الثلاثاء، يناير 10، 2017

أسطورة الأكسنت

نُشرت بموقع "قل" في وقت سابق.

هل سمعت فرنسيا يتحدث بالإنجليزية ذات مرة؟ هل تابعت بريطانيًا أو أمريكيًا يحاول التحدث بأية لغة أخرى غير لغته الأم؟ إن كانت الإجابة نعم فأنت غالبا ستتفق مع ما تحمله السطور القادمة.
ليس هناك شك في أن إتقان الحديث بالإنجليزية كلغة أجنبية يتضمن طريقة نطق الحروف والكلمات، خصوصا وأن هذه اللغة تشمل تراكيب لا يخضع نطقها لقاعدة معروفة مثل تركيبة gh وبالتالي فإن الخطأ يكون واضحا لأنه لا يقارب الصواب، وهنا يبدو الحديث عن أهمية النطق مفهوما للغاية.
أما غير المفهوم فهو الولع بتقديم لكنة معينة –أي accent- واعتبارها هي والنطق شيئا واحدا، وهذا خطأ كبير ربما يكون في أغلب الحالات نتاجا للتسليم المطلق بأي شيء يصدر من الرجل الأبيض خصوصا في لكنته المحلية.
ولكن من يقع في هذا الخطأ يفوته دائما أن اللكنات الإنجليزية لا حصر لها، فدعك من اللكنات داخل بريطانيا ذاتها بل داخل إنجلترا بين لندن والشمال مثلا، فلديك لكنة أمريكية وأخرى أسترالية، وثالثة هندية، ورابعة في بعض البلاد الأفريقية التي تتحدث الإنجليزية وهي تختلف من غرب القارة إلى جنوبها مثلا، وهكذا.
أضف إلى كل تلك اللكنات المختلفة أخطاء في النطق نتيجة التطبع بلغات أخرى، فالفرنسي مثلا حين يحاول تحدث الإنجليزية فإنه لا يفلت من سيطرة فرنسيته.. فيكاد يعجز عن نطق تركيبة th  فتكون t فقط اغلب الوقت، والإسباني يقول في الأعم الأغلب “آي خاف” بدلا من I have لأن لغته لا تشمل صوت h.
يتم هذا دون مشكلات ويتفهم متحدثو الإنجليزية كلغة أم هذا القصور لدى الفرنسي أو الإسباني، ويتم إدراج هذا الخطأ تحت عبارة “إنجليزية بلكنة فرنسية” دون أن تكون هناك جريمة، بينما يأتي صاحب توكيل ماكميلان في مصر ليصلب على جذوع النخل من تأثر بلسانه العربي وخلط في النطق بين حرفي p وb مثلا، وحينها ينتشر على الفيسبوك تعليق ساخر ذي أبعاد طبقية حول أبناء المدارس الحكومية ممن لم يكن لهم اتصال ثقافي كبير بالبلاد الناطقة بالإنجليزية ما تسبب في تلك الأخطاء.
سدنة اللكنة الأمريكية أو البريطانية في مصر يمارسون نوعا من الإرهاب الفكري اسمه “الأكسنت”، وهو بدلا من أن يعين الآخرين على تحسين النطق فإنه يجعلهم في خوف دائم من الوقوع في الخطأ الذي –نعيد ونكرر- ليس خطئا بل يمكن اعتباره لكنة مصرية أو لكنة عربية للإنجليزية.
البعض يدفع به الخوف من هذا الحرج إلى مقاطعة الإنجليزية تحديدا بشكل تام ويبدأ في البحث عن لغة أخرى بعيدة عن ذوي الأنوف الطويلة، وحينها بالطبع يبتعد عن دراسة الفرنسية المليئة بفخاخ النطق الخاطئ وكذلك الأوصياء الذين يستعلون بإجادتهم لها وكأنهم نخبة وسط المجتمع.
لهذا السبب قد تجد كثيرا ممن يتعلمون الإسبانية والإيطالية وربما الألمانية قد نسوا جُل ما حصلوه في المدارس من الإنجليزية، وبدا تقبلهم للغة الأجنبية الجديدة ذا وتيرة أسرع بكثير، فهم من ناحية لديهم حافز التميز بلغة نادرة في بلادنا، ومن ناحية أخرى يشعرون بانطلاق كبير بعيدا عن تحذلق من يمكن تسميتهما مزاحا بالمستر سمير جونسون والليدي سميرة تومسون.
سدنة الإنجليزية المخلصون في بلادنا يتجاهلون دوما أن ليس كل من ينطق باللغة ينبغي أن يكون مترجما بالأمم المتحدة أو حتى متحدثا عاما، ويجهلون حقيقة أن اللغة وسيلة للاتصال وليست لاقتباس نمط اجتماعي كما هو سواء كان من بريطانيا أو الولايات المتحدة ليكون بعد ذلك وسيلة لاستعراض الوجاهة الاجتماعية الزائفة للمنهزمين فكريا.. ثم هم في النهاية يقطعون الطريق أمام المتعلمين، تماما كالواعظ الذي يفترض أن يدعو الناس إلى دين، فإذا هم منه ينفرون.

ليست هناك تعليقات: