6 مارس 2013
كثير من المعارف والأصدقاء تسابقوا في التعبير عن حزنهم لوفاة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز بعد معركة شرسة مع السرطان، أعاذنا الله وإياكم منه. وأثناء متابعتي لجمل الرثاء على الشبكات الاجتماعية تذكرت فورا رائعة "جيفارا مات" بصوت الشيخ إمام التي رثى فيها "التشي"، ولكن ذلك لم يعن بالضرورة مقارنة بين الشخصيتين اللاتينيتين.
أسر شافيز مشاعر العرب لسنوات طويلة قبل تفجر الثورات الشعبية الأخيرة، فهو من انتقل من انتقاد إسرائيل إلى قطع العلاقات معها وطرد سفيرها بسبب جرائمها في غزة وفلسطين بوجه عام. ورغم أن الرئيس البوليفي إيفو موراليس، أبرز حليف إقليمي لشافيز، أقدم على إجراء مماثل فإنه لم يحظ بنفس الصدى الذي كان لزعيم فنزويلا.
ربما لأن شافيز لم يوجه جل حديثه الإعلامي إلى تراث نبات الكوكا ومظلوميات الشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية مثلما فعل موراليس، وربما أيضا لأنه كان على رأس دولة إمكانياتها المادية تفوق بوليفيا بحكم إنتاجها النفطي قبل أي شيء.
شافيز الذي أفلت حكمه من انقلاب عسكري بشكل أكسبه مزيدا من الشعبية في بلاده، حظي في العالم العربي بدعم كبير، وصارت استضافته في أي من الفضائيات موعدا للتجمع والتحسر على القادة العرب الذين سقط بعضهم مؤخرا.
شافيز بلا شك قائد عظيم، ولكننا مرة أخرى نخفق في رؤية الصورة كاملة. صحيح أن هذا الرجل حقق تطويرا داخليا في فنزويلا، وكان شوكة في حلق الولايات المتحدة بمنطقة أمريكا اللاتينية، ولعب دورا كبيرا في التواصل مع "المغضوب عليهم" مثل إيران، وقدم منفذا لكوبا على العالم، وأحرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما وكذلك فعل بملك إسبانيا خوان كارلوس، ولكنه في المقابل ارتكب أخطاء كبيرة.
لا أعرف هل نسي البعض أم تناسوا أن شافيز اعتبر العقيد معمر القذافي "شهيدا"، وأنه حتى في أيامه الأخيرة عبر عن دعمه المطلق لنظام بشار الأسد في سوريا رغم حمامات الدماء هناك، بل إنه –داخليا- أجرى تعديلا دستوريا يسمح له بالترشح لعدد غير محدود من المرات لمقعد الرئيس، ما اعتبره كثيرون تمهيدا لبقائه في السلطة إلى الأبد.
بدى لي أن شافيز سقط في نفس فخ حزب الله في لبنان، فكلاهما قاوم إسرائيل دبلوماسيا أو عسكريا، ثم ساند نظاما قمعيا في سوريا تورط في جرائم حرب، وللأسف فإن البعض سيتجاهل أي تاريخ سابق لهما ولن يتذكر إلا الحدث القريب.
وفي الوقت الذي كان شافيز يستعد فيه لحكم فنزويلا لولاية ثالثة، كان رئيس البرازيل السابق لولا دا سيلفا يرفض دعوات بعض المغالين من المقدرين لإنجازاته لإجراء تعديل مماثل للدستور حتى يبقى في السلطة ويواصل ما بدأه.
سّلم لولا دا سيلفا السلطة في البرازيل وعاد بالفعل إلى صفوف الجماهير دون شعارات رنانة، أما شافيز فآثر استكمال "الثورة البوليفارية" والمضي في الطريق "الذي لا عودة منه" حسب تعبيره، دون أن يدرك أن القدر لم يكن ليمهله كثيرا.
لا أعني بهذه الاستدراكات أن شافيز كان سيئا فقط أولا أريد أن أنسف كافة إنجازاته أو أن أتنكر لتضامنه مع القضايا العربية والإسلامية، ولكن أحاول فقط أن أرى جوانب أخرى من الصورة فلا أقدس الرجل ولا ألعنه.
ربما آفة الميل للإنجازات وإنكار الأخطاء هي ما يعاني منه قطاع واسع من الناصريين في بلادنا، والعكس تماما صحيح.. فشيطنة عبد الناصر بالكلية والتركيز على أخطائه مع تجاهل إيجابياته هو آفة قطاع واسع أيضا من الإسلاميين.
الغاية والنهاية مما أقول هو أن التضامن مع الشعوب المظلومة والوقوف في وجه الإمبريالية الأمريكية وإنجاز بعض من العدالة الاجتماعية لا يبرر مطلقا أن تبقى في السلطة إلى الأبد أو أن تساند أنظمة قمعية أخرى لمجرد أنها تسير بجوارك في خط السياسة الخارجية.
وعليه، فإن شافيز ليس أخطاء فقط.. وليس إنجازات فقط.. بل هو كلاهما معا. ولا ينبغي مطلقا لأي منصف أن يتجاهل إنجازاته لعظم أخطائه، أو أن يرى فقط إيجابياته ويغض الطرف عن سلبياته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق