الأحد، أبريل 24، 2011

البحرين




تأخرت كثيرا في كتابة هذه السطور لعدة أسباب أولها أن رأيي قد يبدو لبعض من معارفي مجروحا كون قطاع منهم قد عاملني لفترة وكأنني "شيعي مستتر" نظرا لميلي لفكرة التقارب بين أكبر فرقتين في الأمة الإسلامية في وقت ساد فيه خطاب التفرقة وانتعشت فيه ثقافة شعب الله المختار وأتمنى ألا يُفهم ذلك على أنه مدح في شخصي المتواضع.

وأخيرا بدأت كتابات لآخرين تتحدث في نفس المسار الذي أخالني فيه فقررت أن أنضم عساني أضيف شيئا أو أثقب ثغرة أخرى في جدار تكون من لبنات العنصرية والطائفية والانخداع واتباع الأهواء.

نعم أقول "اتباع الأهواء" وأعلم جيدا أنه نفس المصطلح الذي اعتاد أنصار التباعد بين الفرقتين الكبيرتين استخدامه لرمي كل من يسعى إلى التقارب دون أن يفطنوا إلى أن اتباع الهوى قد ينطبق أيضا على تفضيل الانعزال وإخراج كل ما هو آخر من الدائرة التي يفترض أنها تتسع لنا جميعا لا بحكم العقل فقط.. بل بحكم النصوص أيضا التي لنا منها حظ مثلهم تماما وربما أكثر.

لم أشأ حقا أن أطيل في المقدمة ولكن ربما دفعني "هواي" إلى ذلك فأسأل العفو وأنتقل مباشرة إلى الموضوع وهو البحرين تلك الدولة الصغيرة المؤلفة من مجموعة جزر بالخليج المعروف في خرائط العالم كلها بالفارسي ولكن يشار إليه في خرائطنا نحن فقط بالعربي ولا أميل إلى أي الرأيين.

شهدت البحرين بدءا من 14 فبراير الماضي مسيرات شعبية للمطالبة بإصلاحات في المملكة -التي تتشكل غالبية سكانها من الشيعة في حين أن الأسرة الحاكمة من الأقلية السنية- ورفع المتظاهرون مطالب تشمل إجراء إصلاحات اقتصادية وسياسية تؤدي في النهاية إلى التحول إلى الملكية الدستورية.

وتتشابه حالة البحرين هنا مع الحراك الذي شهده كل من الأردن والمغرب، فلم ترفع غالبية المتظاهرين الشعار الشهير "الشعب يريد إسقاط النظام" بل استبدلت به عبارة أخرى وهي "الشعب يريد إصلاح النظام" واتفقت الجماهير في البلدان الثلاثة على أن الملكية الدستورية تبدو حلا لا بأس به.

في الأسبوع الأول انجذبت عدسات الفضائيات إلى دوار اللؤلؤة في المنامة والذي كان يريد البحرينيون تحويله إلى نموذج مصغر من ميدان التحرير الذي استأثر بالضوء طيلة الأسابيع السابقة عن طريق الاعتصام فيه وتحويله إلى مسرح للتظاهر السلمي حتى تلبية المطالب.

بالطبع لم تكن أية حكومة عربية تطيق صبرا على وضع كهذا فجاءت محاولة فض الدوار بالقوة وتدخل الجيش وأطلق نيرانه صوب المتظاهرين وهم يرددون "سلمية.. سلمية" في مقطع شهير على الإنترنت، ثم استعانت الحكومة بقوات سعودية لمساعدتها في "ضبط الأمن".

هنا أقف مليا وأحاول أن ألقي الضوء على بضع نقاط قد تلخص ما أريد قوله. أما النقطة الأولى فهي أن المظاهرات في البحرين لم يتألف المشاركون فيها من الشيعة فقط بل كانت من بينهم شخصيات سنية بارزة، كما أنه حتى لو افترضنا جدلا أن كل المشاركين من الشيعة فما هي المشكلة إن كانوا يتعرضون لمظالم بالفعل ووجدوا في الحراك العربي فرصة لإنهائها؟

النقطة الثانية هي أن الشيعة بالفعل أوضاعهم المادية تقل عن السنة في البحرين رغم كونهم الأكثرية ورغم أن هذه الدولة وإن كانت الأقل ثراء بين بلدان الضفة العربية من الخليج فإنها تنفق الملايين سنويا لاستضافة سباق لسيارات الفورمولا1 على سبيل المثال في حين أن قطاعا من أبنائها يقطن ما يشبه "العشش" الخشبية وهو ما رأيناه عبر الإنترنت أيضا.

ثالث النقاط هي أسطورة "طائفية الثورة" وهي عبارة إن جازت فإنها ستعني مثلا أنه لم يكن من حق الزنوج الأمريكيين المطالبة بحقوقهم في المساواة لمجرد أن حركتهم لا تضم أيًا من الأعيان البيض، وكذلك ستعني أن سنة إيران لا يحق لهم المطالبة برفع التضييقات الممارسة عليهم نظرا لأنهم مجرد طائفة لا يتعاطف معها آخرون بنفس الدولة.

حزنت بالغ الحزن أن خرج وصف "ثورة طائفية" من لسان الشيخ القرضاوي الذي كانت له إسهامات في مجال التقارب والمتأثر بفكر الإخوان المسلمين الذين دعا إمامهم المؤسس حسن البنا في أكثر من مناسبة إلى لم الشمل الإسلامي، وكذلك لأنه أزهري أي ينتمي للمؤسسة التي أصدر شيخها محمود الشلتوت في القرن الماضي فتوى معتمدة بإجازة المذهب الشيعي الجعفري.

أما النقطة الرابعة فهي أن ثمة ممارسات تثير الريبة أجرتها الحكومة البحرينية مثل التساهل في إجراءات تجنيس العمالة الوافدة وبالأخص من باكستان رغم أزمة البطالة المحلية، وهو أمر لا أستحي من تفسيره بأن ثمة رغبة في تعديل التركيبة السكانية للبلاد فتصبح الكفتان متقاربتين، وهو أمر طبقه على أية دولة أخرى بها أقلية وأكثرية سواء عرقيا أو دينيا أو مذهبيا وستجد الأمر مثيرا.

النقطة الخامسة تتلخص في أن الثوار، رغم ذلك، لم يرفعوا شعارات طائفية بل كان هتافهم الأشهر باللهجة المحلية "سنة وشيعة.. البحرين ما نبيعَه"، كما أنهم لم يرفعوا الأعلام الإيرانية أو صور المراجع الشيعة مثلما تم الترويج على بعض المنتديات أو عبر بعض مقاطع الفيديو الممنتجة التي أنصح كل من يتعامل معها أن يحكم أولا على موضوعية العنوان واسم من قام بتحميل هذا المقطع على الشبكة.

النقطة السادسة هي التي قد يطول الحديث عنها وهي تلك المتعلقة بدولة إيران، فإن الموضة العربية منذ قيام نظام ولاية الفقيه هي اللعب على وترين أساسيين هما الفرس ضد العرب، والسنة ضد الشيعة، وكثيرا ما يتم خلط الأمرين ببعضهما.

فقط أدعو إلى الرجوع بالخلف بضعة عقود وتحديدا أيام حكم الشاه في إيران حيث كانت العلاقات بين طهران والضفة العربية من الخليج لا تشوبها مشكلات كبيرة لأن كليهما كان يستظل بالعلم الأمريكي.

أما وقد خلعت إيران هذه العباءة وتبنت قبلة أخرى غير البيت الأبيض في حين بقي العرب ملتزمين بالولاء الأمريكي.. فقد دب الخلاف وفجأة اكتشفنا أن الشيعة فرقة مارقة مبتدعة ينص مذهبها على ضرورة تكفير الصحابة وسبهم وكذلك القدح في السيدة عائشة والقول بخطأ نزول الوحي ووجود قرآن غير الذي نقرأه إلى آخر تلك الأساطير.

وسمح لهذه الأساطير بالسريان في مجتمعاتنا أولا خلو بعضها من الشيعة تماما، وثانيا اتفاق نادر بين علماء الإقصاء وطواغيت الحكم على تشويه جماعة بعينها لاتفاق المصالح، وثالثا مناخ الجهل الذي يجعل الواحد منا لا يكلف نفسه عناء القراءة في مصادر المخالفين فإن حدث وأراد كتابا عن الفكر اليساري مثلا فإنه يختار "سقوط اليسار" ولا يختار أي كتاب لأحد أرباب ذلك التوجه.

هنا أتساءل لماذا لم يتسع الخلاف هكذا إلا حين تبنت إيران نهجا مغايرا للإرادة الأمريكية؟ لا أعتقد أن قانون الصدفة بهذه الجاهزية، بل الحقيقة إنه الخوف من الثورة والذي طال بلدانا ليس بها شيعة أصلا مثل مصر.. وفي هذا المقام أدعو لمراجعة قصيدة أحمد فؤاد نجم "ده شيعة واحنا سنة".

هل كلامي هذا يعني أن إيران دولة ملائكية لا تبحث عن مصلحتها؟ كلا! قد يكون بكل تأكيد دور لإيران في مؤازرة فريق بعينه في البحرين ولكن الأمر لم يرتق أبدا إلى إرسال قوة من الحرس الثوري مثلا على غرار السعودية.. فكل ما حدث إلى الآن لا يعدو مرحلة التصريحات.

إن النظر إلى إيران في أسوأ الأحوال لا يمكن أن يلهينا عن الخطر الإسرائيلي، فهذا أمر لا يفكر به أدنى الناس عقلا ولكنه للأسف صار واقعا بفضل النظم الديكتاتورية التي تخلصنا منها ولكننا لم ننفض غبارها عن ملابسنا.

في النقطة السابعة أتحدث عن التغطية الإعلامية من واقع معرفتي الشخصية قبل أي شيء آخر. فمن المدهش حقا وكذلك غير الأخلاقي أن تبدأ الفضائيات في تغطية أحداث البحرين في بدايتها ثم تقطع فجأة التغطية فلا تتحدث بالسلب أو الإيجاب وكأن هذه الدولة قد اختفت من الخريطة بين عشية وضحاها.

أفهم أن قناتي "الجزيرة" و"العربية" مملوكتان لكل من قطر والسعودية على الترتيب، وبالتالي فإن موقفهما قد يكون منحازا إلى حكومة البحرين وقد يسمح ذلك بنشر بعض الأخبار التي تظهر مساوئ الثوار وتركز على أخطائهم.. أما التجاهل التام فهو شيء عجيب!

والسؤال هنا.. إذا كان شيعة البحرين حقا يفعلون الأفاعيل ويعطلون الأمن ويمارسون الطائفية أفلا يعتبر ذلك فرصة مثلى للتغطية القطرية والسعودية كي تسلط الضوء عليهم وتفقدهم أي تعاطف شعبي؟ أم أن القناتين وجدتا أن تشغيل العدسة في البحرين سينقل -طوعا أو كرها- ضرب المتظاهرين السلميين وهدم بعض المساجد والحسينيات؟

ثامن النقاط هي أن انحيازك لفئة أو مذهب أو جماعة أو فكر لا ينبغي أن يلغي ضميرك بالكلية، ولهذا السبب أنحاز إلى الشعب السوري تماما بالرغم من أن نظام الأسد يدعم المقاومة في غزة ولبنان.. ولكن المبادئ لا تتجزأ أو هكذا أظن.

النقطة التاسعة هي أنه بغض النظر عن أي انتماء ديني أو مذهبي أو عرقي.. أولى بنا أن ننحاز دوما لآدمية الإنسان وليس هذا من باب النزعة الإنسانية البحتة فحسب بل أيضا تطبيقا لأوامر إلهية مثل الحكم بالعدل واحترام كرامة الإنسان ونشر الرحمة بين العالمين وإيقاظ الضمير وعدم وضع الأصابع في الآذان أو استغشاء الثياب وغير ذلك كثير.

النقطة العاشرة والأخيرة.. لماذا أتحدث بكل هذه الإطالة عن البحرين في حين لم أكتب مثلا عن اليمن أو ليبيا التي تشهد حربا صريحة؟ الإجابة أن هاتين الدولتين أسمع الدعاء لهما في الصلوات الجهرية وأتابع أخبارهما عبر الفضائيات في حين سقط أبناء البحرين من ذهننا وبالطبع من دعائنا.

ليس عندي أكثر وألتمس العذر للإطالة، فقط أترك فرصة الاطلاع على بعض الروابط النصية التي قد تكون مفيدة وأترك مهمة تتبع مقاطع الفيديو لمن يريد فلا بد أن يتكلف أي نوع من العناء بدلا من انتظار طبق فضي.

الاثنين، أبريل 18، 2011

في نقد النخبة


أنظر باستياء بالغ إلى القوم الذين يصرون على احتكار الديمقراطية بشتى السبل فلا يصبح للفظة مرادف إلا ما يريدونه هم حتى ولو كان عكس رأي الأغلبية التي تفننوا في السخرية منها وتسفيه أحلامها في كل مناسبة وغير مناسبة.

أشير بصراحة إلى نفر من المثقفين لا تذهب عيناك إلى قناة تلفزيونية حتى تقع على أحدهم، ولا تفتح صحيفة إلا وتقرأ مقالا لواحد منهم، ربما هم أنفسهم الذين حملوا لواء "لا" في شتى المحافل وتعاملوا باستعلاء واضح مع كل من كان يميل إلى "نعم" فأبت غالبية الجماهير إلا مقابلتهم بصفعة يبدو أن رنينها أطار صوابهم.

حسنا.. حتى لا يساء فهمي أقول إنني بالتأكيد لا أعني بكلامي كل من قال "لا" في الاستفتاء، وكذلك لا أشير إلى النخبة المثقفة إجمالا، بل أعني فئة بعينها ما زالت حتى الآن تصر في كل موعد على مد الفترة الانتقالية ووضع دستور من قبل لجنة معينة –لا تسل من يُعينها- ضاربين عرض الحائط برأي الأغلبية.

ممن يعبرون عن هذا النفر للأسف شخص أعتز به كثيرا ولما منحه من فخر لهذا الوطن، وربما يكون مرشحي الأبرز في الانتخابات المقبلة وهو د.محمد البرادعي الذي أصر في مقابلة مع كبار مسئولي صحيفة الشروق هذا الشهر على ضرورة وضع الدستور الآن وهو ما أصابني بالصدمة.

لا أعرف ماذا يريد البرادعي حقا بوضع الدستور الآن.. هل يريد أن يسلب إرادة الغالبية؟ أم أن يقول لكل فرد منها أنهم حفنة من المنقادين الجهلة الذين لا علم لهم بصالح البلاد فتزيد الهوة بين النخبة والشعب الذي باتت الثورة ملك كل أبنائه ؟

تحدث البرادعي عن أن الاستفتاء لم يكن له معنى على اعتبار أن إعلانا دستوريا صدر في الأيام التالية ثم تحدث عن تضمن هذا الإعلان ما يزيد على خمسين مادة لم يتم الاستفتاء عليها وهذه هي العبارة التي يرددها كثيرون وهي نفسها الفخ الذي سقط فيه البعض مثل د.حسن نافعة الذي أكن له فائق الاحترام.

لا أعرف هل يحق لي وأنا لا أحمل درجة تعليمية تفوق البكالوريوس أن أزعم أن التعديلات التي صوتت الغالبية لصالح إقرارها كانت "في المجمل" هي تلك المواد المتعلقة بمسار التحول الديمقراطي وليست تلك الضابطة لأحوال البلاد أثناء الفترة الانتقالية والتي يعتبر سنها من اختصاص المجلس العسكري الحاكم شكلا وموضوعا.

أقول "في المجمل" لأنني بلا شك أختلف مع بعض التفصيلات مثل حصة العمال والفلاحين في مقاعد البرلمان، ولكن هذا على سبيل الاستثناء وليس القاعدة وبالتالي أبقى راضيا عن اختياري.

لا أعرف أيضا هل يمكن أن يصف بعضنا بـ"النفاق" أولئك الذين يعتبرون المجلس العسكري قد أجرم لعدم استفتائه الشعب على بقية مواد الإعلان الدستوري أم لا. أقول النفاق لأن نفس هؤلاء المستائين هم أنفسهم من كانوا يريدون دستورا تضعه لجنة معينة ويُستفتون عليه مرة واحدة –لا مادة مادة- فهل يقبلون بذلك في استفتاء تحكم مواده العقود المقبلة بينما يأبون نفس الاختيار عند إعلان دستوري لا يمتد مفعوله لأكثر من بضعة أشهر؟

أضف إلى ذلك أن بعضا من هؤلاء كانت حجتهم الأولى للرفض هي الشعار الزائف "لا لترقيع الدستور" و"لا لإعادة دستور 71 إلى الحياة".. وما إن ثبُت عكس ذلك حتى هرعوا يبحثون عن مثار نقد في الإعلان الدستوري فاخترعوا قصة عدم الاستفتاء على بقية المواد.

في الحقيقة، شذ د.عمرو حمزاوي عن هذه القاعدة وأتذكر مقالا له في الشروق عقب نتيجة الاستفتاء شدد خلاله على ضرورة عدم النظر للوراء والتعامل من الآن فصاعدا مع الواقع بناء على نتيجة التصويت وليس بناء على ما يراه البعض مثاليا ويرغبون في فرضه بالوصاية.

لست بحاجة طبعا إلى التذكير بالفكاهة السياسية التي يطلقها من حين لآخر نجيب ساويرس مؤسس حزب المصريين الأحرار والتي كانت آخر حلقاتها حين ظهر في برنامج العاشرة مساءً وزعم أن كل من قالوا نعم في الاستفتاء لا يعرفون في الواقع السبب الحقيقي وراء اختيارهم.

هذه الفقرة الكوميدية سبقتها فقرات أخرى كان أحدها ظهوره في فيديو مسروق من مبادرة أمريكية للحث على التصويت في الانتخابات الماضية دون التوجيه لمرشح بعينه.. ولكن حين تم تعريب هذا الفيديو الذي استقبل تبرعات تبدأ من "500 جنيه فقط" -بتعبير القائم عليه شادي شريف- فإننا فوجئنا بأنه يوجه الجماهير إلى "لا" بالتحديد مستخدما استمالات عاطفية لا تقل فداحة عما لجأ إليه السلفيون ووقع فيه بعض من الإخوان.

إن مشكلة من هم مثل ساويرس –الذي أصر على ضرورة وضع الدستور الآن في الحوار الوطني – أنهم لا يريدون إلا ما يخدم مصالحهم فقط.. ولا عيب في ذاك إن كانت تغلفه الصراحة بدلا من الالتفاف والتعلق بدم الشهداء وإهانة غالبية المصريين واختزال مفهوم "التوعية" في التخويف من الإسلاميين دون تقديم طرح بديل.

لقد قال السلفيون صراحة عقب "غزوة الصناديق" إنهم "مش بتوع ديمقراطية" وهذا أمر يستحقون عليه التحية كونهم اتسموا بالوضوح والشفافية في حين يبقى الفريق الآخر من الأدعياء مصرا على فرض سيناريو معين دون أي اعتبار للإرادة الشعبية.


مرة أخرى أكررها.. إن إصرار هذا القطاع من النخبة على إملاء رؤيته وفرض وصايته على الشعب الذي يبدو في نظرهم وبتعبيرهم "غير مؤهل" يتطابق مع ما سبق وقاله نائب الرئيس السابق عمر سليمان في حوار مع محطة نلفزيونية أمريكية نذكر مضمونه جيدا وأكثر النقاط فيه إثارة للانتقاد.
                                              


الأحد، مارس 27، 2011

ثرثرة بمناسبة الثورات العربية


من المظاهر الطفولية التي كانت تعبر عن ميلي للجغرافيا أو السياسة أو الشئون الدولية منذ دارستي الابتدائية كنت أحيانا أحضر ورقة فلوسكاب من تلك التي كانت تستخدمها أختي في المذاكرة وأقسمها لخانتين رئيسيتين، الأولى لاسم الدولة والأخرى لاسم حاكمها ملكا كان أو رئيسا أو رئيس وزراء.

مرت السنون سراعا وقبل نحو ثلاثة أعوام شد معمر القذافي الرحال إلى أوغندا تحديدا لافتتاح مجمع إسلامي هناك في إطار حملات الدعاية لزعامته الأفريقية، وبقدر ما استوقفني ما حكاه عدد من أصدقائي الذين قاموا بتغطية تلك الرحلة، أدهشني أن الرئيس الأوغندي مازال هو يوري موسيفيني.

في عقد التسعينيات كانت السياسة الخارجية المصرية تشهد حالة نشاط أو ربما حالة عدم ركود مقارنة بأول عقود الألفية، ومن ثم كنت أسمع أمام نشرة التاسع أسماء ضيوف مصر وأدونهم في القائمة، وكان من بينهم موسيفيني الذي بقي اسمه في ذاكرتي ربما بسبب ميلي لأفريقيا بوجه عام.

بقاء هذا الحاكم بالذات في منصبه أعاد إلى ذهني بعضا من الأسماء التي تضمنتها القائمة واكتشفت أن أغلبهم مازال في السلطة في حين رحل الآخرون من العروش إلى القبور مباشرة، ولفت ذلك انتباهي أيضا إلى شيء أبعد من السخرية التي كنا نتعامل بها مع حكام العرب مثل القذافي وغيره.

شخصيا على مدار عمري لم أشهد تغييرا لحاكم عربي إلا في حالات نادرة ربما كان أولها وفاة الملك حسين في الأردن وتولية ابنه عبد الله، أو وفاة حافظ الأسد وتوريث الحكم لبشار، ثم إسقاط نظام صدام حسين، ثم الانقلاب على معاوية ولد الطايع في موريتانيا، وبالطبع وفاة الملك فهد والملك الحسن الثاني.

ربما تبقى لبنان الاستثناء الوحيد كون منصب الرئيس قد تم تداوله من إلياس هراوي إلى إميل لحود إلى ميشيل سليمان، ولكن شاءت الأقدار أن منصب رئيس الوزراء تم توريثه بشكل غير مباشر من رفيق الحريري إلى سعد، وكذلك الجزائر حين تولى عبد العزيز بوتفليقة خلفا للأمين زروال ليبدأ ديكتاتورية جديدة.

لماذا كل هذا السرد؟ لا أدري شخصيا.. ولكنني صدمت حين أدرك أننا في العقد الثاني من الألفية ومازال القذافي يتشبث بالسلطة وكذلك علي عبد الله صالح وغيرهما من المحيط إلى الخليج الذي يبدو أن ثمة رجاء فيه بفضل ثورة البحرين.

هنا تحديدا.. أود أن أعبر عن بالغ استيائي لرفض عدد من المصريين تأييد ثوار البحرين باعتبار أنها حركة "طائفية"!! ولا أدري هل يقبل هؤلاء ديكتاتورية الأقلية التي هي أسوأ بكثير من ديكتاتورية الأغلبية؟ ربما الأمر ليس بحاجة إلى نص مكتوب كون ذلك بديهيا.. وهو أنه في غالبية المجتمعات حتى الغربي منها تجد من الطبيعي أن يكون الحاكم من الفئة الغالبة سواء على المستوى العرقي أو التصنيف الديني وإن كان ذلك غير مفضل في الصورة اليوتوبية التي يسعى كثيرون إليها.

بالنسبة لي لا أفضل مطلقا أن يكون هناك حديث عن سنة وشيعة فالفريقان ينتميان لنفس الدين، وبالتالي التفرقة على أساس المذهب تبدو مضحكة أحيانا بالنسبة لي ولكن منذ أن استأثر فريق بالسلطة فلا بد أن ننصر الفريق الآخر بعض النظر عن أي اختلاف.

لا يعقل أن غالبية سكان البحرين يعانون الفقر في حين أن الأسرة التي تمثل الأقلية تستضيف سباقات الفورمولا1 وتصرف الملايين سنويا.. وحين يخرج الناس إلى المظاهرات رافعين الورود ومرددين "سنة وشيعة.. البحرين ما نبيعه" يُتهمون فورا بالطائفية ويتم تجاهل ما هم فيه من فقر وما هم فيه من كبت سياسي.

وجد ثوار البحرين أنفسهم في تجاهل تام من الفضائيات الخليجية كون الحكومات لا تريد تكرار هذا السيناريو في إماراتها وممالكها، كما وجدوا أنفسهم متهمين بالطائفية أو العمالة لإيران وهي التهمة التي تذكرنا بالعهد البائد في مصر، وفوق ذلك وجدوا مدافع سعودية توجه إلى صدورهم.

بعيدا عن البحرين، ذكرني الوضع في سوريا بحقبة عشناها في مصر، وهي أن يضعك النظام في خيار صعب.. فإما أن تقبل بحكم ديكتاتوري يصنف على أنه وطني ويرفض الهيمنة الغربية.. وإما أن تثور وتنتزع حقك ثم تصدم بعدها بكوادر حاكمة تلقي بنفسها في أحضان الغرب.

الاختيار بالنسبة لي محسوم وهو الثورة على النظام الطاغي أيا كان توجهه.

هذه أمور شتى فقط أوردتها.

الأربعاء، مارس 23، 2011

من بين من قالوا نعم




عبّر أخ عزيز لي عن دهشته حين علم موقفي بالتصويت بـ"نعم" في استفتاء التعديلات الدستورية الماضي، وحينها قلت إنني لا أفضل الخوض في الأسباب قبل التصويت بل بعده. ولم يكن ذلك إيمانا مني بقدرتي على التأثير في غيري، فحتى لو كنت أمتلك تلك القدرة لما كان لها أثر وسط المناخ الإعلامي الرافض للتعديلات والذي حشد غالبية المثقفين كي يحثوا الجماهير على التصويت بـ"لا".

فضلت الحديث عن أسبابي بعد التصويت وانتهائه كي أنأى عن احتداد الجدل، فلكل فريق وجهة نظر جديرة بالاحترام والتقدير، ولكن أن نختلف على شيء قد تم حسمه أهون بكثير من الاختلاف حول أمر مازال معلقا وبعلم الغيب وحده.

قبل أن أبدأ أود فقط أن أشدد على احترامي الكامل لوجاهة رأي فريق كبير ممن قالوا "لا"، فهم اختاروا ذلك المسلك عن قناعة تامة بأن في ذلك صالح البلد وما يهيئ لحياة ديمقراطية حقيقية وبالتالي فإنه لا يحق لي مطلقا اللجوء إلى التخوين أو التسفيه أو الادعاء على أي منهم بـ"عدم الفهم" أو "النصب" أو غيرها من الاتهامات المتداولة.

السبب الرئيسي وراء اختياري "نعم" بدلا من "لا" هو ما عبر عنه الناشر هشام قاسم ببلاغة حين قال إن التصويت ينبغي أن يكون لاختيار "المسار السياسي وليس التيار السياسي"، وبالتالي فإنني رأيت في مسار "نعم" ما أحسبه خيرا من الخيار الآخر.

أعتقد أن الأفضل دائما هو الانتخاب لا التعيين، وبالتالي إذا كنا نطالب بتطبيق الانتخاب لاختيار النائب العام وعمداء الكليات بل وشيخ الأزهر وغيرها من المناصب فمن باب أولى أن يكون مسلكنا هو الانتخاب لوضع الدستور، لا أن يأتي عن طريق لجنة قام مجلس عسكري بتعيينها وهو ما لن يكون مدعاة للفخر حين التأريخ لهذه المرحلة بعد عقود من الآن.

في رأيي أن اللجنة المعينة كانت ستثير خلافات أكثر من اتفاقات، بمعنى أن الانقسام سيبدأ بمجرد الإعلان عن تشكيلها وضمها بعض الأسماء التي بالتأكيد لن تحظى بإجماع وطني، وذلك بالضرورة من شأنه أن يقسمنا لما هو أشبه بفريقي 8 و14 آذار في لبنان، فالمؤيدون للجنة يقيمون مظاهرة حاشدة في وجه أخرى تؤكد أن مواد الدستور المقترح لا تعبر عن إرادة شعبية، وهكذا.

بقدر ما ساءني كثيرا تورط بعض التيارات الإسلامية سواء من الإخوان أو السلفيين بجانب بعض رموز الكنيسة في استمالة الجماهير انطلاقا من وازع ديني، فقد ساءني أيضا شعار "لا حتى لا يأتي الإخوان"، فهذا بالفعل هو نفس أسلوب النظام السابق القائم على الفزاعات.

ينبغي لمن أراد الديمقراطية ألا يحدد لها موعدا مسبقا، فالكلام عن أن الشعب ليس جاهزا لها ولن يختار تيارات ديمقراطية يوافق تماما ما قاله عمر سليمان في مقابلة مع الصحفية الأمريكية كريستيان أمان بور أثناء الثورة عن أن الشعب لم يمتلك بعد الثقافة التي تؤهله للديمقراطية.

للأسف خيب أملي كثيرون كنت أعتقد أنهم دعاة ديمقراطية ثم اتضح أنهم لا يريدون إلا الديمقراطية التي تأتي بخياراتهم هم، وتستروا وراء ذلك بالسعار ضد الإخوان والتيارات الإسلامية كافة، ثم بحجة عدم تجهيز "شباب الثورة" لأحزاب، وبحجة ضيق الوقت أمام الأحزاب المعلنة.

واستفزتني للغاية هذه الشعارات كون مصطلح "شباب الثورة" مطاطي للغاية كما أنه أغفل أن اتئلاف شباب الثورة مثلا وهو الرمز الأبرز المعلن للثورة هو مؤلف من أبناء تيارات سياسية بالفعل سواء من اليمين أو اليسار أو الإسلاميين.

وفي الوقت ذاته أضحكتني عبارة أن الأحزاب المعلنة لا وقت لديها لطرح نفسها في الشارع، فهذه شهادة وفاة سياسية فبينما كانت تعمل هذه الأحزاب تحت الضوء أو حتى تحت شعار "تحت التأسيس" كان غيرها يضيق عليه باعتقال كوادره ومصادرة الأموال ومع ذلك يتصل بالشارع، فهذا يبدو عذرا أقبح من ذنب.

نقطة أخرى لم أتفق معها وهي الحديث عن أن من قالوا "نعم" قد "شقوا إجماع الثورة"، فأنا أرى أن الثورة لم ترفع مطلبا واضحا سوى "إسقاط النظام" وهو ما يمكن لنسبة كبيرة اعتباره قد تحقق يوم اقتحام مقار أمن الدولة ومن قبله تنحي مبارك وسليمان وإزاحة حكومة شفيق، كما أن ثمة دستورا جديدا في كل الأحوال ولا صحة لإحياء دستور 1971 وها نحن في انتظار إعلان دستوري.

وانطلاقا من النقطة السابقة تحديدا فقد ساءني ما يمكن وصفه بـ"المتاجرة بدم شهداء الثورة"، والحديث قطعا عن أنهم كانوا سيقولون لا، فحتى لو افترضنا اطلاع القائل بذلك على الغيب فإن من بعد تحقق هدف الثورة وهو إسقاط النظام تبقى الخيارات سياسية من وجهة نظري وللجميع حق الاختلاف حولها.

ثمة نقاط أخرى لا يمكن أن أزعم أنها كانت غائبة عني ليس وقت اتخاذ القرار ولكن لتثبيت القرار، منها مثلا قضية ضرورة عودة الجيش إلى وضعه الطبيعي وإبعاده عن السلطة بعد أن أدى المهمة حفاظا على عدم عسكرة الدولة من جهة وإعادة للأمور إلى نصابها من جهة أخرى.

أكون منافقا لو قلت إن الحديث عن المادة الثانية كان غائبا عن ذهني، ولكن الأمر يستدعي بعض التوضيح حتى لا يساء فهمي ويُعتقد بأنني ممن تأثروا بالخطاب الديني من هنا أو هناك فسارعوا للتصويت أملا في صك غفران.

أعتقد أن كثيرين يتفقون معي على أن المادة الثانية ما كانت لتتغير حتى لو وضعت لجنة معينة الدستور المقبل، فالجميع يعرف بحكم عوامل عدة أنه من الأفضل للحفاظ على استقرار مصر داخليا ترك هذه المادة وشأنها وبالتالي كانت ستبقى حتما.

وبرغم هذا، إلا أنه من الواضح أن بعض الرموز من هنا أو هناك -مثلما شاهدنا في الدعوة إلى التصويت- كانت ستثير جدلا حول هذه المادة وهو ما من شأنه أن يثير توترا واحتقانا لا يتناسب مع الأوضاع الأمنية في الدولة حاليا ولا حتى في حالتها المثالية، وبالتالي يمكنني القول بأننا في غنى عن هذا الجدل الذي سيضر ولن ينفع ومن ثم اخترت تجنبه تماما.

كان هذا رأيي الذي لا أنتظر عليه ردا.. فما فائدة الرد الآن وقد حُسم الأمر؟ وبالتالي دونته ليس لإقناع أحد به بل لبيان موقفي مثلما وعدت بعض أصدقائي الذين استمعت إليهم.. لا داعي لإعادة الجدل مرة أخرى وأنا أقر بأنني قد أكون مخطئا في حساباتي التي بنيت عليها قناعتي بـ"نعم" فلم أكن روحا أبدية الألم.. مع الاعتذار لأمل دنقل.

السبت، مارس 12، 2011

دوران للأمام


هذا تعليق قد يراه البعض استباقيا للأحداث بدرجة كبيرة، والحقيقة أن فكرته تدور برأسي حتى قبل مشاهدة لقاء تلفزيوني على فضائية "الجزيرة مباشر" الخاصة بمصر مع الداعية السلفي محمد حسان حيث تحدث عن أمور عدة من بينها وجود توجه لدى التيار الذي يعتبر أحد رموزه للدخول إلى حلبة السياسة.

كثيرون ساءتهم التلميحات المتتالية من رموز الدعوة السلفية في مصر حول وجود نية للمشاركة السياسية في المرحلة المقبلة. وشخصيا يتنازعني تجاه ذلك شعوران قد يكونان متضادين ولكن أحاول التأليف بينهما حتى أكون على قدر من التوسط المصطنع.

أما الشعور الأول فهو الاستياء المخلوط بنذر يسير من الدهشة إزاء هذا التحول الذي يأتي بعد العزوف الكامل للإخوة السلفيين عن المشاركة السياسية بل وانتقاد الداعين لها وتنحية كافة الخيارات الخاصة بالتحرك الشعبي كالاعتصامات والمظاهرات بل والانتخابات ذاتها.

ويبدو هذا التحول وكأنه يحتمل وجهين: الأول -وهو مبني على إحسان الظن- يقول بأن ثمة مراجعة حقيقية لمبادئ خاصة بالدعوة السلفية بعد ثبوت نجاح الخيارات الشعبية، في حين يرى الوجه الآخر في هذا النحو انتهازية سياسية  وخوفا من خسارة قاعدة شعبية بعد أن شاركت تيارات إسلامية أخرى بثقل في إنجاح الثورة.

وعلى الجهة الأخرى ينتابني شعور بالارتياح إزاء اشتراك السلفيين في العمل السياسي كون هذا التيار يعبر عن شريحة واسعة من المجتمع كنت آسفا لرؤيتها "معطلة" طيلة الفترة الماضية، كما أن أصول الحرية السياسية تتيح للجميع حق الاختيار بين كافة التيارات طالما ابتعدت عن لغة القوة والخطاب الإقصائي.

ما أتوقعه حاليا هو أن الفترة المقبلة قد تشهد إعلانا من الإسكندرية –حيث يوجد ما هو أشبه بالحوزة السلفية- حول مشاركة هذا التيار في الانتخابات المقبلة ومن ثم تغير خريطة توزيع القوى السياسية بوجه عام والإسلامية بشكل خاص.

ما أتمناه أيضا هو ألا تصاب قطاعات بعينها بحالة من السعار إزاء دخول السلفيين إلى حقل السياسة، فمن يعارض هذا الفكر قد يقدم له خدمة جليلة بمحاولة تشويهه مما قد يكسبه مزيدا من التعاطف المجاني، كما أن الدعوة إلى الحظر والمنع غير مقبولة خاصة إذا كانت تأتي ممن انتقد دائما التهميش والإقصاء.

الثلاثاء، مارس 08، 2011

الخميس، يناير 27، 2011

قراءة متعجلة





ربما يكون من أكبر الأخطاء التي تدل على ضحالة صاحبها أو قصر نظره هو الإسراع في محاولة تحليل الأحداث ولكنني سأخوض هذه المغامرة مع استبعاد وصف "التحليل" والاكتفاء بـ"التعليق" الذي يبدو كلمة أخف وطأة بكثير.

ما يحدث من 25 يناير وحتى الساعة التي أكتب فيها الآن كان حلما بعيدا عن مخيلة غالبيتنا منذ فترة، ولعل فقدان الأمل والسكوت والسلبية كان ملهما لبعض السيناريوهات شديدة الكآبة وفي الوقت نفسه شديدة القابلية للحدوث مثل أحداث رواية "يوتوبيا" للكاتب أحمد خالد توفيق.

ولم تُبن أحداث تلك الرواية أو غيرها من التصورات على أي نوع من الاحتجاجات واسعة النطاق في الشارع، فكان التخيل يُنسج دائما على استسلام تام من جانب الشعب واستمرار في التصعيد من أعمال النهب والقمع من جانب الفئة الحاكمة حتى يصل الوضع إلى كارثة محققة.

وبالتالي فإن خروج آلاف الشباب إلى الشوارع في "دفعة أولى" استجابة لدعوة عبر الإنترنت لا يعني إلا أن السيناريو الأسود بات بعيدا وأن حسابات النظام ارتبكت كثيرا عما كانت عليه وقت تزوير الانتخابات النيابية الأخيرة التي كان يتم الحديث خلالها عن "حزب الأغلبية" والذي لم يخرج منه ولو شخص واحد يرفع شعارا له.

المكاسب كثيرة من وراء اليومين الماضيين فقط.. أولها كسر حاجز الخوف واستبعاد سيناريو السير بجوار الحائط والدخول فيه إن أمكن، وثانيها أن من خرجوا إلى الشارع هو مسلمون ومسيحيون من اليمين واليسار والتيارات الإسلامية بما فيها بعض السلفيين وهو ما يعتبر انتصارا حقيقيا على خطاب طاعة ولي الأمر مهما فعل.

أقف هنا لأستمتع بلحظة الإجماع النادرة هذه.. فإن لها نسيما أود أن يملأ رئتيّ عوضا عن التلوث الفكري الذي كان كان منتشرا حاملا معه عبارة "لا فائدة".

مكسب ثالث أود تنقيته من الشوائب الشخصية كأن أشعر بالشماتة تجاه كل من سخر يوما من فكرة التظاهر سواء أيام الجامعة أو حتى التوقيع على بيان التغيير.. أو كل من اكتفى بالسخرية والنقد أو كل من لم يكن له رأي في السياسة وكان يفضل عدم الخوض فيها والبقاء على الحياد السلبي.. فالآن أقول لا شماتة بل لنفرح ببعضنا.. فكثير من هؤلاء الآن يرفعون الأعلام ويفكرون حقا بالنزول ويتابعون الأخبار أولا بأول.

مكسب رابع.. النضال عبر الفيسبوك وتويتر يأتي بنتائج حتى في المجتمعات ذات التعليم المنخفض، والتكنولوجيا وسيلة جبارة لخرق التعتيم الإعلامي وحتى تواطؤ المؤسسات.

مكسب خامس وأحسبه الأهم هو أن التوريث لم يعد ممكنا.. أعتقد الآن أنه حتى لو هدأت الأوضاع –وإن كنت أستبعد ذلك- فإن التوريث لن يحدث.. يدرك النظام جيدا أن خروج الآلاف من الشباب قبل موعد تسمية مرشح الحزب الحاكم بأشهر يدل على إمكانية خروج الملايين حال ما جاء الإعلان عكس التيار تماما.

بل وحتى إن بقي المرشح الرئيس الحالي فإن هذا لن يرضي أحدا وسيكون سببا في اندلاع احتجاجات أشد وطأة من الحالية بالنظر إلى أن أحد المطالب الرئيسية هو عدم ترشح مبارك الأب لولاية جديدة.

لا ننسى أن النظام بات مرتعشا منذ إسقاط ابن علي في تونس وخرجت صحفه بعناوين عن توفير فرص عمل وإصلاحات اقتصادية مع استمرار تجاهل السياسة، والمشكلة بالنسبة له أن التجربة التونسية أحرقت جميع الأوراق الممكنة أمامه.

في مصر ثمة سقف أعلى من الحرية الشكلية كبرامج التوك شو المنتشرة والتي أجمع غالبية ضيوفها على ضرورة إقالة حكومة أحمد نظيف الحالية.. وبالتالي بات هذا هو الحل المرحلي الذي سيأمل النظام أن يكون نهائيا.

ولكن المخيف حقا بالنسبة للنظام هو أن إقالة الحكومة كان قرارا أقدم عليه ابن علي في تونس ولم يؤجل رحيله الذي جاء بعدها بساعات.. كما أن حالة الطوارئ معلنة أصلا وبالتالي لا يوجد أي إجراء أمني شكلي يمكن اتخاذه باستثناء حظر التجوال ربما.

بعبارة أخرى، الكروت التي يملكها النظام في يده وهي قليلة سبق وألقاها ابن علي في تونس ولم تجد نفعا.. والمشكلة أن النظام في القاهرة يدرك أنه لا مفر من الإقدام عليها إذ لا سبيل سوى مزيد من التشدد الأمني مع تلبية لبعض المطالب.. وكل هذا لن يبدو أنه يقابل بترحاب وهذه هي الورطة الحقيقية والكابوس الذي يؤرقه.

أضف إلى ذلك أن كافة الحكام العرب بمن فيهم مبارك نفسه قالوا إنهم يحترمون خيارات التوانسة، وحتى يحافظوا على ما تبقى من صورهم أمام شعوبهم فسيحترمون اختيارات المصريين تماما مثلما طرأ تغير على الخطاب الغربي في التعامل مع احتجاجات مصر.

نقطة أخيرة لا أرغب أن تفوتني وهي أنه لا يعقل أن مدينة مثل السويس تبعد عن القاهرة نحو 130 كيلومترا فقط تبدو وكأنها في قارة أخرى حين تتعرض لمجزرة من جانب الأمن.. إنها صورة بشعة أخرى للمركزية التي تجعل كل شيء في العاصمة ويبقي سواها في الظل.

السبت، يناير 15، 2011

آه يا تونس




بركان من الأفكار والخواطر انفجر في ذهني وأنا أتابع ما حدث ويحدث في تونس خاصة بعد الإيقاع السريع ليوم الجمعة الذي شهد إقالة الحكومة ثم إعلان الطوارئ ففرار الرئيس وسط مظاهرات شعبية حاشدة كانت ذروتها رشق مقر وزارة الداخلية بالحجارة في قلب العاصمة.

في البادئ علينا الإقرار جميعا بأن التوانسة أبطال مهما كانت النتائج التي ستسفر عنها الأيام المقبلة حتى لو كانت ستشمل سرقة أو احتواء الثورة من قبل بعض رموز النظام السابق الذين ظهروا في الكادر وقت إعلان محمد الغنوشي تسلمه السلطة مؤقتا.

شاعر تونس أبو القاسم الشابي هو وحده صاحب البيت الذي ظلل كل الآمال الثورية في البلدان الناطقة بالعربية، وبالتالي كان من حق التاريخ أولا أن تتصدر بلاده جيرانها وتفوز بشرف السبق بأول انتفاضة شعبية تقصي ديكتاتور من طراز بن علي.

كنا نظن في الماضي أن الثورة على الحكام "رجس من عمل الفرس" بعد أن اقتصرت تجارب الشرق الأوسط في هذا المضمار على إسقاط شاه إيران محمد رضا بهلوي منذ 32 عاما حين أقلعت طائرته بحثا عن جهة تستقبله، إلا أن تكرار المشهد مع بن علي الليلة الماضية بدد كثيرا من اليأس.

تونس أسدت جميلا للعالم بأسره وللعرب بوجه خاص كونها أثبتت أن هذه النظم الديكتاتورية "أوهن من بيت العنكبوت"، فحتى لو كان الرئيس مسئولا أمنيا سابقا يشغل منصب وزير الداخلية فإن هذا لن يعصمه أبدا من غضب الشعب فقط إذا "أراد الحياة".

كسر عقدين من الزمان على رأس السلطة لا يعني أن هذا الحاكم قد بات ظل الله على الأرض، ولا يعني أن ثمة شعوبا "مسالمة" ترضى بالأمر الواقع وأخرى "جسورة" ترفض الظلم.. فقط بعض التفاصيل تختلف بين هنا وهناك ولكن يبقى الجميع قادرا على هدم الأصنام التي طالما عُبدت لأنها تتضرر –بطبيعتها- من ضربات الفأس.

رحيل بن علي بهذه الطريقة يؤكد البعد المسرحي للخطابات الشعبية التي يلقيها الحكام وسط عواصف التصفيق وهتافات الفداء بالروح وبالدم، ولعل ذلك أحد أسباب طريقة تعامل وسائل الإعلام العربية الرسمية مع الوضع في تونس الذي يبدو نموذجا قابلا للتكرار.

لا مجال الآن للحديث عن خطاب "طاعة ولي الأمر" مهما فعل أو أن فلانا هو "الحاكم الشرعي" أو إصدار فتوى بإهدار دم من يدعو للخروج على النظام، أو انتقاد فكرة الاعتصامات وتحريم التظاهر، فقد اتضح الآن أن مرددي هذه الأفكار هم فئة من أعداء الشعب ينتفعون ببقاء الأوضاع الحالية لأن من خلالها عرفوا الفضائيات وكونوا الثروات وصار لهم مريدون يقدسونهم وباتوا يشار إليهم بالبنان.

لم يكن غريبا أن يجد ابن علي مقصده لدى نفس النظام الذي استقبل في السابق عيدي أمين، فهذه النظم جميعا لا يوجد لها أي نوع من الشرعية وأرى أن أغلب رؤوسها سيعانون من الآن فصاعدا كوابيس يرون أنفسهم فيها يهرولون على سلالم الطائرات المغادرة.

شخصيا شعرت بأمل كبير في 2011 بعد ثورة تونس، فالعام الذي بدأ كأسوأ ما يكون بحادث كنيسة القديسين ها هو يبتسم للمرة الأولى ويجلب حدثا تاريخيا يعيد الأمل إلى الشعوب التي عانت طويلا تحت نير القمع والخوف.

تهانينا يا أبطال تونس.. أنتم السابقون.



الأحد، يناير 09، 2011

مبعثرات

ثمة مشكلة حقيقية لمن يجد نفسه مطالبا بالتخلص من شعور قلما تعرض له في السابق ولكنه صار الآن يلازمه كظله الذي يطول ويقصر تبعا لمصدر الضوء دون أن يفارقه في النهاية.

كثيرا راودني حلم ألا أفعل أي شيء بإتمامي العقد الرابع من العمر إن قُدِّر لي العيش حتى تلك السن التي لا أدري كم سأكون مندهشا حينها وأنا الذي مازال لا يصدق أنه في أواسط العشرينيات.

في ذلك الحلم لا عمل لي ولا مسئوليات.. فقط أعيش رفقة زوجتي بهدوء وأقابل أصدقائي في سهرة على مقهى كل أسبوع وأعود إلى منزلي لست مطالبا بشيء.

أحيانا يضرب هذا الحلم امتعاضي من فكرة اللامسئولية المطلقة، فأضيف إليه بعض الرتوش كأن أملك مثلا كشك على ناصية الشارع أبيع فيه ما أشاء وأفتحه وأغلقه وقتما أريد وقد أمتنع عن البيع لمجرد أن الزبون لا يروق لي أسلوبه، وهذه الفكرة أقتبسها من صديقي عمرو النحراوي.

أستمتع كثيرا بأن الإضاءة خافتة في منزلي. لا أعني أنها تتسبب في ضعف الإبصار الضعيف أصلا، بل أقول إنها ليست صاخبة وتريح العينين بشكل يبعث على النعاس أغلب فترات اليوم.

أحب ترك النوافذ مغلقة أغلب الوقت حتى في الصيف، ولي علاقة مودة كبيرة مع النوم الذي لم يخذلني في أكثر أوقات احتياجي إليه.

هذه كانت كتابة لأشياء مبعثرة فقط لأنني رغبت في الكتابة.

الجمعة، ديسمبر 31، 2010

تجربة قاسية


الثامن من ديسمبر 2010.. يوم أعتقد أنه سيبقى في ذاكرتي كونه شهد واحدة من أسوأ التجارب التي مررت بها إن لم تكن أسوأها على الإطلاق.

في أبريل 2008 كتبت تدوينة بعنوان "العمر لحظة" تحدثت فيها عن حادث سير تعرضت له وكنت على وشك الموت خلاله وهو وضع قريب الشبه بما تعرضت له مؤخرا.

استأذنت من العمل مبكرا كي أتوجه إلى المطار حتى أستقبل والدتي العائدة من زيارة طويلة لأخي المقيم بالخارج.. أعرف المطار جيدا فقد ذهبت إلى هناك في أكثر من مناسبة منذ أن بدأت القيادة.

سرت باتجاه قصر النيل ودرت إلى داخل الجزيرة مرة أخرى حتى أصعد جسر السادس من أكتوبر الذي يقطع القاهرة حتى مقصدي.

عندما اقتربت من المنطقة أعلى ميدان التحرير بدأت أشعر بتنميل تصاعدي في الكفين والقدمين بجانب اضطراب تدريجي في ضربات القلب.. لم أكن أعرف هل كانت ترتفع أم تنخفض، ووجدت العرق البارد يتسلل إلى جبيني بينما كنت على وشك فقد الشعور بأطرافي كاملة.

ظننت في بادئ الأمر أن ثمة خللا في وضع جلوسي المعتاد يعيق وصول الدم إلى مناطق متعددة من الجسد، فشرعت بينما أستكمل القيادة في ثني وفرد كل ذراع على حدة، كما تعمدت الحديث مع نفسي بصوت عال ولكن شيئا لم يتغير.

بدأ الوضع يسير من سيئ إلى أسوأ.. ولا أستطيع التوقف لأنني أعلى الجسر والطريق يضيق أحيانا بحيث لا يتسع أكثر من سيارتين فضلا عن المنعطفات شديدة الانحناء التي كنت أتجاوزها بسهولة في السابق إلا أنها بدت في ذلك اليوم كأنها الجبال الشاهقة المطالب بتسلقها.

كنت أسير بصعوبة بالغة بسبب عدم قدرتي على التحكم بشكل كامل في الدواسات الثلاث أو ناقل السرعات فضلا عن عجلة القيادة ذاتها.. وكان التساؤل الملح هو "ماذا يحدث؟" ووجدت له إجابة وحيدة "أنا أحتضر".

استبعدت أن يكون الأمر مجرد هبوط لأنني تناولت طعاما معقولا للغاية في العمل ولم أشعر بالجوع، وبالتالي كان التفسير الأقرب في ظل غياب كافة التفاسير المنطقية هو أن الموت اقترب.

صعب علي الاستمرار في القيادة ورأيت أن الحل الأمثل هو التوقف بالسيارة أعلى الجسر مع إعطاء إشارة جانبية في ظل أن إشارة الانتظار لا تعمل.

بنيت القرار على أنه من الأفضل أن أموت وحدي داخل السيارة في هدوء بدلا من أن أسير بها وأصطدم بسيارة أخرى أو أسقط من أعلى الجسر.

عند التوقف.. كنت لازلت غير مصدق لما يجري ولكن هدأت قليلا فقررت مواصلة المسير ببطء خاصة مع اقتراب منزل طريق صلاح سالم وهو الذي سلكته بالفعل حتى توقفت أمام أقرب محطة للوقود كي أشتري عصيرا وشوكولاتة ظنا مني أن ذلك قد يكون الحل.

تناولت ما اشتريت وتابعت المسير، ولكنني فوجئت باختناق حاد أشعر به مع كل مطلع لجسر في الطريق، فتوقفت أعلى أحد الجسور مرة أخرى، وما إن هبطت حتى توقفت على جانب الطريق ولا أدري ماذا أفعل.

لا معنى بالطبع للاتصال بأي من أفراد العائلة لإقلاقهم بشكل بالغ عليّ خاصة وأنني لا أعرف ماذا يحدث.. فكرت في ترك السيارة بأي شارع جانبي واستئجار تاكسي إلى المطار ولكن لأنني لا أعرف المنطقة جيدا فقد استبعدت هذا الاحتمال.

مع مرور الوقت واقتراب موعد الطائرة، قررت مواصلة السير ولكن ببطء بالغ حتى أنني كنت أخرج ذراعي عند مطلع كل جسر وأشير للسيارات القادمة من الخلف بالتهدئة.

بلغت المطار أخيرا.. ذهبت إلى صالة 1 التي كان ينتظر أن تهبط إليها أمي ففوجئت بالعاملين يخبرون مستقبلين آخرين بأن الطائرة ستهبط عند صالة "3".

قبل الذهاب إلى الصالة الأخرى، توجهت إلى الحجر الصحي لقياس ضغط الدم، فأخبرتني الطبيبة أن النتيجة على ما يرام ورجحت أنني بحاجة إلى عصير طبيعي كالذي شربته في الطريق.

ذهبت إلى صالة "3" وكنت أشعر باضطراب في ضربات القلب ولكن بدرجة أقل قليلا.. كنت متوترا للغاية وفوجئت بسيل من المكالمات من زوجتي وأختي وأبي وأخي بل وأمي ذاتها وزملائي في العمل وكنت أجيب باقتضاب شديد ونفاد صبر مهول.

شكت لي أختي خلال مكالمتها من أنها تشعر بتعب بالغ بأعراض مشابهة للتي أعانيها، فأخبرتها أنني أيضا لست بخير حال وطمأنتها بأنني سأستأجر تاكسي للعودة إذا شعرت بعدم القدرة على القيادة.

وصلت أمي أخيرا.. توتري دفعني لأن أضل الطريق في الخروج من المطار أكثر من مرة بينما كانت المكالمات تنهال اطمئنانا عليها مما جعلني أفكر في قذف الهاتف من النافذة حتى أهدأ قليلا.

أخبرتها أنني لست بخير ولذلك سأسير ببطء.. ومع أول جسر كان عليّ عبوره شعرت باختناق بالغ، فقررت أن أسير أسفل الجسور وهو ما جعل الطريق يطول بالنظر إلى اضطراري للسير داخل مصر الجديدة وألماظة ومناطق كهذه.

حين وصلت إلى العباسية كنت قد سلّمت بأنه لا معنى للصبر أكثر.. توجهت إلى مستشفى الدمرداش وبعد نحو ربع ساعة من السير داخلها بلغت عيادة الاستقبال حيث أجري لي قياس ضغط واختبار سريع لمرض السكري ورسم قلب وجاءت النتائج كلها سلبية والحمد لله.

قال لي الطبيب "أنت تعاني تهيؤات ليس أكثر"، فابتسمت وقررت مواصلة السير وحينها اتصل أبي لأن الوقت كان قد طال.

قلت له إنني تعبت قليلا فظن أن حادثة وقعت.. اتصلت أختي فأخبرتني أنها وزوجها في الطريق إلينا.. قلت لها إنني سأواصل السير حتى المهندسين ولنلتقي هناك.

تركت السيارة في المهندسين وركبنا سيارة زوج أختي حتى وصلنا إلى البيت لأبدأ في سماع تفسيرات من طراز أن السبب وراء كل هذا هو "قلة الأكل"، وهو ما أثار امتعاضي بالطبع.

عند الفجر.. فوجئت بنوبة ارتعاش قوية وشعرت ببرودة شديدة وانسداد بالأنف فجلست إلى المدفأة حتى غشيني النوم على الأرض.

في اليوم التالي، اصطحبتني أختي وزوجها إلى طبيب القلب حيث أجريت لي فحوصات اشتباه في الغدة الدرقية ورسم قلب على مدار 24 ساعة عن طريق جهاز يلف حول الجسد يشبه "الحزام الناسف" بجانب صورة دم كاملة.

سجلت أثناء ذلك نوبة ارتعاش جديدة واتصلت بصديق لي على وشك إنهاء دراسة الطب فطمأنني على نبضي وأكد لي أن الأمر ليس إلا توترا.

كانت أختي قد رجحت أن ما عانيته في السيارة هو ما يعرف بـ"نوبة الهلع" أو Panic Attack وعندما قرأت على الإنترنت أعراضها وجدتها تطابق ما حدث لي بالضبط.


جاءت نتائج الفحوصات سلبية والحمد لله مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في ضربات القلب عند نوبة الارتعاش الثانية ولكن الطبيب رأى أنه في الإطار الطبيعي واستبعد أن يكون ذلك نوبة هلع مستشهدا بحالة لتلك النوبات جاءت إليه في السابق ولكنها لم تكن في حال ثبات مثلما كنت أنا.

صرت أجد صعوبة بالغة في القيادة ويجتاحني خوف كبير من صعود الجسور أو زيادة السرعة على الطرق المفتوحة، فعدت إلى المواصلات العامة مرة أخرى ولكنني أصاب أحيانا بأعراض محدودة سواء كنت راكبا أو ماشيا أو حتى في العمل.

هذه الأعراض تعني أنني في مرحلة Limited symptom attack والتي تظهر فيها أربع أعراض أو أقل من الأعراض الأساسية لنوبة الهلع.

أستبعد ما قاله الطبيب لأن استجابات الأشخاص للصدمات النفسية تتفاوت، فقد استطعت التماسك نوعا ما رغم القلق الذي انتابني ولكن حالة الفتاة التي استشهد بها قد تختلف صفاتها عني ومن ثم استجابتها لوضعية مشابهة.

المشكلة أن الموضوع يتطور أحيانا لحالة ما يعرف بـ"رهاب الخلاء" أو "أجروفوبيا" حيث أشعر بانعدام للراحة في الأماكن المفتوحة المزدحمة أو غير المأهولة تماما مثل الطريق من وإلى المنزل وخاصة بالليل، وهذا يبدو في حاجة إلى علاج نفسي إن استمر.

الوضع قد يكون تطور إلى اضطراب دائم للقلق Anxiety disorder وهو ما يتماشى مع طبيعة شخصيتي القلوقة للغاية وتبرزه الأحلام التي طالما رأيتها كتلك الخاصة بالامتحانات والتي بدأت تدهمني بعد التخرج وتحدثت عنها في تدوينة سابقة.

في كل الأحوال يبقى هناك سبب مباشر يفترض أنه المثير لكل هذا القلق الذي ربما يكون تراكميا.. هذا السبب لا أعرفه شخصيا.. قد يكون في باطني ولكن من الصعب أن يبدو كل ذلك مجرد وهم.

أطلت الحديث كثيرا.. ولكن هي مدونتي وملكيتي الخاصة على أي حال.. وشعرت بالحاجة في كتابة هذه السطور قبل نهاية العام على أمل أن تكون بداية الفصل الأخير في علاقتي بهذه الحالة المتدهورة التي أسأل الله ألا يمر بها أحد.

السبت، نوفمبر 13، 2010

عصفور طل من الشباك.. قلت له غور من وشي

نجح عصفور بري في تحويل أجزاء من حياتي إلى جحيم خلال الأيام الأخيرة.. بشكل استدعى إلى ذاكرتي العبارة الساخرة التي كان صديقي يطلقها على واحدة من أغاني عايدة الأيوبي "عصفور".

بالرغم من أنني أعيش في هذا المنزل منذ نحو عام وثلاثة شهور، إلا أن معاناتي مع العصفور هذا لم تبدأ إلا مؤخرا. هو لم يتجاوز حدود النوافذ والشرفات ولكنه يحدث إزعاجا يفوق الوصف خاصة بالنسبة لمن اعتاد الهدوء مثلي على مدار ست سنوات منذ رحيلي عن الجيزة.

مشكلة هذا العصفور أن زجاج النوافذ والشرفات كله من النوع العاكس، وحين بنى أبي المنزل فضّل هذا حتى لا "تجرحنا" الجيران فحين ينظر أحدهم إلى نوافذنا أو شرفاتنا المغلقة لا يرى بالنهار إلا انعاكاسا لصورته، والأمر نفسه إذا كان ينظر ليلا  شريطة ألا نكون قد أضأنا الغرف.

ولأنني أعمل في المساء، أي أغادر المنزل في نحو الثانية ظهرا يوميا وأعود في الواحدة صباحا أو أبعد، فقد اعتدت النوم بعد الفجر والاستيقاظ بعد الظهر وهذه هي الفترة التي يحرمني فيها العصفور من إكمال ثلث ساعة بين الأحلام.

ينظر العصفور إلى الزجاج فيرى انعكاسه فيخيل له أن ثمة عصفورا آخر قد يهاجمه، فيبدأ بالنقر في الانعكاس نقرات متتالية فيصدر صوت احتكاك بالزجاج يقض مضجعي دائما، فأقوم لأطرق بقوة على الزجاج من الداخل فينصرف.

ولا يلبث العصفور دقائق حتى يعود، ولكنه يترك النافذة ويتجه إلى زجاج الشرفة، فأطرق من الداخل فيعود إلى النافذة، وهكذا.

تركت الغرفة بالكامل وذهبت إلى أخرى حيث يتواجد الحاسوب، فجاءني ينقر على شرفتها!

الحل البسيط هو تشويه واجهة المنزل ولصق ورق جرائد على النوافذ والشرفتين من الخارج، ولكن هذا إن تم فلن يلبث إلا أياما معدودة بفعل الرياح فضلا عن إفساد المنظر تماما سواء للساكن أو للجار.

السؤال الذي يلح عليّ: لماذا يصر هذا العصفور على زجاج نوافذي وشرفتي أنا بالتحديد؟ ولماذا لا يدرك حقيقة أن ذلك ليس إلا انعكاسا له مثلما تفعل القطط حين تتجاوز مرحلة الطفولة في الأشهر الأولى؟ لا أعرف.