25 مايو 2012
حتى الآن لا أملك نتيجة رسمية ولكن يبدو أن الأمور قد استقرت على جولة إعادة بين مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ورئيس الوزراء السابق الفريق أحمد شفيق الذي احتل المركز الثاني حسب الأرقام المتداولة والتي أتت لي بمجموعة من الأفكار سأحاول صياغتها بقدر من الإيجاز في الأسطر التالية.. وليتحملني من يراني مستفزا كالعادة.
السؤال الأول: لماذا حصل شفيق على كل هذه الأصوات؟ هل هناك شبهة تزوير؟
الإجابة: ليس هناك دليل قاطع على وجود التزوير.. ولكن أرى أسبابا قد تسوّغ لي هذه النتيجة غير المحببة إلى النفس بالمرة، ولكنها تستدعي أولا أن نتحلى بقدر كبير من الصراحة والإخلاص.
أرى أن عددا من الرموز المحسوبة على الثورة سواء من النشطاء الفعليين أو من النخبة المثقفة التي تتجول في البرامج التلفزيونية قد نجح في تبغيض كل ما يمت بصلة إلى 25 يناير لقطاع واسع من الجماهير.
هذا القطاع لم يلتفت له أحد في مشكلات تحظى لديه بالأولوية كتلك الخاصة بالصرف الصحي وأسعار السلع الغذائية وأزمة الوقود وما تبعها من أزمة في المواصلات وغير ذلك.. في حين أن أيا من أفراده كان حين يفتح التلفاز لا يسمع سوى عبارات "الدستور أولا" أو "أزمة التأسيسية" أو "الإخوان سيمنعون البيكيني" أو "السلفيون لا يحترمون أدب نجيب محفوظ" وهذه كلها قضايا تبدو شديدة الرفاهية بالنسبة لذلك الفرد.
أضِف إلى ذلك أن بعض الثوار من الشباب تورطوا في تصريحات استعلائية، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما قاله خالد السيد عضو ائتلاف شباب الثورة بعد استفتاء 19 مارس حين صرح برأيه بأن "الشعب المصري غير جاهز للديمقراطية" وهي عبارة تلقفها منه عمرو أديب ودلل بها على صدق ما قاله نائب الرئيس السابق عمر سليمان في حوار تلفزيوني شهير.
هذا على مستوى الأقوال، أما من جهة الأفعال فقد تورط الثوار أو قطاع ما منهم في تحركات غير محسوبة كالتوجه الأول لوزارة الدفاع في صيف 2011 ثم عدم الرغبة مطلقا في الاعتراف بأي خطأ خلال مسارات محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء رغم إقراري بأن السلطة العسكرية تتحمل المسئولية كاملة في تلك الأحداث.
أضرب مثالا: حين تمت تعرية الفتاة كان رد أي ثائر على أي منتقد لها هو "إنها أرجل منك" وهذا وارد ولكن الثائر هنا نسي للحظة أنه ليس في الحي اللاتيني بباريس وأنه في مصر حيث لا يُدفع بالإناث إلى المواجهة في المظاهرات منذ ثورة 1919 وليس منذ 25 يناير.. عادة تكون الإناث في الصفوف الخلفية وعادة لا يبتن في الميادين فيتعرضن لجريمة كشف العذرية مثلا.
هنا أكرر وأؤكد وأقسم بالله أن كشف العذرية جريمة كاملة، وحين أقول إن الضحايا لم يفعلن الصواب لتجنب هذا الفخ فهذا لا يعني أنني أقول باستحقاقهن ذلك الفعل أبدا! فقط أقول باعتبار أنني أقف في هذا المعسكر الثوري إنه كان ينبغي أن نراعي أبعادا مجتمعية في تصرفاتنا وفي الدفاع عن قضايانا دون الإسراع لمهاجمة من لا يقبل.
ماذا كان سيضير الثائر مثلا لو قال "صحيح.. من المعتاد ألا تبيت الفتيات في خيام بالميادين.. ولكن هذا لا يعني كشف عوراتهن!".. أعتقد أن ذلك سيكون أكثر قربا لرجل الشارع المصري الذي يحترم التقاليد.
كل هذه الأمور التي ذكرتها وربما أكثر مما غاب عني كان سببا في الاتجاه نحو شفيق بخلاف أسباب أخرى كترسخ الفساد في بعض القطاعات وغير ذلك. فقط أذكر ما قد نكون نحن مسئولين عنه حتى نتلافاه مستقبلا إذا أخلصنا الرغبة في التعلم حقا.
التصويت لشفيق لم يكن إعجابا به بقدر ما كان غضبا من "الثورة" التي نزل البعض بهيبتها واختزلها في مئات.. صحيح أن الانتخابات الحالية تجري بسبب أحداث محمد محمود وصحيح أن كل هذه المواجهات أسفرت عن تسريع وتيرة الفترة الانتقالية.. لكن هذا لا يعني أن ننظر إلى الخلف وكأننا نطل على صفحة بيضاء ناصعة.
السؤال الثاني: هل خذل عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي الثورة؟
الإجابة: نعم.. لكن ينبغي التفصيل.. فنفس الكلام قد ينطبق على محمد البرادعي الذي كان بإمكانه تشكيل مجلس انتقالي يوم 28 يناير يضم كافة القوى لنتفادى الاصطدام بالعسكر استباقا إذا كان ذا رؤية ثاقبة كما يُقال.. ولكن الرجل فضل التوجيه إلى مسارات معينة والتباكي على عدم سلكها لاحقا حتى انسحب فأراح واستراح... أقول ذلك وأنا من بين أول 20 ألف موقع على بيان التغيير في 2010.
نعم كان يتوجب على حمدين وأبي الفتوح التحالف.. ولكن البعض من كلا الفريقين أخطأ في وجهة نظري. شخصيا كنت أميل لأبي الفتوح ولكن لأنه حاول إرضاء الجميع بدا لي في النهاية بلا طعم ولا لون ولا رائحة.. في حين جذبني تحديد حمدين وعنايته بالتفاصيل ووضوحه.
أشاع أنصار أبي الفتوح –وهذا ليس اتهاما أو عتابا أو لوما أو أي شيء سلبي- أنه الأقرب للمنافسة ومن ثم يجب ترك حمدين، وعزز هذا الاتجاه حزبا النور والوسط والناشط السياسي وائل غنيم بجانب حملة الإعلانات الموفقة نسبيا، في حين كان معسكر حمدين أضعف بكثير بناء على هذه المعايير.
وفي النهاية تفوق حمدين وليس بأصوات الخائفين من الإسلام السياسي فقط كما يشاع بل بأصوات إسلاميين أيضا ككاتب هذه السطور الذي وجد في الرجل "تفضيلا انتخابيا" لا يتنافى مع "الانتماء السياسي".
في النهاية خسِر الاثنان، ولكن ليتعلم البعض ضرورة عدم الحجر على الرأي الانتخابي مسبقا بدعوى أن فلانا أوفر حظا دون دليل علمي على ذلك.. ولا بُد من التحالف في الفترة المقبلة وإلا يحدث ما لا يُحمد عُقباه.
السؤال الثالث: وماذا ترى في الإخوان؟
الإجابة: شخصيا سأعيد التفكير في تقييم موقفهم في الدفع بمرشح رئاسي.. فماذا لو لم يكن مرسي موجودا؟ أتصور أن قطاعا من الأصوات الذي يميل للقوى التقليدية كان سيُضاف إلى كفة شفيق بينما يستمر التقاسم بين أبي الفتوح وحمدين ليدخل أحدهما الإعادة.. فهذا فقط هو الفارق.. وربما بوجود مرسي نضمن مرشحا قويا خلفه تيار كبير قادر على هزيمة شفيق في جولة الحسم.
علينا ألا ننسى أن مشاركة عمرو موسى -الذي نال قسطا واسعا من السخرية- قد أفادت الثورة، وإلا لكانت أصواته ذهبت إلى شفيق وتغير الموقف بالكامل الآن.. وأصواته على أية حال قد تذهب إلى الفريق في الإعادة وعلينا أن نستعد لذلك.
السؤال الرابع: ولكن ألا ترى أن الإخوان والفلول سواء؟
الجواب: أقولها إبراء لذمتي إن نعال الإخوان أطهر من رقاب أمثال شفيق. ومهما كان لا يجوز أن يصل اختلافك السياسي مع فصيل ما إلى وضعه في مصاف جلاده وجلادك.
ربما يرى البعض شهادتي مجروحة نظرا لارتباطي بالتيار الإسلامي خلال الدراسة الجامعية، ولا أدري هل كنت سأحظى بمصداقية أكبر إذا خرجت كالموتورين أسب وألعن في رفاق الماضي؟ هل لا بد أن أكون موتورا كي أبدو صادقا؟ لا!
هنا أرى وكأن الله قد أراد أن يفرز "أدعياء الثورة" ويكشفهم على الملأ.. فهل مشكلتهم الأولى نظام مبارك أم الإسلاميون فحسب؟ هنا تُكشف السرائر دون أحجبة.
أتذكر قوله تعالى "إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كِبَره منهم له عذاب أليم".
السؤال الخامس: هل من شيء تعلمتَه؟
الإجابة: بالتأكيد. تعلمت ضرورة التواضع والحرص دوما على عدم خسارة الشارع وتجنب الاستعلاء واللعن في الشعب واتهامه بالغباء وكذلك تجنب التعامل من منطلق أن من في التحرير في أي وقت هم ركاب سفينة نوح وسواهم نعاج ضالة.
تعلمت أيضا ضرورة النشاط الحزبي.. لا معنى لعبارة "رئيس جمهورية نفسي" و"أخشى التقيد بقرارات الحزب".. فأنت لن تبايع أحدا على المصحف حين تنضم إلى حزب سياسي.. والتجربة مفيدة في كل الأحوال.
ليختر كل منا أقرب الأحزاب إليه وليترك حزبه وينضم إلى آخر إذا لم يجد ما يتفق معه.. لا عيب مطلقا في ذلك.
وجود أحزاب قوية وذات قاعدة تمثيلية هو السبيل الوحيد إلى وجود مرشحين أقوياء يستندون إلى مؤسسات كحالة مرسي الذي فاز رغم حملة السخرية الدنيئة التي قادها الصحفي إبراهيم عيسى، بل وفاز رغم أن الجميع يعلم أنه على المستوى الشخصي ليس بقبول حمدين صباحي أو بشهرة أبي الفتوح أو بدبلوماسية عمرو موسى مثلا.
إذا أردت أن تكون مقارعا للإخوان وليس منتقدا لهم فحسب فعليك أن تنشط حزبيا.. وإلا فلتبق في المدرجات طيلة حياتك وتحلم فقط بالركض على عشب الملعب.
السؤال السادس: هل ستواصل دعمك لحمدين؟
الإجابة: لكل حدث حديث. ولكن أنا فخور للغاية بتصويتي للرجل.. وأرى الآن أنه قادر على التحول إلى نسخة جديدة من سعد زغلول.. فقط يبنغي أن يبتعد عنه الدراويش وألا يألهوه أو يصلوا ويسلموا عليه كما فعلوا مع البرادعي من قبله فهبطوا به إلى الحضيض.
خلفية صباحي الناصرية مهمة.. صحيح أختلف معه في الكثير ولكنه يبدو متطورا ويحترم القطاع الخاص ولا يعتزم تأميم الشركات وغير ذلك.. هو في اشتراكيته أقرب للتصور المصري لفكرة العدالة الاجتماعية تماما كما كانت ليبرالية سعد زغلول مصرية أكثر منها غربية.
بإمكان حمدين أن يحل أزمة غياب الزعامة التوافقية بشكل غير مائع وأن يحشد وراءه الكثيرين من غير الناصريين كما حشد سعد وراءه الكثيرين من غير أعضاء الوفد وغير الليبراليين عموما.
هذا بعض ما أرى في صيغة سؤال وجواب.. وأشهد الله أنني لا أكنّ أية شماتة من أي نوع كما اتهمني البعض ولا أعادي الثورة كما قد توهم البعض الآخر في السابق.. هذا ما لديّ لعله يفيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق