وتسفيه لتاريخ بلد الثوار وإمعان في نزع انتماء الجزائر إلى الإسلام أو العروبة وتفضّل حقير في الوقت ذاته بمساعدة النظام الناصري لثورة التحرير.

وهو أيضا سعي من رئيس الجزائر لكسب قاعدة شعبية لأخيه الذي شاهد المباراة من المدرجات، ويريد أن يكون له بمنزلة راؤول لفيدل، لولا أنهما ليسا في كوبا.


أما نعرف طبيعة المواجهات مع الجزائر؟ لماذا المفاجأة؟؟؟ فالبداهة تقول ضرورة إرسال مشجعين حقيقيين في مباراة كهذه، حينها كانوا سيضرِبون ويضرَبون ويمر الأمر سليما.

وحساسية الموقف بين مصر والجزائر في كرة القدم معروفة للجميع، فبالصدفة كنت في فرنسا قبل لقاء القاهرة بيومين اثنين، وحذرت زوجتي من الحديث في كرة القدم مع الجزائريين المتواجدين هناك، وعلى الرغم من ذلك قابلنا أحدهم وتركنا لديه انطباعا طيبا كما ترك هو الآخر لدينا.


والآن أتساءل لماذا نتعرض للتصريحات المضحكة كيهودية محمد روراوة ولماذا نشاهد التفافا شعبيا غير مسبوق حول الرئيس وعائلته للدرجة التي دفعت المطرب محمد فؤاد للتصريح لقناة الحياة بالقول "أنا بحمد ربنا إني عايش في عصر الرئيس ده وولاده".. "ولاده"؟؟؟؟؟؟


لا أقول أن الجزائريين الذين خدعوا بأخبار الإعلام المحلي الكاذبة معذورون، ولكن في الوقت نفسه النظام المصري هو من يتحمل المسئولية كاملة وقد بدا أمام عيني في حالة "سفور" فاضحة لاستغلاله الحدث في إلهاء و إثارة الشعب الذي انضم 83 ألفا منه حتى هذه اللحظة إلى جروب "أكره الجزائر" عبر الفيس بوك.


ما يفعله النظام المصري حاليا يتجاهل وجود مصريين في الجزائر ويتجاهل ضرورة عدم الإساءة للسودان في موقف كهذا ويتجاهل مرة أخرى أنه لم يفعل عشر ما يفعله الآن أمام التجاوزات التي تقع بانتظام ضد مصريين في دول خليجية تظن أنها استعبدت أبناءنا.

في النهاية، أكرر ما قاله كاتب عربي، ليس جزائريا كأغلب العاملين في الفضائيات العربية كما يبدو، حين جاء في صدر مقاله "خسرت مصر.. وخسرت الجزائر"، ولكن لا أريد إكمال العبارة بـ"فازت إسرائيل".




الأحد، نوفمبر 15، 2009

كنت معهم



هي مرة نادرة أخرى أتحدث فيها عن كرة القدم.. وعلى عكس  الندبة الأشهر في فيلم "الطريق إلى إيلات" التي كانت تقول "يا ريتني كنت معاهم" أقول أنا "كنت معاهم".


آسف لما قد يسببه هذا التشبيه للبعض من امتعاض، ولكن هو تشبيه وليس واقعا مطابقا على أي حال، فأنا أعي أن حديثي عن مباراة كرة قدم حضرتها في الملعب لأشاهد فريق بلادي يهزم الجزائر بثنائية دون رد في تصفيات كأس العالم.


صحيح هناك فساد معتاد في بيع التذاكر، وتذكرتي اشتراها لي صديق بمائة جنيه، وصحيح عانيت ككل مرة من طابور الدخول والمعاملة غير الآدمية من الأمن المركزي، وصحيح أيضا عانيت الأمرين على مدار شهر كامل كي أستخرج وثيقة حكومية تثبت سريان حالتي العائلية كي أحصل على إذن سفر إلى الخارج من وزارة الدفاع.. كل هذا صحيح.. ولكن قمة مشاعر الوطنية والانتماء صارت لا تتفجر في هذا العصر إلا حين نساند فريقنا الوطني.


فهذا الفريق وحده نشر حالة من البهجة بيننا جميعا، بشقينا وسعيدنا، بين الغني والفقير، بين المسلمين والمسيحيين، بين من يفقهون في كرة القدم ومن لا يعرفون أن التسلل هو نفسه الأوفسايد دون أن يعرفا معنى أي منهما، وقد نشر المنتخب هذه الحالة في ثلاث مناسبات من قبل.. لدى الفوز بكأس الأمم 2006 ثم عند حفاظه على اللقب في 2008 وعند النصر التاريخي على إيطاليا بطلة العالم في كأس القارات 2009.


والآن يبدو سيناريو السعد الرابع وشيكا، فقط شريطة أن نفوز في السودان، وهذا حديث آخر ليس موضعه الآن، فأنا هنا لأروي يوم 14 نوفمبر.


كنت قد عدت إلى مصر مساء الخميس 12 نوفمبر، ووصلت إلى المنزل في منتصف الليل تقريبا ليبدأ اتصالي بالعالم الخارجي بعد انقطاع لمدة أسبوع عن استخدام الإنترنت بسبب ارتفاع سعره هناك، حيث كان اعتمادي كله على قنوات تلفزيون أوروبية لا تبث أي شيء له علاقة بالمباراة أو حتى بمصر.


سهرت حتى الفجر وجلست مع الأهل على نوبتين إلى أن جاء موعد عملي في منتصف الليل من جديد.. كانت وردية السهرة... أنهيت العمل بعد مقاومة صامدة للنوم في الثامنة صباحا.. ثم هرعت إلى السيارة وأعدتها إلى المنزل الذي وصلته في التاسعة لأنام ساعتين بالضبط وأستيقظ في الحادية عشرة لأرتدي قميص المنتخب وأحمل علما معي منذ 2006 وأصطحب البيريه كي أبدو وأنا مرتديه غير بعيد الشبه بجيفارا بعد طول شعري (ليس إغراء لبنات حواء).



بعد صلاة الظهر مباشرة انطلقت دون السيارة إلى الجيزة -مسقط رأسي- حيث قابلت محمد نصر في محطة المترو وانطلقنا إلى الملعب الذي دخلناه في الساعة الرابعة.


كنا قبل الدخول قد قمنا بدورة كاملة حول الملعب من الخارج أي على محيط يساوي أضعاف محيطه الحقيقي حتى نصل إلى مدخل مدرجات الدرجة الثالثة يمين المخصصة عادة لجماهير الزمالك، وهي التي لم أجلس فيها من قبل طيلة حياتي.


وأثناء الطابور الأول بجوار أحد الأسوار المحيطة بالمدخل.. لاحظت بنطالا حينز تركه صاحبه أو جرى إجباره على تركه لأسباب مجهولة، ورأيت أنه يستحق صورة كوميدية للذكرى.








وما إن بدأت أهازيج التشجيع، حتى دخل المذيع الداخلي للملعب والذي لم نسمع أبدا صوتا خلاف صوته على مدار عقود، كي يبدأ في توجيه الجماهير بسترة حمراء جعلتني أشك في كونه سمير صبري شخصيا، لولا أنه دعا إلى قراءة الفاتحة جهارا والدعاء للمنتخب في نفس واحد.


ودون مفاجآت، طلب المذيع التحية لرئيس الجمهورية باعتباره راعي مسيرة التقدم وما إلى ذلك، وبالفعل هللت الغالبية العظمى من الجماهير، قبل أن ينعكس رد الفعل لدى مطالبته بتحية مماثلة لـ"السيد جمال مبارك" ليبدو هتاف "ييييييييييييييي" واضحا لكل ذي سمع.


وجاء موعد الإحماء ليندفع اللاعبون إلى أرض الملعب وسط تهليل خرافي، يتقدمهم القائد أحمد حسن بعد أن سبقه عصام الحضري ليشير كلاهما للجماهير تحفيزا وطلبا للدعم الذي كان فوق الوصف خاصة إذا امتدت الصورة لتنقل صافرات الاستهجان التي غطت دخول لاعبي الجزائر إلى الملعب.


وبدأت المباراة.. وهدف في الدقيقة الثانية ذهب معه صوتي قبل أن يذهب نبضي لثوان في الشوط الثاني مع صدة الحضري الإعجازية لانفراد صايفي!

واحتبست الأنفاس حتى الدقائق الأخيرة حين بدأت أصرخ فيمن في المدرج "مابتشجعوش ليه؟ مفيش رجالة؟ ابقوا اقعدوا في بيوتكم اتفرجوا على التلفزيون".


وبعد أن فقدت الأمل أنا نفسي بسبب اللعب السلبي للفريق والقصور الخططي، أكد لي محمد نصر أننا سنحرز هدفا قائلا "بقولك إيه ماتعمليش المتشاءمين بيشجعوا مصر"، ثم بدأ الجميع يهتف "كاس العالم.. كاس العالم" وبعض منا يدمع. 


وجاء الهدف الثاني.. لأنظر إلى إسلام نصر وكلانا في ذهول لمدة ثانيتين ثم ننفجر عناقا وبكاءً في الوقت ذاته..


ومع نهاية المباراة عادت الأغاني الوطنية في حالة إنشاد جماعي خاصة أغنية شادية "يا حبيبتي يا مصر"، بعد أن كنت قبلها أتخيل حسرتنا واحتفال الجزائريين على أرض الملعب بالتأهل بدلا منا بفارق هدف وهو أكثر سيناريو كنت أخشاه، ولتشاهد الفيديو على الرابط التالي 
http://www.facebook.com/video/video.php?v=214929464224
.


أكثر ما يسعدني حاليا بشكل سادي هو أولئك الذين ينظرون لكرة القدم على أنها مجرد "تفاهة" أو أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه، وهذا انعدام فهم لطبيعة هذه الرياضة التي تتخطى حواجز المستطيل الأخضر ولا يكون لها طعم إلا بأجواء الحشد والشحن هذه.. فلا معنى لكرة القدم دون تصريحات كالتي يطلقها مانويل جوزيه أو مورينيو أو مارادونا.. كل شيء يبدو مسليا ولكن إذا بقي في حيز الكلمات فقط.. طالما لم يتطور إلى أي اشتباك مباشر، وأعتقد أن كلامي واضح.


مما أسعدني أيضا خلو الملعب من الفتيات التافهات اللاتي أصبحن علامة مميزة للمدرجات منذ نهائيات 2006 ليأخذن بالمال مكان الجمهور الحقيقي الذي يقف مع المنتخب منذ سنوات.







الجمعة، نوفمبر 13، 2009

قريبا




1- بين القيد العائلي والشنجن.
2- تخليص الإبريز في تلخيص باريز 2009.


وقد أكتب بشكل عارض عن مباراة الجزائر إن كان لي عمر أو دعت الحاجة.