13 سبتمبر 2012
تابعت بعض ردود الأفعال على حوادث مصر وليبيا الأخيرة أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة وقنصلية بنغازي بسبب الفيلم المسيء للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم والذي لم أشاهده ولن أفعل، ولكن لي تعليقات على ما يجري وخاصة ردود الأفعال من جانبنا نحن المسلمين وأخص العرب منهم بالذكر بوجه خاص.
باختصار ما يحدث هو أننا لا نتعلم.. في الثمانينيات أصدر الإمام الخميني في إيران فتوى بإهدار دم الكاتب الهندي سلمان رشدي بسبب كتابه "آيات شيطانية" الذي تعرض فيه للنبي (ص) ببعض المساس.. وماذا كانت النتيجة؟ يعيش رشدي الآن مكرما في بريطانيا وحصل على رتبة فارس ويُنظر إليه كأحد رجال حرية الفكر وأعلام الثقافة حول العالم.. ولو كان قد قُتل مثلما حدث لاثنين من مترجمي أعماله لكان شهيد الحرية ولخسر المسلمون أكثر في الدفاع عن قضيتهم.
اقتُحمت سفارة الدنمارك في سوريا بعد قضية الرسوم المسيئة للنبي (ص) قبل سنوات وأصبحت صحيفة "يلاندز بوستن" شديدة الشهرة وتضامنت معها صحف اسكندنافية أخرى بل وأوروبية كصحيفة "فرانس سوار" إن لم تخني الذاكرة، وحينها تدخل المصري القبطي رامي لكح لإقالة مدير الصحيفة.
ولكن العبرة بأن هذه الحركة التضامنية ما كانت لتحدث لولا رد الفعل المبالغ فيه.. حينها بدى وكأن إيران تعلمت فقاطعت الدنمارك اقتصاديا بدلا من إصدار فتوى كالتي أهدرت دم رشدي في أزمة سابقة.. بينما استمر العرب يحرقون ويلعنون ويرفعون صورة أسامة بن لادن كرمز مخلص.
أعلم أن كثيرين يصيبهم الاستفزاز الشديد مما أكتب.. ويصنفونني ضمن طائفة من لا تصيبهم الحكمة إلا إذا أهين الرسول (ص).. ولكن هذا النبي تحديدا هو من قال الله فيه "إنا كفيناك المستهزئين".. ورغبتي في المشاركة في دفع الإساءة عنه تحتم علي البحث عن أفضل السبل لتحقيق ذلك بدلا من الاندفاع كالثور والسلام.. وأرى أن أفضل السبل كان تجاهل الأمر حتى لا ندخل فخ حرية التعبير مرة أخرى ونكسب المسيئين شهرة لا يستحقونها وربما هي تحديدا ما سعوا إليه.
مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز في ليبيا منعطف خطير حتى لو قام بذلك أنصار القذافي فعلا كما يشاع، وللسفراء حصانة خاصة كونهم يمثلون الدول وقتل الرجل يوم 11 سبتمبر سيترك آلاف الدلالات السلبية للغاية لدى الشعب الأمريكي وسيستغل الجمهوريون ذلك أسوأ استغلال.
أنا لا أبالي كثيرا بالرأي العام الأمريكي لأنه يُضَلَل بسهولة، ولكن ببساطة شديدة أقول "كنا في غنى عن هذا".. وما حدث بجانب بشاعته هو جر لمعركة دون داع وبغباء مفرط.. فلا أعرف ما ذنب الولايات المتحدة كدولة أن قام بعض المواطنين فيها بتصوير هذا الفيلم مثلا؟ والأمر ليس سكوتا على تصويره أو عرضه لأن حتى ذلك لا يمر بذهن السلطات الأمريكية التي تسمح ليل نهار بتصوير أفلام إباحية تحاكي قصصا خيالية لرجال دين مسيحيين وراهبات يرتكبون الزنا دون أن يؤدي ذلك مثلا إلى خروج الجمهوريين في مسيرات لحرق المؤسسات التي قد تكون مسئولة.
سيقال نحن أشد غيرة منهم على ديننا.. وهذا قد يكون حقيقيا ولكن لعلك الآن لأول مرة تسمع عن هذه الأفلام الإباحية التي يرتدي أبطالها الصلبان بينما يفعلون ما يعرفه الجميع.. ولكن بالنواح وبالبكاء وحرق السفارات أنت تجعل العالم كله يعرف وتكسب الحادثة شهرة تثير جدلا لا ينتهي ولن ينتهي إلا بمزيد من السلبيات في رصيدنا.
والحقيقة المؤلمة هي أن النبي (ص) بل والذات الإلهية تتعرض للإهانة ليل نهار ولو منحت نفسك تكليف شرطي العقيدة فلن يغمض لك جفن وستصاب بالضغط وتشعر أن العالم كله يحاربك في دينك.. فلنغلق هذا الباب لأن الرياح لا تتوقف على الهبوب من جهته أبدا.
أخيرا ساءني كثيرا ما قرأت من البعض حول الاستهانة بدم السفير الأمريكي طالما أن هناك آلافا قتلوا في سوريا وما زالوا يقتلون. ولا أدري ما العلاقة؟ العلاقة الوحيدة هي فشل العرب في حماية ذويهم في سوريا وكذلك حماية الأجانب في ليبيا.. ولكن لا تزر وازرة وزر أخرى ناهيك عن عدم مسئولية أمريكا عما يحدث في سوريا بقدر ما هو مسئولية عربية.
إن كان رد الفعل العالمي يسيئك للغاية باعتباره غير متوازن وأكثر غضبة للدم الأمريكي منه للسوري فأنت كذلك تثيره أكثر وتكسبه مزيدا من التحيز بموقفك السلبي والمستهين بدماء ستيفنز.. "اعدلوا هو أقرب للتقوى".
الخلاصة تقول:
- ليس بحرق السفارات تستعيد حقك.
- رد الفعل العربي يضر القضية ولا ينفعها.
- خلط الأوراق واستدعاء حالة سوريا أمر مرفوض.
- علينا أن نتحمل مسئولياتنا في سوريا وليبيا ولا نحملها للآخرين ثم نلومهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق