السبت، فبراير 03، 2007

عسكريات




عسكرية أولى: مبارز "قديمة"







كنت أقف في الساحة شامخا، أحارب في كل الجبهات، أبارز العائلات والذات، سيفي الحاد لامع بدرجة تثير الدهشة، لا يتكسر أو تصيبه الخدوش، يضرب ويضرب بلا هوادة، عباءتي تلتف مع قفزاتي المبهرة صافعة الهواء بصوت كالرعد، خفة جسدي تنتزع الآهات من أفواه المشاهدين، عزيمتي تدهش الحضور، لم أكن أبالي بأي ظرف معاكس، كان إيماني بأنني سأنتصر مهما كانت الظروف، أحلم بابتسامة على شفاة الحبيبة أستقبلها بزهرة ألقيها إلى كرسيها بين المتفرجين، كنت آمل منها تشجيعا، ولكن لم يهم، مضيت في مبارزاتي...

كانت أقوى ضربة تلقيتها، نافذة إلى نياط قلبي، مريرة المذاق، إنه الخذلان! تركَت مقعدها ورحلَت! ترنحتُ قليلا لأسقط في موضعي، شهقة قوية ارتفعت من الحناجر دوّت في أذني، تذكرت الأعين ترقبني، كدت أسمع الضحكات بوضوح، لم خذلتيني؟! أغمضت عينيّ وضغطت أسناني، ابتلعت الألم وأجلّت الصراخ، رفضت أن يصرعني أحدهم كثور، لم أشأ منح السكون فرصة، غرست نصل سيفي في الأرض وقمت أتوكأ عليه، شهقة أخرى عنوانها الدهشة وأنا أنهض من جديد، تأهب لي الجميع، توقعوا استئنافي المبارزة إلا أنني أعطيت ظهري للساحة وسرت نحو المخرج... لا قتال أكثر!

احتجت وقتا كي أسترد صوابي قليلا، سرت في شوارع المدينة ليلا، لا تنكرني الوجوه، بسيفي أنحت من المرارة كلماتي على الحوائط والجدران، صراخا صامتا كان، أخرجت آلامي نصوصا مكتوبة، كلمات مجهّلة! عادت هي من جديد! تواجهني باتهامات الإساءة والإهانة، وآه من جدلية الإهانة! لم تقرئين كلماتي؟! اقترحت إشهار سيفي لأنزع به النقاب عن حقيقتي فتتوقف المهازل، كفى خذلان الأمس! واجهتني باستهزاء أكبر فكانت أول من طال النصل! أسوأ قرار هو العبث مع من لا يملك شيئا ليخسره، وهكذت كنت مفلسا! عاد البتّار إلى غمد الجراب وقد أنداه دمعي، كان قراري اعتزال القتال...

نظرات تأملية فيما مضى، يسهل عليّ التسامح معها، تتعذر عليّ الثقة فيها، ومع كل لحظة تمر تقل ثقتي حتى تكاد تنعدم، بل انعدمت بالفعل، أمر بالساحة ومواضع القتال، مامن بقعة لم يسمع فيها صليل مبارزتي، أعود إلى مأمني من جديد، أستقبل مرآتي، أنظر عينيّ، أبتسم كما اعتدت، تذكرته مرة أخرى! مسحت الغبار وامتشقته لأحتضنه! سيضيء الساحة من جديد، كل الساحات على موعد مع البعث.













عسكرية ثانية: انسحاب "حديثة"







حين توشك المعارك على نهايتها، وتقترب الحرب من وضع أوزارها، ويدرك أحد المتخاصمين أن لا فائدة من استمرار القتال، يشرع حينها ذلك الطرف في إلقاء السلاح وترك الساحة، حتى تلك النزعة التي قد تدفعه للبقاء جالسا فوق صخرة كإشارة استفزازية للخصم مفادها التحدي لم تعد لديه، هو يرتحل ويبدأ انسحابا أحادي الجانب!

إنهاء المعركة من جانب واحد يعني انتهاء كافة الإشارات أياً كانت، بما فيها تلك التي قد يفهمها البعض على إنها استفزازية، تنتهي حتى العروض العسكرية، وتتفكك الوحدات الخاصة، ويأخذ المشاة راحة سلبية، وتلغى حالة الطوارئ، وتُرفع الخيام من المعسكر، ويصبح الوضع المرئي أمام عينيّ الآخر هو اللاشيء!

إنهاء المعركة من جانب واحد له دلالات خطيرة سردها محللون، أولها أن الطرف الذي قرر الإنهاء كان متقدما من الناحية الميدانية، فقرار إيقاف القتال لا يصدر إلا من صاحب اليد العليا، فإجراء كهذا لو صدر من المتراجع لكان بمثابة انتحار رسمي حيث ستتقهقر فلوله للخلف هربا من ضربات الخصم المتلاحقة التي قد تقضي عليه نهائيا...

إنهاء المعركة من جانب واحد يعطي الطرف المندهش حالة من التأهب الدائم، فهو لا يعلم ماذا ينوي المنسحب أن يفعل! غارات ليلية؟! ضربة موجعة مفاجئة لها مفعول رصاصة الرحمة؟! أم أنه يرمي إلى سحب الآخر إلى قلعته حيث لا يعرف الهزيمة أبدا؟! يقولون أن لدى قلعته ساحة كبيرة تنفذ بها أحكام الإعدام الجماعي بحق أعدائه!

ولكن تبقى النتيجة واحدة، هي انسحاب من الطرف الأقوى، لا ليأس بل لافتقاد هدف! فماذا إن حقق ما قد يسمى انتصارا؟! ليس انتصارا بأي حال، فما يريده لن يتحقق إلا بخضوع الطرف الآخر له، وطالما بقي الخضوع تحت طائلة السلاح أو إنزال الخسائر فلا فائدة منه البتة، لأنه خضوع وقتي تحت تأثير عوامل خارجية، خضوع مادي أكثر منه فكري أو وروحي... فلو آمن ذلك الآخر بفكره، وأحب مبادئه واعتنقها لتحقق حينئد النصر المبين، أما دوي المدافع وأزيز البارجات أو حتى صهيل الخيول فلن يجدي نفعا...

هل هذا معناه أنه غيّر منهج المعركة؟! لا، إنه ألغى فكرة العراك والكر والفر بالكلية، فلا حاجة حتى للإقدام على محاولة غزو فكري وإن كان باستخدام التدرج المطعّم بمنطق ساحق لا يقف أمامه كبرياء الذات، فلو أراد الآخر الخضوع ووجد في نفسه هوى وحنينا وشوقا، فسيأتي حينها مريدا راغبا غير مضطر ولا مكره...

هناك 8 تعليقات:

عمر يقول...

مساء الفل

ايه يا عم الحج دة؟ انت جامد جدا وحياة أبويا.. حقيقي انت كاتب موهوب جدا

خد بالك انا مش من بتوع كله هايل وحلو وأحسنت وكلام المجاملات يعني فعلا انا شايف انك كاتب موهوب ومن المدونين القلائل اللي شفتهم بيجدوا التعبير عن أفكارهم بطريقة مبتكرة ولغة جيدة

استمر يا باشا

غير معرف يقول...

شديدة واعتقد انى فهمت الهدف منها التعبير الغير مباشر تحفة بجد

Amr يقول...

ربنا يخليك يا عمر باشا والكلام ده أكيد كتير عليا بردو

عم الدبلوماسي، بس هما العسكريتين مفيش من وراهم حاجة مقصودة اوي مجرد سرد لأي خواطر ولكن باستخدام مفردات عسكرية بسن ربنا يخليك يا باشا

Amr يقول...

شكرا يا مها على التعليق

Dina Samaha يقول...

للاسف ان من تبارزه لا تستطيع ان تطعنه بنفس السيف الذى طعنك به بل تتسامح وتترك نفسك له لكى يشبع رغبته فى الانتقام منك بل كأنك لم تكن شخصا ودودا له فى يوم ما, يستخدم كل اساليبه الانتقاميةوالاستفزازية فى كثير من الاحيان فى معركته معك كى ينال منك كما لو كنت الفعل عدو له
..!!!!

عجبانى اوى الفكرة..ماشاء الله عليك
قولت كل اللى فى نفسى)..ز)


اسلوب رائع فى السرد والوصف
اسخدام الكلمات والمفردات العسكرية وصياغتها بشكل مميز فى طرح الفكرة..ده مش جديد عليك

Amr يقول...

منورة يا دينا، مرورك أسعدني

Hamed Ibrahim يقول...

كنت قريت جزء منها
مؤخرا بقت بتستهويني الحاجات الصادقة
وبقيت بلمس صدقها

Amr يقول...

مرورك أسعدني يا حامد... بقيت أديب واقعي يعني هههههههههه