الخميس، أغسطس 01، 2013

عن سوريا


4 أكتوبر 2012

هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها عن الثورة السورية ولا أعرف لماذا تأخرت كل هذا التأخر. أريد في البداية أن أوضح أن هذه السطور ليست إلا نقلا لما قد يدور برأسي من أفكار قد تصيب وقد تخيب بلا شك وهي كالعادة مبعثرة ليس بينها رابط ينظم تسلسلها.

ملخص الوضع في سوريا بالنسبة لي: نحن أمام نظام ظالم بلا شك يقمع الحريات هو ربيب امتزاج القومية العربية بالرداء العسكري ويمثل كل ما نتج عن ذلك من ظلم سواء في مصر أو العراق أو ليبيا أو الجزائر أو اليمن. ظلم النظام أمر لا شك فيه.. وأرى أن كلا من بشار وماهر لم يفعلا أكثر من وراثة حافظ ورفعت الأسد.. فالظلم ليس وليد اليوم بالتأكيد.
الأمر تطور بالضرورة من ثورة سلمية إلى اشتباك مسلح مثلما حدث في ليبيا.. وهو أمر متوقع لعدة أسباب على رأسها الطبيعة القمعية للنظام وسجله التاريخي في القمع (حماة 1982) والآخر هو أن كل ثورة عربية تأخرت عن ركب تونس ومصر واليمن تحديدا سيُدفع فيها ثمن باهظ للغاية لأن الأنظمة أكثر استعدادا ولا تريد رؤوسها تكرار سيناريوهات الهارب والسجين والمخلوع.
القوى الإقليمية لها دور كبير آخر في المشهد السوري، فإيران للأسف تؤازر نظام الأسد بقوة ومن ورائها روسيا والصين، وعلى الجهة الأخرى انحازت تركيا والسعودية والآن مصر إلى صف الثورة ولكن ليس الدعم بهذه القوة التي تقدمها طهران وإن كنت أرى أن تقييم المساهمة التركية لا يخلو من استخفاف.
الوضع القائم يعطي صورة خاطئة أن الصراع سني شيعي، فمصر وتركيا والسعودية يؤازرون الجماهير السنية في سوريا، بينما إيران تدعم النظام الشيعي ومن ثم اندفع بعض من الإخوة السلفيين بكل حماسة لتأييد الثورة السورية أكثر من أية ثورة أخرى نظرا لهذا البعد الطائفي.
فللأسف البعض يتخيل الأمر وكأنه مذبحة شيعية بحق السنة، في حين أن أسرة الأسد ذاتها وقيادات الجيش ليست شيعية بل تنتمي للطائفة العلوية "النصيرية" وهي فرقة غامضة يعرف عنها الغلو في العقائد.
ولكن الأهم من ذلك هو موقف أسرة الأسد والنظام السوري من الإسلام بوجه عام.. هؤلاء فعلا علويون نسبا أو بالولادة ولكن الأمر لا يعنيهم في شيء! وواهم من يتخيل أن الأسد يقمع السوريين بوازع طائفي مثلا.. فانتمائه للعلويين يمكن ترجمته إلى عصبية قبلية ليس إلا.. بينما الأمر على المستوى الديني ليس كما يجري تصويره مطلقا.
"حزب البعث العربي الاشتراكي" معروف بشعاراته العلمانية ورؤيته لضرورة تنحية الدين والعقائد عن السياسة بالكلية، والأسد الأب والابن كانا يصليان خلف السنة في تلك الصلوات الاستعراضية. وطبيعة هذه النظم الشمولية عموما هي القضاء على كل الاختلافات وصهرها في بوتقة واحدة إن أمكن.. فالأسد مثلا وإن كان علويا فهو عمل على صهر العلويين ضمن السُنة.. وصدق أو لا تصدق أن بعض رموز الطائفة العلوية شكوا من تعرضهم للتمييز وتغييب طقوسهم الدينية الخاصة على مدار عقود في إطار سياسة البعث التي تهدف إلى قولبة المواطنين. فالأغلبية سُنية إذًا فليكن كل المسلمين سُنة ولو في الظاهر.. هناك أكراد وعرب ولكن العرب أغلبية والدولة لها شعارات قومية فلنطمس كل ما هو كردي.. وهذا ما فعله صدام حسين بدرجة ما أيضا.
الصراع بالتالي ليس صراعا طائفيا.. ولو فإن قمع صدام حسين مثلا للانتفاضة الشعبانية كان من وازع نصرة السنة على الشيعة.. ولكن الأمر لم يكن كذلك وإلا لماذا قتل الأكراد بالأسلحة الكيماوية رغم أنهم سُنة لا شيعة؟
بسبب هذا السياق الطائفي المغلوط أيضا وضعت ثورة البحرين في مواجهة الثورة السورية، وصار من يتبنى هذه ينبذ تلك والعكس تماما! والحقيقة أن السوريين سنة وعلويين ومسيحيين وأكرادا يعانون الأمرين من نظام الأسد.. والمثل في البحرين ذات الأغلبية الشيعية.. فالفقر منتشر في كل القرى في دولة تصرف المليارات على تنظيم سباق للفورمولا1 سنويا.
وللأسف استغلت بعض الأنظمة الملكية فكرة الطائفية لتقمع ثورة البحرين.. والحقيقة أن لو كانت الأسرة الحاكمة في البحرين شيعية وقامت عليها ثورة سنية مثلا لتدخلت السعودية لقمع تلك الثورة.. فالسعودية لم تتدخل ضد الشيعة بل ضد ثورة على نظام ملكي بسيناريو قد يتكرر على أرضها.
أعود إلى سوريا مرة أخرى.. وأقول إن تضامن إيران وحزب الله مع الأسد أعطى مصداقية للصبغة الطائفية، ومن المفهوم للغاية أن ينعدم رصيد رجل مثل حسن نصر الله لدى الشارع العربي بعد أن كان في السماء قبل ست سنوات بسبب مواقفه المخزية الأخيرة.
ولكن لا زلت على قناعة أن إيران وحزب الله لا يؤيدان نظام الأسد من منطلقات عقائدية مثلا بل بناء على مصالح سياسية واستراتيجية مباشرة.. وهذا ما ينطبق أيضا على الصين وروسيا.
نحن الآن متضامنون مع الشعب السوري ومن الواضح أن السياسة الخارجية للرئيس محمد مرسي تليق بمصر في هذا الموقف تحديدا.. ولكن ماذا عن الحديث عن تدخل عسكري وشيك؟
في رأيي هذا هراء محض.. ويؤسفني أن من عاشوا ينددون بتجربة حرب اليمن في الستينيات هم الآن يباركون فكرة التدخل العسكري في سوريا مع أن النتائج ستكون واحدة وإن اختلف السياق.
دعونا نسيطر على سيناء أولا ونعيد حقوق مواطنيها وفي الوقت ذاته نستخدم كافة القوى الناعمة من بين أيدينا لتأييد الثورة السورية.. ولندع التدخل العسكري لتركيا إن أرادت هي استعراضا للقوى.
أقول إن التدخل العسكري حتى لو كان عربيا فسيسيء للثورة بعد انتصارها، فرغم الجحيم الذي ذاقه الليبيون تحت وطأة حكم القذافي فلا تزال حتى الآن غصة أن انتصار الثورة تم بعون من الناتو وليس بجهد شعبي خالص حتى وإن بصمنا بالأصابع العشرة على أن سيناريو الجهد الشعبي الخالص كان مستحيلا في ليبيا، وقد يبدو كذلك في سوريا أيضا.
لنتخيل معا تركيا تسقط نظام الأسد عسكريا وتولي المعارضة.. فإلى سنة كم ستُلاحق الثورة السورية باتهامات من قبيل أنها جاءت على أسنة رماح العثمانيين وأن من قادوها كانوا رجعيين تخلوا عن النظام العروبي القومي وركضوا وراء سراب الخلافة القادمة من الأزمان الغابرة.. هذا ليس حقيقيا بالطبع ولكنه سيقال وسيُروَج له طويلا.
بالطبع التساؤل الآن  عن الحل الذي أملك.. وفي الواقع أنا لا أملك حلولا ولكنني موقن من وهمية بعض ما يخاله البعض مخرجا مثل التدخل العسكري، ولا أرى الآن سوى استخدام كل ما نملك من قوة ناعمة مع كل الأطراف الفاعلة في الشأن السوري بما فيها إيران.

ليست هناك تعليقات: